من هدى الإسلام مختارات من السنة الشريفة .

الشرح والإيضاح :

لقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يتسم برحابة الصدر وحسن الخلق فى معاملته لأصحابه , وقد كانوا يلتفون حوله ويحبون أن يسألونه ويتعلموا منه , ما يجهلوا من أمور دينهم من غير حرج , وقد كان صل الله عليه وسلم ـ يجيب من سأله من غير تبرم به .

والحديث يرشدنا فيه صل الله عليه وسلم ـ إلى بيان مقام الوالدين وحسن معاملتهما ,
ولكن الحديث يخص الأم بالذكر ويقدم برها على بر الأب , لمقامهما فى رعاية أبنائها ونظراً لضعفها , وتعبها فى الحمل والولادة والرضاع والتربية والأم تحتاج إلى هذه الرعاية , ثم يذكر الحديث الكلام عن بر الأب ورعايته , ويبين أن معاملته بالحسنى واجبة , ولكنها تأتى بعد معاملة الأم وحسن معاملتها .

وفى الجملة يوضح الحديث فضل الأبوين اللذين أمر الله تعالى بالإحسان إليهما بعد الإيمان به وعبادته قال تعالى :" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا"
وبر الوالدين ليس مقصوراً على حياتهما , ولكنه يكون بعد وفاتهما كذلك فقد جاء رجل من الأنصار إلى النبى صل الله عليه وسلم ـ فقال : يارسول الله هل بقى على من بر والدى من بعد موتهما شئ أبرهما به ؟ قال : نعم الصلاة عليهما , والإستغفار لهما , وإنفاذ عهدهما , وإكرام صديقهما , وصلة الرحم التى لا رحم لك من قبلهما , فهذا الذى بقى عليك " . موقع من فقه الاسلام ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الإسلام يدعوا إلى المحبة بين الناس :

الحديث الثالث عشر :

من حديث أنس رضى الله عنه ـ عن النبى صل الله عليه وسلم ـ قال :"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخارى ومسلم

ما يرشد إليه الحديث :

الدعوة إلى تحقيق المحبة بين الناس من أهم غايات الإسلام , وفى هذا الحديث نرى الرسول صل الله عليه وسام ـ يُعالج النفوس المريضة والقلوب المظلمة التى تسعى لخير نفسها , ولو على مصلحة الآخرين , ويدعوا فيه المسلم إلى التفكير فى الغير كما يفكر فى نفسه , وحتى يكون إيمان المسلم كاملا عليه إذا أراد الخير لنفسه , أن يحققه لغيره كذلك اعتقادا منه فى تحقيق النفع ودفع الضرر , عن نفسه وعن غير فلا يكون أنانيا فلا يقول : نفسى نفسى , ولكن يكون انسانيا , يحب نفسه والناس جميعا .

ويبين لنا الحديث أن الإيمان ليس كلمة تقال باللسان , ولا نؤتى ثمارها من حب الناس وعمل الخير , ولكن الإيمان الحق قول باللسان وتصديق بالجنان وقيام بالأركان , وتقديم الخير لكل إنسان فمن نقص من ذلك فهو ناقص الإيمان .
وفى الحديث إشارة إلى عناية الإسلام ببواطن الأمور , وبخافى النيات لا بالمظاهر ولا بالكلام , وفى الحديث :" يحب لأخيه " إرشاد إلى ما يجب أن تكون عليه الأخوة الإسلامية التى تفوق علاقة الجنس واللون والمصلحة . . موقع من فقه الاسلام ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من سنن الطعام :

الحديث الرابع عشر :

من حديث عمرو بن أبى سلمة رضى الله عنه قال : كنت غلاما فى حجر رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وكانت يدى تطيش فى الصحفة فقال لى رسول الله صل الله عليه وسلم :" يا غلام , سم الله , وكل بيمينك , وكل مما يليك "

لقد حرص الإسلام على تربية الأطفال والعناية بهم , وتوجيههم وتعليمهم منذ نعومة أظفارهم لينشاؤا متمسكين بالعادات الفاضلة التى تعلموها فى صغرهم .
وكان عمرو بن أبى سلمة يعيش فى رعاية رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وتحت نظره , وعندما رأى منه ما يتنافى مع الذوق العام لأدب الطعام , حيث تتحول يده فى الإناء ولا تقتصر على مكان واحد فيه , علمه من الآداب التى تحرص على النظام والنظافة , وهذه الآداب المسنونة تُذكر بالله تعالى وتعلم الشكر على نعمه , كما تعود النظام والنظافة وهما أمران لا زمان لهما فى الحياة , فإن النظام يجعله هادئا مستقيما محبوبا والنظافة تجعله سليما معافى من الأمراض .

وهذه الآداب المسنونة عند تناول الطعام ثلاثة :

1ـ التسمية قبل الأكل وهى قول " بسم الله الرحمن الرحيم "
2ـ التيمن : وهو تناول الطعام باليد اليمنى مادام الإنسان قادراً على ذلك .
3 ـ على من يتناول الطعام أن يأكل من أمامه من غير مزاحمة إلى شئ بعيد
ومن السنن أيضا : غسل اليدين قبل الأكل وبعده
وأن يقول الآكل بعد الإنتهاء من الطعام : الحمد الله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " . موقع من فقه الاسلام ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من هدى الإسلام الرفق بالحيوان :

الحديث الخامس عشر :

من حديث أبى هريرة رضى الله عنه ـ أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يمشى فاشتد عليه العطش فنزل بئر فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش , فقال : لقد بلغ هذا مثل الذى بلغ بى فملأ خفه ثم أمسكه بفيه , ثم رقى فسقى الكلب , فشكر الله له فغفر له قالوا : يارسول الله , وإن لنا فى البهائم أجراً , قال : فى كل ذات كبد رطبة أجر " رواه البخارى

معنى الكلمات :

يلهث : يخرج لسانه من شدة العطش
الثرى : التراب الندى
أمسكه بفيه : أمسكه بفمه لأنه كان يستعمل يديه فى الخروج من البئر
شكر الله له : اثابه عليه
إن لنا فى البهائم أجراً : هل لنا فى الإحسان للبهائم أجراً
كبد رطبة : المراد كبد حية سواء أكانت لبهيمة أم لإنسان ما

الإرشاد والإيضاح :

وفى الحديث لفتة إسلامية راقية يبين لنا فيه الرسول صل الله عليه وسلم ـ جزاء الإحسان للمحتاجين إليه , فإن الإحسان مهما كان صغيراً فإن ثوابه عظيم .
وإن من يحرص على تقديم الإحسان إلى الحيوان , فإنه كذلك يتعود تقديمه إلى الإنسان , وفى الحديث دعوة إلى تعاون الناس وتعاطفهم وتكافلهم .
والرسول صل الله عليه وسلم ـ يبين لنا أن الرفق بالحيوان يشمل الرفق به فى الطعام والشراب , ويبين الحديث أن الإنسان معرض دائما للحاجة , ومن ثم يجب عليه أن يستشعر موقفه عند حاجته إلى الناس , ليدفعه ذلك إلى بذل المعونة لهم وقضاء حوائجهم . . موقع من فقه الاسلام ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحديث السادس عشر :
وأحسنوا :
عن أبي يعلى شداد بن أوس رضى الله تعالى عنه  ، عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته . رواه مسلم  .
الإحسان نوعان: إحسان في عبادة الخالق ، بأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه. وهو الجد في القيام بحقوق الله على وجه النصح ، والتكميل لها. وإحسان في حقوق الخلق. وأصل الإحسان الواجب: أن تقوم بحقوقهم الواجبة ، كالقيام ببر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والإنصاف في جميع المعاملات ، بإعطاء جميع ما عليك من الحقوق ، كما أنك تأخذ مالك وافيا.

قال تعالى:" واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم " سورة النساء الآية 36 ـ فأمر بالإحسان إلى جميع هؤلاء. ويدخل في ذلك الإحسان إلى جميع نوع الإنسان ، والإحسان إلى البهائم ، حتى في الحالة التي تزهق فيها نفوسها ، ولهذا قال صل الله عليه وسلم:" ولهذا قال صل الله عليه وسلم: " فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة" . فمن استحق القتل لموجب قتل ، يضرب عنقه بالسيف ، من دون تعزير ولا تمثيل. وقوله صل الله عليه وسلم: "إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» أي: هيئة الذبح وصفته. ولهذا قال: "وليحد أحدكم شفرته" أي: سكينه: "وليرح ذبيحته" من فقه الإسلام للشيخ سامى ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحديث السابع عشر :
إماطة الأذي :

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال :" مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق , فقال : والله لأُنَحِيَنَّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة " رواه مسلم .
معاني الكلمات : ظهر طريق : وسط الطريق ـ لأنحين : لأبعدن ـ غصن الشجرة : فرع الشجرة .           ـــــــــــ ما يدعوا إليه الحديث :
1ـ المسلم يُحب الخير للناس جميعا , وهو ينظر إلى الحياة كلها نظرة الإحسان والرحمة , ويؤكد في نفسه معاني الإنسانية التي لا تفرق بين إنسان وإنسان , بل ولا بين إنسان وحيوان , وبذلك تصلح الحياة ويستقيم أمر الإنسانية في كل زمان ومكان  
2ـ والمسلم يُبعد الأذى عن الناس جميعا , وهو يجد راحة نفسه في حل مشكلاتهم وهو بذلك يُمهد لنفسه ويُخفف عنها في يوم الحساب .
3 ـ المسلم الذي ينفع الناس يُدخله الله الجنة كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله له ثوابا دون الجنة ." ـ  موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحديث الثامن عشر :
أفضل الناس :

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخاري . ومعني خيركم ـ أفضلكم وأعظمكم .
ـــــــــــــ ما يرشد إليه الحديث :
1ـ القرآن الكريم كتاب رب الكريم الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صل الله عليه وسلم ـ رحمة للعالمين وهداية للناس أجمعين قال تعالى :" كتاب أنزلنه أليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد " سورة إبراهيم الآية 1 ـ وقد جمع الله تعالى لنا فيه أصول العقيدة , ومناهج الهدي , وقواعد التشريع وقيم الأخلاق وأفعال البر والخير , ما يُصلح به حياتنا ويُرسي في الأرض دعائم الطمأنينة والسلام قال تعالى :" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجا كبيرا " سورة الإسراء الآية 9 ـ
2 ـ القرآن الكريم خير الكلام , وهو دستور الإسلام وقانونه الأول , الذي يجمع أحكامه ويبين عقائده ويُحدد شريعته , ويوجه إلى آدابه وفضائله .

3 ـ المسلم يتعلم ويُعلم القرآن الكريم , وهو يعلم أن إيمانه لا يُثمر ونفسه لا تزكوا , وروحه لا تُضئ إلا إذا كان صاحب للقرآن يتلوه ويتفهمه ويتدبر معانيه .
4ـ والمسلم يحفظ من القرآن ما تيسر منه ولهذا يقول الرسول صل الله عليه وسلم :" إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب " رواه الترمذي .
5ـ والمسلم يُحب سماع القرآن الكريم وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يُحب سماعه من غيره إلى حد أنه كان يبكي عند سماعه ؛ كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صل الله عليه وسلم :" اقرأ علىَّ " قلت : أقرأ عليك , وعليك أنزل يا رسول الله ؟ قال :" إني أشتهي أن أسمعه من غيري " قال : فقرأتُ سورة النساء حتي بلغتُ :" فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً " قال كُف أو أمسك . فرأيت عينيه تزرفان ." ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحديث التاسع عشر :
فضل تلاوة القرآن :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها , لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " رواه الترمذي . في هذا الحديث الشريف حث على تلاوة القرآن الكريم , لما لها من ثواب عظيم عند الله تعالى فالحرف بعشر حسنات , والحسنة بعشر أمثالها والله سبحانه وتعالى يحب العبد الذي يواظب على تلاوة كتابه الكريم , ويحرص على حفظه وفهمه وتدبر معانيه والعمل بما فيه ." ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحديث العشرين :
من أعمال الجاهلية :
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ". وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب رواه مسلم . أي من الوعيد
تنبيه على أن التوبة تكفر الذنب وإن عظم ، هذا مجمع عليه في الجملة ، ويكفر أيضا بالحسنات الماحية والمصائب ، ودعاء المسلمين بعضهم لبعض ، وبالشفاعة بإذن الله ، وعفو الله عمن شاء ممن لا يشرك به شيئا .وفي الحديث عن ابن عمر مرفوعا: إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان .قوله: " تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب " قال القرطبي : السربال واحد السرابيل ، وهي الثياب والقمص ، يعني أنهن يلطخن بالقطران ، فيكون لهم كالقمص ، حتى يكون اشتعال النار بأجسادهن أعظم ، ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحديث الواحد وعشرين :
من علامات الإيمان :
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه , ومن كان يؤمن بالله فليصل رحمه , ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " متفق عليه .
معاني الكلمات : اليوم الآخر : يوم القيامة ـ يصل : أي يزور ويُعطي ـ رحمه : أقاربه وأهله ـ يصمت : أي يسكت .
يرشدنا الحديث إلى أن الإيمان باليوم الآخر من أركان الإيمان عند المسلم فالمؤمن يعلم أن الله تعالى يبعثه ويحييه بعد الموت ـ وأن الله تعالى سيحاسبنا يوم القيامة على أعمالنا فمن يعمل خيرا حصد خيرا ومن يعمل شرا حصد الندامة .
ـ ولهذا كان لهذا الإيمان أثر في أعمال الناس فالمسلم يحرص على فعل الخير ومن ذلك أن يكون كريما مع ضيوفه كما ذكر الحديث ـ وكذلك يصل رحمه ويزور أقاربه ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم ـ وإذا تكلم فلا يُحدث دائما إلا بالخير والكرم النافع وإلا سكت . ." ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحديث الإثنين وعشرين :
أول من تسعر بهم النار :

أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نعبده وحده لا شريك له مخلصين له الدين قال تعالى: " وأمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " . سورة البينة :5 الآية ـ ، و الآية الكريمة تحثنا على الإخلاص ، و أنه شرط أساسي في قبول العمل الصالح , إضافة إلى شرط المتابعة للنبي صل الله عليه وسلم لقول الله تعالى: " فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يُشرك بعبادة أحد ." . الكهف:110 ـ ، وقوله سبحانه وتعالى : " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ." سورة الملك:2 الآية ـ يقول الفضيل بن عياض رحمه الله في هذه الآية: "العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه"، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبَل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: ما كان لله ، والصواب: ما كان على السنة"، حلية الأولياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ،

، وقال سعيد بن جبير رحمه الله: "لا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة". مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي . يقول حافظ حكمي رحمه الله:
شرط قبـول السعي أن يجتمعا * فيــه إصابة وإخلاص معاً
لله رب العرش لا ســـواه * موافق الشرع الذي ارتضاه
وكل ما خالف للوحيين فإنه رد بغير مين * وكل ما فيه الخلاف نصبا
فرده إليهما قد وجبا * فالدين إنما أتى بالنقل * ليس بالأوهام وحدس العقل
معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد حكمي .

ويقول ابن القيم رحمه الله: "العمل بغير إخلاص ولا اقتداء؛ كالمسافر يملأ جرابه رملاً، ينقله ولا ينفعه" الفوائد لابن القيم ، ولذلك فقد جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة للتحذير من أي عمل فقد الإخلاص.ونحب في هذا المقال أن نشير إلى حديث جليل يبين فيه النبي صل الله عليه وسلم حال ثلاثة أصناف من الناس عملوا أعمالاً ظاهرها الصلاح , لكنها فقدت شرطاً مهماً هو الإخلاص لله تعالى فيها , فاستحقوا بذلك أن يكونوا أول من تسعر بهم النار , فعن سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة فقال له ناتل . هو ناتل بن قيس الحزامي الشامي من أهل فلسطين ، وهو تابعي ، وكان أبوه صحابياً وكان ناتل كبير قومه. أهل الشام:

أيها الشيخ حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم ، قال: نعم سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد ، فأُتى به ، فعرَّفه نعمه فعرفها ، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال: كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلَّمه ، وقرأ القرآن ، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها ، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.ورجل وسَّع الله عليه ، وأعطاه من أصناف المال كله ، فأُتى به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار " رواه مسلم.

وأخرج الإمام الترمذي في سننه بسنده عن عقبة بن مسلم أن شفيا الأصبحي حدثه: أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة رضي الله عنه ، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا قلت له: أنشدك بحق وبحق لما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم عقلته وعلمته ، فقال أبو هريرة رضي الله عنه : افعل ، لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صل الله عليه وسلم عقلته وعلمته ، ثم نشغ أبو هريرة رضي الله عنه ـ نشغة فمكثنا قليلاً ثم أفاق، فقال: لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صل الله عليه وسلم في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة رضي الله عنه ـ نشغة شديدة ، ثم أفاق ومسح وجهه ، وقال: أفعل ، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صل الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ، ثم مال خاراً على وجهه ، فأسندته طويلاً ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صل الله عليه وسلم: " أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية ، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال ،

، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل، وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت ، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال إن فلاناً قارئ فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب ، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم ، وأتصدق ، فيقول الله له: كذبت ، وتقول له الملائكة: كذبت ، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك ، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقول الله له: فيما ذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله تعالى له: كذبت ، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك" ثم ضرب رسول الله صل الله عليه وسلم على ركبتي فقال يا أبا هريرة رضي الله عنه : " أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة " ،