العقيدة الإسلامية كما يصورها القرآن الكريم والسنة الشريفة المطهرة ( مباحث ومفاهيم )

من علامات الساعة

لكع ابن لكع

من حديث حذيفة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :" لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع " رواه الترمذى هذا الحديث الشريف يشير لنا إلى تبدل القيم الإجتماعية , وإلى إنقلاب خطير يحدث فى مستقبل المجتمعات التى تنتسب للاسلام , حيث يتسيد الأراذل , ويستنسر البغاث , ولا رادع ولا قامع من قانون ولا مانع من حياء ولا شرع , وتنقلب الموازين , ولا مكان للدعاة والمصلحين , ولا للعلماء ولا الصالحين , و لا للأمناء والأتقياء ولا لذوى الخبرة والكفاءة فقد وسد الأمر لغير أهله , حيث تهميش الخيرة من أبناء الأمة الإسلامية , ويقضى عليهم بالسجن والنفى , والتعذيب والتنكيل , وتحديد الاقامة , وينعم فى خيراتها , ويعبث بخزائنها الأرذلون وفى ذلك يقول القائل _ تموت الأُسْد فى الغابات جوعا _ ولحم الضأن يرمى للكلاب " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (14)

الدنيا كلها

ذكر صاحب مقامات العلماء _ أن الدنيا كلها مقسومة إلى خمسة وعشرين قسما , خمسة بالقضاء والقدر , وخمسة بالإجتهاد , وخمسة بالعادة , وخمسة بالجوهر , وخمسة بالوراثة _ فأما الخمسة التى بالقضاء والقدر فالرزق والولد والأهل والسلطان والعمر _ والخمسة التى بالإجتهاد , فالجنة والنار , والعفة والفروسية , والكتابة , والخمسة التى بالعادة _ فالأكل والنوم والمشى والنكاح والتغوط , والخمسة التى بالجوهر _ فالزهد والذكاء والبذل والجمال الهيبة والخمسة التى بالوراثة _ فالخير والتواصل , والسخاء والصدق والأمانة " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (15)

مباحث ومفاهيم حول ( آية ومعنى حديث )

يقول الله تعالى :" ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون " سورة الأعراف الآية 180ـ
وفى الآية الكريمة بيان أن لله الأسماء الحسنى , الدالة على كمال عظمته وكل أسمائه حسنى وأسمائه سبحانه وتعالى ليست محصورة فى تلك الأسماء التى وردت فى الحديث الشريف من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال : أن رسول الله صل الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها وإن الله تعالى وتر يحب الوتر " دخل الجنة " كما فى الصحيحين هذا الحديث ليس المقصود به أن الله تعالى ليس له من الأسماء سواها , بل المقصود أن الله تعالى له أسماء حسنى من بينها تلك الأسماء التسع والتسعون التى لها فضل ومزية . ( 16)

ومايدل على عدم الحصر ما رواه البيهقى عن ابن مسعود رضى الله عنه قال عنه صل الله عليه وسلم _ من أصابه هم أو حزن فليقل : " اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك نا صيتى فى يدك ماض فى حكمك عدل فى قضاؤك , إن أسألك بكل اسم هولك سميت به نفسك , أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحدا من خلقك أواستأثرت به فى علم الغيب عندك " وهذا الحديث صريح فى عدم الحصر ويقول الإمام النووى اتفق العلماء على ذلك , وأن المقصود من الحديث الإخبار بأن الأسماء التسعة وتسعين من أحصاها دخل الجنة وهو لا ينفى أن له سبحانه أسماء غيرها " روح المعانى للعلامة الألوسى رحمه الله .( 17)

, ومن فضلها أن من أمن بها واعتقد معانيها
بلا شك يكون من أهل الجنة , فادعوا الله تعالى واطلبوا منه بأسمائه التسعة وتسعين
ويجوز أن ندعوا الله تعالى بما سوى ذلك , مما ذكره القرآن الكريم وما ذكرته السنة الصحيحة وأجمع عليه علماء الأمة الإسلامية , وأما ما لم يرد إطلاقه على الله ولم يتبين لنا وحيا عن رسوله صل الله عليه وسلم ـ فلا يجوز إطلاقه على الله سبحانه وتعالى , فعقيدة أهل السنة والجماعة , أنه يجوز أن نطلق على الله تعالى ما أطلقه على نفسه , وما لم يطلقه على نفسه لايجوز إطلاقه وقوله :" وذروا الذين يلحدون فى أسمائه أى اتركوا الذين يغيرون فى أسمائه , بالزيادة أو النقص أوالتحريف . ( 18)

وكأن يسمى بها من لايستحقها كتسمية المشركين بها ألهتهم , أو أن يطلق عليها معنى على غير مراد الله ورسوله , ولنضرب مثلا من القرآن الكريم مما يدل على أنه يجوز للمسلم إطلاقه فى ضمن أسماء الله الحسنى قوله تعالى :" الله نور السموات والأرض " سورة النور الآية 35ـ والنور معناه الهادى إلى الإيمان , لكن المؤمن إذا سمى الله تعالى بهذا الإسم ودعاه به , لايقصد بأن الله تعالى ضوء كالشمس والقمر , أوأنه أعظم من ذلك بل إن من اعتقد هذا المعنى فى حق الله تعالى كفر , ولأن الله تعالى فسر النور فى القرآن بمعنى الضوء مخلوق , ومن فسر النور فى حق الله تعالى بمعنى الضوء يكون بذلك قد ضرب القرآن بعضه ببعض , لأنه قد جعل الله سبحانه وتعالى عن ذلك جسما , ( 19 )

وهو سبحانه يقول :" ليس كمثله شئ وهو السميع البصير " سورة الشورى الآية 11 ـ فلا يجوز وصف الله تعالى بالجسمية , ولا بالجلوس ولا بالحركة والسكون ولا الإتصال والإنفصال , ولا يوصف كلامه بالحرف والصوت ولا بالتقطع والتعاقب فهذه كلها صفات للمخلوقات , والله تعالى منزه عن ذلك , فكل ما لم يرد به نص شرعى لا يجوز إطلاقه على الله , فنحن نصفه سبحانه بما وصف به نفسه وبيانه لنا رسوله صل الله عليه وسلم ـ لا بما وصف به المشبهة المجسمة يقول تعالى :" وذروا الذين يلحدون فى أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون " أى فسوف يجزون جزاء أعمالهم السيئة التى كانوا يعملونها فى الدنيا من الكفر بالله تعالى والإلحاد فى أسمائه وتكذيب رسوله صل الله عليه وسلم ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (20)

من الهدى النبوى :

فقد روى البخارى رحمه الله تعالى من حديث أبى هريرة رضى الله عنه ـ قال صل الله عليه وسلم ـ ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعونى فأستجيب له من يسألنى فأعطيه من يستغفرنى فأغفر له " ورواه أيضا الإمام مسلم وأبو داود والترمذى .
هذا الحديث الشريف من أعظم الأحاديث التى تبث فى رُوع المؤمن , السكينة والأمن وحب الإقبال على الله تعالى بالدعاء والإستغفار , والإلحاح عليه سبحانه فى المسئلة
ويسمى بحديث النزول , وهو من الأحاديث المتشابهة التى لايجوز أخذها على ظاهرها , لما يوهم تشبيه الله تعالى بخلقه , حيث أن ظاهر الحديث مما يوهم أن الله تعالى ينزل من علو إلى سفل وهذا مستحيل فى حق الله تعالى , بل لابد من رد الحديث إلى محكم القرآن الكريم الذى يقول :" ليس كمثله شئ وهو السميع البصير " سورة الشورى الآية 11 ـ ( 21)

فهذه الآية تثبت نفى المماثلة عن الله تبارك وتعالى فى أى وجه من الوجوه , وأن الله تعالى ليس يشبهه ولا يماثله شئ من مخلوقاته , لا فى أسمائه ولا فى صفاته ولا فى أفعاله , لأن أسمائه كلها حسنى , وصفاته كلها صفات كمال وعظمة , وأفعاله سبحانه وتعالى أوجد بها , المخلوقات العظيمة من غير مشارك وهو السميع البصير ويقول تعالى أيضا :" هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشبهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتن وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " سورة آل عمران الآية 7 ـ 8 ـ ( 22)

وهذه الآية الكريمة تبين لنا أن المحكم هو الأصل الذى يرد إليه المتشابه , وكل ما خالفه يرد إليه , منه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعانى , ولا يتعين المراد منها إلا بضمها إلى المحكم , وأما من فى قلبه زيغ من أصحاب النفوس المريضة
لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها , ليثيروا الفتنة ويلقوا بالشبهات عند الناس من أجل إضلالهم وصرفهم عن الحق الواضح , ولتأويلهم لهذه الآيات حسب مذاهبهم الباطلة وأهوائهم الفاسدة , ومن فضل الله تعالى أنه اختص طائفة من عباده بما أولاهم من علم نافع وبيان لا لبس فيه , وهم الذين يعلمون حقيقة معانى هذه الآيات , ولتمكنهم فى ما علمهم به الله ويقينهم الثابت فيما يعتقدون , ( 23)

" يقولون أمنا به كل من عند ربنا " أى بكل ما جاء وأخبر به الرسول صل الله عليه وسلم ـ ومن ذلك ردهم متشابه النصوص إلى المحكم , وما يفعل هذا إلا من فهم وعقل وتدبر المعانى على وجهها الصحيح وهم أصحاب العقول السليمة والفطر السوية . وهم مع علمهم وإيمانهم بهذه الحقائق الواضحة والبراهين الصحيحة , لايأمنون مكر الله ولذلك وقفوا بين يديه متضرعين طالبين منه سبحانه أن يثبتهم على الإيمان به فهو سبحانه أولاً وأخيراً صاحب المنة بالهداية عليهم إلى صراطه المستقيم والدين القويم . وهذا الحديث الذى معنا علق عليه الإمام النووى رحمه الله فى شرحه لصحيح مسلم ـ بقوله : أن هذا الحديث من أحاديث الصفات , وفيه مذهبان مشهوران
للعلماء , احدهما أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى , وإن ظاهرها المتعارف فى حقنا غير مراد , ( 24)

ولا يُتكلم فى تأويلها , مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوقين , وعن الإنتقال والحركات وسائر سمات الخلق , والثانى : مذهب أكثر المتكلمين وجماعات السلف وهو محكى عن الإمام مالك والأوزعى رحمهما الله , وأنه تُؤول على مايليق بها بحسب مواطنها , فعلى هذا أولوا الحديث تأولين , أحدهما تأويل الإمام مالك رحمه الله وغيره , معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته , كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره , والثانى : أنه على الإستعارة , ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف , من كلام الإمام النووى رحمه الله ـ وبهذا البيان يكون ما ذهب إليه المشبهة باطل , من اعتقاد نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا , ( 25 )

وقد ضبط بعض رواة البخارى كلمة ينزل ـ بضم الياء وكسر الزاى أى قالوا ( يُنْزِل ) فيكون المعنى نزول الملك بأمر الله , ويقويهما ما رواه النسائى من طرق الأغر عن أبى هريرة وأبى سعيد رضى الله عنهما ـ بلفظ :" إن الله يمهل حتى يمضى شطر الليل ثم يأمر مناديا فيقول : هل من داع فيستجاب له " الحديث قال القرطبى وبهذا يرتفع الإشكال ولا يعكر عليه مافى رواية رفاعة الجهنى " ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول : لايسأل عن عبادى غيرى " لأنه ليس فى ذلك ما يدفع التأويل المذكور " انتهى من فتح البارى ـ ومن هذا يتبن أن المشبهة ليس لها حجة فى هذا الحديث ولا فى غيره , فالله تعالى منزه عن صفات خلقه , ولا يوصف بالمكان ولا بالجهة ولا بالحركة والسكون , ولا بالصعود والنزول الحسى والإنتقالى ولا بالإتصال والإنفصال , لأن هذا كله من صفات المخلوقات , والله تعالى يقول :" ليس كمثله شئ وهو السميع البصير " سورة الشورى الآية (11)
ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 26 )

الدهر ليس من أسماء الله الحسنى:

روى البخارى ومسلم أن النبى صل الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر , بيدى الليل والنهار وفى رواية للإمام مالك رحمه الله تعالى" لايقل أحدكم ياخيبة الدهر فإن الله هو الدهر" يقول الحافظ المنذرى رحمه الله تعالى ـ ومعنى الحديث ـ أن العرب كانت إذا نزل بأحدهم نازلة أو أصابته مصيبة أو مكروه يسب الدهر إعتقادا منهم , أن الذى أصابه هو فعل الدهر فكان هذا مثل اللعن للفاعل , ولا فاعل فى الحقيقة لكل شئ إلا الله سبحانه وتعالى خالق كل شئ ولذلك نهاهم الرسول صل الله عليه وسلم ـ عن سب الدهر لأنه ذريعة لسب فاعل الأمور وخالقها وهو الله سبحانه وتعالى . ومن هنا نعلم أن الدهر ليس من أسماء الله الحسني , فالله سبحانه هو خالقه وخالق كل شئ ولا يجوز الحلف به لأنه حلف بغير الله تعالى نهي عنه رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ( 27 ) ـ وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ومن المعلوم أن أسماء الله الحسنى ليست , محصورة فى التسعة والتسعين اسما ويدلع لى ذلك ما رواه البيهقى عن ابن مسعود رضى الله تعالي عنه قال عن النبي صل الله عليه وسلم ـ من أصابه هم أو حزن فليقل:" اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك نا صيتى في يدك ماض في حكمك عدل فى قضاؤك, أسألك بكل اسم هولك سميت به نفسك , أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحدا من خلقك أواستأثرت به فى علم الغيب عندك ...الخ " وهذا الحديث صريح فعدم الحصر ويقول الإمام النووي رحمه الله عالي اتفق العلماء على ذلك , وأن المقصود من الحديث الإخبار بأن الأسماء التسعة وتسعين من أحصاها وعمل بمقتضاها دخل الجنة وهو لا ينفى أن لله سبحانه وتعالي أسماء غيرها " روح المعانى للألوسى. بتصريف. موقع من فقه الاسلام للشيخ سامي محمود وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا. ( 28 )ـ وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم