من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

عندما تزكوا النفوس بالإيمان , وتطمئن القلوب بوعد الله , فإن الإيمان فى النفس يتحول
عند صاحبه إلى لسان يتكلم و يقين يتحرك بين الناس ويجذب الأنظار , بالسلوك القويم وحب العدل والإنصاف , والتاريخ الإسلامى زاخر بنماذج فريدة من هذا النوع الذين أخذوا بمعطيات الإيمان وحقائقه , ومن هؤلاء سعيد بن عامر أحد صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم _ أسلم قبل فتح خيبر بقليل , فكان من الأوائل الذين زكت نفوسهم
وتحقق فيهم قول الله تعالى " هو الذى بعث فى الأمين رسولا منهم يتلو عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين " سورة الجمعة الآية 2 _

لقد كان الصحابى الجليل سعيد بن عامر , أحد الذين سطروا حقائق الإسلام بدمائهم
وساعدوا على إقامة بنيانه الشامخ بأرواحهم قولا وعملا , وقد وقع عليه الإختيار من الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه , ليكون واليا على حمص , إحدى مدن الشام التى كانت لها يومئذ , المرتع الخصب الرحيب للنعمة , والملتقى الوافر للحضارات السابقة , فلزمها رجل يتصف بالعفة والطهر ويبتعد عن كل صنوف الإغراء ويتميز بالعدل والإنصاف , وكان أهل حمص فى هذا الوقت معروفون بالتمرد والإختلاف على ولاتهم , ولكن استطاع سعيد بن عامر بصلاح سيرته
وحسن معاملته وتقواه لربه , أن تجتمع له قلوب أهل حمص وذلك بحبهم له المنبثق عن طاعتهم واحترامهم له , مما جعل ذلك أمير المؤمنين عمر يندهش لهذا الحب ويسأله فى تعجب أن أهل الشام يحبونك ؟, فأجابه سعيد رضى الله تعالى عنه بقوله
لأنى أعاونهم وأواسيهم , إلا أن إرضاء جميع الناس غاية لا تدرك

, ويذهب عمر رضى الله تعالى عنه لزيارة أهل حمص كعادته لتتبع ولاته والتأكد من صلاح سيرتهم بنفسه بين الناس , ويسأل أهلها فى جمع حاشد ما ذا تقولون فى سعيد ؟ وتقدم بعضهم يشكوا , إلا أن عمر رضى الله عنه طلب منهم أن يتكلم واحد باسم الجميع فقال له نشكوا منه أربعا :
الإولى : لايخرج إلينا حتى يتعالى النهار .
والثانية : ولا يجيب أحد بليل .
والثالثة : وله فى الشهر يومان لايخرج فيهما .
والرابعة : لا حيلة له فيها ولكنها تضيقنا , وهى أنه تأخذه الغاشية ( أى الإغماء ) بين الحين والحين .

ولما دعاه أمير المؤمنين عمر رضى الله تعالى عنه للدفاع عن نفسه فقال له سعيد رضى الله عنه : أما قولهم : إنى لا أخرج حتى يتعالى النهار , فو الله لقد كنت أكره ذكر السبب , إنه ليس لأهلى خادم , فأنا أعجن عجينى ثم أدعه حتى يختمر , ثم أخبز خبزى , ثم أتوضأ للضحى ثم أخرج إليهم , وأما قولهم لا أجيب أحدا بليل فقد جعلت النهار لهم والليل لربى , وأما قولهم ولى يومين فى الشهر لا أخرج فيهما , فليس لى خادم يغسل ثوبى , وليس لى ثيابا أبدلها , فأنا أغسل ثوبى , ثم أنتظر أن يجف بعد حين , وفى آخر النهار أخرج إليهم

, وأما قولهم أن الغاشية تأخذنى بين الحين والحين , فقدت شهدت مصرع خبيب الأنصارى بمكة , وقد بضعت قريش لحمه
وحملوه على جذعة وهم يقولون له , أتحب أن محمدا مكانك , وأنت سليم معافى ؟
فيجيبهم قائلا والله ما أحب أنى فى أهلى وولدى معى فى عافية , الدنيا ونعيمها
ويصاب رسول الله صل الله عليه وسلم , بشوكة , فيقول سعيد بن عامر " فكلما تذكرت ذلك المشهد الذى رأيته , وأنا يومئذ على الشرك , ثم تذكرت نصرة خبيب يومها أرتجف خوفا من عذاب الله , ويغشانى الذى يغشانى ويزداد وجه عمر رضى الله تعالى عنه تهلالا , ولم يتمالك نفسه ونشوته فيصيح من فرط حبوره قائلا "
الحمد الله الذى لم يخيب فراستى " وعانق سعيد وقبل جبهته ,

وينتقل سعيد بن عامر رضى الله تعالى عنه إلى جوار ربه فى العام العشرين من الهجرة , وهو من أتقى الناس قلبا , وأنقاهم نفسا , وأنضرهم سيرة , وبذلك تظل حياته
نبراسا لكل من يريد التمسك بالخير و الوقوف عند حدود الله وطلب مرضاته وطمعا فى ثوابه وجنته
والعمل من أجل خير الناس , ورضى الله عن سعيد بن عامر وعن صحابة رسول الله أجمعين البررة الأطهار المصطفين الأخيار الذين تأدبوا بأدب الدين وكانوا هم السادة المنصورون "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

حمزة بن عبد المطلب رضى الله تعالى عنه

اسمه وكنيته

هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى عم رسول الله صل الله عليه وسلم وكنيته أبا عمارة , وقيل أبو يعلى , وأمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة وهو شقيق صفية بنت عبد المطلب عمةُ رسول الله صل الله عليه وسلم وأم الزبير لأمها وأبيها , وكان أسن من رسول الله بسنتين وقيل بأربع سنين والأول أصح , وهو أخو الرسول صل الله عليه وسلم من الرضاعة .

إسلامه وجملة من مناقبه

روى ابن الجوزى فى كتابه صفة الصفوة , عن محمد بن كعب القرظى قال : قال : أبو جهل فى رسول الله صل الله عليه وسلم فبلغ ذلك حمزة رضى الله عنه فدخل المسجد مغضبا فضرب , رأس أبى جهل بالقوس ضربة أوضحته ثم بعد ذلك أعلن اسلامه فعز به رسول الله صل الله عليه وسلم , وذلك فى السنة السادسة من البعثة
وفى " أسد الغابة " لابن الأثير الجزرى مانصه عن محمد بن اسحاق قال إن أبا جهل
اعترض رسول الله صل الله عليه وسلم فأذاه وشتمه وقال فيه ما يكره , فلم يكلمه رسول الله صل الله عليه وسلم , ومولاة لعبد الله بن جدعان التيمى فى مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد لقريش عند الكعبة فجلس معهم ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل , راجعا من قنص له وكان صاحب قنص يرميه
ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يرجع إلى أهله , حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش , إلا وقف وسلم وتحدث معهم وكان أعز قريش
وأشدها شكيمة ثم إن مولاة ابن جدعان كلمته بما جرى

, قال ابن الأثير : فاحتمل
حمزة الغضب لما أراه الله تعالى به من كرامته , فخرج سريعا لايقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت معدا لأبى جهل أن يقع به فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا فى القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها ضربة شجته شجة منكرة , وقامت رجال من قريش من بنى مخزوم , إلى حمزة لينصروا
أبا جهل فقالوا : ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت (أى أسلمت ) قال حمزة أنا أشهد أنه رسول الله فقال أبو جهل , دعوا أبا عمارة فإنى والله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا
وعز المسلمون بإسلام حمزة عزا عطيما لما كان له من السطوة , والمكانة وعظيم الجرأة والبأس , ثم إن حمزة هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأبلى فيهما بلاء حسنا مشهودا .

وعن جهاده فى سبيل الله

كما فى صفة الصفوة لابن الجوزى : عن سيدنا على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه قال " لما كان يوم بدر ودنا القوم منا إذا رجل , منهم على جمل له أحمر , يسير فى القوم فقال رسول الله صل الله عليه وسلم يا على ناد لى حمزة , وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر , فجاء حمزة وسئل عن صاحب الجمل الأحمر
فقال : هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال , فبرز عتبة وشيبة والوليد فقالوا من يبارز , فخرج فتية من الأنصار فقال عتبة لا نريد هؤلاء , ولكن من يبارزنا من ولد عمنا فقال صل الله عليه وسلم قم يا على قم يا حمزة قم يا عبيدة بن الحارث "
ثم إن حمزة بارز شيبة فقتله وبارز على الوليد فقتله , وبارز عبية عتبة فأثبت كل صاحبه وكر على وحمزة على عتبة بأسيافهما فأجهزا عليه .

وجئ بعبيدة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم لكنه ما لبث أن توفى شهيدا سعيدا رضى الله تعالى عنه , وقد ذكر أن حمزة رضى الله كان عليه فى الحرب ريشة
نعامة وقاتل يوم بدر بين يدى رسول الله صل الله عليه وسلم , بسيفين وقال بعض أسرى الكفار , من الرجل المعلم بريشة نعامة قالوا : حمزة بن عبد المطلب
رضى الله تعالى عنه " ذاك فعل بنا الأفاعيل " هذا وليعلم أن حمزة رضى الله تعالى عنه صاحب قائدا لسرية من عساكر الصحابة الكرام ففى أسد الغابة عن أبى الحسن المدائنى قال : أول لواء عقده رسول الله صل الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب
رضى الله تعالى عنه بعثه فى سرية إلى سيف البحر من أرض مهيلة .

وعن وفاته رضى الله تعالى عنه

لقد اكرم الله سبحانه وتعالى سيدنا حمزة رضى الله تعالى عنه , أن توفاه شهيدا حميد قد تزود بصالح الأعمال مع حسن السيرة وسلامة السريرة , وفى السنة الثالثة من الهجرة يوم الجمعة , وقيل يوم السبت بينما كان القتال يدور فى غزوة أحد وقد حمى الوطيس واحمرت الحدق وقد ثبت الأبطال كالليوث , تناضل وتناصر من أجل رسول الله صل الله عليه وسلم : حيث ولى كثير من القوم وتزلزت الأقدام تحت وطأة السيف , والألسن صامتة والأسنة تحكى قصص الإلتحام , والسيوف تخطب على منابر الرقاب , وحمزة رضى الله عنه يصول ويجول , ويقاتل قتال الأبطال وكان يقاتل بسيفين : فقال قائل : أى أسد هو حمزة وبينتما هو كذلك إذا عثر عثرة فوقع على قفاه وانكشف الدرع وإذا بوحشى الحبشى يرميه بالحربة ويمضى حمزة شهيدا سعيدا .

وعن سبب قتل وحشى لحمزة رضى الله تعالى عنه , أن وحشيا كان عبدا مملوكا عند
" جبير بن مطعم " فقال له جبير إن قتلت حمزة فأنت حر , وكان حمزة قد قتل , طعيمة بن عدى , عم جبير يوم بدر , روى بن الجوزى فى صفة الصفوة " عن وحشى بعدما كان قد أسلم , قال وكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر على فلما دنا منى رميته بحربتى فأضعها فى ثٌنته حتى دخلت بين وركيه , وكان ذلك آخر العهد به
قال وحشى فلما رجع الناس رجعت معهم , فإقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام , وقد مثل بحمزة كفار قريش ومُثل بجميع القتلى يومئذ , إلا حنظلة ابن عامر فإن أباه كان من قريش يومها فتركوه وجعل النساء يمثلن , بالقتلى فيجدعن الأنوف ويقطعن الأذان ويبقرن البطون , وقد بقرت هند بنت عتبة بطن حمزة فأخرجت كبده فلاكتها
ولم تستسيغها فلفظتها .

وعن ابى هريرة رضى الله تعالى عنه قال : وقف رسول الله صل الله عليه وسلم
وقد مثل به " أى بحمزة فلم يرى منظرا كان أوجع لقلبه منه " فقال رحمك الله ياعم
أى عم لقد فعولا للخيرات وصولا للرحم .
وعن جابر رضى الله تعالى عنه قال :لما رأى رسول الله صل الله عليه وسلم
حمزة قتيلا , بكى فلما رأى ما مثل به شهق .
هذا وقد ذكر أنه قد كشف عن عدة قبور لشهداء أحد , من بينها قبر حمزة فكان كما هو , وعن جابر رضى الله تعالى عنه قال : لما اراد معاوية أن يجرى عينا التى بأحد
كتبوا إليه , إنا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء , فكتب معاوية انبشوها قال : فرأيتهم يحملون على أعناق الرجال , كأنهم نيام , وأصابت المسحاة رجل حمزة فانبعثت دما .
وقد أعقب مقتل حمزة الحزن العظيم من كافة المسلمين فبكى من أجله الناس وحزن عليه الرسول صل الله عليه وسلم وكانت وفاته مصيبة كبيرة وفاجعة فجع بها يومئذ الناس جميعا , رضى الله تعالى عن سيد الشهداء حمزة وجمعنا به وصحبه والمصطفى صل الله عليه وسلم فى مستقر رحمته
          وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الصحابى الجليل خبيب بن عدى رضى الله تعالى عنه

هو أول من سن الركعتين قبل القتل

كان خبيب بن عدى من بين الوفد الذى , أرسله النبى صل الله عليه وسلم
لقبائل عُضَل وغيرها ليعلموهم أمور دينهم الجديد , الدين الإسلامى , فانطلق
الوفد حتى إذا كان بين غُسفان ومكة , تعرض لهم بنو ليحان وهم من هذيل
فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتفُوا أثارهم , حتى إذا أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى من تمر تزودوه من المدينة , فقالوا إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلا , فقال عاصم أحد رجال الوفد , أما أنا فلا أنزل فى ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك , فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما وسبعة من رجال الوفد , وبقى خبيب بن عدى ومعه رجل يسمى زيد ورجل آخر , فأعطوهم العهد والميثاق فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم
فلما استمكنوا منهم أو ثقوهم فقال الرجل الثالث الذى معهما , هذا أول الغدر فأبى أن يصحبهم , فلم يفعل فقتلوه , وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة فاشترى بنوا الحارث خبيبا , وكان خبيب هو الذى قتل الحارث يوم بدر , فمكث عندهم أسيرا
حتى إذا أجمعوا على قتله , استعار" موسى" آلة حادة" من بعض بنات الحارث ليستحد بها

قالت فغفلت عن صبى لى فدرج إليه حتى أتاه , فإجلسه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك منى وفى يده الموسى , فقال خبيب أتخشين أن أقتله ؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى , وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط أفضل من خبيب
لقد رأيته يأكل من قطف عنب , وما بمكة يومئذ ثمرة , وإنه لمقيد بالحديد وما كان إلا رزق رزقه الله تعالى , فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعونى , أصلى ركعتين ثم انصرف إليهم , لولا أن تروا ما بى جزعا من الموت لزدت فكان أول من سن الركعتين قبل القتل , ثم قال _ ولست أبالى حين أُقتلُ مسلما
على أى شق فى الله مصرعى
وذلك فى ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله " ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله
أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " سورة آل عمران
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأنصاره وسلم تسليما كثيرا

عبد الله بن رواحة رضى الله تعالى عنه

مع بطل من أبطال الإسلام , وقائد من من قادة معركة مؤته , نشأ فى يثرب
عربيا أبيا من قبيلة الخزرج , وسمع من اليهود عن قرب ظهور نبى من العرب
فكان من السابقين بين قومه فى تصديق دعوته , فهوا أحد الذين أمنوا وبايعوا النبى صل الله عليه وسلم _ فى بيعة العقبة الإولى والثانية , وكان عبد الله بن رواحة شاعرا , ملما بالقراءة والكتابة واثقا فيما عند الله , فراح يجاهد تحت راية الإسلام
قائلا لنفسه " يا نفس إلا تقتلى تموتى " وقد شهد بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا , ولم يتخلف عن أحد والخندق وهو يقول فى أبيات له :
يارب لولا أنت ما اهتدينا _ ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا _ وثبت الأقدام إذ لا قينا

وقد جعل رسول الله صل الله عليه وسلم _ قيادة قوات المسلمين ولواءهم لعبد الله بن رواحة فى موقعة مؤتة بعد زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب , ولما وصل جيش المسلمين إلى موقع يقال له :" معان " على حدود الشام وكان قوام الجيش ثلاثة آلاف
فإذا بالروم قد جمعوا لهم ما يقرب من المائتى ألف , فأجمع المسلمون على الكتابة لرسول الله صل الله عليه وسلم _ يخبرونه بخبرهم ويرون فى ذلك رأيه , فقوقف فيهم بن رواحة قائلا : يا قوم والله إن التى تكرهون للتى خرجتم تطلبون , وما نقاتل الناس بعدد فإنما هى إحدى الحسنين : إما ظهور وإما شهادة فقال الناس صدق بن رواحة

, ودارت رحى الحرب وألت القيادة إليه وذلك بعد استشهاد صاحبيه زيد وجعفر رضى الله عنهم جميعا , فانطلق يحمل الراية يشق بها صفوف العدو حتى لقى ربه , فأجمع المسلمون بعده على تولى خالد بن الوليد , وقد أطلع الله تعالى رسوله صل الله عليه وسلم على خبر مؤته , قبل عودة جيش المسلمين منها ورأى
صل الله عليه وسلم : زيدا وجعفرا وعبد الله بن رواحة على سرر من ذهب يصعدون إلى رافع السماء بلا عمد "
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى صحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا

الصحابى الجليل : عويمر بن عامر " أبو الدرداء رضى الله تعالى عنه


ينتهى نسب عويمر بن عامر إلى قبيلة الخزرج من الأنصار , وقد شهد مع رسول الله صل الله عليه وسلم : غزوة أحد وما بعدها من الغزوات , ويكفيه فخرا ان يقول عنه الرسول صل الله عليه وسلم : " عويمر حكيم أمتى " ولقد كان أبو الدرداء على درجة كبيرة من الصلاح والتقوى , وإخلاص العبادة لله وحده مع طهارة القلب وحب الخير للناس , ولذلك كان عويمر بن عامر من أفاضل الصحابة , فقها وحكمة , ومن خير الناس تفقها فى دينه , ومما يدل على صلاح حال وفضل أبى الدرداء , أن رسول الله صل الله عليه وسلم آخى بينه وبين سلمان الفارسى , الذى قال عنه " سلمان منا آل البيت " ولقد كانت المؤخاة التى ربط بها الرسول صل الله عليه وسلم بين أصحابه تجمع بين رجل من المهاجرين والآخر من الأنصار , وكان لذلك أثره ومردوده الإجتماعى على بناء المجتمع وإقامة الدولة الإسلامية , لأنها قامت على المحبة والإخلاص والتعاون والإيثار , ولو أن المسلمين اليوم أخذوا بما كان عليه الأوائل من صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم من حب وتعاون لتغير الحال إلى الأفضل والأحسن وكنا بذلك خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .

وتذكر لنا كتب السير والتاريخ أن أبا الدرداء لما نزل به الموت بكى فقالت له أم الدرداء رضى الله تعالى عنها , وأنت تبكى يا صاحب رسول الله ؟ قال نعم ومالى لا أبكى ولا أدرى هل تغفر لى ذنوبى ؟ وفى رواية أخرى إنه لما نزل بأبى الدرداء الموت جزع جزعا شديدا , فقالت له أم الدرداء ألم تك تخبرنا أنك تحب الموت ؟ قال بلى وعزة ربى ولكن نفسى لما استيقنت الموت , كرهته ثم بكى وقال هذه آخر ساعاتى من الدنيا , لقنونى " لا إله إلا الله " فلم يزل يرددها حتى مات .
فكان جزع أبو الدرداء جزع الخائف من العقاب فى الآخرة لا الجزع من الموت لأنه سيفارق الدنيا , ولذلك دعى ابنه إليه ثم وصاه وذكره بالموت وبالعمل لما بعد الموت
رحم الله عويمر بن عامر وجمعنا الله بصحابة نبيه والمصطفى صل الله عليه وسلم فى مستقر رحمته " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المجاهد الفقيه

الصحابى الجليل أبو سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه

ونسبه _ هو الصحابى الجليل , والفقيه المحدث , والعالم المجاهد , سعد بن مالك بن سنان الأنصارى , المكن بأبى سعيد والملقب بالخدرى , نسبة إلى خدره وهو أحد أجداده .
وكان أبو سعيد من أهل بيعة الرضوان , التى بايع فيها المسلمون رسولهم صل الله عليه وسلم : على الثبات حتى الموت , كما كان لأبى سعيد بيعة أخرى , عقدها مع رسول الله صل الله عليه وسلم : وهى أن يقدم حق على حق الله , وألا يقبل مهادنة ولا تفريطا فى واجبه نحو ربه الذى وهبه الحياة .

ولقد كان أبو سعيد رضى الله عنه عاشقا للجهاد منذ صغره , والدفاع عن الإسلام ورسول الإسلام , حتى دفعه حبه إلى أن يشترك فى غزوة أحد , وكان لا يبلغ عمره
ثلاث عشرة سنة , ولصغر سنه لم يجز الرسول صل الله عليه وسلم خروجه إليها
مع أن والده كان يرغب فى مشاركة ابنه وتلبية رغبته , ثم شارك بعد ذلك فى غزوة الخندق وغيرها , وكان فارسا وبطلا فى المعارك , لايهاب الموت ولا يخشى العدو
وعلى الرغم من الشواغل الكثيرة التى كان يواجهها , أبو سعيد الخدرى فى ميادين الجهاد , فقد كان من كبار المحدثين عن رسول الله صل الله عليه وسلم , فقد روى عنه كثير من الأحاديث التى سمعها ووعاها وعمل بها وبلغها لغيره على السواء

ولقد كان لأبى سعيدا موقفا عند وقوع الفتنة بين المسلمين فى موقعة " الحرة "
سنة ثلاث وستين من الهجرة , وقد اعتزلها أبو سعيد حتى تنكشف الغمة ويستقر حال الأمة , ومن مواقف أبو سعيد فى حرمة دماء المسلمين , أنه دخل عليه رجل من أهل الشام يريد أن يقتله , فألقى أبو سعيد بسيفه إلى الأرض , وقال للرجل بؤ بإثمى وإثمك لتكون من اصحاب النار وذلك جزاء الظالمين , ففزع الرجل من قول أبوسعيد
ولم يمسه بسوء , بل رجاه أن يدعوا له بالتوبة والمغفرة .
وقد ظل ابو سعيد يجاهد فى سبيل ربه ودينه , حتى بلغ عمره أربعا وتسعين سنة
ثم انتقل إلى جوار ربه سبحانه وتعالى , ودفن بالبقيع فى المدينة المنورة ورضى الله تعالى عن أبى سعيد وجزاه عنا وعن الإسلام ونبى الإسلام خير الجزاء
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المتحدث والقائد

جعفر بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه

هو جعفر بن أبى طالب وابن عم النبى صل الله عليه وسلم وأخ لسيدنا على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه .
وعن اسلامه فقد أسلم جعفر بن أبى طالب , وهو دون العشرين من عمره , وأسلمت معه أسماء بنت عميس رضى الله تعالى عنهما وتحمل الإثنان فى سبيل دينهما الكثير ومن المشاق والأعباء ما جعلهما فى السبق من أهل الإسلام والصحابة الكرام .
وقد جاء أمر رسول الله صل الله عليه وسلم : لبعض المسلمين بالهجرة إلى الحبشة وكان من بينهم , جعفر بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه : وذلك بعد أن نصحهم الرسول صل الله عليه وسلم بالتفرق فى الأرض بقوله " تفرقوا فى الأرض فإن الله تعالى سيجمعكم "