شخصية المنافق كما يصورها القرآن الكريم

شخصية المنافق من القرآن والسنة :

أنواع النفاق:

النفاق نوعان : عقائدي : وهو الذي يظهر خلاف ما يبطن , إنه يظهر الإسلام و يبطن الكفر كعبد الله ابن أبي ابن سلول رأس المنافقين , على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم _ ومن تشبه به في كل عصر وزمان , وهو أخبث أنواع الكفر وأشده خطراً على الإسلام والمسلمين , قال الله تعالى :" إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" سورة النساء وقال تعالى :" ان الله جامع الكافرين والمنافقين في جهنم جميعا "سورة النساء والثاني نفاقا عملي , وهو أن يترك المحافظة على أمور الدين سرا ومراعاتها علنا , وهذا يسمى في لسان الشرع نفاق , كما جاء في الحديث عنه صل الله عليه وسلم :" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " متفق عليه من حديث ابن مسعود وإنما هو كفر دون كفر , وفسوق دون فسوق , ونفاق دون نفاق , ومنة قول عمر رضي الله عنه: لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه :" هل سماني لك رسول الله صل الله علية وسلم من المنافقين , قال : لا , ولا زكى أحداً بعدك , فعمر رضي الله عنه: على جلالة قدرة , وعلو منصبه هكذا كانت تهمته لنفسه , وكل من كان أوفر عقلا , وأقوى دينا كان أقل إعجابا , وأعظم اتهاما لنفسه , لكن قد عز في هذا الزمان وجودة " (1)

وهذا اللون من النفاق,لا يسلم منه مجتمع , وهو يتكاثر وينتشر , كلما خف وزن الإيمان من النفوس , وكان هذا النوع من النفاق شبة محاصر , على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم _ يوم كان الإسلام ملئ الأسماع و القلوب , لأن المسلمين كان آنذاك ملتزمين بأدب الإسلام , ولأن الإسلام بطبيعته يرفض الخداع , ويتولى بتربيته ظاهر المسلم وباطنه , ليظل صادقا مع نفسه ومع الناس , وهو يراقب الله في سره وعلانيته , ولما ابتعد المسلمون عن دينهم , وأهملوا العمل به , كثر النفاق عبر قنوات التملق والرياء , وأصبح التملق والرياء بضاعة كثير من الناس , أما المتملق فهو الذي يريق ماء وجهه , وصولاً إلى هدف نفعي , أو خوفاً من قوى , أو طمعاً في دنيا يصيبها , وهذا المتملق في سبيل الوصول إلى أهدافه وأغراضه , لا يبالى بالقيم الأخلاقية الفاضلة , غير حاسبا لله حسابا وغير واضع في اعتباره غضب الله أو رضاه , وهذا المتملق ظاهرة يخالف باطنه , وقوله لايطابق عمله فهو يعيش بشخصيه انتهازية " ( 2)

إنها شخصية مذبذبة , تدل على أن شخصية المنافق , شخصية شريرة لأنها لا أخلاق لها  ولا مبادئ , وذلك كما وصفها رسول الله صل الله عليه وسلم _ فقال :" تجدون شر الناس ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " متفق عليه
وهذه الذبذبة تشبه ما يسمى اليوم في اللغة السياسية بالحياد , وحقيقة هذا الحياد كذب وخداع , فليس هناك دولة ولا شبه دولة إسلامية ,  تقف على الحياد , فهي إما مع الغرب الرأسمالي أو الشرق الشيوعي , وشخصية المنافق هي كذلك شخصية انتهازية , لأن المنافق يلعب على حبلين , ويحاول أن يرضى فريقين متصارعين محاولا خداعهما معا والاستفادة منهما  قال : تعالى "الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا : الم نكن معكم وان كان للكافرين نصيب قالوا :ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين " سورة النساء _ وقال تعالى "مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " سورة النساء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم                                  صفحة(3)

المنافق شخصية انتهازية

ورحم الله الإمام الغزالي في كتابه الإحياء :" واعلم أن من غلب على قلبه حب الجاه , صار مقصور الهم , إلى مراعاة الخلق , مشغوفا بالتودد إليهم والمراءاة لأجلهم , ولا يزال في أقواله وأفعاله , ملتفتا إلى ما يعظم منزلته عندهم , وذلك بذر النفاق وأصل الفساد , وقد ورد في الحديث :" حب الجاه والشرف ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل " وكما يقول ابن مسعود رضي الله عنه :" الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل " وفي الحديث أيضا عنه صل الله عليه وسلم :" ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسدا في دين المرء من حب المال والجاه " وذلك كله بذر النفاق واصل الفساد , وهذا المتملق لا يثق به أحد من الناس ويعيش في المجتمع بعيد عن التقدير والاحترام وأصابع الاتهام تشير إليه في كل حال من أحواله أنه وصولي فهو من خوف الذل في ذل ومن خوف الفقر في فقر هذه ولا شك أخلاق غريبة على مجتمع الإيمان والإسلام قال عليه الصلاة والسلام تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"
( 4)

وقال صل الله عليه وسلم _ " تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " فالإسلام يحث على الإخلاص , وينادى به ويشجع عليه , ويمقت النفاق والمنافقين والمرائين , ويكره الخداع والمخادعين , والضالين والمضلين , وقال صل الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لاينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " و قال الحسن البصري رحمه الله _ أن النفاق اختلاف السر والعلانية , واختلاف اللسان والقلب , واختلاف المدخل والمخرج , فالمراد النفاق العملي لا الاعتقادى , وتتفاوت مراتب النفاق على قدر تفاوت آثاره في حياه الناس , ولقد اشتد خوف الصحابة من النفاق , وأنه لايخلو منة إلا صديق , قال : رجل لابن عمر رضي الله عنهما _ إنا ندخل على هؤلاء الأمراء , فنصدقهم فيما يقولون فإذا خرجنا من عندهم , تكلمنا فيهم فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم " رواه البخاري
( 5)

أهمية الناس عند المنافق :

إن للناس أهمية كبرى عند المنافق بوجه عام وعند المتملق بوجه خاص , ولكنها أهمية تحكمها المصلحة وتضبطها المنفعة , فهو يتعامل باعتبار قيمهم الإنسانية , أو مصالحهم أو مضارهم , ونفعهم بل انه يعتبر الناس وسائل لتحقيق غاياته , ولذلك فهو يرجوهم ويخشاهم , طالما يظن إنهم يحققون له تلك الغايات , ومن ثم فهو يعمل ما يرضيهم ويتجنب ما يغضبهم , ولا يقيم وزنا لما يرضى الله , أويغضبه قال تعالى : " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله " سورة النساء
ومن هدى الإسلام أن يعامل المسلم الناس بما يرضى الله وما يرضى الله لابد وأن يرضيهم إذا كانوا مهتدين ولكنه لايرضيهم إذا كانوا ضالين لأن هؤلاء يتبعون أهوائهم فلا يرضيهم إلا ما يسخط الله , وهكذا تنكشف أضغان المنافقين كما قال الله تعالى " أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم " سورة محمد " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (6)

الإسلام يحرم تزكية الآخرين ومدحهم بغير الحق

_وفى الهدى النبوي ما يرشدنا إلى أدب المدح , عن أبى موسى رضي الله عنه _ أنه سمع رجلا : يثني على رجل : ويطريه في المدح , فقال صل الله عليه وسلم _ أهلتكم الرجل أو قطعتم ظهره " ذلك أن كلمات المديح تقع على أضعف الأوتار الإنسانية , فتهتكه أوتُحرقه , وعندئذ يندفع الشيطان , يخوض في دم الممدوح , يوشمه بالغرور ويخدعه بالكمال , ويُبطئه ويَعوقه حتى يشل فعل الخير فيه , هكذا يُعين المادح الشيطان على أخيه , ومن حديث أبى بكر رضي الله عنه _ عن النبي صل الله عليه وسلم :"أن رجلا ذكر عند النبي صل الله عليه _ فأثنى عليه رجل , فقال صلوات الله عليه وآله " قطعت عنق صاحبك , يقوله مرارا إن كان أحدكم مادحا لامحالة فليقل أحسبه كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسبه الله ولايزكى على الله أحد " متفق عليه ( 7)

والحديث علاوة على كونه يصور , جناية المادح على الممدوح , يكاد يُحرم عملية المديح ويَحصرها في دائرة الضرورات , التي تبيح المحظورات بكلمة لامحالة , ويكاد يشكك في مصدقيه أي مديح باستعمال , الأداة ( إن )التي تفيد الشك إن كان يرى أنه كذالك , ويكاد يقطع بأن التزكية حق الله وحده , وأن المُثنى والمادح مهما كان دافعه وقصده , يكاد ينازع الله سلطانه , ولايزكى الله على أحدا , والحديث متفق عليه إن حال المسلمين لا يسر عدو ولا حبيب , فلقد انتشرت الأمراض والعلل , في كل شئون الحياة , الدين أصبح حركات وصور لا ضوابط لها , ولا مضمون لا وازع ولا رقيب يمنع من الشر , القيم ضائعة والمبادئ والأخلاق , تباع في سوق النٍخَاسة " (

من أجل الحصول على لقمة العيش , فيصبح الرجل مؤمن ويمسي كافر , ويمسي مؤمن ويصبح كافر , يبع دينه من اجل عرض زائل من أعراض الدنيا , وفي الوظائف الحكومية تسيب وإهمال , وعدم اكتراث بمصالح الآخرين وتراخى في العمل , والقاعدة ابذل أقل مجهود وأحصل على الربح الكثير , وفكر في نفسك أولا وانظر إلى مصالح الناس من خلال مصلحتك , وفي قطاع التجارة احصل على الربح الكثير ولا تفكر في الوسيلة ليكن عن طريق الغش والخداع والتدليس ولا مانع أن يسرق ما في جيب المشترى , مادامت السرقة تقع في صورة بيع " (9)

من علامات المنافق التملق والرياء

ومما يؤسف له أن تشيع آيات النفاق فى أمه دينها لايرضاها بل يحرمها  من حديث ابى هريرة رضي الله عنه قال ايه المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا اؤتمن خان متفق عليه ومما يشعر النفس والقلب بالاسي والحزن أن يكون التملق بضاعه قوم يصلون ويصومون ثم يتوافدون على موائد غني أو يتزاحمون على باب قوى فاذا ما افتقر هذا او ضعف ذاك ولوا عنة الأدبار وأعرضوا عنه فى استكبار وهم يذمون   اليوم من مدحوه  بالامس لايسلم من شماتتهم بعد أن اكرمهم وأعد كثيراً منهم  للنوائب و النوازل وفي ذالك يقول" القائل  وأخوان حسبتم دروعا فكانوها ولكن للاعادى   وخُلتهم سهاما صائبات فكانوها ولكن في فؤادى "  أما الرياء  فهو نوع أخر من أنواع النفاق فهو مرض يصيب المرائي فيحرمه حلاوة العيش مع الله ومن حساسية الضمير وشفافية الشعور"  (10)

والمراءون ولاشك قوم مرضي القلوب , ومعلوم أن القلوب كالأجسام , يعرض لها من الأمراض والعلل , مايطفئ نورها ويسلبها تقواها , ومن هذه العلل داء الرياء , له خطورته في المجتمع , والمراءون من أجل منافعهم الشخصية , يلفظهم المجتمع ويبغضهم الله والناس , إنهم يعيشون بشخصيه انتهازيه تحكمهم الأثرة والأنانية , ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا , قال الله تعالى :" لاتحسبن الذين يفرحون بما آتوا ويحبون إن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم " سورة أل عمران , وهم في عبادتهم يراءون به الناس ولا يبتغون بها ثواب الله ومغفرته وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا" وهم لا يعطون الزكاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون " ( 11)

ومن خرج من المرائين لأداء فريضة الحج , كانت غايته إن يتحدث الناس بمدحه وتقواه , وإذا أحرم أو لبي كان ذلك بلسانه , من غير إيمان نابع من قلبه , وهو في موقف الضراعة و الخشية , يتباكى مع الحجيج رياء وخداعا لمن يراه , إلى غير ذلك , وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال , أكثر الناس يقولون آمنا بالله وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض بحب الشهوات وأكل الحرام إذا رائيتهم تعجبك أجسامهم لكنهم عن الحق معرضون ولأهله مبغضون ولأعداء الله محبون موالون يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون " إنهم يعتقدون بجهلهم وخيبة أملهم أنهم يخادعون الله والذين أمنوا وذلك بإظهارهم الإيمان وإضمارهم الكفر وهم بذلك يخدعون أنفسهم لأن عاقبة خداعهم لا تعود إلا عليهم ومن فرط جهلهم وخبث سرائرهم وسوء نياتهم لا يحسون بذلك لفساد قلوبهم " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (12)

المنافق شخصية تلهث وراء المصلحة وتمضى مع المنفعة :

_وفى العلاقات الإنسانية تحكمها المصلحة وتضبطها المنفعة , والناس من حول أصحاب المناصب كالذباب حول الحلوى , فإذا مازال المنصب فكأنه لم يكن شئ وفى مجال السياسة النفاق عملة رائجة وخداع الشعوب جائز , وضربها بسياط قسوة الحياة , وكثرة متطلباتها هو الضمان الأكيد , لتمرير ما يريده الأعداء لأمتنا من تخلف وضياع , وان تيار النفاق لا يقضى على القيم والمبادئ إلا من ذوى النفوس الضعيفة , كما لا يقوى على مواجهة مرض النفاق وعلاجه في النفوس إلا المنهج الرباني , فهو القادر على تنظيم علاقة الإنسان بربه , وبني جنسه والمجتمع الذي يعيش فيه , وبمنهج القرآن والسنة يعيش المسلم عزيز النفس , صاحب همة عالية وغاية وأهداف نبيلة , تقوم على رقابة الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور , وبهذه التربية الربانية التي تستمد من منهج القرآن والسنة , تصحوا الضمائر ويعيش المؤمن في معية الله , دائم الصلة به سبحانه فلا يفعل في السر ما يستحى منه في ا لعلانية , ولا يأتي اليوم ما يخاف من حسابه في الغد " ( 13)

وبهذه التربية الربانية تتحرر الأفراد والمجتمعات , من مرض النفاق وتعلوا فوق كل صوره وألوانه , وتغلق قنوات ومنافذ من تلوثت سلوكهم وأعمالهم بالنفاق , من الذين استمرءوا التملق والرياء , والكذب والخيانة , وبذلك يتميز المؤمن ويؤثر سلامة دينه على الشهرة , ويبتعد عن مزالق الشرك الخفي , ويرفض الحرص الذي يحنى ,, الرؤوس والطمع الذي يذل الأعناق , وأما من تدنست سلوكه وأعماله بالتملق والرياء فليعود إلى حمى الله من جديد و ليتب إليه من قريب إن أراد عز الدنيا وسعادة الآخرة قال تعالى " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " سورة المنافقون . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (14)

مثل المنافق كمثل الشاة الحائرة بين الغنمين :

من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ـ عن النبي صل الله عليه وسلم قال :" مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمتين ؛ تَعِيرُ إلى هذه مرة وإلى هذه مرة "
وفي رواية : تُكرُ في هذه مرة وفي هذه مرة " - صحيح مسلم شرح النووي
وفي الجامع الكبير للإمام السيوطي رحمه الله تعالى هذا الحديث أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ـ عنه صل الله عليه وسلم :" مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين , تَعِيرُ إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع " رواه الطبراني والإمام احمد ومسلم والنسائي ومعنى "العَائِرَة " كما في النهاية لبن الأثير ـ أي المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع . (15)

البيان والإرشاد :

في الحديث بيان حال المنافق ، بأنه ليس له ثبات على الإيمان ، بل هو مع المؤمنين في ظاهره ومع الكافرين بباطنه ، وأيضاً فهو دائماً حريص على المنافع الدنيوية ، فإذا كان هناك نفع من المؤمنين قال: أنا منكم. وإن رأى منفعة عند غيرهم ، قال: أنا معكم. كما قال تعالى:" الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين الآية ، سورة النساء: 141. وكما بين حالهم في آية أخرى: مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً " سورة النساء: 143.
وجه الشبه كما فيض القدير في الحديث تمثيل حال المنافق في عدم ثباته على الحق ، بحال الشاة العائرة بين الغنمين. قال الطيبي: شَبَّه ترد المنافق بين المؤمنين والكافرين تبعاً لهواه وقصداً لأغراضه الفاسدة كتردد الشاة الطالبة للفحل ، فلا تستقر على حال ، ولذلك وصفوا في التنزيل الحكيم :" مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " سورة النساء 143. وقال أيضا قوله تعالى :" وإذا لقوا الذين امنوا قالوا أمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون " سورة البقرة الآية 14 ـ
( 16)

من فوائد الحديث:

1- ذمّ النفاق والمنافقين وبيان خبثهم وفساد طويتهم وسوء عملهم ، قال ابن القيم ـ رحمه الله في مدارج السالكين: " قد هتك الله سبحانه- أستار المنافقين ، وكشف أسرارهم في القرآن ، وجلَّى لعباده أمورهم ؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر، وذكر طوائفَ العالم الثلاثة في أوّل سورة البقرة: المؤمنين والكفار والمنافقين، فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين ، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية ؛ لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم ، وشدّة فتنتهم على الإسلام وأهله ، فإنّ بلية الإسلام بهم شديدة جدًا؛ لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة ، يخرجون عداوته في كلّ قالب يظنّ الجاهل أنه عِلْمٌ وإصلاحٌ ، ( 17)

وهو غاية الجهل والإفساد. فلِلّه كم من معقَل للإسلام قد هدموه ، وكم من حِصنٍ له قد قلعوا أساسه وخرّبوه ، وكم من عَلَم له قد طمسوه ، وكم من لواءٍ له مرفوعٍ قد وضعوه ، وكم ضربوا بمعاول الشُّبه في أصول غراسه ليقلعوها ، وكم عَمُّوا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها ، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبليّة ، ولا يزال يطرقه من شبههم سَرِيَّةٌ بعد سريّة ، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون :" أَلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " سورة البقرة الآية 12،ـ وقال تعالى :" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " سورة الصف الآية 8 ـ 2- على المسلم أن يعتصم بالله تعالى ، ويستقم على شرعه ، ويعمل بطاعته مع المؤمنين ، وأن يثبت على ذلك ، حتى يسلم من النفاق وأخلاق المنافقين. .. " موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (18)