العقيدة الإسلامية كما يصورها القرآن الكريم والسنة الشريفة المطهرة ( مباحث ومفاهيم )

العقيدة الإسلامية كما يصورها القرآن الكريم والسنة الشريفة المطهرة

"مباحث ومفاهيم "


عاش المسلمون الأوائل على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم : إيمانهم بالله تعالى
ورسوله صل الله عليه وسلم قبل يرسموه نظرية , أو يسطروه فى كتاب .
والذى حملهم على ذلك أنهم تلقوا إيمانهم , بالله ورسوله من كتاب الله وسنة رسوله صل الله عليه وسلم , ونهلوامن النبع الصافى ما ارتوت به قلوبهم , وإطمأنت إليه عقولهم ولم يكن الإيمان عندهم مجرد كلمات خاوية , يرددها اللسان أو مجرد علم يرد على القلب أو الخاطر بل كان يقينا , يمتلئ به القلب علما وعملا وحبا وذلا وتوكلا عليه وخوفا منه ورجاء فيه , وشهادة ينطق بها اللسان صدقا وتصديقا , وعبادة تتحرك بها الجوارح شهادة صدق أن ما وقر فى القلب , وصق به اللسان هو الإيمان ." وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (1)

الإيمان الحق

الإيمان الحق _ عقيدة _ عبادة _ أخلاق

والإنسان الذى تتكون شخصيته من هذه العناصر , الفاضلة هو الإنسان الصالح الذى يسعد به المجتمع ويؤدى دوره ورسالته فى الحياة كما أراد منه ربه سبحانه وتعالى
قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن
يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " الآية 56_ 57_ 58_
وأما من ينحرف عن دينه ويجهل هذه المقومات من _العقيدة _ والعبادة _ والأخلاق
فهو خطر على نفسه وعلى المجتمع وهو عنصر هدام , والإنسان عندما يخلوا بنيانه الروحى من العقيدة الدافعة والمثل الموجهة , والضوابط الخلقية يسهل عليه الخيانة فى كل عهد الإنحراف عن كل خير .
والإيمان الصحيح تلاشى بين أهل الافراط وأتباع التفريط , إنه افراط المغالين
الذين غالوا فكفروا الناس لمجرد الخطأ فى الرأى أو الوقوع فى المعصية
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (2)

ومن هؤلاء الخوارج نبذة مختصرة عن وصفهم وسلوكهم

والخوارج فرقة من الفرق الضالة الخارجة, عن عقيدة أهل السنة والجماعة
وهى نوعان : الاولى : خارجية اعتقادية تظهر فى المسارعة إلى التكفير , غير العلمى إلى غير ذلك من أخلاق الخوارج.
والثانية : خارجية عملية تظهر فى سلوكهم بعدم وصول أنوار القرآن والإيمان إلى
القلب كما تظهر فى حداثة العقل , حتى لو كان صاحب هذا الفكر الشاذ ابن ستون سنة , وتظهر فى سفاهة العقول فلا حلم ولا رزانة ولا رصانة نأخذ ذلك من الحديث الصحيح " يظهر فى آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام , قولهم من قول خير البرية يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية إيمانهم لا يجاوز حناجرهم " والإسلام يخشى على أتباعه من هؤلاء وأولئك سواء كانت خارجية إعتقادية أو خارجية عملية , ونحن نربى أبنائنا وإخواننا على عقيدة أهل السنة والجماعة , ونأصل فى عقولهم وقلوبهم الفكر الصحيح الراشد ونراقب سلوكهم
بعيدا عن هذا الإنحراف من هذا وذاك "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (3)

ليس الإيمان بالتمنى

وكما نحذر من الافراط كذلك نحذر من التفريط , ويتمثل التفريط فى اولئك الذين أسرفوا على أنفسهم , وقالوا حسبنا مافى قلوبنا وعبدوا الجوارح للشهوات وقالوا لايضر مع الإيمان ذنب كما لاينفع مع الكفر طاعة , ومنهم من قال برفع التكاليف الشرعية وارتكاب المحرمات والموبقات وفسروا القرآن بالهوى والرأى فقالوا فى قوله تعالى " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " على خلاف الحق والتفسير الصحيح واليقين عندهم منزلة إذا بلغها الواحد منهم قالوا بسقوط التكاليف عنه والتفسير الصحيح كما جاء" واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "أى استمر فى عبادة ربك مدة
حياتك حتى يأتيك اليقين وهو الموت , وامتثل رسول الله صل الله عليه وسلم أمر ربه
فلم يزل دائبا فى عبادة الله , حتى أتاه اليقين من ربه واليقين هو ( الموت )
فلا تأخذ عن هؤلاء ولا أولئك من أهل الغلو أو أهل التفريط " وفى الأثر عن الحسن البصرى رحمه قال : ليس الإيمان بالتمنى ولا بالتحلى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل , وإن قوما غرتهم الأمانى و قالوا نحسن الظن بالله وخرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (4)

حقيقة الإيمان وكذب الإدعاء

إن الجزاء على الإيمان والعمل معا لأن الدين إيمان وعمل , ومن الغرور أن يظن المنتمى إلى دين نبى من الأنبياء , أن ينجوا من الخلود فى النار بمجرد الإنتماء الشكلى
والشاهد على ذلك ما حكاه لنا القرآن الكريم عن بنى اسرائيل من غرور بدينهم وما رد به عليهم حتى لا نتبع سننهم ونقع فيما وقعوا فيه وهو قوله تعالى " وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لاتعلمون "
سورة البقرة الإية 80_ والمعنى أن بنى اسرائيل قالوا , لن تصيبنا فى الآخرة إلا أياما قليلة العدد , قل لهم يامحمد مبطلا دعوهم _ أعندكم عهد من الله بهذا فإن الله لا يخلف عهده ؟ بل إنكم تقولون على الله ما لاتعلمون بافترائكم الكذب , فحكم الله ثابت أن من ارتكب الأثام حتى جرته إلى الكفر واستولت عليه ذنوبه , من جميع جوانبه , فهؤلاء يلازمون نار جهنم ملازمة دائمة لاتنقطع , وهذا الإعتقاد الفاسد هو الذى أدى بهم إلى جرأتهم على الله واستهانتهم بدينه , واستمرارهم على دينهم الباطل الذى خدعوا به أنفسهم " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (5)

حقيقة الإيمان

إن شرط الإيمان هو الإذعان النفسى لكل ما جاء به الرسول صل الله عليه وسلم الذى يلزم به العمل عند انتفاء المانع وما أخذه قوله تعالى " وإذ أخذنا ميثاق بنى اسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا إلخ الآية 83_ سورة البقرة فمن ترك بعض العمل بجهالة فهو فاسق إلى أن يتوب , ومن تركه لعدم الإذعان له وعدم الرضى به
جحودا وعنادا واستكبارا كان كافرا به , والكفر بالبعض كا لكفر بالكل والشاهد عليه قوله تعالى " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض " سورة البقرة الآية 85_
وليس هذا من الكفر العملى الذى لايخرج صاحبه عن المله , الى استشهدله بحديث "
لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن إلخ الحديث " كما قال بعض العلماء لأن هذا النوع هو من عمل الأفراد الذين تغلبهم داعية طبيعية على الشهوة والغضب , وما نحن فيه عبارة عن عدم العمل بالشرع , الإلهى لعدم الإذعان له كا استباحة قتل فريق من الأمة ونفى فريق آخر , من وطنه بمحض اتباع الهوى والطمع فى عرض الدنيا لا بجهالة عارضة يغلب فيها الفرد , على أمره ثم يثوب إلى رشده فيتوب إلى ربه " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم _ ( 6)

الإيمان فى القرآن والسنة

قال الله تعالى " ومن الناس من يقول أمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين
يخادعون الله والذين أمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون " سورة البقرة
الآية_8_ 9- والمعنى ومن الناس فريق يتردد متحيرا بين , المؤمنين والكافرين
وهم المنافقون الذين يقولون بألسنتهم : صدقنا بالله وباليوم الآخر , وهم فى باطنهم
كاذبون لم يؤمنوا , فهم يعتقدون بجهلهم أنهم يخادعون الله والذين أمنوا بإظهلرهم الإيمان وإضمارهم الكفر , وما يخدعون إلا أنفسهم , لأن عاقبة خداعهم تعود عليهم
ومن فرط جهلهم لا يُحسون بذلك لفساد قلوبهم .
وقال تعالى " ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على مافى قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد " سورة البقرة الآية 204_ 205_ 206_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (7)

فى ظلال آية

والآية تتحدث عن افساد الحكام الظالمين فى الأرض و استكبارهم عن قبول النصيحة يقول الله تعالى فى ذلك " ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد " والمعنى _ أن بعض الناس من المنافقين قد يعجبك قوله_ يامحمد _ بكلامه الفصيح الذى ما تحدث به إلا ليريد حظا من حظوظ الدنيا لا الآخرة , وهو مع ذلك يحلف مستشهدا بالله على مافى قلبه من محبة الإسلام , وفى هذا غاية من الجرأة على الله , وهو شديد العداوة والخصومة للإسلام والمسلمين , وإذا خرج من عندك_ يا محمد _ جَد ونشط فى الأرض ليفسد فيها , ويتلف زروع الناس ويقتل ما شيتهم , بل تعدى ذلك قتلهم أنفسهم , والله لايحب الفساد , وإذا قدمت النصيحة لهذا المنافق المفسد وأمثاله وقيل له اتق الله واحذر عقابه , وكف عن الفساد فى الأرض , لم يقبل النصيحة , بل يحمله الكبر وحمية الجاهلية على مزيد من الآثام , فحسبه جهنم وكافيته عذابا , ولبئس الفراش هى ,"
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (

الإيمان من أخطر القضايا

أو صاف الدين وحقائقه

ومن أخطر القضايا _ التى تتخذ مكان الصدارة بين ما جاءت به الأديان , ( حقيقة الإيمان ) وهى ركيزة العلاقات الإنسانية العامة والخاصة , وفيما بين الإنسان وخالقه سبحانه وتعالى .
ولعظم أمرها شاءت حكمة الله أن يجليها, ويوضحها وبأسلوب فريد فى حوار بين أمين وحى السماء جبريل عليه السلام , وخاتم النبين وامام المرسلين محمد صل الله عليه وسلم وذلك عندما جاء فى صورة أعرابى ليعلم الصحابة أمور دينهم
كما فى حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه: قال بينما نحن جلوس عند النبى صل الله عليه وسلم – إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر , لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد , فجلس إلى رسول الله صل الله عليه وسلم , وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه , وقال يا محمد _ أخبرنى ما الإسلام ؟ قال النبى صل الله عليه وسلم " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله , وتقيم الصلاة , وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه"
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (9)

أوصاف الدين وحقائقه

, قال فأخبرنى عن الإيمان ؟ قال النبى صل الله عليه وسلم " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرنى عن الإحسان ؟ قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فإخبرن عن الساعة ؟ قال النبى صل الله عليه وسلم مالمسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أمارتها قال أن تلد الأمة ربتها .
وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاه يتطاولون فى البنيان ثم انطلق فلبث مليا فقال النبى صل الله عليه وسلم " أتدرون من السائل قلنا الله ورسوله أعلم قال إنه جبريل آتاكم يعلمكم أمور دينكم " رواه البخارى
والحديث يبين لنا أن هذه الأوصاف التى نقلها لنا الرسول صل الله عليه وسلم من خلال النقاش الهادف بينه وبين أمين الوحى جبريل أنها أوصاف لحقيقة واحدة
وعندما تنظر إليها من عدة جهات لا تعنى أنها مختلفة ولكنها أوصاف متحدة ومتعاونة فى تحديد حقيقة الدين وبيان معالمه "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (10)

شرح موضوعى لحديث جبريل

إن الدين الذى جاء به أمين الوحى, جبريل عليه السلام من عند الله ,إلى محمد صل
الله عليه وسلم" لتوضيحه هو الإسلام إذا نظرنا إلى السلوك, والعمل البين الظاهر
وهو الإيمان إن نظرنا إلى اليقين الباعث,على العقيدة الدافعة والمثل الموجهة
هو الإحسان إن نظرنا إلى كمال الأداء والوفاء , على الغاية عند اقتران الإيمان الواضح والعمل الصالح .
والحديث الذى بين أيدينا يشرح لنا الحقيقة الصحيحة للدين , لأن الإيمان إذا صح لابد
وأن ينتج العمل , والعمل إذا صح لابد وأن يرتكز على الإيمان , والإحسان إذا صح
لا ينشأ إلا عن إيمان راسخ وعمل كامل .
والبعض قد فهم الحديث فهما مغلوطا فهو يظن أن كلمات , الإسلام والإيمان والإحسان مراتب يسلم بعضها إلى البعض الآخر , وأن بينها فواصل وفجوات
وأن كل مرتبة قد تغنى عن الأخرى , أى أن الإسلام قد ينفك عن الإيمان , وأن
الإيمان قد ينفك عن الإسلام . "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (11)

شرح حديث جبريل

وهناك ناس فى عصرنا هذا من يظن, أن الإحسان منزلة يمكن التوصل إليها بغير الفروض المشروعة والعقائد المقررة .
وهناك من يظن أن العبادة مفروضة عليه, حتى يبلغ اليقين أو يشهد الحقيقة كما يدعى ذلك من ينتسبون إلى التصوف الفلسفى , والتصوف الحقيقى منهم برئ فعندهم
كما يقولون أن المتبع لهم إذا شهد الحقيقة , سقط عنه التكليف والعبادة بعد ذلك
ومن الأسف أنهم لم يعرفوا معنى اليقين " كما جاء فى الآية الكريمة قال تعالى " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " وفى التفسير اليقين هو الموت وقد مر تفسير الآية
وإن هؤلاء المنحرفين لا يحتاجون إلى كثير رد , فهم بقولهم هذا قد ارتدوا عن الإسلام , إنهم يقولون بسقوط التكليف ... ليمتنع عن الصلاة وليقارف المحرمات
وبذلك أصبحت عندهم الكلمات الثلاث, ترمز إلى حقائق شتى لا إلى دين الله الواحد وهذا شرود وضلال بعيد ."
وصل الله على سيددنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 12)

شرح حديث جبريل

والذى يقرأ القرآن الكريم بفهم وتدبر يجد أن ألفاظه تهدى إلى تلازم هذه المعانى
وتساوقها فى بيان حقيقة الدين من الألف إلى الياء .
وأما تلون العبارات إنما يشير إلى الوجوه الوضاءة , لهذه الحقيقة الواحدة
إن هناك عشرات الآيات التى تصف هذا الدين وتشرح تعاليمه ذاكرة فى تضعيف هذا الوصف كلمات الإسلام , والإيمان , والإحسان لتكون هذه الكلمات منارا يهدى
ويضئ الطريق وحاديا يسوق إلى الهدف والغاية .
قال الله عز وجل " يصف المؤمنين فى صدر سورة النمل _ هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون " وقال تعالى " يصف المحسنين فى صدر سورة لقمان " تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين
الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون " فاتحدت الصفات للنوعين معا ومما لايخفى على كل ذى عقل أن اقام الصلاة وايتاء الزكاة أهم عناصر
الإسلام التى ذكرت فى الحديث ."
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (13)

حقائق قرأنية فى معنى الإيمان

وإذا كانت هذه الآيات قد تناولت الظاهر من جوهر الدين فإن الآيات الأخرى قد تناولت الحقيقة تناولا , يصف جذرها الأصيل قال تعالى " إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله أولئك هم الصادقون " سورة الحجرات الآية 15_
وقوله تعالى " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته
زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " سورة الأنفال الآية 2_ 3_
وقال تعالى " يا أيها الذين أمنوا أمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله
والكتاب الذى أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
فقد ضل ضلالا بعيدا " سورة النساء الآية 136_
إن المتأمل فى هذه الآيات يرى أن متعلقات الإيمان كثيرة , لا يجوز أبدا أن ينفك أحدهما عن الآخر لأن الإيمان بالبعض والكفر بالبعض الآخر , كفر كامل وكذلك الإيمان المقرون بنية التمرد ورفض الخضوع لله كفر كامل قال تعالى " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " سورة النور الآية 51_ والقرآن الكريم ينفى الإيمان عمن لا يرضى بأحكام الله رضا يزيل الحرج عن صدره , ويملأ قلبه بالطمأنية واليقين قال تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " سورة النساء الآية 65_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (14)

ماهو الإيمان ؟

مما سبق نعلم أن حقيقة الدين واحدة , وأن أوصاف الإسلام والإيمان والإحسان
كما ذكر الحديث وهى شروح لوجوه شتى منه , وليست مراحل مغايرة له أو بعيدة
عنه وإن كان العنوان الذى شاع علما , على هذا الدين بل صفة للأديان كلها وسمة
الفطرة الإنسانية السليمة وهو الإسلام .
والإيمان معناه : هو معرفة بلغت حد اليقين أو هو علم يصحبه الجزم والقطع
فإذا قلت أنا أومن بوجود القاهرة مثلا فمعنى ذلك أمران .
أحدهما عقلى : وهو أنك تعرف وجود هذا البلد والأمر الآخر قلبى وهو أن علمك
لاريبة فيه ولا تردد بل مقرون بالتصديق التام بالإيمان بالله , جل شأنه _ ينطوى على الأمرين جميعا النظرى والنفسى _ فإذا قلت أنا أومن بالله فمعنى ذلك أنك تعرفه
وأن معرفتك له لا تلتبس بشك أو تردد , بل إن فؤادك ملئ بالتصديق لقضية هذا
الوجود الأعلى . "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (15)

بحث فى حقيقة الإيمان

وعامة الناس يفهمون الإيمان على أنه مجرد الإستسلام ,التقليدى الذى لم يأخذ من النفس إلا ما أخذ اللفظ من اللسان وليس له أثر , فى الأفعال لأنه لم يقع تحت نظر العقل ولم يلحظه وجدان القلب بل أغلقت , عليه خزانة الوهم ومثل هذا الفهم الردئ يسمونه إيمانا فى إعداد القلب للاهتداء بالقرآن الكريم ,ولقد كان من فضل الله علينا
أن بين لنا سبحانه مقايس للايمان فى كتابه , الكريم والصور الايمانية فى هذا الكتاب
الخالد لا تكاد تحصى وكان من فضل الله تعالى أيضا , أن الرسول صل الله عليه وسلم بكلامه وفعله وسيرته يحقق لنا مثلا أعلى للايمان كما أراد الله ورسوله صل الله عليه وسلم .
ونريد بتوفيق الله _ فى حديثنا عن الايمان أن نتخذ الأساس القرآن الكريم , والأحاديث الصحيحة وقد ذكرنا بعض الآيات القرآنية , فيما سبق وأما الأحاديث النبوية من حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم
قال : الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها
إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " متفق عليه
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (16)

بحث فى معنى الإيمان

ولقد بين لنا السادة العلماء والمحققون _ الذين أخلصوا لله ورسوله تلك الشعب عن طريق الأحاديث الشريفة التى وضحت وضحت لنا معنى الايمان , وكذلك عن طريق الآيات الكريمة والتى تحدثت عن الإيمان , ولقد قاموا بتقسيم تلك الشعب
منها ما يختص بالقلب , وما يختص باللسان , وما يختص بالبدن أى أن الايمان الاسلامى بهذا المعنى الواسع يغمر الكيان الانسانى كله , اعتقادا وقولا وفعلا
ومن الأحاديث الشريفة عنه صل الله عليه وسلم يبين لنا " أن الحب فى الله والبغض فى الله من الايمان " رواه البخارى .
وأيضا عنه صل الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "
وعنه صل الله عليه وسلم " لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخارى وقوله عليه الصلاة والسلام " وأن الذى يؤذى جاره ليس بمؤمن " الشيخان
وقوله صلوات الله عليه وسلامه " وليس بمؤمن من بات شبعان وجاره جائع "
وقوله عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم " وأن الجهاد من الإيمان "
ويقول صل الله عليه وسلم " انتدب الله لمن خرج فى سبيله لايخرجه إلا إيمان بى وتصديق برسلى أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة ولولا أن أشق
على أمتى ما قعدت خلف سرية ولوددت أنى أقتل فى سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا
ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل " رواه البخارى
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 17)

مبحث فى الإيمان

ومن هذه الأحاديث عن مفهوم الإيمان الصحيح يبين أيضا لنا فيها رسول الله صل الله عليه وسلم " أن قيام ليلة القدر من الإيمان " رواه البخارى
وعنه صل الله عليه وسلم " والانصاف من النفس من الايمان " رواه البخارى
ومنه قوله عليه الصلاة وأتم التسليم " وبذل السلام للعالم من الإيمان " البخارى
وقوله صل الله صل الله عليه وسلم " والانفاق من الاقتار من الايمان " رواه البخارى
والاقتار معناه _ منع حق الله _ أو التقصير عما أمر الله به فى النفقة والمفهوم من هذالحديث أن الإسراف الزائد فى النفقات وفيما لايفيد هو من أسباب عدم اعطاء ذوى الحقوق حقوقهم وهو من حق الله ولهذا قال تعالى " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا

ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " سورة الفرقان الآية 67_
ويبين لنا صل الله عليه وسلم " أن تطوع قيام رمضان من الإيمان " رواه البخارى
وعنه صل الله عليه وسلم " وأن صوم رمضان إيمانا واحتسابا من الإيمان "
وبيانه لنا صل الله عليه وسلم " أن الصلاة من الإيمان " بل لقد عبر القرآن الكريم عنها بالايمان فى قوله تعالى " وما كان الله ليضيع إيمانكم " سورة البقرة الآية 143
وقد نزلت هذه الآية الكريمة تطمين لقلوب المسلمين وتثبيت لايمانهم , حيث كان المسلمون الأوئل يصلون إلى بيت المقدس , ثم أمرو بالتحول إلى الكعبة المشرفة
وقد مات بعضهم على صلاته إلى بيت المقدس فقال بعضهم " ما بال اخواننا الذين صلوا إلى بيت المقدس فقال الله _ وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم " سورة البقرة الآية 143_ يعنى صلاتكم
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (18)

مبحث فى الإيمان

هذا هو الإيمان الحق بمفهومه الواسع والشامل فلم يترك لنا الاسلام من خلال توجيهاته فى القرآن والسنة الشريفة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها , ويتغلغل الإيمان فى الحياة
الإجتماعية حتى يصل بالمسلم إلى السهل والميسور من أمرها ونهيها فيبين عليه الصلاة والسلام " أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة " ويبين عليه الصلاة والسلام " أن إفشاء السلام تعارفا وتودودا من الإيمان "
وإذا تغلغل الإيمان فى النفس وجد المؤمن حلاوة الإيمان وهو لا ينعم بحلاوة الإيمان إلا إذا كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وأن يحب المرء لايحبه إلا لله وأن يكره أن يعود فى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف فى النار " البخارى
وأساس الإيمان وأركانه على كل حال هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خير وشره وحلوه ومره .
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 19)

بين حقائق الإيمان والواقع

إن الإيمان الصحيح بالله جل وعلا هو روح ,التصديق المقبول العملى والواقعى فى الحياة ولقد امتلأ القرآن الكريم بالآيات التى تعرف العباد بربهم وخالقهم تعريفا ينفى عن أذهانهم كل صور الضلال والإنحراف , ويقر الحق فى نصابه ومن ذلك ما جاء
فى هذه الآية الكريمة آية الكرسى قال تعالى " الله لا إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه
سنة ولانوم له مافى السموات والأرض من الذى يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم " سورة البقرة
وهذه الآية الكريمة تسمى آية الكرسى وقد وضحت لنا السنة الشريفة فضلها ومكانتها
وهى تتكون من عشر جمل متصلة المعنى وتتحدث عن ذات الله وصفاته , وليس فى الوجود أحد يتجاوز مرتبة العبودية لله العلى الأعلى , فكل ما عدا الله عبد له وهو سبحانه وتعالى وحده المتفرد بالألوهية فى السموات والأرض "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 20)

بين الإيمان وتصحيح بعض المفاهيم

إن الضلال الشائع منذ بعث الله تعالى الرسل وبعث الرسالات إلى اليوم من إتخاذ بعض البشر الطيبين آلهة مع الله , بحجة انهم , يتحدثون عنه أو إنبثقوا منه أو أنه حال فيهم , وقد حارب الإسلام هذه الضلالات حربا شديدا وأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن البشر مستحيل , أن يرتفعوا إلى مصاف الألهة وأن الله العلى الكبير لا يمكن أن يهبط إلى منازل البشر , إنه الإله الذى خلق غيره ومنحه الحياة وقام على أمره من المهد إلى اللحد , قال تعالى " وإتخذوا من دونه ألهة لايخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا " سورة الفرقان الآية 3_
والرسول صل الله عليه وسلم وهو, قمة البشرية عندما يدعوا ربه , يؤكد هذه الحقيقة
" اللهم إنى عبدك وإبن أمتك وفى قبضتك ناصيتى بيدك , ماض فى حكمك عدل فى قضاؤك " اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (21)

بين الإيمان وتصحيح المفاهيم

إن القاعدة الأساسية فى الإسلام أنه لا شفاعة لمشرك ولا ملحد , وأنه لا حق لنبى مرسل ولا لملك مقرب يذهب به إلى الله , ليقول له اعف عن فلان أو اترك فلان
وأن القاعدة العامة فى النجاة أمام الله تعالى هو الإيمان والعمل الصالح ولذلك يقول تعالى " يا أيها الذين أمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لابيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون " سورة البقرة 254_
وقد يقع لمن ينجون بأعمالهم شئ من الفضل , ترتفع به درجاتهم فوق ما يستحقون
أو يقع لمن قاربوا ولم يصلوا شئ من العفو ينجون به ولا يرسبون ويجعل الله سبحانه وتعالى السبب الظاهر فى ذلك شفاعة المرسلين , أو الصالحين وهى شفاعة لاترجع إلى أن هؤلاء المرسلين أو الصالحين يجيرون على الله , أو ينقذون منه من يريد عقوبته كلا فما يجرؤ ملك ولا نبى أو ولى على أن يقف من الله هذا الموقف إنهم
لا يشفعون إل بإذنه ولا يشفعون إلا لمن ارتضى"
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (22)

بين الإيمان وتصحيح المفاهيم

قال تعالى " لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إنى إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين " سورة الأنبياء الآية 27_ 28_ 29_
وربما قال قائل أو سأل سائل ولماذا هذه الشفاعة وما قيمتها , والجواب أن الشفاعة
لا تعدو إلا لونا من إكرام الله تعالى فى الدار الآخرة لمن أهينوا , بسببه فى الدنيا
فيريد الله أن يمنحهم من تكريمه ويصلح بالهم , ويعلى قدرهم وأن يشعر عباده بما لهم عنده من مثوبة ومنزلة وأن يطوى قلوب المقصرين , والمتأخرين على محبتهم
واعزازهم لما سيق لهم من فضل على أيديهم .
والشفاعة المذكورة لاتقدم ولا تؤخر , ولا تهدم ولا تعطل قواعد العدل وموازين الحساب و لايحتاج إليها سابق بالخيرات , ولا ينتفع بها من ضل وأضل عن الهدى والحق " قال تعالى " إن الذين كفروا لو أن لهم مافى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم " سورة المائدة لآية 36_ 37_ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (23)

العقيدة الصحيحة بين الإسلام والنصرانية

مما سبق يتبين لنا أن الإعتقاد الشريف الصحيح فى الله المنزه عن كل عيب المستحق لكل كمال هو أساس الدين الحق , وأن وراء المادة وجودا أعلى يجب اليقين فيه والإستمداد من حقائقه , والله سبحانه وتعالى لم يدع الخلق فى شك منه دون عناية ورعاية وهداية بل تعاهدهم بالوحى الأعلى الذى ينير لهم الطريق , ويعرفهم المبتدأ والمنتهى قال تعالى " قالت رسلهم أفى الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى " سورة إبراهيم الآية 10_
والوحى ليس مجرد حديث نفس , ولا إرتقاء فكر إنما هى تعاليم حملها ملك وتضمنتها كتب اصطفى الله تعالى لها بشر قال تعالى " قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد أباؤنا فأتونا بسلطان مبين , قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " سورة إبراهيم الآية 10 _ 11_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (24)