من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

وعندما وصل المهاجرون , إلى الحبشة ومن بينهم جعفر بن ابى طالب , حينئذ أرسل الكفار وفدا يخترع العراقيل ويبث المؤامرات , ضد هؤلاء المهاجرين وكان منهم عبد الله بن أبى ربيعة , وعمرو بن العاص " لكى يفاوضا النجاشى ملك الحبشة
فى أمر استعادة هؤلاء المهاجرين ليعودوا , إلى قبضة الكفار فى قريش , ثم تقدم عمرو وعبد الله إلى النجاشى , ووضعا هديته بين يديه , وقالا له : أيها الملك إنه قد حضر إلى بلدك غلمان منا سفهاء , فرقوا بين قومهم ولم يدخلوا فى دينك وجاءوا بدين اتبعوه لانعرفه , نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك أشراف قومهم , من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم .

ولكن النجاشى بحاسة العدل فى قلبه , والحكمة فى تصرفه أبى إلا أن يقابل هؤلاء المهاجرين , من المسلمين وكان المتحدث من المهاجرين , أمام النجاشى  جعفر بن أبى طالب فتقدم ومعه حزب الله ثم قال : أيها الملك , كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام , ونأكل الميتة , ونأتى الفواحش , ونقطع الأرحام , ونسئ الجوار , ويأكل منا القوى الضعيف , فكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولا منا نعرف نسبه
وصدقه وآمانته وعفافه , فدعانا إلى الله لنوحده , ونعبده , وأمرنا بصدق الحديث
, وأداء الأمانة , وصلة الرحم , وحسن الجوار , والكف عن المحارم والدماء "
ثم أخذ جعف يبين للنجاشى محاسن الإسلام , وفى ختام حديث جعفر طلب منه النجاشى أن يسمعه شيئا من القرآن فقرأ جعفر من أول سورة مريم إلى قوله تعالى "
وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة مادمت حيا , وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا , والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا "

فتأثر النجاشى بما سمع من كتاب الله وبكى , ثم قال لهم إن هذا والذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة , ثم قال لوفد قريش والله لا أسلمهم إليكما أبدا ,    وأمن المسلمون على أنفسهم ولم يسلمهم إلى أعدائهم , وظل جعفر بعد رجوعه من الحبشة , وفى أعقاب فتح المسلمين لخيبر , وهو يرافق رسول الله صل الله عليه وسلم فى جهاده واعلاء كلمة الإسلام , حتى استشهد فى غزوة مؤتة وهو يحمل لواء الجيش وقيادته ,وكان تعداد جيش المسلمين ثلاثة آلاف , وجيش الروم مائة وخمسون ألفا , وكانت فى السنة الثامنة من الهجرة وكثرة جيش الروم لم ترهب المسلمين , بل قاتلوا حتى استشهد القائد زيد بن حارثة , فأخذ الراية والقيادة من بعده جعفر بن أبى طالب وظل يقاتل الروم حتى قطعت يده اليمنى , فأمسك الراية باليسرى حتى قطعت , فتكاثرت جند الروم من حوله حتى نال الشهادة ولقى ربه راضيا فرضى الله تعالى عن سيدنا جعفر بن أبى طالب فى الآخرين
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين ولا تشمت بنا الأعداء والحاسدين , وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزى ولاندمين "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

كرة كيوم حنين

هذه كلمة سجلتها كتب السير والمغازى , للصحابى الجليل عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصارى الذين كانوا ممن اختارهم الله تعالى , لشرف الدفاع عن الإسلام وحمل رسالته فى الآفاق , ولقد وهب الصحابى الجليل عبد الرحمن بن ثعلبة نفسه وحياته لهذه المهمة العالية ذات المنزلة الرفيعة والدرجة السامية , وخاصة بعد أن سمع من حديث الرسول صل الله عليه وسلم , عن فضل الجهاد ومنزلة الشهداء ومكانتهم عند الله تعالى إذ يقول صل الله عليه وسلم :" لايجمع الله عز وجل , فى جوف عبد غبارا فى سبيل الله ودخان جهنم " وقوله صل الله عليه وسلم :" ومن اغبرت قدماه فى سبيل الله باعد الله تعالى منه , النار يوم القيامة مسيرة ألف عام "
ولذا لم يتخلف عن غزوة واحدة , فقد شهد غزوة بدر والمشاهد كلها .

وبعد أن انتقل رسول الله صل الله عليه وسلم إلى جوار ربه , أرسل أبو بكر الصديق
رضى الله تعالى عنه , جيشا إلى اليمامة من أجل القضاء على الفتنة التى قام بها مسليمة الكذاب , وكان عبد الرحمن بن ثعلبة من أول من أختيروا لهذه المهمة الصعبة فى صفوف المجهدين , وبدأت المعركة واندفع البطل يعمل سيفه فى أعداء الله حتى أصابه , سهم فى غير مقتل ونزف بغزارة فحمله المسلمون بعيدا ليضمدوا جراحه .
كان جيش " مسيلمة الكذاب " أضعاف جيش المسلمين وتقهقر المسلمون حتى جاوزوا رحالهم , ونادى مناديهم يا للأنصار
الله , الله , والكر على عدوكم .

ويحكى عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما , ما حدث من عبد الرحمن بن ثعلبة
فيقول :" وجدته ينهض فقلت له , أين تريد : إن المنادى قد نوه باسمى .
فقلت له إنه يقول يا للأنصار ولا يعنى الجرحى , فقال أنا من الأنصار وأنا أجيبه ولو حبوا , يقول بن عمر رضى الله تعالى عنهما : استوى عقيل عبد الرحمن بن ثعلبة واقفا وتحزم وأخذ سيفه : ونادى " كرة كيوم حنين " فاجتمعوا يرحمكم الله .
وكان هذا النداء إيذانا بتغير كفة المعركة , وحمل المسلمون على عدوهم حتى لم يجدوا إلا حديقة يحتمون بها , فاقتحمها عليهم المسلمون , وقتلوا من أصحاب "مسيلمة الكذاب " ما يزيد على عشرين ألفا

بينما استشهد من المسلمين ستمائة
وكان من بينهم عبد الرحمن بن ثعلبة , وقد قطعت يده ووقعت إلى الأرض , وأصيب بأربعة عشر جرحا كلها فى مقتل , يقول بن عمر رضى الله تعالى عنه وقفت على أبى عقيل , وهو فى الرمق الآخير يسأل عن المعركة , فقلت أبشر فقد قتل عدو الله
فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله تعالى ثم سكنت حركته , وتلألأ وجهه وهو يستقبل الآخرة , فرضى الله عن عبد الرحمن بن ثعلبة وصحبه الأكرمين وسائر إخوانه المجاهدين "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

سفير الإسلام الأول

الصحابى الجليل مصعب بن عمير رضى الله تعالى عنه

هو صحابى جليل من صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم _ وهو من أوائل المسلمين الذين استنارت بصيرتهم , فاعتنقوا الإسلام , فأمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صل الله عليه وسلم نبيا ورسولا .

نسبه :

هو مصعب بن عمير بن هاشم , من بنى عبد الدار بن قصى بن كلاب , كان فى أول أمره منعما مترفا ومدللا , وكانت أمه تحبه كثيرا وتكسوه بأحسن الثياب

قصة إسلامه :

كان مصعب بن عمير من شباب قريش النابهين , وكان يعيش مع أهله وأسرته عيشة ترف ورفاهية .
وقد سمع كما سمعت كل مكة , بالدين الجديد الذى يبشر به محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم _ ويدعوا الناس إلى إعتناقه , وإلى التحرر من عبادة الأصنام , هذه التماثيل التى لا تعقل ولا تنفع ولا تضر , بل لا تملك شيئا من أمر نفسها .
فكر " مصعب " بذكائه أن يذهب إلى " محمد " صل الله عليه وسلم _ ليسمع بنفسه ما يقول وخصوصا أن " محمد " صل الله عليه وسلم _ كان يتمتع بسمعة طيبة وسيرة حسنة حتى لقبوه " الصادق الأمين "

وذهب " مصعب" إلى الرسول صل الله عليه وسلم فى مجلسه , فوجده صل الله عليه وسلم _ مع مجموعة قليلة من أصحابه , يتلوا عليهم بعض آيات القرآن الكريم .
جلس " مصعب " يستمع ويتأمل فى خشوع , وقد أحس براحة وطمأنينة , وكأن نورا بدأ يتسلل إلى نفسه ليزيح عنها ظلام الجاهلية , وكانت لحظة مباركة حين قام مصعب فى هدوء ومد يده إلى النبى صل الله عليه وسلم _ وبايعه على الدفاع عن دعوة الإسلام ومناصرة الرسول صل الله عليه وسلم , فظهرت آثار الفرحة على الحاضرين من صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم _ وقد اسلم " مصعب " وهو ابن أربع وعشرين سنة , وكان إسلامه بعد دخول النبى صل الله عليه وسلم _ دار الأرقم بن أبى الأرقم .

غضب أمه وأهله

لما أسلم " مصعب " أمره الرسول صل الله عليه وسلم _ بكتمان إسلامه خوفا عليه من إيذاء قومه ولكنهم شاهدوه , ذات يوم وهو خارج من دار الأرقم وبعدها بدأت أيام المعاناة , ولما علمت أم " مصعب " بإسلام ابنها , وكانت إمرأة كافرة , فغضبت غضبا شديدا وثارت ثورة عارمة , وحبسته وأغلقت عليه الأبواب ليرتد , عن الإسلام ويعود إلى الكفر والضلال , وأخذت تهدده وتتوعده , وكانت إمرأة ذات سطوة وجبروت لكن " مصعب لم يتراجع أمام قسوتها , ولم تضعف عقيدته , وظل على إيمانه وقربه من رسول الله صل الله عليه وسلم _ وقال " ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " سورة آى عمران .

واشتد غضب الأم _ واسمها " خناس بنت مالك " وزادت ثورتها , فاستعانت بالأهل
والأقارب وتعاونوا جميعا على مقاومة " مصعب " والضغط عليه , ليرجع إلى دين قومه ويترك الدين الإسلامى ... لكن " مصعبا " واجه غضب أمه وأهله , وثورتهم
عليه بعزيمة المؤمن الشجاع وأعلن بكل قوة :
_ لقد آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا , وبمحمد صل الله عليه وسلم _ نبيا ورسولا , ولن أحيد عن هذا الدين أبدا , مهما بلغت ثورتكم وقسوتكم .
وعندئذ فقدت الأم أعصابها , وماتت فيها عاطفة الأمومة , ومنعته من الهجرة
وهكذا تحولت حياة " مصعب " من الحياة الراغدة المترفة التى كان يعيشها
إلى حياة أخرى قاسية وصعبة جدا , إلى درجة الجوع والحرمان ... ولكن ذلك كله لم يفقد " مصعبا " صبره بل إزداد إيمانه , وقويت عقيدته ... وقد أشرق قلبه بحب الله ورسوله "

هجرته إلى الحبشة

وظل " مصعب" حبيسا حتى ساعده المسلمون على الهرب , من سجنه وهاجر من مكة مع المهاجرين إلى الحبشة , وهناك نعم المسلم الداعية إلى الله , وبعد أن عاد من الحبشة اختاره رسول الله صل الله عليه وسلم _ ليكون المبعوث الأول إلى المدينة, وسفيرا له فيها , وهوأول داعية فى الإسلام وكفى بها شرفا فهى مهمة عظيمة وأخذ
يعلم المسلمين مبادئ الإسلام فسماه المسلمون , القارئ المقرئ واستطاع " مصعب " بحكمته وبراعته أن يجذب الكثيرين إلى نور الإسلام , كان " مصعب أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل أن يؤمر المسلمون بها , حتى نزلت الآية فى سورة الجمعة " يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "

ومن أمثلة براعته فى الدعوة أن أسيد بن حضير كان مشركا , واندفع نحو " مصعب "وفى يده حربة يريد أن يطعنه بها , فرآه " مصعب " فلم يخف وقال فى هدوء , ألا تجلس فتسمع القرآن , فإن رضيت أمرنا قبيلته , وإن كرهت كففنا عنك ما تكره , فقال : أسيد , أنصفت فجلس فسمع القرآن وانشرح صدره للإسلام , وقال لمصعب
ما أحسنه وأصدقه , كيف يصنع من يريد أن يدخل هذا الدين , فإرشده مصعب وأسلم أسيد بن حضير .

جهاد مصعب واستشهاده

بعد هجرة الرسول صل الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب ( المدينة المنورة ) واستقرار المسلمين فيها _ بدأت الجماعة الإسلامية تعيد تفكيرها , فى أمر مشركى مكة , الذين آذوا رسول الله صل الله عليه وسلم _ وعذبوا أصحابه , حتى اضطروا إلى الهجرة من مكة تاركين فيها ديارهم وأموالهم .
ومن هنا بدأت رحلة الجهاد المسلح دفاعا عن دين الله , وكانت غزوة "بدر " الكبرى التى انتصر فيها المسلمون بعون الله تعالى _ على المشركين انتصارا باهرا وقد اشترك " مصعب " فى هذه الغزوة وأبلى فيها بلاء حسنا .
ثم جاءت " غزوة أحد " التى استشهد فيها " مصعب " بعد أن سجل له التاريخ أعظم المواقف وأشرفها .

ومما يجعل لمصعب رضى الله عنه , المكانة العالية والمنزلة الرفيعة فى الدفاع عن الإسلام أنه كان له الشرف فى حمل اللواء فى غزوة أحد , وبينما هو يتقدم الصفوف
واللواء مرفوع فى يده – إذ بأحد من المشركين , واسمه " ابن قميئة " يهجم عليه ويضربه بالسيف على يده اليمنى فيقطعها .
لم يستسلم مصعب رضى الله عنه , وإنما أخذ اللواء ورفعه بيده اليسرى , وهو يكبر
ويردد بعض آيات من القرآن الكريم .
وإذا بعدو الله " ابن قميئة " يسرع إليه مرة ثانية ويضربه على يده اليسرى فيقطعها هى الأخرى .

وهنا يقف التاريخ مبهورا ليشهد مصعب بن عمير رضى الله عنه , وهو يضم اللواء بعضديه إلى صدره , وما زال يكبر , ويردد آيات القرآن الكريم , ولكن أعداء دين الله تجمعوا وانقضوا على البطل بسيوفهم ورماحهم الآثمة .
وهكذا سقط البطل الشهيد مضرجا بدمائه الطاهرة , وهو يحتضن لواء رسول الله
صل الله عليه وسلم _ وكان ذلك فى العام الثالث من الهجرة سنة 625_ م
رحم الله تعالى مصعب بن عمير ورضى الله تعالى عنه , وأسكنه فسيح جناته
فقد عاش عظيما ومات عظيما "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

داعية السلام

عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه

عندما تعمر القلوب بالإيمان , يغذيها الحب فى الله , لمن كان سببا فيه ومعلما له
والإيمان الحق يجمع الولاء الصادق لصاحب الفضل , وحسن الإنتماء إليه والتأسى به بين الجميع حتى يضعهم على طريق الإستقامة , ويكون الحب منهجهم حين يتحركون أو يسكنون .
وهذا " عمران بن حصين " أحد الرجال الأفذاذ الذين سعدوا بصحبة النبى صل الله عليه وسلم فكانوا بذلك امتدادا لسيرته , وخير من سار على هديه وسنته , فمنذ أن وضع " عمران بن حصين " يمينه فى يمين , الرسول صل الله عليه وسلم _ مبايعا على الإيمان وهو يجعل ليمينه كل تكريم , فألى على نفسه ألا يستخدمها إلا فى كل عمل طيب كريم .

وحين سأل الصحابة الرسول صل الله عليه وسلم , عن اختلاف حالهم بين أن يكونوا عنده وحين يفارقوه , وكان من بين هؤلاء الصديق أبو بكر رضى الله عنه _ وعكاشة بن محصن البدرى الأسدى , فقالوا يارسول الله , ما بالنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا , وزهدنا دنيانا , وكأننا نرى الآخرة رأى العين , حتى إذا خرجنا من عندك
ولقينا أهلنا وأولادنا , ودنيانا , أنكرنا أنفسنا ؟ ؟
فأجابهم الرسول صل الله عليه وسلم : " والذى نفسى بيده لو تداومون على حالكم
عندى لصافحتكم الملائكة عيانا , ولكن ساعة وساعة "

إلا أن " عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه " حين سمع هذا الحديث لم تقنع همته العالية بأن يحيا , ساعة وساعة .. بل أراد أن تكون حياته كلها ساعة واحدة
موصولة النجوى والتبتل لله رب العالمين .
وقد اختاره أمير المؤمنين عمر رضى الله تعالى عنه , ليكون فقيه البصرة ومعلم أهلها فأقبل عليه أهلها منذ عرفوه , يتبركون به ويستضيئون بتقواه علما وعملا عنه
إذ أنه كان يرفض أن يشغله عن الله شاغل , حتى صار كأنه لا ينتمى لأهل الدنيا
التى يعيشها بل كان وكأنه ملك , يحيا بين الملائكة يحادثهم ويصافحهم ويحادثونه ويصافحونه

, وكان " عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه " داعية سلام يوم اشتد الخصام .. ووقع النزاع الكبير بين المسلمين على إثر انقسامهم , إلى فريقين
حين الخلاف بين على .. ومعاوية رضى الله عنهما .
فوقف رضى الله تعالى عنه _ موقف الحيدة .. فلم يؤيد هذا ولا ذاك .. ولم يتخذ موقفا سلبيا مما حدث بل امتدت , ايجابيته إلى أنه رفع صوته بين الناس , داعيا اياهم
أن يكفوا عن الإشتراك فى تلك الحرب , التى توغر فجوة الفرقة بين صفوف المسلمين , فاحتضن قضية السلام على خير ما يكون من دبلوماسية , وراح ينشر ثنايها بين الناس ويقول :" لأن أرعى أعنزا حضنيات فى ظهر جبل , حتى يدركنى الموت أحب إلى من أرمى فى أحد الفريقين , بسهم أخطأ أم أصاب "

وبذلك تكون قضية السلام هى سيرة المؤمنين , الصادقين إنهم  يريدون دائما _ أن يسود الود والوئام وينتشر الأمن والسلام , بين الناس جميعا حتى تتحقق لهم السعادة فى الدنيا ويحظون برضوان الله الذى , هو أكبر من كل شئ فى الآخرة .
وظل عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه داعية سلام , حتى لقى ربه عز وجل
راضيا مرضيا , فى جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار رضى الله عنهم ورضوا عنه " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أمير الكبراء

الحب وابن الحب _ أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنهما

لقد جعل الله تعالى فى هذه الحياة على مر العصور , وتداول الأزمنة من ذوى الخبرة والمهارات فى مختلف مناحى الحياة وما يحتاج , إليه المسلمون من فنون و أعمال ففى كل المهارات والمواقف , والعلوم والفنون نجد له النموذج الأمثل , والفرد الذى يكون فى ذلك قدوة لغيره
وتطبيقا عمليا لمواقف البر والخير والعمل الإنسانى , الذى قلما يحدث بين بنى البشر
إلا ان يكون للإيمان فى قلوبهم ,  الرصيد الأوفى والنصيب الأعمق , فتزكوا بذلك نفوسهم ويكون النبل فاتحة خير فى سلوكهم وأعمالهم , والمصلحة العامة هى هدفهم
والمقصد والمآل فى سائر حركاتهم وسعيهم , ويتأكد هذا المعنى فيما كان عليه .

الصحابة رضوان الله عليهم من مواهب وما احتفظوا به من علوم , تعلم منها العدو قبل الصديق ومن هؤلاء الصحابة , أسامة بن زيد الذى شاءت إرادة الله العليم الحكيم
أن يجمع له من عوامل الفضل والإكرام , ما لم يكن لغيره فأمه " بركة الحبشية " المكناه بأم أيمن , كانت مملوكة لآمنة بنت وهب أم , النبى صل الله عليه وسلم _
فربته فى حياتها وحضنته بعد وفاتها , ففتح عينيهعلى الدنيا وهو لا يعرف لنفسه
أما غيرها , فأحبها أعمق الحب وأصدقه , وكثيرا ما كان يقول : هى أمى بعد أمى
وبقية أهلى , وأما أبوه فهو حب رسول الله صل الله عليه وسلم _ زيد بن حارثة
موضع سره وأحد أهله وأحب الناس إليه بعد الإسلام , ولا عجب فى ذلك أن يطلق على أسامة بن زيد . الحب وابن الحب.

وكان أسامة رضى الله تعالى عنه _ جديرا بهذا الحب , لأنه تحلى بجميل الصفات
وحميد الخصال , فقد كان ذكيا حاد الذكاء شجاعا خارق الشجاعة , حكيما يضع الأمور فى مواضعها عفيفا عن الهفوات والدنايا , قريبا مألوفا يحبه الناس , تقيا ورعا يرضى عنه الله ورسوله .
تعددت مواقفه بتنوع أعماله صفاته الفاضلة , ففى يوم حنين حين انهزم المسلمون ثبت أسامة بن زيد مع العباس عم النبى صل الله عليه وسلم _ وأبى سفيان بن الحارث وستة آخرين من كرام الصحابة , فاستطاع الرسول صل الله عليه وسلم _
بهذه الفئة الصغيرة المؤمنة , الباسلة أن يحول هزيمة أصحابه نصرا وان يحمى المسلمين الفارين من أن يفتك بهم المشركين .