نساء خالدات : منهم الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها : وغيرها من الصحبيات رضى الله عنهن

نساء خالدات:

الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها :

نسبها _  ولدت فى الإسلام أربع من النبوة وهى الصديقة بنت الصديق , وزوج خاتم المرسلين , وقد نشأت فى بيت الشرف وانتقلت منه إلى بيت النبوة , فتلقت الدين وتعلمت فى سرعة وفهم , وفى حجرتها نزل أكثر الوحى على الرسول صل الله عليه وسلم .

نشأتها :

فقد عاشت فى بيت أبيها أبى بكر, الصديق القرشى رضى الله تعالى عنه صاحب الشرف والمروءة فى قومه , فقد كان يحمل عنهم المغارم والديات , وما يضمنه من الحقوق والديون عنهم , وصدقه فى معاملاته التجارية , وما امتاز به من علم بأنساب العرب وأيامهم , كما كان يجيد كلامهم شعره ونثره , وكانت أمها أم رومان قريشة ابنة عامر بن عويمر من بنى غنم بن مالك بن كنانة,  أيضا وتحمل كذلك من الشرف والمكانة العالية , أيضا وقد زانها العقل الراجح , والصلاح والإستقامة ورعاية شئون الزوج .

وعن اسلامها

من المعلوم أن أبا بكر رضى الله تعالى عنه أول من سبق , إلى الإسلام وقد سارع أهله معه فأمنوا بالله ورسوله صل الله عليه وسلم , آمنت زوجته , وابنتاه عائشة وأسماء وكانتا طفلتين وقد رأت عائشة رضى الله تعالى عنها , وفاء أبيها لنبيه وصديقه , وما يبذله فى سبيل الله من جهد ومال , ومنه تعلمت دينها , إلى أن شرفها الله تعالى بالزواج , من نبيه فسمعت أقواله , ورأت أفعاله و تعلمت منه الدين كله.وكانت تكنى أم عبد الله , فقد روى عنها أنها قالت يا رسول الله ألا تُكنينى , إن لكل صواحبى كنى , قال : تُكنى بإبن أختك عبد الله بن الزبير .

شرفها بالزواج من النبى صل الله عليه وسلم

جاءت خَوْلَةُ بنتُ حَكيم بعد وفاة السيدة خديجة , وقد رأت من حزن رسول الله عليها , وهى تريد أن تسرى عن النبى صل الله عليه وسلم , فقالت يا رسول الله ألا تتزوج ؟ قال : من ؟ قالت : إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا , فأما البكر فإبنة أحب الخلق إليك " عائشة بنت أبى بكر " وأما الثيب " فسودة بنت زمعة " قد آمنت بك قال : إذهبى فاذكريهما على قال خولة فأتيت, فقالت لأم عائشة : ما أدخل عليكم من الخير والبركة ؟
قالت وما ذاك قالت : أرسلنى رسول الله أخطب عليه عائشة , فا ستمهلتها حتى ترى أبا بكر , فماذا عسى أن يقول أبو بكر ؟ إن النبى أحب الناس إليه وآثرهم عنده وأشرف الخلق أجمعين , وسيزيد هذا الصهرما بينهما من حب , وهذا غير ما فيه من شرف وتكريم , وكان أبو بكر عند حسن الظن , فقد سارع إلى الإستجابة من فورها , لكن ما عرف عنه من الصدق والوفاء , يتجلى فى هذا الموقف ذلك أنه كلم المطعم ابن عدى فيما سبق أن أبداه من خطبة عائشة لأبنه جبير , وقد وجد منه ترددا خوفا على ابنه جبير من أن يعتنق الإسلام , لو تم زواجه بعائشة , عندئذ قبل أبو بكر خطبة النبى صل الله عليه وسلم لعائشة , وقد أصدقها النبى صل الله عليه وسلم أربعمائة درهم وقيل خمسمائة درهم , وهو دون مهر مثيلاتها لكن النبى صل الله عليه وسلم يريد أن يعلم الناس ألا يغالوا فى المهور

, وتم الزواج بعد الهجرة فى شهر شوال بالمدينة على رأس سبعة أشهر من هجرته , فقد روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت : تزوجنى رسول الله صل الله عليه وسلم فى شوال , وبنى بى فى شوال " ولهذا كانت تحب أن تُدخل النساء من أهلها وأحبتها فى شوال , وقد تزوجت من رسول الله صل الله عليه وسلم , وكانت سنها على أرجح الأقوال تقرب من الرابعة عشرة , وانتقلت عائشة إلى بيت النبى صل الله عليه وسلم
حيث أعدت لها حجرة فيه تطل على المسجد , وأثثت بأثاث يسير , وقد عاشت مع النبى صل الله عليه وسلم فى هذا البيت عيشة , هى إلى الكفاف أقرب منها إلى السعة
وإلى الخشونة أقرب منها إلى اللين , ومع ذلك كانت من حنان النبى ورفقه فى سعادة وبهجة , وقد عاشت مع النبى صل الله عليه وسلم , مخلصة ومعينة , سامعة مطيعة , فاهمة واعية , وقد نقلت عن الدين أمينة , فعلمت المسلمين والمسلمات أمور دينهم وخاصة ما يتصل بأمور النساء .

عشرتها مع النبى صل الله عليه وسلم

عندما تزوج رسول الله صل الله عليه وسلم , من خديجة رضى الله تعالى عنها سعد بها مع إنها كانت تكبره سنا , لأنه حرم من حنان الأمومة صغيرا , فذاقها منها كبيرا
ولذلك ظل وفيا لذكراها , ومحبا ووفيا لمن أحبته وأحبها , بل كان يلهج بالثناء عليها كثيرا , فكانت عائشة رضى الله تعالى عنها تغار من ذكرها , أكثر ما تغار من ضراتها , وزوجه الله تعالى من عائشة وهو فى نحو الخمسين من عمره , لأنه كان أسعد له إذا ذاك , وأبهج لنفسه أن يغدق حنان الأبوة على زوجته رعاية لسنها , ولمحل أبيها منه ولأنه لم يتزوج بكرا غيرها , فكان زواجه ترويحا لنفسه , التى تحمل هم الدعوة إلى الخلق أجمعين , لقد حظيت السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها
من النبى صل الله عليه وسلم , بالحنو والرعاية والإكرام , وأعطها من ما أعطى سائر نسائه فيما يملك من البيت والنفقة , أما الحب فلا يملكه إلا الله تعالى , ولذلك كان يُشهدُ الله تعالى على أنه يعدل فيما يملك , ويبرأ من تبعة ما لا يملك فقد كان _ فى الواقع يحب عائشة رضى الله تعالى عنها أكثر من نسائه جميعا , ولكنه لم يكن يؤثرها دون نسائه بشئ من الحقوق المادية .

الزوجة الجديرة بالحب

لقد كانت السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها _ جديرة بحب رسول الله صل الله عليه وسلم , فكانت من أحب النساء إلى قلبه دون النساء اللاتى اجتمعن معها إليه فقد روى عن عمر بن العاص قال : قلت يا رسول الله صل الله عليه وسلم " أى ُ الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة قلت : فمن الرجال قال أبوها وإن حب رسول الله صل الله عليه وسلم لها فوق ما ذكرنا , إذ كانت بفطنتها تنفذ إلى قلبه بما يرضيه , والغيرة عليه والغيرة من أظهر علامات الحب , فلم تنس أن تتحلى له بما يروقه من مرآها , فكانت تلبس الثياب المُعَصفَرة والمضرجه , وكانت تتحرى ما يعجبه من الطيب والحلى , ومن غيرتها أن النبى صل الله عليه وسلم , خرج من عندها فى ليلتها
فإذا هى تتبعه إلى حيث يذهب , إلى المقابر يصلى للشهداء ويستغفر لهم , فعادت إلى بيتها تقول لنفسها , بأبى أنت وأمى أنت فى حاجة ربك , وأنا فى حاجة الدنيا "
كما أنها اقتربت منه بحسن حديثها , وحسن الإستماع إليه , ووعيها لما يقول , وفهمها ما يريد , كما أنها بفطنتها أدركت كثيرا من جوانب عظمته .

لقد أحبها النبى صل الله عليه وسلم , ورعى سنها فى أول عهدها بزواجها منه
فدللها كثيرا كان ينكر بعضه أبوها , ومن ذلك أن أباها دخل عليها فوجد عندها جارتين تُغنيان فى يوم عيد الأضحى , والنبى صل الله عليه وسلم مضطجع مغطى بثوبه , فصاح أبو بكر ؟ أعند رسول الله صل الله عليه وسلم يصنع هذا ؟ فكشف النبى عن وجهه وقال دَعهُن فإنها أيام عيد , وقال عمر رضى الله تعالى عنه لحفصة ابته , لا يغرنك هذه التى أعجَبَها حسنها وحبٌ رسول الله صل الله عليه وسلم إياها وقص ذلك عمر عليه فتبسم رسول الله صل الله عليه وسلم وقال لها صل الله عليه وسلم : ووضعت خدها على منكبيه حتى تنظر إلى لَعب الحبشة بحرابهم فى المسجد وأمر السيدة فاطمة رضى الله تعالى عنها بحبها  
وقد عرفت عائشة للنبى صل الله عليه وسلم حبه لها , وشكرت له إيثاره , فقالت له
وقد قص عليها قصة النسوة اللاتى اجتمعن عليه , فتذاكران أوصاف أزواجهن من خير وشر , وكانت أم زرع إحداهن , وكانت تحب زوجها فوصفته بأحسن ما يوصف به الأزواج فى السر والعلانية , قالت عائشة : بأبى أنت وأمى لأنت رسول الله خير لى من أبى زرع لأمى زرع .

أمهات المؤمنين يؤثرن عائشة

كان رسول الله صل الله عليه وسلم يعدل بين زوجاته , وكن يدركن حب الرسول لعائشة فى غير تميز لها عليهن فى الحقوق , ولكنهن مرضاة له كن يميزن عائشة اختيارا منهن , فقد تنازلت سودة بنت زمعة أم المؤمنين عن ليلتها للسيدة عائشة لما تعلم أن ذلك يَسُرُ رسول الله صل الله عليه وسلم .
وعندما مرض النبى صل الله عليه وسلم , كان يطاف به محمولا كل ليلة إلى إحدى نسائه , ويقول لهن : أين أنا غدا ؟ إلى أن قلن له يوما يارسول الله , قد أذنا لك أن تكون فى بيت عائشة , فإنه يشقُ عليك أن تُحْمَلَ كل ليلة , فقال : وقد رضيتن ذلك ؟ قلن نعم , قال : فحولونى إلى بيتها " , وقد اختار رسول الله صل الله عليه وسلم الإقامة عندها أيام مرضه , وكان صل الله عليه وسلم يقول : لها إنى لأعلم إذا كنت على راضية وإذا كنت على غضبى فقالت : بم ؟ قال : إذا كنت راضية قلت : لا رب محمد , وإذا كنت غضبى قلت لا ورب إبراهيم , قالت صدقت والله ما أهجر إلا اسمك , وقد سبقها رسول الله صل الله عليه وسلم فى سفر , فسبقته فلما ثقلت سابقته فسبقها فقال : يا عائشة هذه بتلك .
ومن الحق أن توصف الحياة الزوجية التى عاشها النبى صل الله عليه وسلم والسيدة عائشة أنها حياة سعيدة وإن اختلفت السن وكثرت الضرائر , ولم ينشأ بينتهما الولد وهو أمنية الوالدين أن يجدن بناتهن فى سعادة ورغد العيش مع أزواجهن .

ثقافتها

لقد تعلمت السيدة عائشة القراءة فى وقت , قل فيه من كان يتعلمها , وأخذت من علم أبيها أبى بكر بالأنساب وأيام العرب , وشعرهم وأدبهم شيئا كثيرا قبل زوجها وبعده
ويدل على كثرة ما حفظت بيانُها الرائع فى أحديثها وخطبتها , وأنها كانت تستشهد فى كل موطن بشئ مما تحفظ من شعر أو مثل أو حكمة , قال أبو الزناد : ما رأيت أحدا أروى للشعر من عروة بن الزبير فقيل له ما أرواك , فقال ما روايتى من رواية عائشة ؟ ما كان ينزل بها شئ إلا أنشدت فيه شعرا .


روايتها للأحاديث

وقد روت رضى الله تعالى عنها عن رسول الله صل الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث وروت عن أبيها , وعن عمر وفاطمة , وسعد ابن أبى وقاص , وغيرهم وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين فقد روى لها , ألفان ومائتا حديث وعشرة
اتفق مسلم والبخارى على مائة , وأربعة وسبعين وانفرد البخارى بأربعة وخمسين
وانفرد مسلم بثمانية وستين .

علمها بالدين:

كانت رضى الله تعالى عنها , فقيهة عالمة فصيحة فقد كان الأكابر من الصحابة يسألونها عن الفرائض وقالت تصف رسول الله صل الله عليه وسلم  كان خلقه القرآن الكريم وهو وصف يدل على بصرها , النافد الحصيف وقال عطاء بن رباح : كانت عائشة رضى الله تعالى عنها أفقه الناس , وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا فى العامة وقال معاوية ابن أبى سفيان : والله ما رأيت خطيبا قط أبلغ ولا أفصح ولا أفطن من عائشة
أما حديث  رسول الله –صل الله عليه وسلم – فحسبها أنها قد روت للنبي صل الله عليه وسلم – أكثر من ألفي حديث في مختلف المسائل التى تدخل فيها الأحكام الشرعية  والعظات الخلقية  والآداب النفسية  والاصول التى يرجع إليها في الدين والعبادة ومع هذا يروي الثقات أنها كانت تحفظ وتفقة وتفسر ولا يقتصر علمها على وعي الكلمات والعبارات  وقال أبو موسي الأشعري " ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها علما فيه".
ومن أمثلة فهمها ما رواه أبو هريرة عن النبي – صل الله عليه وسلم – انه قال :" من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه "

قال شريح : فذهبت إلي عائشة ,فقلت : يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ حديثا إن كان كما  قال فقد هلكنا , فقالت : وماذاك ؟ فقرأت عليها الحديث , وقلت لها : ليس منا أحد إلا وهو يكره الموت , فقالت له :" قد قاله رسول الله , ولكن ليس بالذي تذهب إليه , ولكن إذا شخص البصر , وحشرج الصدر , واقشعر الجلد , وتشنجت الأصابع , فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه , ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه".
وهذا الخير يدل على  أنها كانت تعي ما يقال : تحفظه وتفهمه وتؤديه إلي الأمة وقد أعانها حفظها وفهمها  على المحافظة على أمانة العلم ونقله عن رسول الله- صلي الله علية وسلم – بنصه  وروحه , فجزاها الله عنا  وعن الاسلام خير الجزاء . وما أعظم وفاءها لزوجها – صل الله عليه وسلم – فقد وفت له في أحب شئ  إليه وهو الدين الذي حمل رسالته إلي العالمين ,

جهادها في سبيل الله :  

كانت – رضي الله عنها – قدوة للمسلمات في الجهاد . تخرج مع النبي صل وسلم إلي الغزو , وتقوم بسقي الجيش , وتضميد الجراح , وإعداد  الطعام ونقل الجرحي إلي المدينة , وتحميس الجند .
يؤيد ذلك ما رواه  أنس رضي  الله عنه – قال : " لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي – صل الله عليه وسلم , ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم , وإنهما لمشمرتان أرى خَّدَمَ ( وهو الخلخال) سُوقِهما . تنقلان القرب على مُتُونهما . ثم تفرغانها في أفواه القوم , ثم ترجعان فتملآنها , ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم "

سخاؤها:

قال عنها عروة بن الزبير: " إنها كانت لا تمسك شيئا مما يجيئها من رزق الله تعالي إلا تصدقت به , ولقد تصدقت بسبعين ألف درهم , وهي مع ذلك ترفع درعها والسبعون ألفا هي التي أرسلها إليها عبد الله بن الزبير أخو عروة تصدقت بها يوم وصلت إليها وكانت صائمة , فلما حان وقت الإفطار طلبت ما تفطر عليه , فقالت لها جاريتها : أما استطعت أن تشتري لنا بدرهم مما قسمت اليوم لحما نفطر عليه ؟ فقالت عائشة : لا تلومينني , لو كنت ذكرتني لفعلت , وقد زادها عمر رضي الله تعالى عنه ألفا في عطائها على مثيلاتها من أمهات المؤمنين وقال : إنها حبيبة رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وقال لها رسول الله صل الله عليه وسلم ـ رأيتك في المنام ثلاث ليالٍ جاءني بك الملكُ , في سْرُقَة حرير يقول هذه امرأتُك فأكشف عن وجهك فإذا هي أنت فأقولُ : إن يك من عند الله يُمْضِه وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت عن نفسها : أعطيت تسع خلال ما أعطيتها امرأة والله ما أقول هذا فخرا , نزل الملك في صُورتي , وتزوجني لسبع , وأهديت إليه لتسع , وتزوجني بكرا , وقبض عنى وأنا بنت ثماني عشرة , وكان الوحي يأتيه وأنا وهو في لحاف واحد وكنت أحب الناس إليه , وبنت أحب الناس إليه , ولقد نزلت في آيات من القرآن الكريم , وقد كادت الأمة تُهلك في , ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري , وقبض في بيتي , ولم يلمسه أحد غيري وغير الملك , ولم يتزوج رسول الله صل الله عليه وسلم بكرا غيرها .

برها بأمهات المؤمنين قولا وفعلا :

ويدل على سماحتها في سخائها , وأن كرمها أصيل – حبها لأمهات المؤمنين وبرها بهن مع أنهن ضرائرها , يدل على ذلك :

1- أنها قالت في السيدة زينب بنت جحش : " لم أر امرأة خيرا منها في الدين , وأتقي لله , وأصدق حديثا , وأوصل للرحم وأعظم صدقة ".

2-وقالت في السيدة سودة بنت زمعة : " ما رأيت امرأة أحب أن أكون في مسلاخها من سودة ". فهي تتمنى أن تكون مثلها , وهذا ثناء عظيم على سودة .

3- ولقد بعث إليها معاوية بطبق فيه جوهر قدر بمائة ألف درهم فقسمته بين أمهات المؤمنين , ولم تبق لها شيئا . وكذلك كان دأبها معهن فيما يصل إليها من الهدايا وكانت تساعدهن في العمل , وتزورهن اذا غبن عنها .

حياتها بعد النبي صل الله عليه وسلم :

توفي  النبي – صل الله عليه وسلم – في بيتها – في المكان الذي كان ينام فيه بحجرة عائشة , فاتخذت  عائشة بعد وفاته سكنها في الحجرة المجاورة لقبره , وهي لا تحسب أنها قد فارقت منه غير مشهد  جثمانه : فقد كانت تزوره زيارة الأحياء , تلازم  تلك البقعة الخالدة , ولا تفارقها إلا للعمرة أو الحج , وكانت عائشة رضى الله تعالى عنها تقول : كان من نعمة الله تعالى على وحسن بلائه عندى , أن رسول الله صل الله عليه وسلم مات فى بيتى , وفى يومى وبين سَحْرى ونحرى , وجمع بين ريقى وريقه عند الموت , إذ أخذت سواكا ومضغته حتى لينته لرسول الله صل الله عليه وسلم ثم أعطيته إياه , فاستن به فجمع السواك بين ريقها وريقه صل الله عليه وسلم
وعاشت مصدرا للنور , والمرجع الأول فيما حفظ عندها من آي القرآن  الحكيم , وما حفظته من السنن والأحاديث , وكان بيتها مثابة الزوار من أبنائها وبناتها المؤمنين والمؤمنات يدعونها :  يا أمة !  ومنهم  من هي في سن أصغر بناته , وياله من دعاء محبب إلي الأسماع " وكانت إذا  فرغت من تلقين  الأحاديث , وجواب السائلين تأوى إلي الصلاة والتسبيح في جوار الضريح , أو تعمل  في مهنة البيت .
وتوفيت سنة ثمان وخمسين للهجرة  في خلافة  معاوية وعمرها سبعون سنة وقيل ست وستون سنة وكانت قد أوصت ابن أختها عروة بن الزبير أن تدفن بالبقيع , ليلا به بعد الوتر وصل عليها أبو هريرة رضى الله تعالى عنه ورضى الله تعالى عن عائشة أم المؤمنين "

الدروس المستفادة من سيرة عائشة :

1- الرضا بالزوج الكفء , وعدم المغالاة في المهور .
2- أن الزوجة المخلصة المطيعة تسعد أسرتها وتعين زوجها على أداء رسالته .
3- على الزوجة أن تقيم حياتها الزوجية على الفهم والحب والإيثار .
4- للمرأة أن تتزين وتتجمل لزوجها مما يدخل السرور على نفسه .
5- من حق الزوجة أن تتمتع باللهو المباح في الوقت المناسب .
6- العناية بعلم الدين , والحرص على تبليغه للناس , ليهتدوا به فيسعدوا , والأخذ من ألوان الثقافة بنصيب .
7- على المرأة أن تقوم بنصيبها من الجهاد في سبيل الله والوطن بما يلائم طبيعتها .
8- أن يجود الإنسان بما في يده على المحتاجين , ولاسيما من تربطه بهم صلة .
رضى الله تعالى عن عائشة الصديقه بنت الصديق وهكذا فلتكن نساء المؤمنين
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ذات النطاقين

السيدة أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنهما :

نسبها : هى أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنهما , نشأت فى بيته وسمعت من كلامه , وأسلمت على يديه مع السابقين إلى الإسلام , وقد سمعت من أحاديث رسول الله صل الله عليه وسلم , وتفقهت فى الدين وعرفت كثير من مأثور كلام العرب , وقد قطعت حياتها دفاعا عن الإسلام وجهادا فى بيت زوجها وجهادا عند الفتنة الكبرى فى الإسلام , وكانت بذلم جديرة بأن يذكرها الرجال والنساء جميعا
ففى حياتها بطولات تحتذى ومنارات , لمن أراد المثل الأعلى من النساء أو الرجال

من أبطال الهجرة النبوية

( أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنهما )

فلقد كان والدها أبو بكر رضى الله تعالى عنه يعرف عقلها وشجاعتها ويثق فى قدراتها على جلائل الأعمال , ولذلك أطلعها على خبر هجرة رسول الله صل الله عليه وسلم , وما كان ذلك أمرا هينا لولا أن اطمأن أبى بكر , لأسماء فى صمتها
وفى حديثها وفى سيرها وفى اشارتها , بحيث لايمكن أن يعرف أحد عنها طرفا
من أطراف حديث الهجرة , وكانت أسماء عند تقدير والدها , لا تتحدث ولا ينال منها التهديد ولا التطيب , وكانت تخرج كل ليلة ومعها الزاد , الذى تقدمه للرسول صل الله عليه وسلم وصاحبه ومعها كذلك , ما عرفت من أخبار قريش ومكثت أسماء ثلاثة أيام فى قلق واضطراب , تتسلل إلى غار ثور فى الظلام والعيون تترصد كل سبيل وتبحث فى كل اتجاه عن رسول الله صل الله عليه وسلم , ولعل الخوف كان يحوطها من كل جانب ولكن إيمانها وشجاعتها , كانت أقوى من كل خوف .

وانقضت الأيام الثلاثة وهو الصاحبان , بالرحيل إلى المدينة وجاءتهما أسماء بالزاد
الكثير الذى يأخذانه معهما فى سَفرة وأرادت , أن تربطها بالرحل ولكنها لم تجد ما تربط به فحلت نطاقها وشقته نصفين , علقت السفرة بشق وانتطقت بالشق الآخر , فسميت لذلك ذات النطاقين , وبشرها رسول الله صل الله عليه وسلم بأنها ونطاقها فى الجنة وكما كانت شجاعة فى ذهابها وإيابها , إلى الغار كل مساء كانت كذلك شجاعة وهى تودع رسول الله صل الله عليه وسلم وتودع معه أباها وهى تعرف مخاطر الطريق ومتابعة قريش وبعد السفر , وغياب الوالد ولذلك ودعتهما وهى لا تفكر إلا فيهما خوفا عليهما من الكافرين الباحثين المتابعين "
وكانت أيضا شجاعة هى تسمع طرق بابها , بشدة وعنف فقامت لتتعرف من الطارق ؟ فوجدت عدد من كفار قريش وفيهم أبو جهل يسألونها فى غلظة , : أين أبوك ؟ فقالت لا أدرى أين أبى الآن ؟ وهى صادقة فهى لا تعرف مكان أبيها فى الطريق الذى يسير فيه فلطمها أبو جهل لطمة قاسية , أطارت قرطها فاحتملت ذلك فى شجاعة وثبات رجاء رضاء الله وثوابه .

وشجاعة وذكاء من نوع آخرتقابل به جدها , أبا قحافة وقد اقبل حزينا ثائرا بعد ما علم برحيل ابنه مع رسول الله صل الله عليه وسلم , ويقول بأعلى صوته : ( لقد فجعكم أبو بكر فى نفسه وفى ماله , وكان أبو بكر قد أخذ معه ماله كله , فقالت أسماء تهدئ من روع جدها لقد ترك لنا خيرا كثيرا , ووضعت يده على صرة فى كوة البيت
وقد جعلت فيها أحجارا فقال الجد الضرير , : لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فما أروعها شجاعة ذكية .

أسماء زوجة :

لقد كانت أسماء رضى الله تعالى عنها زوجة تجعل من الحياة الزوجية فوق مطالب الحياة ومتعتها ونعيمها , وقد تزوجت فى صدر الإسلام الزبير ابن العوام
وكان بطلا من أبطال المسلمين , جاهد مع رسول الله صل الله عليه وسلم , جهادا صادقا فاستحق أن يجعله رسول الله صل الله عليه وسلم حواريه , أى حبيبه وناصره
كما رشحه سيدنا عم للخلافة فيمن رشحهم لذلك , من بعده وذلك لرجاحة عقله وثاقب رأيه وقد هاجر إلى المدينة وترك السيدة أسماء , فلحقته بعد فترة وكانت حاملا وفى المدينة وضعت أول مولود للمهاجرين ,فى المدينة وهو عبد الله بن الزبير , وقد عاشت أسماء زوجة صابرة تقوم على خدمة نفسها , وخدمة زوجها وكانت تعلف فرسه , وتدق النوى للبعير الذى يحمل عليه , الماء , وتخرز له غربه وهو الدلو
من الجلد وتنقل النوى على رأسها , من الأرض التى أقطعها إياها رسول الله صل الله عليه وسلم على مسيرة ميلين .
وظلت كذلك لا تشكوا ولا تتحدث حتى علم أبوها , بمشقتها فى خدمة زوجها فأعنها بخادمه بعد أن قضت زمنا تخدم بيتها , وهى بنت أبى بكر وزوج الزبير وأم عبد الله
من أبطال الإسلام .
وبعد ذلك قتل زوجها فى موقعة الجمل وترملت فلم تتزوج , بل ظلت وفية لزوجها ولأولادها من بعده .

أسماء بطلة لا ترضى بالحياة فى غير سبيل الحق

وعاشت أسماء حتى اشتدت الفتنة بين المسلمين , ورأى أهل الحجاز أن يولوا عليهم عبد الله ابن الزبير خروجا , على الأمويين الذين جعلوا الخلافة ملكا , وراثيا وقد اجتمع مع أهل الحجاز أهل اليمن والعراق وخراستان , إلى أن أرسل الأمويون
جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفى فحاصر عبد الله بن الزبير فى مكة ستة أشهر
ونصف شهر , وعاشت أسماء مع عبد الله أيامه الأخيرة تشاركه حياته , وتشد أزره
وتحمله على أن يقبل الدنية فى دينه .

وحوصر ابنها عبد الله فى مكة , فخذله الناس حتى أهله وعرض عليه بنو أمية الأمان والولاية والمال , فذهب إليها يعرض أمره وهو يقول ( لم يبق معى إلا اليسير ومن لا دفع عنده أكثر من صبرساعة من نهار , وقد أعطانى القوم ما أردت من الدنيا فما رأيك ؟ فما ضعفت كالنساء والأمهات وإن كان الأبطال من الرجال يضعفون فى مكانها , بل ملكت جأشها وأقبلت عليه تقول : يا ولدى إن كنت على حق
تدعوا إليه فامض عليه فقد قتل عليه أصحابك , ولا تمكن من رقبتك غلمان بنى أمية فيتلعبوا بك , وإن قلت : إنى كنت على حق فلما وهن أصحابى ضعفت نيتى فليس هذا فعل الأحرار , ولا فعل من فيه خيركم خلودك فى الدنيا ؟ القتل أحسن ما يقنع به ابن الزبير , والله لضربة بسيف فى عز أحب إلى من ضربة بسوط فى ذل ,

,وحين دخل عليها يودعها فقالت له يابنى , مت كريما ولا ترضى الدنية فإن الموت لابد منه وحين قال : إنى أخاف أن يمثلوا بى قالت : وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها والتفتت تدعوا الله كأنما تناجى نفسها ( اللهم ارحم طول ذاك الجنب , فى هواجر مكة والمدينة وبره بأمه , اللهم إنى قد سلمت فيه لأمرك , ورضيت فيه بقضائك فأثبتنى فى عباد الله واكتب لى ثواب الشاكرين ) وغلب الحجاج ابنها المقدام فصلبوه ورفعوا جثته للتشهير والتمثيل فذهبت إلى الحجاج وقالت من بعيد : أما آن لهذا الراكب أن ينزل , فقال الحجاج : المنافق , فقالت مغضبة : والله ما كان منافقا وقد كان صواما قواما , وأغلظت الكلام للحجاج .

هذه هى الزوجة التى يسعد بها الزوج , وهذه هى الأم التى يشرف بها الأبناء وهذه هى البطلة المسلمة التى نشأت على الحق , ودافعت عن الحق وضحت بزوجها وابنها فى سبيل الحق وما ضعفت أمام الباطل , وما أذلها طغيان إنها المؤمنة بربها
الراضية بقضائه الصابرة بحكمه , وفيها للفتاة قدوة الشجاعة .
وفيها للمرأة الرضا عن حياة زوجها المادية , مادام غنيا بأخلاقه وآدابه وفيه كل بطلة وبطلة قدوة تدافع كلا منها إلى الإيمان بالله , فى غير خوف ولا جزع ومحاربة الباطل فى غير هوادة واستصغار الحياة فى جانب الموت الشريف "
حقا إنها نماذج فريدة للفروسية فى أسمى معانيها تتجلى لنا فى أسماء وابنها عبد الله رضى الله تعالى عنهما , خدمة للإسلام ولنشر دعوته بين الآفاق , فرضى الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم