من فقه السيرة: معجزة الإسراء والمعراج خالدة إلى يوم الدين للشيخ سامى محمود ,

إن مدد الله تعالى لنبيه موزعا على كل الزمن فلم ينقطع عنه فترة أو يبتعد عنه لحظة , قال تعالى " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " سورة الحجر
وما لنا فى هذا المنهج فهو نبراس ضياء ومشاعل هدية لنفوسنا فى مراحل حياتنا المختلفة بكل جوانبها _ قال تعالى " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " سورة الملك , ونحن نتابع مرائى رسول الله صل الله عليه وسلم وقد بينا فى ضمن ما رأى ما يدعوا إلى العقيدة الصحيحة ويرسخ الإيمان فى النفوس . "صفحة (26)
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

حماية العقيدة :

والإسلام كما يدعوا إلى تصحيح العبادة والثبات عليها وطلب العون والإستمداد من الله , نبين أيضا أنه بد للعقيدة من رجال يدفعون عنها وعن أهلها لتنتشر الدعوة إليها فى الآفاق فبجهدهم وجهادهم تستمر العقيدة , وتنشر بثمار عملهم وهؤلاء هم المجاهدون فى سبيل الله , الذين يبذلون أرواحهم وأموالهم فى سبيل نشر العقيدة وبقائها فى النفوس والقلوب , ولقد أرى رسول الله صل الله عليه وسلم " قوما يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم وكلما حصدوا عاد الزرع كما كان فقال من هؤلاء يا أخى يا جبريل ؟ قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف " وما أنفقوا من شئ فهو يخلف وهو خير الرازقين " صفحة(27)
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الدفاع عن العقيدة ومنع عوامل التشويه :

فى كل زمان ومكان نجد من يحاول تشويه نقاء العقيدة , وذلك بإدخال عوامل الإفساد والتغير عليها , والقصد من ذلك بلبلة الأفكار واثارة الشبهات نحو مسلماتها وثوابتها التى لاتقبل , اجتهاد وذلك بما أوتى من فصاحة فى اللسان ابتلاه بها الله ويغذيها الهوى واغواء الشيطان , ويتمثل ذلك فى خطباء الفتنة , حيث أرى رسول الله صل الله عليه وسلم " قوما تقرض ألسنتهم وشفاهم بمقارض من حديد وكلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شئ فقال من هذا يا جبريل ؟ قال هؤلاء خطباء الفتنة فهم يقولون ما لايفعلون .
وقد يحول خطباء الفتنة إثارة الأحقاد وشيوع الفساد , وبث روح الخلاف والإختلاف مما يسبب البغضاء والشحناء والكراهية وقد قيل " الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها " وهذه عبرة للدعاة تتعلق بسلوكهم وأعمالهم وأنهم ولا بد وأن تتوافق أعمالهم أقوالهم قال تعالى " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " سورة البقرة وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لايفعلون " سورة الصف صفحة (28)
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الإيمان والسلوك :

الإيمان والعقيدة صنوان والإيمان الصادق والعقيدة الصحيحة يجب أن يتحول فى قلب كل مسلم إلى تطبيق عملى وسلوك طيب يتوافق مع منهج الإسلام .
وعندما ينحرف الإنسان فى سلوكه وأخلاقه فإن  عقيدته تضعف وايمانه لايستقيم ولذلك يقول الرسول صل الله عليه وسلم " لايزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن , ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن , ولايسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن " وعندما تنحرف سلوكيات الناس عن العقيدة الصحيحة فإن الفساد ينتشر فى نواحى الحياة المختلفة , وإن أهم مداخل الفساد فى حياة الناس تتلخص فى أمور ثلاثة
, الأموال _ الأعراض _ ما يتلفظ به الإنسان .
وإن مرائى رسول الله صل الله عليه وسلم " قد أبانت لنا صور الإنحراف فى هذه الأمور الثلاثة وما يستحقه المنحرفون , من عقاب لعل ذلك يكون رادعا . "(29)

أولا : الأموال _ فمن حيث الأموال بين لنا صورة الذى لايؤدى الأمانات ويرغب فى ازديادها برجل جمع حزمة كبيرة من حطب لايستطيع حملها وهو يزيد عليها .
وصورة مانعى الزكاة بخلا بها عن حق الله المفروض فيما أعطاه الله إياه بقوم على إقبالهم , رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الإبل والنعم يأكلون الضريع
شجر ذو شوك كريه الرائحة , من المذاق والزقوم شجرة تنبت فى النار ورضف جهنم " حجارتها " كلما رأى رسول الله صل الله عليه وسلم هذا " سأل جبريل عليه السلام ما هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الذين لايؤدون صدقات أموالهم وما الله بظلام للعبيد .
كما بين صورة آكلة الربا الذين يستغلون فقر المعدم لزيادة ثرواتهم بأن أرى الله نبيه صل الله عليه " قوما يسبحون فى بحر من دم ومع هذا يلقمون الحجارة وفى رواية أخرى بأنهم قوم بطونهم أمثال البيوت لضخامتها وكلما نهض أحدهم خر فقال من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء آكلة الربا " (30)

ثم ينزل رب العزة على نبيه صل الله عليه وسلم " ما يؤكد هذا قرآنا يتلى ومنهجا يطبق فقال جل شأنه _ الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس : " سورة البقرة
وهذا تحذير شديد ووعيد رهيب لمن يتعاملون بالربا الذى أعلن الله تعالى الحرب على مرتكبه , ولوجوب الحفاظ على أموال اليتامى , نفر الحق سبحانه وتعالى من التعدى عليها حيث أرى الله تعالى نبيه صل الله عليه وسلم قوما مشافرهم كمشافر الإبل تفتح أفواههم فيلقمون جمرا , يخرج من أسفلهم فسأل أخاه جبريل من هؤلاء يا أخى يا جبريل ؟ فقال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " صفحة(31)
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الأعراض :

إن من صور الفساد التى انتشرت والتى حذر منها رسول الله صل الله عليه وسلم فى ليلة المعراج وهى عقاب الذين يعتدون على أعراض الناس وما يشتهيه ضعاف النفوس وعديمو المروءة وضعاف النفوس من انتهاك لحرمة غيرهم اشباعا لرغبات نفسية وإرضاء لنزوات شيطانية غير قانعين بما هيأ الله لها من وسائل التسامى
وحرمة الإعتداء على الأعراض يشمل الحالات الآتية :
أولا : التعدى على الأعراض بالنظر جاء ذلك فى صورة خشبة منصوبة على الطريق لايمر بها ثوب إلا شقته ولا شئ إلا مزقته فسأل النبى صل الله عليه وسلم " عن ذلك فقال هذا مثل قوم يقعدون على الطريق فيقطعونها بالنظر إلى عورات الناس
ثانيا : التعدى على الأعراض باللفظ فقدأرى الله سبحانه وتعالى نبيه صل الله عليه وسلم خطورة الكلمة السيئة , فى صورة ثور عظيم خرج من جحر صغير فلما أراد
أن يرجع من حيث خرج لم يستطع فقال ما هذا يا جبريل ؟ فقال هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها . (32)

ورأى صورة الذين يغتابون الناس ويقعون فى أعراضهم بالهمز واللمز والنم
فقد رأى قوما فى النار يأكلون الجيف فقال من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس وفى رواية رأى أقواما يُقطع من جنوبهم اللحم فيلقمونه فيقال له كل من لحم أخيك فقال يا جبريل من هؤلاء ؟ قال هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون
وكذلك رأى الذين يقعون فى أعراض الناس ويقذفونهم بالباطل قال صل الله عليه وسلم لما عرج بى إلى ربى مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون فى أعراضهم .
ثالثا : التعدى على الأعراض بالفعل وهو مشهد لكل من انعدم فيه الذوق الإنسانى الرفيع وانحط إلى درجة الحيوانية حيث رأى النبى صل الله عليه وسلم " قوما بين أيديهم لحم طيب نضيج , ولحم آخر نيئ خبيث فيأكلون النيئ الخبيث ويتركون النضيج الطيب فقال من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب فيأتى أمرأة خبيثة فيبيت عندها والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا فتبيت عنده " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(33)

ما يتلفظ به الإنسان :

إن الإسلام يدعوا أتباعه على حسن إختيار الكلمات التى يتلفظ بها , فلا يقول إلا حقا وصدقا , ومرعاة الوقت الذى يتحدث فيه , والوقت المناسب لها , والكيفية التى يؤدى بها كلماته , حتى نجد القبول الحسن وتثمر ثمراتها المرجوة , ولذلك وجهنا القرآن الكريم , إلى أن كل لفظ يتفوه به الإنسان مسجل عليه قال تعالى " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " سورة ق
وينبهنا الرسول صل الله عليه وسلم _ إلى أن الألفاظ من أهم الوسائل التى تؤدى بالإنسان إلى جهنم وبئس المصير فيقول الرسول صل الله عليه وسلم " وهل يكب الناس فى جهنم إلا حصائد ألسنتهم "
وقد وضح هذا المعنى فى صورة رأها النبى صل الله عليه وسلم , جحرا صغيرا يخرج منه ثور عظيم , فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع فقال ما هذا يا جبريل ؟ قال هذا الرجل من أمتك يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع ردها , وفى ذلك ترهيب للإنسان وتوجيه له بألا ينطق إلا بما هو حق , ويجعل عقله صمام أمان لما ينطق به فكل كلمة إما له وإما عليه فإن كان خيرا حصد خيرا وإن كان شرا حصد شرا . "(34)

ثالثا _ الثواب والعقاب :

جاء الرسول صل الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا يبلغ الناس رسالات ربهم _ فمن استجاب لدعوته , وأقام ما أمر الله به , واجتنب ما نهى عنه فقد أعد الله تعالى له حسن الجزاء وعظيم الثواب جنة عرضها السموات والأرض , فيها من النعيم ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وأما من أعرض عن دعوته صل الله عليه وسلم وكفر بما جاء به وسار وفق هواه الذى يزينه له الشيطان فينكر ويكفر ولا يتبع المنهج فقد عرض نفسه لعقاب الله وعذابه ولقد أرى رسول الله صل الله عليه وسلم مصير الطائعين من الثواب المقيم , وعاقبة الظالمين من العذاب الأليم دون أن يسأل ذلك . "صفحة(35)

وصف الجنة والنار

ولقد كشف الله تعالى لنبيه صل الله عليه وسلم , ليلة الإسراء والمعراج حيث أتى على واد فوجد فيه ريحا طيبة باردة , وسمع صوتا فقال ما هذا يا جبريل ؟ قال هذا صوت الجنة تقول : رب اتنى بما وعدتنى , فقد كثرت غرفى , وأسرْتى وحريرى , وسندسى , وعبقرى , ولؤلؤى , ومرجانى , وفضتى , وذهبى , وأكوابى , وصحافى , وأباريقى , ومائى , ولبنى , وخمرى , فأتنى بما وعدتنى , قال لك كل مسلم ومسلمة , ومؤمن ومؤمنة , ومن أمن بى وبرسلى , وعمل صالحا , ولم يشرك بى شيئا , ولم يتخذ من دونى أندادا , ومن خشينى فهو آمن , ومن سألنى فقد أعطيته
ومن أقرضنى فقد جازيته , ومن توكل على لقيته , إننى أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد , قد أفلح المؤمنون , وتبارك الله أحسن الخالقين , قالت قد رضيت " (36)

وكما بين الله تعالى ثواب الطائعين , كشف الله تعالى لنبيه صل الله عليه وسلم عن مصير العصاة ومثوى الكافرين , حيث أتى على واد فسمع صوتا منكرا , ووجد ريحا منتنة فقال ما هذا يا جبريل ؟ قال هذا صوت جهنم , تقول : ياربى اتنى ما وعدتنى , فقد كثرت سلاسلى , وأغلالى , وسعيرى وحميمى , وضريعى , وغساقى , وعذابى واستد حرى , فأتنى بما وعدتنى , قال : لك كل مشرك ومشركة , وكافر وكافرة , وكل جبار لايؤمن بيوم الحساب , قالت قد رضيت .
كما كشف الله تعالى لنبيه صل الله عليه وسلم عن حقيقة الدنيا إذ أراه إمرأة عجوز
, عليها من كل زينة , ويقول جبريل عليه السلام للنبى صل الله عليه وسلم لم يبق من عمر الدنيا إلا كما بقى من عمر هذه المرأة وما الزينة التى عليها إلا للتغرير بمن يهوونها ويغترون بها" (37)

قال تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المأب " سورة آل عمران
وكونها عجوزا فيه دليل على إنه يجب إعطاء الدنيا على قدر عمرها حتى وإن كان عمرها طويلا , إلا أن عمر الإنسان فيها محدود ,
ولذلك يجب على الإنسان أن لا ينشغل بالدنيا إلا بقدر ما يعود عليه , لتحقيق لنفسه عزته وكرامته , وما يكسبه رضوان الله عز وجل , وسعادة الآخرة قال تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " سورة الزلزلة
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (38)

معراج وصلاة:

من أقوال الرسول صل الله عليه وسلم :


حدثنا يحيى بن بُكير قال حدثنا الليث , عن يونس عن ابن شهاب من حديث أنس رضى الله تعالى عنه قال :
كان أبو ذر _ رضى الله تعالى عنه _ يحدث أن رسول الله صل الله عليه وسلم
قال : " فرج عن سقف بيتى , وأنا بمكة , فنزل جبريل عليه السلام فَفَرَج صدرى
ثم غسله بماء زمزم , ثم جاء بطست من ذهب , ممتلئ حكمة وإيمانا , فأفرغه فى صدرى , ثم أطبقه ثم أخذ بيدى , فعرج بى إلى السماء الدنيا , فلما جئت إلى السماء الدنيا , قال جبريل لخازن السماء , افتح قال : من هذا قال جبريل قال : هل معك أحد ؟ قال نعم معى محمد صل الله عليه وسلم فقال: أرسل إليه ؟ قال نعم , فلما فتح علونا إلى السماء الدنيا , فإذا رجل قاعد , على يمينه أسْوَدةٌ وعلى شماله أسودة , إذا نظر قبل يمينه ضحك , وإذا نظر قبل شاله بكى فقال مرحبا بالنبى الصالح والإبن الصالح
قلت لجبريل من هذا ؟ قال هذا آدم عليه السلام _ وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه , فأهل اليمين منهم أهل الجنة , والأسودة التى عن شماله أهل النار , فإذا نظر عن يمينه ضحك , وإذا نظر عن شماله بكى " (39)

حتى عرج بى إلى السماء الثانية فقال لخازنها افتح , فقال له خازنها مثل ما قال الأول , ففتح قال أنس رضى الله تعالى عنه . فذكر أنه وجد فى السموات , آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم _ صلوات الله عليهم وسلامه ولم يثبت كيف منازلهم , غير أنه ذكر أنه وجد آدم فى السماء الدنيا , وإبراهيم فى السماء السادسة , قال أنس فلما مر جبريل بالنبى صل الله عليه وسلم _ بادريس قال مرحبا بالنبى الصالح , والأخ الصالح , فقلت من هذا ؟ قال هذا إدريس , ثم مررت بموسى عليه السلام _ فقال مرحبا بالنبى الصالح والأخ الصالح , قلت من هذا ؟ قال : هذا موسى , ثم مررت بعيسى عليه السلام فقال مرحبا بالنبى الصالح والأخ الصالح , قلت من هذا ؟ قال هذا عيسى , ثم مررت بإبراهيم عليه السلام , فقال مرحبا بالنبى الصالح والإبن الصالح , قلت من هذا ؟ قال هذا إبراهيم صل الله عليه وسلم , "(40)

قال بن شهاب : فأخبرنى ابن حزم أن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما , وأباحية الأنصارى كانا يقولان , قال النبى صل الله عليه وسلم : ثم عرج بى حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صفير الأقلام , قال بن حزم , وأنس بن مالك رضى الله عنه قال النبى صل الله عليه وسلم , ففرض الله عز وجل على أمتى خمسين صلاة ,فرجعت بذلك , حتى مررت بموسى عليه السلام , فقال ما فرض الله على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة , قال فارجع إلى ربك , فإن أمتك لاتطيق ذلك , فرجعت فوضع عنى شطرها , فرجعت إلى موسى , قلت وضع عنى شطرها , فقال راجع ربك , فإن أمتك لاتطيق فرجعت , فوضع شطرها , فرجعت إليه فقال ارجع إلى ربك , فإن أمتك لاتطيق ذلك , فرجعته , فقال هى خمس , وهى خمسون , لايبدل القول لدى , فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك , فقلت قد استحييت من ربى , ثم انطلق بى حتى انتهى بى إلى سدرة المنتهى , وغشيها ألوان لا أدرى ما هى ؟ ثم أدخلت الجنة , فإذا فيها حبائل اللؤلؤ وإذا ترابها المسك " رواه البخارى
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (41)

من معانى الإسراء والمعراج:

الحقيقة الكبرى وفيها دروس مستفادة
:
والإسراء والمعراج معجرة كبرى _ والإسراء رحلة أرضية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قال تعالى " سبحان الذى أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى بركنا حوله لنريه من أيتنا إنه هو السميع البصير" سورة الأسراء الآية (1) والمعراج رحلة سماوية من المسجد الأقصى إلى السموات العلى , إلى سدرة المنتهى قال تعالى " ولقد رأه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى " سورة النجم 13_14_15_16_ وفى الحقيقة فإن معجزة الإسراء والمعراج نفحة ربانية وتسلية إلهية واضحة جلية لخير البشر صل الله عليه وسلم لإزالة آثار تعرضه لصدود أهل مكة وسفه وإيذاء وصلف أهل الطائف له صل الله على وسلم وفقده لعمه أبى طالب , وزوجته صل الله عليه وسلم البارة الحنون الوفية سيدة نساء العالمين رضى الله عنها السيدة خديجة بنت خويلد .
(42)

وإذا تأملنا معجزة الإسراء والمعراج وجدناها مليئة بالدروس والعبر التى منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتى
_1يجب على المسلم أن يعود إلى الله سبحانه عند الشدة مع الأخذ بالأسباب وبذل مايمكن من الطاقة والجهد
_2جاءت معجزة الإسراء والمعراج للنبى صل الله عليه وسلم فى وقت هو أحوج ما فيه من الأنس وبث الأمل فى النفس وتلك لفتة ربانية كريمة نتعلمها أن الله سبحانه لن يخذل دينه ولن يضيع أتباعه" ولينصرن الله من ينصره " سورة الحج
_3 وصلاة النبى صل الله عليه وسلم بإخوانه الأنبياء دليل واضح على أن الإسلام هو الدين الحق , وأن الدين عند الله الإسلام , وأن الإسلام هو الدين الخاتم للنبى الخاتم وهو صل الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم الذى أرسله ربه إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا ودعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " (43)

_4 وأن أعظم العبادات بعد أداء الفرائض وفعل الأوامر واجتناب النواهى هى التفكر والتأمل فى ملكوت السموات والأرض فقد ورد " تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
_5 التوجه إلى الله تعالى بالدعاء عند الشدائد وطلب الحوائج يدل على صدق الإيمان وكمال اليقين والإخلاص له سبحانه فى القصد والتوجه
6_ وأن الجائزة والمنحة الإلهية من الله تعالى إلى أمة النبى محمد صل الله عليه وسلم تتمثل فى الصلوات الخمس فهى إسراء المؤمن ومعراجه اليومى
إلى غير ذلك من الدروس المستقاه التى لاتعد ولاتحصى جاءت تكريما من الله تعالى لنبيه وخليله وحبيبه صل الله عليه وسلم
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (44)

الإسراء والمعراج دليل العظمة وطريق النصر:

إن المتأمل فى معجزة الإسراء والمعراج وما تبعها من أحداث عظام , وما حوته بين طياتها من من بشارات وتسرية لأفضل خلق الله سيدنا محمد صل الله عليه وسلم وقد جرت معجزة الإسراء والمعراج بقدرة الله العلى القدير بسنن خارقة لقدرة البشر ولذا قال الله تعالى فيها " سبحان الذى أسرى بعبده ليلا " سورة الإسراء ففيها تمجيد الله تعالى لنفسه , لقدرته على ما لم يقدر عليه أحد سواه , لا إله غيره ولا رب سواه ولا معبود بحق إلا هو , فهو الذى أسرى بعه محمد صل الله عليه وسلم زمنا من الليل بجسده وروحه , يقظة لا مناما من المسجد الحرام ب"مكة " إلى المسجد الأقصى ب" ببيت " المقدس الذى باركنا حوله فى الزورع والثمار وغير ذلك وجعله محلا لكثير من الأنبياء ليشاهد عجائب قدرة الله وأدلة وحدانية , إن الله سبحانه هو السميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم "(45)

وكأن الله سبحانه يقول لنبيه صل الله عليه وسلم إذا كان أهل الأرض قد تخلوا عنك فإن الله تعالى سيقابل جفاء أهل الأرض لك بحفاوة أهل السماء وبشارة له بأنه دعوته التى قد ضاقت بها شعاب مكة سوف تنطلق فى آفاق الدنيا وستكون لها السيطرة الكاملة على سائر المقدسات ولذلك وجدنا أن الله تعالى جمع لنبيه صل الله عليه وسلم فى مسراه ومعراجه بين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشرفين الذى هو قبلة سائر الأنبياء من قبله لتكون له الريادة ولأمته من بعده القيادة فهلا نتذكر ذلك حتى يعود لنا مجدنا وعزنا وينصرنا الله تعالى على أعدائنا و لتكون كلمة الله هى العلى وكلمة الذين كفروا السفلى والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايؤمنون "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (46)

من مختصرالأيات التى رأها رسول الله صل الله عليه وسلم فى الإسراء والمعراج :

قال تعالى " سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آيتنا الكبرى " سورة الإسراء

اخترت الفطرة :

من حديث أنس رضى الله تعالى عنه صل الله عليه وسلم أنه قال " ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين , ثم خرجت فجاءنى جبريل عليه السلام , بإناء من خمر , وإناء من لبن فاخترت اللبن , فقال جبريل عليه السلام : اخترت الفطرة , أى اخترت اللبن الذى بنيت عليه الخلقة , قال النووى رحمه الله تعالى : المراد بالفطرة هنا الإسلام والإستقامة "

التثاقل عن الصلاة :

ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر , كلما رضخت عادت كما كانت , ولا يفتر عنهم من ذلك شئ , فقال ما هذا يا أخى يا جبريل ؟ فقال هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة " (1)

عقوبة آكل الربا :

أخرج ابن مردوية عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
"رأيت ليلة أسري بي رجلا يسبح في نهر يلقم بالحجارة .
فسألت : من هذا ؟
فقيل لي : هذا أكل الربا
وجاء في رواية أبي سعيد الخدري عن البيهقي ، وفي رواية أبي هريرة عن ابن أبي حاتم : فإذا أنا بأقوام بطونهم امثال البيوت كلما نهض أحدهم خر فيقول اللهم لا تقم الساعة وهم على سابلة آل فرعون .
قال فتجئ السابلة ,فتطؤهم , قال : فسمعتهم يضجون إلي الله .
قال : قلت يا جبريل : من هؤلاء؟
قال : هؤلاء من أمتك : الذين يأكلون الربا , لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ." (2)

عقوبة الزنا :

*ثم أتي على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر, ولحم نيئ خبيث , فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويدعون النضيج.
فقال : ما هؤلاء يا جبريل؟
قال جبريل : هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأه الحلال الطيب , فيأتي إمرأة خبيثة فيبيت عندها حتي يصبح , والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا ,فتأتي رجلا خبيثا فتبيت عنده حتى تصبح.

الأمانة وحملها :

ثم أتي على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها.
قال : ما هذا يا جبريل ؟
قال : هذا الرجل من أمتك , تكون عليه أمانات الناس , لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها. " (3)

عقوبة تارك الزكاة :

ثم أتي على قوم على أقبالهم رقاع , وعلى أدبارهم رقاع , يسرحون كما تسرح الأنعام , يأكلون الضريع والزقوم ورصف جهنم . فقال : هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم , وما ظلمهم الله , وما ربك بظلام للعبيد.

عقوبة الغيبة
أخرج أحمد وأبو داود من طريق عبد الرحمن بن جبير عن أنس قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :" لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون وجوههم وصدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟
قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس , ويقعون في أعراضهم ." ( 4)