من فقه السيرة: معجزة الإسراء والمعراج خالدة إلى يوم الدين للشيخ سامى محمود ,

الإسراء والمعراج :

معنى الإسراء :

الإسراء هو رحلة الرسول صل الله عليه وسلم _ التى بدأت ليلا من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس .
الدليل عليه
قوله تعالى فى أول سورة الإسراء ( سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى بركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " سورة الإسراء
معنى المفرادات
1_ سبحان الذى _ أى تنزيها له وتبرئة له سبحانه عن كل نقص
2_آياتنا _ الآيات هى العجائب الدالة على قدرة الله تعالى وقد رأى رسول الله صل الله عليه وسلم بعضها ليلة الإسراء والمعراج " ( 1)

ومعنى المعراج :

هو صعود الرسول صل الله عليه وسلم إلى ما فوق السموات السبع والوصول إلى مستوى لايعرف حقيقته أحد من خلق الله , ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام بمكة .
الدليل عليه :
قوله تعالى فى سورة النجم " ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى , ما كذب الفؤد ما رأى أفتمارونه على ما يرى , ولقد رأه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السد رة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى " سورة النجم 8_ 18_ (2)

معنى المفرادات :

1_ دنا أى قرب الله تعالى من الرسول أو قرب الرسول من الله عز وجل
2_ فتدلى زاد قرب الله
3_ قاب مقداره
4_ تمارونه _ تجادلونه
5_ نزلة , مرة
6_ سدرة المنتهى : شجرة من يمين العرش ينتهى عندها صعود الملائكة
أو غيرهم إلى ما فوقها إلى ما فوقها وقد صعد الرسول إلى ما فوقها ليلة المعراج
7_ يغشى يغطى
8_ زاغ التفت ومال
9_ طغى , زاد عن الحد اللائق
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(3)

مختصر قصة الإسراء والمعراج :

فى ليلة السابع والعشرين من شهر رجب , بعد اثنتى عشرة سنة من بعثة الرسول صل الله عليه وسلم وقبل الهجرة بعام , كان رسول الله صل الله عليه وسلم _ نائما فأتاه جبريل , وأيقظه وخرج معه , فإذا أمامهما
دآبة بيضاء تسمى( البراق )ومن خصائص هذه الدابة أنها تضع خطوها , عند أقصى ما تراه عينها , وركبها رسول الله صل الله عليه وسلم وسارت الدابة وجبريل معه , حتى إنتهى إلى بيت المقدس .
وقد رأى فى أثناء سيره مع جبريل _ مناظر كثيرة , تعتبر مثل وسائل الإيضاح بالنسبة لبعض الأمور العظيمة التى تتعلق بالدعوة , فى صورة رمزية , ليتبين للمؤمن , كيف يكون جزاء هؤلاء من خير أو شر , فتكون هذه الصورة الرمزية حافزا له على فعل الخير وترك الشر , ( 4)

وإليك بعض هذه المناظر والمرائى :

1_ مر رسول الله صل الله عليه وسلم _ على قوم يزرعون ويحصدون فى يوم وكلما حصدوا عاد الزرع كما كان , فقال ما هذا يا جبريل ؟ قال هؤلاء هم المجاهدون فى سبيل تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف وما أنفقوا من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين ( ومعنى يخلفه _ يأتيهم برزق بعده بدلا منه فى الدنيا , ويمنحهم الثواب والجزاء فى الآخرة )
2_أتى على قوم ترضخ رؤسهم بالصخر , وكلما رضخت عادت كما كانت , فقال ما هذا يا جبريل ؟ قال هؤلاء هم الذين تتثاقل رؤسهم عن الصلاة المكتوبة ( ومعنى ترضخ رؤسهم يعنى _ تكسر )
ثم سار الرسول صل الله عليه وسلم _ وهو راكب البراق , ومعه جبريل , حتى وصل إلى بيت المقدس , فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فى جماعة من الأنبياء فصل بهم إماما " ( 5)

ولما إنتهى رسول الله صل الله عليه وسلم _ من بيت المقدس , عرج به إلى السموات فمر بالسماء الإولى على آدم , وبالثانية على عيسى ويحيى وهما ابنا الخالة , وبالثالثة على على يوسف وبالرابعة على إدريس , وبالخامسة على هرون , وبلسادسة على موسى وبالسابع على إبراهيم
وكان يلقى الحفاوة من جميع من مر بهم من الأنبياء والمرسلين , ويقول كل منهم مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح , أما آدم وإبراهيم عليهما السلام فقد قال كل منهما له مرحبا بالإبن الصالح والنبى الصالح
وبعد أن ارتقى إلى السموات السبع , تجاوزها جميعا إلى سدرة المنتهى , واقترب من الله ( يعنى اقترب روحيا لا مكانيا فليس لله مكان تعالى شأنه وتقدست أسماؤه ) وذلك بعد أن تغيرت ذات الرسول تغيرا يناسب الملأ الأعلى "(6)

, وكان له وضع ارتقى به عن الملائكة , حتى إن جبريل نفسه , قد توقف عن مصاحبة الرسول , حينما وصل إلى سدرة المنتهى , وقال للرسول , أنا لو تقدمت لاحترقت وأنت لو تقدمت لاخترقت , ( والمعنى اخترقت أى مضيت وارتفعت إلى ما فوق سدرة المنتهى ) حيا النبى صل الله عليه وسلم ربه ( يعنى قال التحيات لله والصلوات والطيبات ) فحياه الله وخاطبه ( حياه الله يعنى , قال السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ) ...ثم قال الرسول صل الله عليه وسلم ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ), (7)

فرأى رسول الله صل الله عليه وسلم من آيات ربه ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر , لأن الرسول صل الله عليه وسلم قد بلغ من علو الروح مبلغا لم يتحقق لغيره , فرأى من آيات ربه الكبرى وفى هذه اللحظات الخالدة فرض الله تعالى على نبيه صل الله عليه وسلم وأمته خمسين صلاة , ثم خففت إلى خمس وجعل ثوابها ثواب خمسين صلاة , وكانت الصلاة هدية الله تعالى لرسوله صل الله عليه وسلم وأمته , لأنها الصلة بين العبد وربه , وهى فترة مناجاة لله , وانقطاع تام عن كل ما سواه , وهى عماد الدين فمن أقامها أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين , وبعد ذلك نزل الرسول _ صل الله عليه وسلم إلى بيت المقدس , وركب البراق وعاد إلى مكة . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
صفحة (

بيان وتوضيح لقصة الإسراء والمعراج :

وبعد عرض قصة الإسراء والمعراج على هذا النحو نزيد الأمر بعض الوضوح لتزول الشبهات التى قد تطرأ على أفهامنا :
1_ قد يجول بخاطر من يقرأ عن الإسراء والمعراج فيقول كيف التقى الرسول صل الله عليه وسلم _ بالأنبياء فى بيت المقدس , مع أنه صل الله عليه وسلم حى وهم أموات , وكيف صل بهم مع إن الصلاة لم تفرض إلا بعد العروج ؟
والجواب : أن ذلك كان بالأروح والأشباح , التى لايشك من رآها أنها هى الأنبياء بأنفسهم وذواتهم وشخصياتهم , وقد بعثهم الله تعالى بهذه الكيفية , بحيث يراهم الرسول ويرونه ويحدثونه وقد بلغ الرسول من صفاء الروح , ما جعله يراهم ويؤمهم فى الصلاة ويصلون معه . " (9)

أما الصلاة فقد كانت موجودة فى كل دين وكان لكل نبى صلاة وركوع وسجود ولكن بصورة تختلف عن صلاتنا ,
2_ رأى الرسول صل الله عليه وسلم بعض المشاهد والمناظر فى أثناء الإسراء , فمن أين جئ بهذه الأشخاص والكائنات , هل خلقهم الله ثم أماتهم ؟ وهل كانت هذه أجسام حقيقة أو خيالات ؟
والجواب عن ذلك : أن الله قادر على كل شئ , وقدرته فوق الشك والتهم , وإذا كنا فى عصرنا نرى دور الخيالة وعلى ( الشاشة ) البيضاء مرئيات ومشاهدات لا يشك من رآها أنها أشخاص تتحدث وتقوم بجميع الأعمال , ونأخذ منها الدروس المستفادة والعبر المختلفة , ونعلق على ما تقول من أقوال وأفعال , ونحن نعلم أن ما نراه هو أشباح وخيالات دون حاجة إلى الأجسام الحقيقة , فإذا كان الناس قد فعلوا ذلك , لتكون وسيلة إ يضاح وللتربية والتعليم ,ودراسة بعض الأمور الإجتماعية والأخلاقية والعلمية والتربوية , أفلا يكون الله تعالى وهو الخالق _ أقدر على أن يأتى بهذه الطريقة أو بغيرها وقد وسع علمه كل شئ ؟ لتكون عبرا ودروسا مستفادة للرسول صل الله عليه وسلم وأمته ؟ (10)

3_ وحديث الله وتحياته للرسول صل الله عليه وسلم _ ليلة الإسراء والمعراج , وقربه منه ورؤية الرسول صل الله عليه وسلم له كل ذلك لا يفيد أن لله مكانا , أو جسدا يرى , أو لسانا يتكلم به لأن الله تعالى مخالف للحوادث والمخلوقات .
4_ ولماذ كان الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ؟
والجواب عن ذلك : أن الإسراء بدأ بالمسجد الحرام , لأنه أول بيت وضع للناس , وهو محل الإقامة للرسول باعتباره رسول الله , ومن هذا المسجد تنطلق الدعوة الإسلامية إلى جميع الجهات والبقاع . "(11)

وكان الإسراء إلى المسجد الأقصى لإدخاله إلى مقدسات الإسلام , لأن رسالة محمد صل الله عليه وسلم _ رسالة عالمية ودينية مهيمن على جميع البقاع وجميع مقدساتها وقد كان المسجد الأقصى مقدسا لدى كثير من الأنبياء ومنهم موسى وعيسى عليهما السلام , وإذا أمهم الرسول صل الله عليه وسلم فى الصلاة , دل ذلك على أنه الإمام الأعظم , والرئيس المقدم كما أن فى الإسراء إلى المسجد الأقصى احتراما للإيمان الذى نشأ قديما فى رحابه .
5_ وفرضت الصلاة فى السماء لأن الله تعالى أراد أن يكرم رسوله محمد صل الله عليه وسلم , وأراد أن يأتى أمته بهدية تكون وسيلة إلى القربى منه , فكانت هذه الهدية هى الصلاة لأن لها أهمية عظمى , فهى عماد الدين وهى أهم ركن فى الإسلام بعد الشهادتين , وهى واجبة وفريضة على المسلمين والمسلمات فى جميع الأحوال فى السلم والحرب وفى الصحة والمرض , ولاتسقط ما دام العقل ثابتا والقلب واع , أما الزكاة فقد تسقط عن المسلم والمسلمة بسب الفقر وقد يسقط الصيام والحج بسب العجز عنهما " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(12)

هل كان الإسراء والمعراج بالروح أو بالجسد والروح معا ؟ :

يرى بعض الناس أن الإسراء والمعراج كانا بالروح فقط , أى كانا فى النوم , وفى رؤيا رآها الرسول صل الله عليه وسلم _ فى نومه ومما قالوه فى دعم رأيهم هذا أن ( أوكسوجين ) الهواء الذى يساعد على الحياة ينقطع بعد مسافة معينة من سطح الأرض وحينما يتجاوز الإنسان هذه المسافه متجها إلى السماء يموت .
ولا شك أن هذا القول يدل على ضعف الإيمان والشك فى قدرة الله تعالى , وإذا كان الإنسان فى العصر الحديث , قد استطاع أن يصل إلى القمر بعيدا عن الغلاف الجوى بعشرات الآلاف من الأميال . واستطاع أن يحمل معه ( أنابيب الأوكسوجين ) وكل وسائل الحياة , ثم يعود سالما إلى الأرض , فهل يعجز الله _ وهو القادر على كل شئ _ أن يهئ لرسوله صل الله عليه وسلم " (13)

والحقيقة التى لاشك فيها أن الإسراء والمعراج كانا فى اليقظة والجسم والروح معا وإليك الدليل :
1_ اقرأ الآية الإولى من سورة الإسراء وهى ( سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " سورة الإسراء
وتأمل هذه الألفاظ 0سبحان –أسرى _ عبده ) لتقف على الحقيقة الكاملة , فكلمة سبحان الذى تفيد التعجب والتعجب لايكون إلا فى الأمور المستغربة ولا تكون فى الأمور التى يراها الإنسان فى النوم , كما أن هذا التعبير يدل على أن الله تعالى يمجد نفسه ويعظم شأنه , لقدرته على ما لايقدر عليه أحد سواه , وفيه تنزيه لله تعالى على أن يكون فعله مثل فعل البشر , وأن قدرته كقدرتهم ولهذا يجب أن ننزه ونبعد فعل الله عن القوانين البشرية , فإذا عجز البشر عن نقل أحد من مكان إلى مكان بعيد فى لحظات , فإنه يجب أن نؤمن بما أخبر به الله إيمانا مطلقا والله تعالى قد أخبر بالإسراء , فيجب التصديق به والتسليم له فور سماعه . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (14)

الدروس والعبر من قصة الإسراء والمعراج :

يتلخص مما سبق فى هذه السطور الآتية :

1_ أن الله تعالى لايتخلى عن عبادة الصالحين , وأنه يكرم أصفياءه , وأنصاره الذين يتحملون المشاق والمتاعب فى سبيل الحق والدعوة الإسلامية
2_ أن الرسول محمد صل الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم للأنبياء والرسل ولذلك أمهم فى الصلاة فى المسجد الأقصى .
3_ أن المسجد الأقصى صار من مقدسات الإسلام بعد رحلة الإسراء والمعراج وصار ثالث الحرمين الشريفين بعد المسجد الحرام , ومسجد الرسول صل الله عليه وسلم بالمدينة وإليها جميعا تشد الرحال
4_ الإيمان المطلق بالله تعالى وقدرته , يدفع المؤمن إلى تصديق كل ما جاء عن الرسول صل الله عليه وسلم _ أو أخبر به " (15)

5_ الإسراء والمعراج نموذجان لقدرة الله تعالى التى لاحد لها
6_ ينبغى أن نترك اليأس , كما يجب انتظار الفرج عند اشتداد الكرب , فلقد اشتدت المحن بالرسول صل الله عليه وسلم , فأكرمه الله تعالى بالإسراء والمعراج
7_ الصلة بين الأنبياء والرسل وثيقة , وتتجلى تلك الصلات فى تبادل التحيات فى كل سماء وحسن استقبالهم للرسول صل الله عليه وسلم , بقولهم مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح
8_ أن للصلاة منزلة كبرى بين جميع الفرائض الإسلامية , لأنها فرضت فى السماء وينبغى علينا أن نحافظ عليها بأدائها فى أوقاتها كاملة غير منقوصة . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (16)

خواطر حول الإسراء والمعراج :

عن جابر رضى الله عنه أنه سمع النبى صل الله عيه وسلم يقول لما كذبتنى قريش قمت فى الحجر , فجلا الله لى بيت المقدس , ففطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه رواه البخارى

كلما أشرق علينا شهر رجب ذكر المسلمون معجزة الإسراء والمعراج , وما منح الله تعالى به نبيه محمد صل الله عليه وسلم من تأيد وإكرام , إن شهر رجب الفرد هو أحد الأشهر الحرم فهو يحمل بين طياته البشرى والأمل لهذه الأمة , والإسراء معناه ـ رحلة النبى صل الله عليه وسلم وانتقاله فى جزء من الليل من أشرف مكان للعبادة من المسجد الحرام . أول بيت وضع للناس إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين , والمعراج معناه ـ الرحلة من بيت المقدس إلى سدرة المنتهى .
والقرآن الكريم يتحدث عن الإسراء فيقول " سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريم من آياتنا إنه هو السميع البصير " سورة الإسراء الآية1_ (17)

والمعنى أن الله تعالى منزه عن كل نقص , وتثبت له سبحانه القدرة الكاملة , وتؤكد رحلة رسوله صل الله عليه وسلم ـ والإسراء به من المسجد الحرام , إلى المسجد الأقصى وهى رحلة مختارة من اللطيف الخبير , فالدين الحق واحد لدى الأنبياء جميعا من لدن سيدنا آدم , إلى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى سيدنا محمد صل الله عليه وسلم


فالرحلة كانت من مسجد مبارك إلى مسجد مبارك , من البيت الحرام الذى قال الله تعالى فيه " إن أول بيت وضع للناس للذى فى بكة مباركا وهدى للعالمين " سورة آل عمران , إلى بيت المقدس الذى قال فيه ـ سبحانه " سبحان الذى أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريم من آياتنا إنه هو السميع العليم " سورة الإسراء . . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (18)

حرمة بيت المسجد الأقصى وفضله :

وحيث جمع الله تعالى فيه الأنبياء وفيه صلى سيدنا محمد بالأنبياء إماما عليهم الصلاة والسلام , والغرض من ذلك الإعلام بعلو مقامه , وأنه المقدم وسيما فى الإمامة وكان ذلك , تأكيدا بأنه صل الله عليه وسلم المتمم للرسالات ولوحدة الدين وبأنه مصدق من قبله وتأييد له صل الله عليه وسلم .
وهكذا فالمسلمون هم أصحاب المسجد الأقصى وما حوله يعيش حوله أصحاب الدين الحق يحمونه بأرواحهم , ويدفعون عنه بكل غال ونفيس ويقدرونه حق قدره ويعرفون قدره وقدراته وحرمته وبركاته وتاريخه .
فالأمة الإسلامية قيادة وشعبا , باسم الدين عليها أن تحافظ على بيت المقدس وطهارته , وحريته وقدسيته وأن تستخلصه وفلسطين كلها من أيدى اليهود , لأن ذلك جزء من أرض المسلمين ,
إن مسئولية أرض الإسراء والمعراج مسؤلية أمة بأكملها , تهفوا إليها قلوب أبنائها صباح مساء , إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين , وهى مسألة عقيدة ووجود وهوية , لا مسألة أرض وحدود ولو كانت القضية خاصة بشعب , معين لانتهت منذ مئات السنين . " (19)

إن المعركة فى أرض الإسراء والمعراج لن تحسم أبدا بالمعاهدات , والإتفاقات بل سيحسمها الجهاد المقدس فى سبيل الله طال الزمن أو قصر , وقد روى الإمام أحمد فى مسنده من حديث أبى أمامة رضى الله تعالى عنه مرفوعا " قال : لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قيل يارسول الله صل الله عليه وسلم , أين هم قال ببيت المقدس وأكناف بيت القدس قال تعالى " قاتلوهم يعذبه الله بأيدكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين " سورة التوبة
إن العدل والرحمة والشفقة والسلام , مبادئ أساسية فى صلب ديننا لكن حين تستخف طائفة أو فئة بهذه المبادئ , ضاربه بها عرض الحائط فإن الإسلام يوجب علينا محاربتها , وتأديبها كما فعل صاحب الإسراء والمعراج فى محاربته لظلم اليهود وفسادهم ومكرهم , حتى تحقق العدل واستتب الأمن وساد الحب والتسامح وصدق الله تعالى إذ يقول " ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور " الآية (17)سورة سبأ" (20)____-----وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم _-

خواطر حول مرائى رسول الله صل الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج :

الله سبحانه وتعالى يهب أهل مودته وحبه له كل وسائل القرب والتقرب إليه وهو سبحانه يزودهم بكل الوسائل التى تؤهلهم للمهمة التى كلفوا بها , ولقد نا الرسول صل الله عليه وسلم المكانةالعظمى والحظ الأوفر فى ذلك ويكفى أن الله تعالى قال له " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " سورة المائدة وقال تعالى له " فإنك بأعيينا"
وإن مرائى رسول الله صل الله عليه وسلم فى ليلة الإسراء والمعراج تعطى دروسا واقعية , فى التقنين الإلهى بما يصلح النفس البشرية لتكون بمنأى عن الشر والفساد فى المجتمع كله , (21)

والنظر عن مراحل هذه المرائى حيث استبيان معالمها يجد أنها مثلت لنا القواعد الرئسيه للمنهج الإسلامى .
1_ العقيدة , 2_ العبادة والأخلاق , 3_ الجزاء العادل ثوابا أو عقابا من الله تعالى
أولا العقيدة _ وتتمثل فى الفطرة النقية والنفوس المستقيمة والعقول السليمة التى فطر الله الناس عليها قال تعالى " فطرة التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لايعلمون " سورة الروم
والمشد المعبر عن ذلك , عندما عرض جبريل عليه السلام على النبى صل الله عليه وسلم " ثلاثة كئوس فى احداها لبن وفى الثانى خمر , وفى الثالث ماء , فاختار الرسول صل الله عليه وسلم " اللبن فقال له جبريل عليه السلام , هديت إلى الفطرة "
فكأن الفطرة بطبيعتها نقية تهتدى إلى خالق الكون وخالقها حيث يقول الرسول صل الله عليه وسلم فى الحديث الشريف " كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " وقال تعالى " فطرة الله التى فطر الناس عليها " سورة الروم . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (22)

الثبات على العقيد :

_ لما قد يواجه اهل العقيدة الصادقة الموافقة لفطرة الله التى فطر الناس عليها , من إضطهادا وعنتا من المبدلين الزائغين والمنحرفين عن طريق الإستقامة والمنهج الربانى من الذين سول لهم الشيطان سوء أعمالهم وأضلهم وأعمى
أبصارهم بالبعد عن الطاعة التى تمثل الفطرة السليمة , فيرى الله تعالى نبيه صل الله عليه وسلم نموذجا رائعا فى التمسك بالعقيدة والحفاظ عليها والدفاع عنها , أمام جبروت الشرك والطغيان , ولو أدى تمسكه ذلك إلى أن يضحى بنفسه لتظل عقيدة الإيمان الخالص قوية فى نفوس أصحابها ,(23)

ويظل ذكراهم عبيرا يتنسمه المؤمنون الصادقون , إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , فيقول الرسول صل الله عليه وسلم " ليلة أسرى بى شممت رائحة طيبة فقلت ما هذه الرائحة الطيبة ؟ , قال جبريل عليه السلام هى رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها سقط مشطها من يدها فقالت بسم الله فقالت ابنة فرعون " أبى " فقالت الماشطة لا بل ربى وربك ورب أبيك الله , فقالت أو لك رب غير أبى ؟ قالت نعم ربى وربك الله عز وجل فدعها فرعون وقال او لك رب غيرى ؟ قالت نعم ربى وربك الله عز وجل قال فأمر ببقرة من نحاس ( وهو عبارة عن طست كبير ملأ زيتا) فأحميت ثم أمر بها لتلقى هى وأبناؤها فيها فقالوا واحدا واحدا حتى بلغ أصغرهم فقال يا أمه قعى ولا تقاعسى فإنك على الحق " صفحة (24)
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ثانيا العبادة والأخلاق :

وحتى يستمر عطاء العقيدة صافيا نقيا كان من الضرورى لصاحبها أن يكون له من وسائل الإستمداد المباشرة والملازمة له فى حياته وذلك من معطيات خالقه سبحانه وتعالى بأن يستجيب للتكاليف التى تجعله فى قرب دائم فى كل حال ومآل , والقمة فى التقرب هى الصلاة التى يقف فيها العبد بين يدى ربه ومولاه خمس مرات فى اليوم ويستمد منه العون والمدد , ويكسب نفسه الهدوء والطمأنينة . قال تعالى " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " سورة النساء الآية 103-
وإن من يحول إهمال فريضة الصلاة أو يتكاسل فى أدائها وعن القرب من رحاب ربه والوقوف بين يديه موهما نفسه بالمشاغل وضيق الوقت محاولا إيحاد عوامل التبرير لتثاقله عن الصلاة فإنه أثم قلبه منحرف عن دينه بعيد عن صراطه وكان هو النموذج الذى أريه الرسول صل الله عليه وسلم لعقاب هؤلاء المجرمين " قوم ترضخ رؤسهم بالحجارة , وكلما رضخت عادت كما كانت لايفتر عنهم من ذلك شئ فقال صل الله عليه وسلم من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الذين يتكاسلون عن الصلاة"
(25)