الإيمان ونظام الحكم بين القوة والضعف

الإيمان ونظام الحكم بين القوة والضعف

          حال المجتمع العربى قبل الإسلام  

كان المجتمع العربى قبل الإسلام يخضع, لاعتبارات وعومل استقرت على مدى التاريخ , تسيطر عليه القبائل المختلفه وتتقاسمه الزعامات المتصارعة , وهذا المجتمع يشكل وحدات متباينة , فالنظام عند أهل البادية يرتكز على القبائل , وعند أهل الحضر يختلف الوضع ما بين حضر الجنوب , وحضر الشمال وما بين حضر اليمن وحضر الحجاز , وكانت كل قبيلة تستقل بنفسها عن غيرها , ولا يُخضع إلا لسلطانها فكان المجتمع العربى عموما يخضع لسلطات متفرقة تسيطر عليه الفرقة
والحزازات وتتحكم فيه عوامل القوى الغاشمة , والفرقة والسيطرة المادية والإنقياد تماما لأهواء النفس  , وذلك كله لاعتبارات تارخية واقليمية أحدثت أثرها فى كل بيئة
وعند أهل البادية كان رئيس القبيلة , هو ممثل السلطة يتصرف فى كل شئونها وفقا لأرائه الشخصية " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (1)

موقف الإسلام ابان مبعث الرسول صل الله عليه وسلم

وعندما أرسل الله سبحانه وتعالى محمدا صل الله عليه وسلم نبيا ورسولا أمره أن يجهر بالدعوة قال تعالى " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " سورة الحجر الآية 95_
ولقد بدأ رسول الله صل الله عليه وسلم دعوته, بالحكمة والقدوة الحسنة والصبر الجميل والمثابرة والاقناع , والأخذ بعوامل الإصلاح لتحقيق الهدف المنشود والغاية من الرسالة الخالدة , وقد بدأ الرسول صل الله عليه وسلم دعوته بالتوحيد وتثبيت دعائم العقيدة الصحيحة والمتمثلة , فى الإيمان بالله ورسله والبوم الآخر والملائكة والكتاب والنبين , وغرس القيم الأخلاقية والدينية فى النفوس والعمل على وحد الصفوف , والهاب الحماس والعاطفة حيث الشعور بالإخاء وتهذيب الضمير والسمو بالنفس إلى درجات الكمال الروحى , والقيام بالتكاليف والفرائض الإسلامية , وتطهير النفوس من الأثرة والأنانية والحقد والكراهية , والإرتفاع بها عن متاع الغرور وذلك بالإرتقاء والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى " قال تعالى " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " سورة المائدة الآية 16_
   وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (2)

التدرج فى الإصلاح رسالة الإسلام

وشاءت إرادة الله سبحانه وتعالى, أن تنتشر الرسالة الإسلامية , وتشق طريقها ونفذت إلى الأفئدة والقلوب بفضل المعلم, الأول والرسول الأعظم محمد صل الله عليه وسلم , لقد حول المجتمع من مجتمع تتحكم فيه الأهواء والقوة الغاشمة والسيطرة المادية , إلى مجتمع متضامن يشكل وحدة قوية نجحت فى تكوين أمة
يُخشى بأسها ويُعمل لها ألف حساب .
ومن هنا يتبين لكل ذى بصر وبصيرة أن عملية الإصلاح تبدأ بالتدرج , فى إرساء القوعد المختلفة , ففى المجتمع المكى الأول كان تركيز الدعوة يقوم على الدعوة إلى التوحيد الخالص , حيث الإيمان بالله الحق وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره , ثم انتقلت الدعوة من مكة إلى المدينة المنورة حيث ارساء القواعد الأساسية لنظام الدولة الإسلامية وحياة الأسرة وما يستتبع ذلك من أحكام فى الزواج والطلاق والميراث ونظام البيع والشراء وسن القوانين والتشريعات والمبادئ والأحكام أى القواعد الأساسية لشئون الحياة الخلقية والإجتماعية والإقتصادية"
    وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (3)

الدولة الإسلامية ونظام الحكم

وأما بالنسبة لنظام الحكم وما يستتبعه من حيثيات وعلل , فإن رسول الله صل الله عليه وسلم لم يضع لنا قواعد مفصلة له , يبين لنا من خلالها ما كان وما يكون فى إقامة هيكل الدولة الإسلامية وقواعدها ذلك لأن المجتمعات متطورة , ولهذا ترك العهدة فى هذا الشأن حيث يوجهها الناس فى كل موقع حسبما اعتادوا ومن خلال الأحكام المقررة من قواعد العدل والمساواة فى النظام الاسلامى فالإسلام بنظامه صالح لكل زمان وهو كذلك مصلح لكل بيئة فى كل مكان سواء بيئة حضارية أو بيئة بدوية , والذى يتتبع نظام الحكم وطرق تطوره فى الإسلام يجد أن الإسلام فى عهده الأول , وإن لم يضع نظاما مفصلا للحكم فإن القواعد التى أرساها فى شئون الحياة كانت مُقدمةٌ لنظام , للحكم تَطور على مر الزمان ,"  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (4)

للناس أن يسنوا قوانين فى حياتهم ابتناء على أحكام الشريعة

وليس من حقهم أن يشرعوا لأنفسهم ابتداء بعيدا عن أحكام الشريعة وإلا انطبق عليهم قول الله تعالى " أم لهم شركاؤا شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله." سورة الشورى الآية 21_

وعلى هذا ظل الفقهاء والعلماء يستنبطون القواعد والأحكام من الكتاب والسنة والإجماع فكانوايعيشون التطور بعلمهم ليبلغ مداه ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه الخليفة الراشد " سن رسول الله صل الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله , وقوة على دين الله , من استنصر بها فهو منصور ومن اهتدى بها فهو مهتد , ومن خالفها اتبع غير سبيل
المؤمنين ثم تلا قول الله تعالى " ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " سورة النساء الآية 115_ . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (5)

فى أحكام الإسلام المبادئ والعلاج

كان من أهم ما صاغه الإسلام وقننه , من المبادئ التى وضعها أساسا تقوم عليه الحضارة والنظام الإسلامى فى العالم أولا : عقيدة التوحيد المتمثلة فى شهادة" أن لا إله إلا الله" قولا ومعنى علما وعملا_ قال تعالى " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " سورة محمد 19_
وقال تعالى " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " سورة النساء الآية 116_
وقد أثمرت تلك العقيدة الصحيحة قواعد, اجتماعية لنظام الحياة بين الناس كالمساواة فالناس جميعا سواسية أمام الله تعالى ولا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى والعمل الصالح وما يقدمه لدينه ووطنه وأهله وعشيرته ومجتمعه الذى يعيش فيه
قال تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " 13_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (6)

من ثمرات العقيدة فى المجتمع الإسلامى

وكذلك أثمرت العقيدة المحبة والمودة بين الناس , فلا يكمل الإيمان الواجب عند الفرد إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه قال تعالى " إنما المؤمنون أخوة "سورة الحجرات الآية 10_ ويقول النبى صل الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "وفى معاملة غير المسلمين الذين يعيشون بيننا فى المجتمع الإسلامى
يقول النبى صل الله عليه وسلم " من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه , أو كلفه فوق طاقته فأنا خصمه يوم القيامة " وقال تعالى " لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " سورة الممتحنة الآية 8_ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (7)

وعلى هذا نشأ مبدأ حرية العقيدة فالإيمان لايتم إلا عن اقتناع فالله سبحانه يريد من العبد القلب قبل القالب قال تعالى " لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لاانفصام لها والله سميع عليم " سورة البقرة الآية 256_
وقال تعالى " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " سورة الكهف الآية 29_
ومن أهم هذه القواعد ثبات سنة الكون فسنن الله تعالى لاتلين لمن يدعى محبته سواء من المسلمين أو من غيرهم لما ادعى اليهود والنصارى محبتهم لله بقوله تعالى " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباءه " سورة المائدة الآية 18_ ابتلاهم الله بقوله تعالى " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لايحب الكافرين " سورة آل عمران الآية 32_
وقال تعالى " ليس بأمانيكم ولا آمانى أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا " سورة النساء الآية 123_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (

هذه سنن وضعها الله سبحانه وتعالى للخلق فى التعامل مع الكون والحياة , ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويل , والناس جميعا أمام الله تعالى يخضعون لتلك السنن من غير تفريق بين جنس أو دين , وهم متساوون فى الحقوق والواجبات
وهذه الحقوق وتلك الواجبات يشترك فيها الناس جميعا رجالا ونساء حيث جاء الخطاب القرآنى لهم جميعا قال تعالى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض " سورة آل عمران الآية 195_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (9)

وهذه المساواة التى نادى بها الإسلام , سبق بها دساتير العالم والشرائع الحديثة
ومن يفرط فى هذه المسئولية أولا يقوم بحقها يكون جزؤه من الله , سبحانه وتعالى
وتلك هى العقيدة الصحيحة فى نفوس أتباع الاسلام أنه من يفلت من المحاسبة فى الدنيا , فلن يفلت منها يوم الحساب الأعظم , مما جعل الإنسان صاحب الخلق يسموا بنفسه فوق المطامع والشهوت قال تعالى " إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها " سورةالإسراء الآية 7_ وقال تعالى " من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تز وازرة وزر أخرى " سورة الإسرا الآية 15_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 10)

ومن أهم المبادئ أيضا التى رسخها الإسلام مبدأ التكافل الإجتماعى وأن الفرد فى كفالة الجماعة تكفل له حياته منذ ولادته حتى مماته , وهى تتناول كل حاجات الفرد على مختلف صورها وتنوعها . وعندما رأى سيدنا عمر رضى الله عنه رجل كبير من أهل الذمة يتسول فى الطريق وأن الحاجة هى التى دفعته لذلك وتأكد الخليفة من ذلك وأن الجزية التى كان يدفعها لم تبق, له شيئا يتقوم به فى حياته قال له قولته المشهورة " ما أنصفناك إذ أخذنا منك الجزية, وأنت شاب واليوم نتركك تتسول وأنت شيخ كبير ثم أمر, له بعطاء شهرى من بيت مال المسلمين . "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (11)

وإلى جانب هذه القواعد تلك القيادة الحكيمة, والتى تتمثل فى سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم والذى كان يعمل على انتقاء, أصحابه واختيار منهم رجالا أكفاء ونماذج صالحة للقيام بهذه المهمة وتلك الأمانة , وهى مسئولية وأمانة الحكم فى الإسلام قال تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه " سورة الأحزاب  
وهذا هو الذى جعل المسلمين الأوائل يبذلون الغالى والنفيس فى سبيل نصرة دينهم وتثبيت العقيدة فى النفوس , فكان لهم النصر تلو النصر ورفعوا لواء الدعوة , وأقاموا صروح الحضارة على جانب كبير من العالم , وستظل هذه الحضارة ناشرة لوئها عالية خفاقة
فى سماء العالم ما أخذ القائمين عليها بأسباب النصر ودعائم الإيمان قال تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لايشركون بى شيئا ومن كفر بعد ذلم فأولئك هم الفاسقون " سورة النور الآية 55_
        وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (12)