من أمهات المؤمنين : سودة بنت زمعة رضى الله تعالى عنها :

التعريف بها :

هى سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية أمها الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارى من بنى عدى بن النجار .
أسلمت سودة بمكة قديما وزوجها السكران بن عمر بن عم أبيها , وكانت فى سن السيدة خديجة رضى الله عنه تقريبا , لكن أم المؤمنين سودة لم تكن فى جمال السيدة خديجة أم المؤمنين أو مكانتها الإجتماعية وكانت سودة امرأة بطيئة " جسيمة ثقيلة الجسم " قصيرة
وتفول عنها أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها : ما من امرأة أُحب أن أكون فى صلاحها من سودة غير أن فيها حدة تسرع منها الفيئة " أى أنها إذا غضبت أسرعت بالرجوع ولايدوم غضبها طويلا .
لقد تمنت السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها أم المؤمنين : وهى من الشرف والمكانة أن تكون كما كانت أم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة رضى الله عنها فى هديها وطريقتها , ومما لاشك فيها أن هذه الشهادة العالية تجعلنا نبحث عن مواطن القدوة الصالحة والأسوة الطيبة ليقتدى بذلك نساء اليوم  . ( 1)

هجرتها إلى الحبشة :

عندما اشتد إيذاء المشركين للمسلمين والمسلمات فى مكة المكرمة , وأهانوهم إهانة شديدة وضربوهم ضربا مبرحا , و رأى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ما يُصيب أصحابه من البلاء , وكان الله عز وجل قد منعه بعمه أبى طالب ولايستطيع رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أن يمنع أصحابه قال لهم :" لو خرجتم إلى أرض الحبشة ؟
فإن بها ملكا لايُظلم عنده أحد وهى أرض صدق ـ حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه " فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم ـ إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى الله تعالى بدينهم , فكانت أول هجرة فى الإسلام وقد تتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة , وكانت أم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة وزوجها السكران بن عمرو وأخوه سليط بن عمرو من تلك الجماعة المؤمنة التى فرت بدينها واتبعت أمر نبيها . ( 2)

وهكذا يجب أن تكون المرأة المسلمة مضحية من أجل دينها , فتؤثر الآخرة على الدنيا وترى فى الدين عزها وفلاحها ولا ترضى بالذل والهوان , مهما كلفها ذلك من تضحيات بهجرة الأوطان ومفارقة الأهل والجيران , وفى القرآن الكريم نعى من الله تعالى للقادرين على الهجرة وليسو متمكنين من إقامة الدين , ومع ذلك يبقون فى أماكنهم ولايتحركون قال تعالى :" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا , إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلا , فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا , ومن يُهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغما كثيرة وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يُدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما " الأية 97 ـ 100 ـ سورة النساء . ( 3)

لقد أطاعت السيدة سودة رضى الله عنها ربها وهاجرت فى سبيل الله وخرج معها زوجها من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله , وقد أدركه الموت بمكة حين عاد من عاد من المهاجرين من الحبشة إلى مكة , وذلك حين بلغهم اسلام أهل مكة وكان النقل ليس بصحيح , وبقيت سودة رضى الله عنها بلا زوج وعاشت وهى فى سنها بلا راع فكافأها الله تعالى على جهادها بخير زوج , ورزقها الله تعالى باكرم راع يقول : عبد الله بن العباس رضى الله عنهما ـ " إنها رأت فى المنام كأن النبى صل الله عليه وسلم ـ أقبل يمشى حتى وطئ عنقها فأخبرت زوجها بذلك , فقال : إن صدقت رؤياك لأموتن , وليتزوجك " يعنى رسول الله صل الله عليه وسلم " ثم رأت فى المنام ليلة أخرى أن قمراً انقض عليها وهى مضطجعة فأخبرت زوجها فقال :" لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيراً حتى أموت وتتزوجين من بعدى " فاشتكى السكران من يومه فلم يلبث إلا قليلا حتى مات . ( 4)

زواجها برسول الله صل الله عليه وسلم :

عادت السيدة سودة بنت زمعة مع زوجها السكران إلى مكة التى مات بها قبل الهجرة النبوية , فى الوقت الذى عاش فيه رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بلا امرأة بعد وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة رضى الله عنها , وذهبت السيدة خولة بنت حكيم بن الأوقص رضى الله عنها امرأة عثمان بن مظعون رضى الله عنه إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بعد وفاة خديجة قالت : يا رسول الله ألا تتزوج ؟ قال بلى : فإنكن معشر النساء أرفق بذلك ثم قال من ؟ قالت : إن شئت بكراً وإن شئت ثيبا قال : فمن البكر ؟ قالت ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبى بكر رضى الله عنه ـ قال : فمن الثيب قالت : سودة بنت زمعة رضى الله عنها أمنت بك واتبعتك على ما أنت عليه , فخطبت عليه سودة بنت زمعة وعائشة فتزوجهما فبنى بسودة بمكة وعائشة يومئذ بنت ست سنين , حتى بنى بها بعد ذلك حين قدم المدينة وتحققت رؤيا أم المؤمنين سودة وأكرمها الله تعالى برسوله صل الله عليه وسلم ـ فصارت معه متبعة لأمره حريصة على رضاه مجتهدة فى طاعة مولاه . ( 5)

وقد كانت السيدة سودة شديدة الإتباع لأمر رسول الله صل الله عليه وسلم ـ

عندما حج رسول الله صل الله عليه وسلم ـ حجة الوداع فى السنة العاشرة من الهجرة
ومعه نساؤه أمهات المؤمنين رضى الله عنهن وفيهن أم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة ووجه رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أمراً إلى نسائه وتوجيها إلى زوجاته بأن
يلزمن بيوتهن بعد أداء هذه الحجة ولا يؤدين الحج بعدها ولا يخرجن إلا للحاجة .
وتفاوتت الأراء فى فهم توجيه رسول الله صل الله عليه وسلم ـ واختلفت العقول فى معنى كلام النبى صل الله عليه وسلم ـ بين ملتزمة بالنص النبوى وأمر الرسول صل الله عليه وسلم ـ وبين مجتهدة فى فى فهم المراد من النص , والأخذ بروحه دون لفظه
ففهمت أن تكرار الحج لا شئ فيه , لكن أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضى الله عنها
تمسكت بظاهر النص والتزمت بالأمر النبوى بعدم الحج بعد حجة الوداع , وعدم الخروج من البيت ولزومه كما فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه , أن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ قال : لنسائه عام حجة الوداع , هذه الحجة " أى الواجب عليكن هذه الحجة " ثم ألزمن ظهور الحُصر " ما يفرش فى البيت " قال : فكن كلهن يححجن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة رضى الله عنهما وكانتا تقولان والله لا تحركنا دآبة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله صل الله عليه وسلم ( 6 )

وقد كانت سودة رضى الله عنها شديدة الحرص على رضا الله ورسوله صل الله عليه وسلم :

وكما كانت أم المؤمنين سودة بنت زمعة حريصة الإتباع لأمر النبى صل الله عليه وسلم ـ كانت كذلك ـ تعمل على رضاه صل الله عليه وسلم ـ وتؤثر هواه على هواها
لقد كان النبى صل الله عليه وسلم ـ يعدل بين نسائه فكان إذا أراد سفراً أقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وكان يقسم لكل امرأة فيدنوا ويلمس من غير مسيس حتى يبيت عند التى هو يومها .
والحديث عن حسن خلق الرسول صل الله عليه وسلم ـ وحسن معاشرته لأهله حديث طويل يدفع إلى الإجلال والإحترام والتقدير لخير الأزواج ـ صل الله عليه وسلم : لكن أم المؤمنين سودة وقد رأت من نفسها , أن زمن الصبا ولىَّ وأدبر وقد طعنت فى السن وليس لها فى الشهوة رغبة فنظرت فى أحب النساء إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ فلم تشك أنها عائشة فاستأذنت رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أن تهب يومها لعائشة فاذن لها فكان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بعد ذلك يجعل لعائشة يومين يومها ويوم سودة . ( 7)

وفى سلوك أم المؤمنين سودة هذا إرشاد كريم لنساء المسلمين , وأن على المرأة المسلمة الكبيرة فى السن التى ليس لها إلى الرجال سبيل أن تحفظ بيتها , وتبقى على زوجها وتؤثر رضاه ما وجدت إلى ذلك سبيلا , كما روى عن عائشة رضى الله عنها " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " قال الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول :" أجعلك من شأنى فى حل فنزلت هذه الأية قال تعالى :" وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحابينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا " الأية 128 ـ النساء والأية على عمومها فى كل امرأة خافت من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها , لها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها , وله أيقبل ذلك منها فلا حرج عليها فى بذلها ذلك ولا عليه فى قبوله منها . (

ومن مميزات السيدة سودة بنت زمعة رضى الله عنها ـ أنها كانت طيبة القلب لاتعرف المكر والدهاء , خفيفة الظل وكانت تُضحك رسول الله صل الله عليه وسلم ـ
بالشئ أحيانا , ويروى أنها كانت تصلى خلف رسول الله صل الله عليه وسلم ـ الليل فركع بها الرسول صل الله عليه وسلم ـ تقول : حتى أمكست بأنفى مخافة أن يقطر الدم فضحك الرسول صل الله عليه وسلم ـ فلم تتحمل ذلك لجسامتها وذات يوم طبخت السيدة عائشة رضى الله عنها : حريرة " دقيق يطبخ بلبن أو دسم " وقالت لسودة كُلى
فأبت " أى رفضت " فقالت : لتأكلن أو لألطخن وجهك فابت فلطخت وجهها بها فضحك رسول الله صل الله عليه وسلم ـ فوضع بيده لها وقال : لسودة : ألطخى وجهها فلطخت وجه عائشة فضحك النبى صل الله عليه وسلم ـ وفى هذا بيان لحسن معاشرته لنسائه صل الله عليه وسلم ـ فلم يكن فظا ولا غليظ بل كان رحيما رقيقا .
( 9)

وظلت السيدة سودة بنت زمعة عابدة لربها ومجتهدة فى طاعته :

فقد كانت ذات عبادة وورع وصلاح وممايروى عنها أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعث إليها بغرارة وعاء كبير تسميه العامة "الشوال " من دراهم فقالت : ماهذه ؟ قالوا : دراهم , قالت فى غرارة مثل التمر ففرقتها وبعد حياة طويلة عامرة بالخير والصلاح والطاعة لله عز وجل , ماتت أم المؤمنين سودة بنت زمعة تاركة ورائها صفحات من نور الإقتداء والحرص للإتباع على رضا الزوج , والإجتهاد من أجل مرضات الله والفرار بالدين من أجل مخافة الفتنة , والزهد فى متاع الدنيا والحرص على فراغ القلب إلا من ذكر الله والإقبال عليه سبحانه , وقد توفت أم المؤمنين سودة فى أخر زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ـ ويُقال ماتت سنة أربع وخمسيين هجرية فرضى الله عن أم المؤمنين سودة بنت زمعة وأسكنها فسيح جناته وجمعنا الله تعالى وإياكم بنبيه صل الله عليه وسلم وسقنا بيده شربة هنيئة لانظمأ بعدها أبداً . ( 10 ) موقع من فقه الإسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم