" المؤمنة الداعية المبشرة بالجنة " الصحابية الجليلة أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها :

ومن النماذج الدالة على حرصها في طلب العلم أن أم سليم و رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: "إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صل الله عليه وسلم : " إذا رأت الماء " فغطت أم سلمة- تعني وجهها- وقالت يا رسول الله: وتحتلم المرأة؟ قال: " نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها؟ ".
وفي رواية عند مسلم قالت عائشة رضي الله عنها:" يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك ، فقال النبي صل الله عليه وسلم لعائشة: " بل أنت تربت يمينك نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذلك " .

وفي رواية عند أبي داود في سننه في الطهارة: " إنما النساء شقائق الرجال ".
ولما أرادت أم سليم رضي الله عنها أن تسأل عن هذا الأمر الذي يصعب على المرأة أن تبوح بمثله عند الرجال لا سيما عند النبي صل الله عليه وسلم الذي أعطي من المهابة ما لم يعط أحدا من الملوك مع تواضعه مهدت له بقولها: " إن الله لا يستحي من الحق.. إلخ. وبهذا الجد والمثابرة وبذلك القرب من النبي صل الله عليه وسلم ورثت علما كثيرا عنه لا سيما فيما يتعلق بأمور النساء مما جعلها محل أنظار أهل العلم بعد وفاة النبي صل الله عليه وسلم .

ففي صحيح البخاري عن عكرمة أن أهل المدينة سألوا ابن عباس رضي الله عنهما عن امرأة طافت ثم حاضت قال لهم: تنفر، قالوا: لا نأخذ بقولك وندع قول زيد رضي الله عنه قال: إذا قدمتم المدينة فسلوا، فقدموا المدينة فكان فيمن سألوا أم سليم فذكرت حديث صفية " أي قول النبي صل الله عليه وسلم لحفصة عقرى حلقى إنك حابستنا أما كنت طفت يوم النحر؟ قالت: بلى، قال: فلا بأس انفري " .
فسؤال ذلك الوفد أم سليم رضي الله عنها عن هذه المسألة التي وقع فيها الخلاف بين الصحابة حين رجوعهم إلى المدينة، وفيها كثير من الصحابة، فيه دلالة على أنها كانت ممن عرفن من النساء بالعلم في المدينة فرحم الله أم سليم رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته.

الموقف الخامس : أم سليم الأنصارية وشدة حرصها على التبرك بالنبي صل الله عليه وسلم:

ومما يضاف إلى المكارم السابقة أن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ربما بات عندها - وليست هي في البيت - وكانت تتبرك به صل الله عليه وسلم ، فقد روى مسلم وأحمد والبيهقي أن النبي صل الله عليه وسلم  قال - أي نام وقت الظهيرة - في بيت أم سليم على نِطع - أي بساط من جلد – فعرق ، فاستيقظ وأم سليم تمسح العرق فقال: ماتصنعين؟ فالت ءاخذ هذا للبركة التي تخرج منك ، وكانت تخلط بها طيبها ، فهو أطيب الطيب.

.- عن أنس رضي الله عنه قال : كأن رسول الله صل الله عليه وسلم :ـ يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه ، قال : فجاء ذات يوم فنام على فراشها فأتت فقيل لها : هذا رسول الله نائم في بيتك على فراشك ، قال : فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عبيرتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتصره في قواريرها ففزع النبي صل الله عليه وسلم :ـ فقال : ما تصنعين يا أم سليم ؟ فقالت : يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا ، قال : أصبت ، ورواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن حجين به.

وقد أُثر عنها أنها احتفظت بفم قِرْبة شرب منها رسول الله صل الله عليه وسلم ـ  وصانته عندها ، وثبت أن النبي صل الله عليه وسلم أعطاها شيئًا من شعره ، وكان يخصها بالزيارة والسلام والدعاء والصلاة في بيتها.
تلك هي أم سليم الأنصارية وما تركته لنا من مواقف هي في الحقيقة بطولات في ميادين المنافسة بضروب من الطاعات ومشاهد من التضحيات مع ثبات على المبدأ في السراء والضراء وهذه المواقف عدة للصابرين وزاد يتزود بها السالك في درب الخير. ولم يكف أم سليم أن تؤدي دورها في نشر دعوة الإسلام بل حرصت على أن تشارك فى الجهاد

الموقف السادس: أم سليم والجهاد في سبيل الله

قال أنس رضي الله عنه " لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صل الله عليه وسلم قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم رضي الله عنهما وإنهما لمشمرتان - أي قدم سوقهن- تنقزان" وقال غيره: تنقلان" القرب على متونهما "أي ظهورهما"  ثم تفرغانه في أفواه القوم فتملآنها ثم تجيئان فتفرغان في أفواه القوم  .
لقد ثبتت أم سليم وعائشة  رضي الله عنهما- حين انهزم معظم الرجال تقومان فيه بالإسعافات الأولية للجرحى وتساعدان من بقي من الرجال في المعركة.
ففي صحيح مسلم وابن سعد- الطبقات بسند صحيح  من حديث أنس رضي الله عنه أن أم سليم رضي عنها اتخذت خنجرا يوم حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه فجعل رسول الله صل الله عليه وسلم يضحك. "
فقد روى البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهـما قال: قال النبي صل الله عليه وسلم: " رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة "
فيا لها من سعادة أبدية فهنيئا لأم سليم رضي الله عنها بهذا الفضل العظيم وهنيئا لها ببشارة النبي صل الله عليه وسلم- لها بالجنة.

الموقف السابع بشارتها :

لأم سليم رضي الله عنها فضائل كثيرة ، فلا يوجد باب من أبواب الخير إلا ولها فيه نصيب ، أضف إلى ذلك روايتها للحديث الشريف ، فقد روت عن النبي صل الله عليه وسلم أربعة عشر حديثًا ، أربعة منها في الصحيحين.
وقد نالت بشارة عظمى من رسول الله صل الله عليه وسلم تدل على فضلها ورفيع شأنها إذ قال صل الله عليه وسلم: دخلتُ الجنة فسمعتُ خـَشْفـَة " صوت مشي"  فقلت: " من هذه "؟ قالوا: الغميصاء بنتُ ملحان أم أنس بن مالك  رضى الله عنهما .
كرمها وشمائلها
كانت أم سُليم تتفقد النبي وتبعث إليه بالهدية والطعام ، قال أنس رضى الله عنه : كانت لها شاة فجمعت من سمنها في عُكة " آنية السمن"  وأرسلتها مع ربيبة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ، فقال: أفرغوا لها عُكتها ، وجاءت فعلقتها على وتد ، فأتت أم سُليم وكانت غائبة فرأت العُكة ممتلئة سمنًا ، فلما أخبرت النبي صل الله عليه وسلم ـ بذلك قال:" أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه صل الله عليه وسلم ـ ، كلي وأطعمي " فلتكن هذه الصحابية الجليلة حافزا قويا لكل المسلمات نحو الإقتداء بهؤلاء الصحابيات الفضليات

وفاة أم سليم الأنصارية :

توفيت رضي الله عنها في حدود الأربعين في خلافة معاوية فرضي الله عن أم سليم وأرضاها لقد أعطت بذلك صوره مشرقة عن المرأة المسلمة وكيف أنها تستطيع أن تؤدي دورها المنوط بها في المجتمع كامرأة مع المحافظة على القيم والتعاليم الإسلامية أفلا يجدر بالمرأة المسلمة أن تتخـذ بأم سليم وغيرها من الصحابيات قدوة لـها دون أن تغتر بدعوات المغرضين الذين يتخذون المرأة سلعة ووسيلة لتحقيق أغراضهم الدنيئة وأهدافهم المريضة وترويج ذلك في المجتمع باسم الحرية والمساواة . ـ موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم