عن نظام الحكم فى الإسلام

نظام الحكم فى الإسلام

وعن فلسفة نظام الحكم قبل الإسلام إتصالا لما سبق

ظهرت فكرة الحكم منذ نشأت المجتمعات البشرية , ولكنه كان يختلف فى شكله ,
ونظمه بإختلاف طبيعة المجتمعات , وحظها من التخلف أو التقدم , ومن الوعى أو الجهل , وظل الحكم ينتقل من بيئة لأخرى, ويتدرج ويتطور فى سبيل الرقى والإكتمال, ومن المعلوم أن شريعة الغاب هى التى كانت, تسود المجتمعات وتغلب على الحكم فيها ,فالحرب كانت أساس الصلة بينها , بها يحصلون على ما يريدون من أسباب العيش التى كانت تكتسب بأسنة الرماح , من الإغارة والبغى يقوم بذلك كل من يريد فى شجاعة وفخر , وكان الحق للقوة والسلطان للأقوى , وبرغم ذلك نشأت بعض القواعد , وبتكرارها صارت عرفا له قوة القانون الحاكم بين الأفراد
وعندما تطورت المجتمعات صار الحكم مستندا إلى بعض القوانين الوضعية , ولكنها اعتمدت فى تشريعها على العقل البشرى , بما فيه من قصور وعجز ولذلك شابها النقص , ولم تخل من العيوب .
وكان الحاكم يتقلد الحكم قهرا بما له من قوة وسطوة , أو بما له من حق الوراثة عن الآباء والأجداد , أو بنوع من أنواع الإختيار التى سنتها القوانين الوضعية ."
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 1)

مفردات الحكم فى النظام الإسلامى

ولما جاء الإسلام وضع للحكم نظاما صالحا , لم معروفا العمل به فى أى مجتمع من المجتمعات , ولم يكن صورة متطورة من صور الحكم التى سبقته , ولكنه نظام يختلف عن غيره له أسسه الواضحة , الثابتة التى تصلح لكل أنواع المجتمعات فى كل زمان ومكان , لأنه يستمد تشريعاته من دستور سماوى , لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه "
والحكم الصالح فى الإسلام ليس فضلية ولا نافلة يحث عليها الإسلام فى سلسة الفضائل المستحبة , ولكنه أساس لاينفصل عن مسائل الحياة , ومنفذ شرعى يرجع إليه عند كل صغيرة وكبيرة , وقضاء يسرى على كل خواص الأمور وطبائع الأشياء
ولهذا نجد أوصافه وشمائله تحمل معانى القسط والعدل وتحذر الحاكمين من اتباع الهوى قال تعالى " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا " سورة فصلت 18_ 19_
وقال تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون , ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " سورة المائدة الآية 50_
وقال تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به " سورة النساء الآية 58_ 59_
وقال تعالى " وإن حكمت فاحكم بنهم بالقسط إن الله يحب المقسطين " سورة المائدة
الآية 42_ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (2)

موقف غير المسلمين من الحكم الاسلامى

وفى هذه الآيات ما يؤكد ويثبت لنا فى أعماق الضمير , أن هناك حصانة للأحياء تجل عن عبث الأهواء , وطغيان الأقوياء .
ولقد كان للحكم الإسلامى بما تميز من قواعد ثابتة وأسس سليمة ونماذج صالحة, المثل الأعلى والمنارالهادى الذى استضائت به بعض الدول غير الإسلامية فى سن قوانينها الوضعية
ولهذا نجد شيخ الإسلام محمد عبده رحمه الله, لما ذهب إلى هناك قال رأيت فى بلادنا مسلمين بلا إسلام , وهنا رأيت إسلام بلا مسلمين حيث أنهم يطبقون النظام الاسلامى فى بلادهم ويأخذون به فى جل حياتهم , ونحن المسلمين على العكس من ذلك لم يبق لنا من الإسلام إلا اسمه, ومن الدين إلا رسمه حتى قال بعض الصالحين لو خرج فينا رجل من أصحاب, محمد صل الله عليه وسلم ما عرف من ديننا غير الصلاة" وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (3)

من أسس الحكم فى الإسلام

فى الدولة المدنية الديمقراطية الإسلامية الحديثة

الحكم الإسلامى لها أسس راسخة يرتكز عليها وبدونها لايكون :

أولا : الأمة مصدر السلطات
والسيادة هى سند الحكم وبغيرها لايقوم على أساس , حيث جعل الإسلام الأمة هى مصدر السلطات كلها , والحاكم هو الذى يستمد سلطته منها , ولأن الشعب هو من يملك حق اختيارحكامه والمبايعة له , وسلطة الحاكم ليست سلطة إلهية , أو أنها سلطة لا مراجعة لها فإنه لا قداسة لفرد ولا هيلمان لشخص فالقادة جنود للأمة يعملون لها وعندها ومن بين الجنود يخرج القادة ولقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم ينكر على الوالى أن ينتحل ذمة الله

, وكان عمر رضى الله عنه _ يابى أن يقال عن رأيه , إنه بمشيئة الله ولقد انتهر بعض من كانوا يجالسونه وذلك عندما صرح بذلك , وقال له " بئس ما قلت هذا ما رأى عمر , إن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمن عمر , لا تجعلوا خطأ الرأى سنة فى الأمة "
والسيادة تعنى عقد بين الله سبحانه وتعالى وبين خلقه من جهة , وعقد بين الراعى والرعية من جهة أخرى , " فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق إنما الطاعة فى المعروف " قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " سورة النساء الآية 59_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (4)

ثانيا : الديمقراطية السياسية ( الحديثة )

والنظام الديمقراطى الحديث تتحقق سياسته بتقرير مبدأ الشورى ,والشورى ملزمة وقد دعا الاسلام على التمسك بهذا المبد ء , والعمل به كأساس للحكم قال تعالى " وأمرهم شورى بينهم " سورة الشورى الآية 38_
وتطبيق هذا المبدأ يتأكد من خلال مظهرين اثنين
أ_ أن يختار الحاكم ويبايع على الطاعة , وذلك كما كان يفعل المسلمون عند اختيار حكامهم ومن يرونه أهلا للخلافة , فتتم له البيعة بالإقتناع الحر .
وإذا كان الرسول صل اله عليه وسلم _ قد أشار على أن يصلى أبو بكر بالناس عندما مرض مرض الموت

, وإذا كان أبو بكر قد أشار باستخلاف عمر بن الخطاب رضى الله عنه , وإذا كان عمر قد حدد ستة يختار المسلمون أخدهم من بعده , فإن ذلك لم يكن الزاما للمسلمين , ولم يكن تعينا نهائيا للمسلمين , وإنما كان نوع من الترشيح
وأخذ الرأى ولتكون الكلمة الأخيرة للمسلمن , وهكذا كان اختيار الخلفاء أو الحكام فى الزمن الماضى , كان ذلك عن موافقة المحكومين ولم يكن مفروضا على الرعية بغير اختيارها . أوأُختير لغير مصلحتها باتفاق أرائها , ولم يكن ترشيح الخليفة ملزما للرعية , ولولم يكن مطابقا لتقديرها ورأيها "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (5)

الحاكم فى الدولة الإسلامية يستشير الرعية

ب_ عندما يتولى الحاكم أمور الرعية , فمن الواجب عليه أن يشاور شعبه
وأن يتخذ من أرائهم نورا يستضئ به , حتى يتبين له وجه الصواب والسداد
ومن حق كل مسلم وكل مواطن فى الدولة الإسلامية أن يشارك برأيه فى أى أمر
من الأمور التى تتعلق بالحياة العامة أو الخاصة ولقد وجه الله تعالى نبيه لهذا وهوصاحب الرسالة صل الله عليه وسلم _ وذلك قوله " وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله " سورة آل عمران الآية 159_
ولهذا كان الرسول صل الله عليه وسلم يشاور أصحابه فى أمور دنياهم , ويقول لهم "أنتم أعلم بأمور دنياكم "إلا مانزل به الوحى أو تعلق برسالته من شئون العقيدة أو الدين , فذلك مرده إلى الله ورسوله . "

استشارة الرسول صل الله عليه وسلم لأصحابه

وفى غزوة بدر استمع الرسول صل الله عليه وسلم لرأى " الحباب بن المنذر "
وذلك حين اقترح عليه أن ينزل فى غير المكان الذى استقر فيه المسلمون فوافقه عليه
إذ تبين له صل الله عليه وسلم صواب رأى الحباب , ونفذ ما أشار به معلنا فى قومه أنه بشر مثلهم وأن الرأى شورى بينهم , وأنه وهو رسول الله صل الله عليه وسلم لايقطع برأى دونهم , لأنه فى حاجة للمشورة الحسنة من ذوى الرأى والفكر وأصحاب الكفاءة والخبرة . "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (6)

حرص الرسول صل الله عليه وسلم على المشاورة

وكما أشار عليه " سعد بن معاذ " رضى الله عنه فى هذه الغزوة قائلا " يانبى الله نبنى لك عريشا تكون فيه , ونُعد عندك ركبائك ثم نلقى عدونا , فإن أعزنا الله , وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا , وإن كانت الأخرى جلست على ركبائك
فلحقت بمن وراءنا من قومنا , فقد تخلف عنك أقوام يا نبى الله , ما نحن لك بأشد لك حبا منهم , ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك , يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك , " ووافق الرسول صل الله عليه وسلم على رأى سعد بن معاذ
وأثنى عليه , ودعا له بخير وبنى العريش للنبى صل الله عليه وسلم "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم _(7)

منهج الخلفاء من بعده

بل إن النبى صل الله عليه وسلم كان يستشير أصحابه فى أخص اموره وشئونه الأسرية ولهذا قال أبو هريرة رضى الله عنه_:
" لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صل الله عليه وسلم _ "
وقد نهج الخلفاء الراشدون نهج الرسول صل الله عليه وسلم " فكانوا يستشرون أهل
الرأى فى الأمور السياسية , كاختيار الولاة والقادة , وتسير الجيوش وتوزيع الغنائم
كما يستشرون أهل الفقه فى المسائل الدينية , التى لايجدون لها حكما فى القرآن الكريم أو السنة المطهرة ."
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (

نظام الشورى فى الإسلام يخضع لإعتبارات البيئة والظروف

لم يرسم الدين الإسلامى طريقة خاصة بنظام الشورى , وإنما ترك ذلك لللأمة والجماعة ترسمه على هدى من الدين, وقواعد العدل وفى ضوء ظروفها وتجاربها
ودرجة تحضرها , وعلى ذلك كان لكل خليفة طريقته فى الإستشارة , ولقد كان عمر
رضى الله عنه , لايُقصر مشورته على كبار الشيوخ وأئمة القوم , بل كان يلتمس الرأى من الشبان أحيانا , بل ربما استشار أعدائه ثم يعرض المشورة على رأيه
ليعلم منها موضع النصح من التدليس "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 9)

وقد دعا الإسلام إلى الشورى وحث على مشاركة الشعب فى النصيحة
كشرط لقيام الشورى على أساسها الصحيح :
_ لأنها تساير المبادئ التى قررها : من احترم الفرد والإعتراف بشخصيته فى اطار مبدأ الجماعة , ومن الساواة بين الأفراد , وحرية الرأى, وحرية النقد
_ والشورى هى الطريق الصحيح للوصول أصوب الأراء فى موضوع ما قال الرسول صل الله عليه وسلم _: " ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم "
صحيح البخارى

_ وإذا أخطأ المستشير لم يندم ولم يلمه الناس , على استقلاله بالرأى ولهذا قيل "
لا خاب من استخار ولا ندم من استشار "
_ وبالشورى تحترم إرادة المحكومين , ويشعرون بوجودهم , فتطمئن نفوسهم , ويقبلون على أعمالهم فى تعاون لخير البلاد والعباد .
_ وبالشورى تجند الكفايات والمواهب , المتنوعة لخدمة المجتمع فى مختلف الميادين.
_ والشورى هى السياج الذى يحفظ به حقوق الشعب , ويصحح مسار الحكام
ويضمن استقامتهم , وتدبير أمور الشعب أحسن تدبير . "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (10)

ثالثا : العدل
ومن المبادئ التى يقوم عليها الحكم فى الإسلام العدل , والعدل يتمثل فى اعطاء كل ذى حق حقه , وهو من أهم مسئولبات الحاكم نحو الرعية , وللرعية أن تراقبه
وتنقده وتحاسبه , والعدل المطلق يتحقق بألا يتأثر بالحب أو البغض , ولا بالقرابة بين الأفراد , بل يتمتع به الناس جميعا على السواء , لايفرق بين حسب ولا نسب
ولا مال ولا جاه , وأن يتمثل العدل وينتظم مختلف الحقوق المتعلقة بالأرواح
والأعراض والحريات والأموال .
وقد أمر الدين بتمثل العدل حتى مع الأعداء , ووعد العادلين برضوان الله وثوابه
ونهى عن الظلم وحذرمن سوء عاقبته فى الدنيا والآخرة قال تعالى : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى " سورة النحل الآية 90_

وقال تعالى " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " سورة النساء الآية 58_
وقال تعالى " وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى " سورة الأنعام الآية 152_
وقال تعالى " ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى "
سورة المائدة الآية 8_
وقال صل الله عليه وسلم " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة "
وقال عليه الصلاة والسلام " دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام , ويفتح لها أبواب السماء , ويقول وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (11)

ومن الأمثلة على عدله صل الله عليه وسلم فى حياته وحياة أصحابه من بعده

ومن سيرة رسول الله صل الله عليه وسلم _ وحياة أصحابه ومن تبعهم بإحسان
مُثل عليا , وقدوة طيبة بمبدأ العدل , وتطبيقه تطبيقا علميا , فهو الرسول الكريم قدوة الأمة وصاحب الرسالة :"
_ يتقدم إليه أعرابى ويسأله مزيدا من العطاء , ويقول له الأعرابى فى غلظة ووقاحة :" اعدل يامحمد "
فلم يغضب ولكنه ابتسم , وقال له ويحك فمن يعدل إن لم أعدل " وفى رواية " خبت وخسرت إن لم أعدل "
ويأتى إليه أسامة بن زيد الملقب بحب رسول الله صل الله عليه وسلم ليشفع فى شخص وجب عليه حد السرقة , فيقول له النبى صل الله عليه وسلم " أتشفع فى حد من حدود الله ؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقع محمد يدها "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (12)

من صور العدل فى حياة أصحابه

ولقد اشتهر عمر رضى الله عنه ولقب بالخليفة العادل لما عرف به من العدل المطلق
فقد عدل بين أبى سفيان سيد مكة وصعلوك من جيرانه , وعدل فى محاسبة خالد بن الوليد , وهو سيف الإسلام , وعد بين الملوك والسوقة , وبين الولاة والرعية , وبين بعض الصحابة وغير المسلمين من أهل الذمة .
وشكا رجل من الجند أبا موسى الأشعرى رضى الله عنه , لأنه أعطاه بعض سهمه
وأصر الرجل على أن يأخذ سهمه كله , فضربه أبو موسى وحلق شعره , فمضى الجندى إلى عمر يشكو قائده وأميره , وكتب عمر إلى القائد الأمير , يقول :

" إن كنت فعلت ذلك فى ملأ من الناس , فعزمتُ عليك لما قعدت له فى ملأ من الناس حتى يقتص منك , وإن كنت فعلت ذلك فى, خلاء فاقعد له فى خلاء حتى يقتص منك "
فلما عاد الرجل بكتاب عمر, رجاه قوم أن يعفوا عن الأمير فأ قسم لا يَدَعَنَّه لأحد
, ثم قعد أبو موسى ليقتص الرجل منه , فلما رأه غريمه قاعدا بين يديه فى مجلس القصاص رفع رأسه إلى السماء , ثم قال :" اللهم قد عفوت"
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 13)

قصة عمر رضى الله عنه مع عمرو بن العاص والشاب المصرى

وذلك عندما نازع ولد عمرو بن العاص شابا من المصريين , فى ميدان السباق فضربه بالسوط واستطال عليه قائلا : أنا ابن الأكرمين , ورحل الفتى من مصر إلى بلاد الحجاز ليرفع شكواه حيث, أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه , فأرسل الخليفة إلى مصر يستدعى الوالى وابنه , وجلس للمظالم علانية , فأمر الفتى المصرى أن يضرب ابن عمرو ثم أمره أن يضرب الوالى نفسه , لأن ابنه لم يجترئ على الرعية إلا بسلطان أبيه , وصاح به صيحته التى سجلها له التاريخ " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ولم يقبل فى عمرو وهو والى مصر شفاعة إلا أن صفح الفتى المضروب , وقال مكتفيا : لقد ضربت من ضربنى , فنجا فاتحُ مصر من سوط واحد من أبنائها "
وكذلك قصة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه الخليفةالراشد الخامس , مع نصارى دمشق يشكون إليه ما صنعه الوليد بن عبد الملك أيام خلافته , من ادخال كنيسة لهم فى مسجد دمشق , فأنصفهم عمر وأمر بردها إليهم , ولم يهتم لغضب الغاضبين "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 14)

العدل وسيادة القانون

ويقتضى العدل المطلق سيادة القانون , واستقلال القضاء وقد سن عمر رضى الله عنه استقلال القضاء عن كل سلطان حتى سلطان الحاكم , حتى صار مبدأ مقررا فى نظام الحكم , وذلك حتى يتحرر القضاء من أية سلطة تؤثر على أحكامه .
والعدل من أهم الأسس التى يقوم عليها نظام الحكم فى الإسلام لأنه :-
_ يشيع فى النفوس الثقة والإطمئنان , والشعور بالأمن على أرواحهم , وأعراضهم
وأموالهم , وجميع حقوقهم .
_ وفى ظل العدل تختفى الجريمة والإعتداء والظلم , وينصرف كل إلى عمله هادئ النفس ومستريح البال , ويؤدى واجبه , ويسهم فى نهضة الأمة ورفع شأنها ومستواها المادى والأدبى فى الحياة .

_ وفى ظلال العدل يجنى كل انسان ثمرة كده ومجهود عمله , وينطلق فى ميدان السعى والكفاح , فى تنافس شريف وينهض بالأعمال فى ميادينها المختلفة بما أتاه الله من قوة وعلم .
_ وبالعدل توزن الكفايات , ويوضع كل فرد فى مكانه الصحيح , الذى تؤهله له مواهبه وقدراته دون محسوبية , أو ميل إلى محاباة , مما يؤدى ذلك إلى تسير الأعمال فى دقة وانتظام واتقان ولهذا وجدنا المبد أ العام ( الرجل المناسب فى المكان المناسب )
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (15)

خاتمة
هذه هى أسس الحكم فى النظام الإسلامى , وهى تحقق لأفراد المجتمع الحرية السياسية فى أعلى مراتبها , والدمقراطية الحديثة فى أكمل مبادئها , وأروع صورها
وبذلك يتحقق الأمن الشامل الذى يصون المجتمع , ويدفع به إلى التقدم والنهوض بالتكاليف والوفاء بالأعباء , وتكون السعادة المرجوة فى الدنيا والآخرة .
وفى ذلك يقول : شوقى _ مخاطبا الرسول صل الله عليه وسلم

قرسمت بعدك للعباد حكومة _ لا سوقة فيها ولا أمراء
الله فوق الخلق فيها وحده _ والناس تحت لوائها أكفاء
والدين يسر والخلاة بيعةٌ _ والأمر شورى والحقوق قضاء
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (16)

عن أهم الصفات التى يجب أن تتوافر فى الحاكم المسلم

عرفنا فيما سبق أن الحاكم يأتى إلى الحكم عن طريق اختيار, الشعب له اختيارا حرا
ويبايعه شعبه على السمع والطاعة , ويجعله وكيلا عنها والحاكم الصالح هو الذى يعمل على حفظ الدين وعدم التهاون فى أحكامه بما يمنع من الإنزلاق فى الشروروالمعاصى , والتردى فى بؤر الفساد والمنكر وهو يدبر شئون شعبه بما فيه صلاحه وسداده , وسلطته ليست إلهية فهى مستمدة من الدين ولذلك فالحاكم ليس سيدا له ولا مسلطا عليه ." (1)

والحاكم إنسان غير معصوم , يجوز عليه ما يجوز على الناس من الصواب والخطأ
ولذلك لابد له وأن يهتدى بما يوجبه عليه الدين , ويعمل بما تقتضيه مصلحة الجماعة
ومما يجب عليه أن يؤدى ,المهام الموكولة له على هدى وبصيرة واستقامة ورشاد .
ولما كانت مسئولة الحاكم لها أثرها وخطرها . فى كل ما يتعلق بشئون الرعية من أمور الدين والدنيا , كان ولابد وأن يكون أهلا لها , وذلك بما تتوافر فيه من صفات
تجعله يستطيع من خلالها أن ينهض , بتبعات تلك المسئولية على خير وجه لينتظم به
أمر الحكم ويحقق غاياته . "(2)