فى ميزان الإسلام معنى ( التوبة وحقيقتها )

متى تتوب؟

كثير من الناس قد تلمح فى الحديث معه أنه يود أن يرجع الى ربه سبحانه ويحسن الصلة به بل إنك تجد منه إصرارا على فتح صفحة جديدة ولكنه يقرن هذا الرجوع بموعد مع الأقدار المجهولة كتحسن في حالته أوتحول في مكانته أو ينتظر موسم معين أو غرة عام إلى غير ذلك من التسويف والإبطاء وإنه لا مكان لإبطاء أو تفرط فلن يعود ذلك عليه بخير قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل:" أن هذا التأخير قد يكون طريق الانحدار والهلكة وفى ذلك ـ قال صل الله عليه وسلم:"النادم ينتظر من الله الرحمة والمعجب ينتظر المقت واعلموا عباد الله أن كل عامل سيقدم على عمله ولا يخرج من الدنيا حتى يرى حسن عمله وسوء عمله وإنما الأعمال بخواتيمها والليل والنهار مطيتان فأحسنوا السير عليهما إلى الآخرة واحذروا التسويف فان الموت يأتي بغتة ولا يغترن أحدكم بحلم الله عز وجل فان الجنة والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ثم قرأ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" سورة الزلزلة والله سبحانه يهيب بالبشر قبيل كل صباح أن يعيد بناء نفسه على نور من الأمل واليقظة قال رسول الله صل الله عليه وسلم:" إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى ؟ هل من داع فيستجاب له ؟ هل من مستغفر فيغفر له ؟حتى ينفجر الفجر وفى رواية أقرب ما يكون العبد من الرب سبحانه في جوف الليل فان استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى فى تلك الساعة فكن" ولاتمنعك كثرة الذنوب أن تكون عائقا بينك وبين أوبة صادقة قال تعالى :" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له " سورة الزمر وفى الحديث القدسي من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" يا ابن آدم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ولا أبالى يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي وعلى المسلم أن يعمر وقته بفعل الخير ما استطاع إليه سبيلا ولكن لا يكفى أن ينهض إلى الخير في تثاقل وتكاسل أويؤدي بعضه ويؤجل بعضه أو يؤخره كله من يوم إلى آخر عجزا أوتكاسلا وقد قال لشاعر : لا أؤخر شغل اليوم عن كسل _---إلى غد ان يوم العاجزين غدا " وصل الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

بين الأمل واليأس :

المسلم دائما فى حاجة الى الأمل الذى يجلب له السعادة النفسية والرجاء المقرون بخشية الله هو من أقوى المؤثرات فى أعمال الإنسان فالخشية تربى الضمير فى الإنسان فتجعله قدوة صالحة فى المجتمع ولقد يسموا الرجاء فيكون أملا فى الإستشهاد ورغبة فى لقاء الله وتحملا فى سبيل ذلك لكل صعاب وألام وأثقال فى هذه الحياة بل ربما وجد المؤمن فى ذلك متعة وراحة يستطيبها وعن شداد بن أوس رضى الله تعالى عنه أن رجلا من الأعراب جاء الى النبى صل  الله عليه وسلم فأمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبى صل  الله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزاه غنم النبى صل  الله عليه وسلم فقسم للجنود وقسم له قسمه (يعنى حظه من الغنيمة ) وكان يرعى ظهورهم فلما جاء دفعوا اليه قسمه فقال ما هذا قالوا قسم قسمه لك النبى صل  الله عليه وسلم فأخذه فجاء به الى النبى صل  الله عليه وسلم فقال ما هذا قال قسم قسمته لك قال ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أرمى بسهم ها هنا وأشار الى حلقه بسهم فأموت فأخل الجنة فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا الى قتال العدوا فأتى به الى النبى صل  الله عليه وسلم محمولا فقال أهو هو قالوا نعم قال صل  الله عليه وسلم صدق الله فصدقه " ثم كفنه فى النبى صل  الله عليه وسلم فى جبته التى كانت عليه ثم قدمه فصلى عليه وقال فى صلاته " اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا فى سبيلك فقتل شهيدا وأنا شهيد على ذلك رواه النسائى لقد أعلن هذا الصحابى الجليل بأنه باع نفسه إبتغاء رضوان الله وكان كل أمله أن يفوز بالشهادة ويدخل الجنة وكان صادقا مخلصا فى قوله فصدقه الله وحقق له أمنيته وفاز برضوان الله وجنته وشهد على ذلك الرسول صل الله عليه وسلم وهكذا كل إنسان يتفق قوله مع عمله وعقيدته يثيبه الله ويحقق له رجاءه ويدخله الجنة بفضله وكرمه" وصل  الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الوعظ وأثره فى تهذيب النفس

الأمراض والعلل تصيب الأجسام فتذهب بجمالها وكثير ما يؤدى المرض الى حياة الجسد وقلب الإنسان كالجسد يعرض له من الأمراض ما يطفىء نوره ويفقده حياته مما يؤدى ذلك الى الضلال والإنهماك فى الملذات والشهوات والتهاون بالأوامر والنواهى وعدم المبالاة بالمعاصى والفجور وسيئات البدع ونبذ الآداب الدينية والأخلاق المحمدية وارتكاب كل ما لايرضاه الشرع والعقل من الشرور والقبائح ومن هذه الأفعال تتكون أمراض القلوب وعللها قال تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " سورة المطففين والمعنى أن الذنوب والمعاصى والبدع والشبهات تركب القلب كما يركب الصدأ على الشيئ وهو أن يصر على المعاصى ويفرط فى المسارعة الى التوبة حتى يطبع على قلبه فلا يقبل الخير ولا يميل اليه ولا دواء للنفوس من أمراضها ولا شفاء لها من علتها الا بسماع المواعظ والخطب والارشادات والنصائح من الكتاب والسنة فبهذه المواظ دون سواها تصح النفوس وتسلم القلوب من المخاطر وتجع من غيها الى رشادها وتعدل عن طرق العوجاء الى الصراط المستقيم وبالوعظ و التذكير تتهذب النفوس وتتنبه العقول من غفلتها وتستيقظ من رقدتها وتستنير البصائر بنور الطاعة بعد أن أظلمتها المعاصى قال بعض الحكماء الموعظة موقظة للقلوب من سنة الغفلة ومنقذة للبصائر من سكرة الحيرة ومحيية لها من موت الجهالة ومستخرجة لها من ضيق الضلالة وعن بن عباس رضى الله عنه " ان للحسنة ضياء فى الوجه ونورا فى القلب وقوة فى البدن وسعة فى الرزق ومحبة فى قلوب الخلق _ وان للسيئة سوادا فى القلب وظلمة فى الوجه وضعفا فى البدن ومحقة فى الرزق وبغضة فى قلوب الخلق " ان المعاصى شهوة قصيرة عاحلة وشقوة ملازمة ونا ر حامية وذل شديد وعذاب أليم فى الدنيا والآخرة " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا عدد ما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون

سبيل النجاة :

قال الإمام على كرم الله وجهه ورضى الله تعالى عنه " من جمع ست خصال لم يدع للجنة مطلبا ولا عن النار مهربا _ من عرف الله فأطاعه _ وعرف الشيطان فعصاه _ وعرف الحق فاتبعه _ وعرف الباطل فاجتنبه - وعرف الدنيا فرفضها _ وعرف الآخرة فطلبها " . وصل  الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

روحنيات قدسية :

يقول الله تعالى فى الحديث القدسى " ياابن آدم لاتخف من سلطان ما دام سلطانى باقيا وسلطانى لا ينفد أبدا ياابن آدم لاتأنس بغيرى وأن لك فإنك إن طلبتنى وجدتنى وإن أنست بغيرى فتك وفاتك الخير كله _ ياابن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب وقسمت لك رزقك فلا تتعب وإن كثر فلا تفرح وإن قل فلاتحزن وإن رضيت بما قسمته لك أرحت نفسك وبدنك وكنت عندى محمودا وإن لم ترض بما قسمته لك سلطت عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش فى البرية ولا ينالك منها الا ما قسمته لك وكنت عندى مذموما وفيه عبدى كم أتحبب اليك بالنعم وتتبغض الى بالمعاصى خيرى اليك نازل وشرك الى صاعد وفيه يا ابن آدم لا تطالبنى برزق غدا كما لم أطالبك بعمله فإنى لم أنسى من عصانى كيف بمن أطاعنى ومما أثر عن حوارى سيدنا عيسى عليه السلام " عجبا لكم تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ولا تعملون للآخرة وأنتم لاترزقون فيها الا بعمل " وصل  الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

محبة الله فى طاعته ;

اذا أراد الله بعبده خيرا ألهمه الطاعة وألزمه القناعة وفقهه فى الدين وأعطاه اليقين _ واذا أراد الله بعبده شرا حبب اليه المال وبسط منه الآمال وشغله بدنياه ووكله الى هواه فركب الفساد وظلم العباد _ الثقة بالله أزكى أمل والتكل على الله أوفى عمل _ من لم يكن له من دينه واعظ لم تنفعه المواعظ _ أفضل الناس من أخرج الحرص من قلبه وعصى هواه فى طاعة مولاه " . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

باب التوبة مفتوح :

باب التوية مفتوح مهما كثرت الذنوب وعظمت وتكررت يقول الله تعالى " قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " سورة الزمر والتوبة تمحوا ما قبلها من الذنوب وشروطها _ 1_ الندم على ما مضى من ارتكاب المعاصى والآثام 2_ والعزم على عدم العود إلى الذنب 3_ والإقلاع نهائيا عن الذنب وكل مايعين عليه وهناك شرط رابع إذا تعلق بحق آدمى فيتحلل من ذلك بإعطاء كل ذى حق حقه وبذلك تتحقق شروط التوبة فإذا أخل بواحد منها لم تصح توبته قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا توبو إلى الله توبة نصوحا " سورة التحريم وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فضل التوبة :

روى ابن ماجة فى سننه عن أنس رضى الله عنه أنه صل الله عليه وسلم قال " كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " وفيه أيضا عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صل الله عليه وسلم أنه قال " لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم " رجاله ثقات و عنه أنه صل الله عليه وسلم قال " لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم إذا سقط عليه بعيره وقد أضله بأرض فلاة " وعن أنس رضى الله عنه وفيه أيضا عنه صل الله عليه وسلم " لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد , ومن الضال الواجد , ومن الظمآن الوارد " وقال بن عساكر فى أماليه عن أبى هريرة رضى الله عنه " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

القرآن الكريم يحي القلوب بالتوبة ;

يقول الأصمعى , خرجت حاجا فى سنة من السنين فينما أنا فى الطريق إذ برجل أعرابى فى يده سيف عريض ورمح طويل كان يقطع بهما الطريق لأخذ أموال المسلمين فلما دنا منى أسرعت نحوه , وألقيت عليه التحية فردها على ثم قال لى من أين الرجل فقلت له فقير وعابر سبيل فقال وما يكون القرآن فقلت له كلام الله تعالى فقال أو لله كلام فقلت نعم فقال أسمعنى من كلامه قال الأصمعى فقرأت عليه " بسم الله الرحمن الرحيم " وفى السماء رزقكم وما توعدون " سورة الذريات
فرمى الأعرابى بسيفه ورمحه وقال تبا لقاطع طريق وخائن سبيل رزقه فى السماء , ويطلبه فى الأرض ثم تاب إلى الله تعالى وعاهده ألا يعود إلى ماكان فيه , قال الأصمعى ففرحت فرحا شديدا , فلما كان العام التالى خرجت حاجا فينما أنا طائف ذات ليلة إذ برجل عليه سيم الصالحين متعلق بأستار الكعبة وهو يقول إلهى غارت النجوم ونامت العيون وخلا كل حبيب بحبيبه واغلقت الملوك أبوابها وبابك مفتوح للسائلين فليت شعرى أقبلت منى ليلتى فأهنئ نفسى أم رددتها على فأعزيها فتعجبت من حاله وتوجهت نحوه ملقيا عليه السلام فقال ألست صاحبى فى العام الماضى فقلت نعم فقال أسمعنى من كلام الله فقال الأصمعى فقرأت عليه " فورب السماء والأرض  إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون " سورة الذريات
قال فرفع الأعرابى برأسه وقال يا أصمعى وما الذى ألجأه إلى هذا القسم ثم خر مغشيا عليه من الخوف والندم "
  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الفرار إلى الله

قال تعالى " ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين " سورة الذريات  ففروا إلى الله أيها الناس , من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به وبرسوله , واتباع أمره والعمل بطاعته , إنى لكم منه نذير بين الإنذار وكان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة , وهذا فرار إلى الله _ والفرار إلى الله تعالى يكون بالتوبة النصوح لأن ذلك هو الفلاح وطريق الإستقامة قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا " سورة التحريم وقال تعالى " وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " سورة النور ولقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم يفر إلى الله ويلجأ إليه بالتوبة والإنابة وذلك يعبر عن التوبة الصادقة واستشعار العبد اليقين ووقوفه على حقيقة الإيمان فعن الأغر بن يسار المزنى رضى الله عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب فى اليوم مائة مرة رواه مسلم ومن رحمته سبحانه بعباده أن باب الفرار لايغلق أبدا للتائبين والراجعين إليه إلى أن تقوم الساعة وأن تصل روح العبد إلى الحلقوم ويغرغر بالموت قال تعالى " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن والذين يموتون وهم كفار " سورة النساء وقال صل الله عليه وسلم " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " ومن حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " رواه مسلم " . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (1)

التوبة فى ميزان الإسلام ;

أول من فتح باب التوبة للبشر هو سيدنا آدم عليه السلام

إن أول من فتح باب التوبة ولجأ إلى الله تعالى , هو سيدنا آدم أبو البشر عليه السلام
وعندما رأى ربه سبحانه وتعالى منه هذا , الإقبال تلقاه برحمته وفتح له أبواب فضله وإحسانه  
قال تعالى " قتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم " سورة البقرة
الآية 37_ وعندما أوقع الشيطان آدم وزوجه فى الخطيئة , ووسوس لهما حتى أكلا من الشجرة , فتسبب فى إخراجهما من الجنة ونعيمها , وقال الله تعالى لهم اهبطوا
إلى الأرض , يعادى بعضكم بعضا _ والكلام لآدم وحواء والشيطان الرجيم , ولكم فى الأرض استقرار وإقامة , وانتفاع بما فيها إلى وقت إنتهاء آجالكم , وعند ذلك اعترف آدم وزوجه بخطئهما , فتلقى آدم بالقبول كلمات , ألهمه الله إياها توبة واستغفارا وهى"
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (1)

من رحمة الله تعالى بالإنسان أن فتح له باب التوبة :

وهى قوله تعالى " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " سورة الأعراف الآية 23_ فتاب الله عليه , وغفر له ذنبه إنه هو التواب
لمن تاب من عباده الرحيم بهم , قالت أم المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها :
لما إراد الله عز وجل _ أن يتوب على آدم عليه السلام , طاف بالبيت سبعا , وهو يومئذ ليس بمنى بل كان ربوة حمراء , ثم صلى ركعتين ثم توجه إلى الله بهذا
الدعاء :" اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى , فأقبل معذرتى , وتعلم حاجتى فأعطنى
سؤلى , وتعلم ما فى نفسى فاغفر لى ذنوبى , اللهم إنى أسألك إيمانا يباشر قلبى
, ويقينا صادقا , حتى أعلم أنه لن يصيبنى إلا ما كتبته على , والرضا بما قسمته لى
يا ذا الجلال والإكرام , فأوحى الله عز وجل إليه أنى غفرت لك , ولم يأتنى أحد من ذريتك فيدعونى بمثل الذى دعوتنى به إلا غفرت له وكشفت غمومه وهمومه
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (2)

كل بنى آدم خطاء :

ومن هنا نعلم أنه ما من مخلوق إلا وقد قدر, عليه أن يقترف إثما ويرتكب خطأ ووزرا , والإنسان مأمور بالتوبة إلى الله تعالى والرجوع عما اقترفه من الآثام
والمعاصى والإستغفار منهما والإنابة, إلى الله سبحانه وتعالى وهذا هو ما يتماشى مع فطر الإنسان وطبائعه التى ركبت فيه , وهو ما جاءت به الأدلة والنصوص بتقريره وتأكيده , روى الترمذى فى سننه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :
كل بنى آدم خطاء , وخير الخطائين التوابون " وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :" والذى نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم , ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون  الله فيغفر لهم "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (3)

توبوا قبل أن لا تتوبوا :

والتوبة فى الإسلام لاتحتاج إلى كثير عناء وتعب ومشقة , بل هى أمر سهل وميسور
فباب الله تعالى مفتوح على مصرعيه فى كل لحظة , وحين يذهب إليه ويدق بابه
من يشاء ليستغفر ويتوب ويتطهر فالله سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين
فلا يطرده من رحمة الله أحد , ولايقفل دونه ودون الله باب ولا وسيط بين العبد وربه
مهما كثرت ذنوبه وعظمت آثامه وخطاياه قال تعالى " قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم
" سورة الزمر الآية 53_
         وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (4)

حيث لا ينفع الندم :

وقد شرع الله سبحانه التوبة لمصلحة الإنسان وليس لأحد غيره وقد حثه الله تعالى عليها بالمبادرة والمسارعة مع الإقلاع عن الذنوب من قبل أن يأتى يوم لا يستطيع فيه الإنسان تعويض ما فات من فرصة حيث هناك لا مُدافع ولامُخلص له فيتحسر على ما قدم , ويضيق صدرا بما وصل إليه من واقع مرير
ويندم وساعتها لا ينفع الندم , والله سبحانه وتعالى قد أحبرنا فى الدنيا بأنه يحب التائبين ويفرح بتوبتهم قال تعالى " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين "
سورة البقرة 222_
وروى الإمام مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال :
رسول الله صل الله عليه وسلم :" لله أشد فرحا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها "  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (5)

شروط التوبة :

والإسلام لايطلب ممن وقع فى الذنوب والآثام سوى , أن يقلع عن الذنب ويندم على فعله ويعزم على أن يعود إليه , ويستغفر الله على ما فات من ذنوبه ويتحلل من مظالم العباد قال تعالى " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " سورة النساء الآية 110_ وروى الإمام أحمد فى مسنده قال قال صل الله عليه وسلم " كفارة الذنب الندامة " هذا هو الإسلام فى تعامله مع المذنبين من أتباعه وهذه طريقته مع من أراد أن يتوب من ذنوبه , وهو منهج واضح وليس فيه تعسف فيما يطلبه من المذنب أن يعمله , فى سبيل التخلص مما ألم به من ذنوب , والإسلام يطلب من أتباعه عدم اشاعة الذنوب والإعلان عنها , بل إنه يدعوا إلى سترها
ويحث مرتكبيها على تغطيتها وعدم كشفها , ويرغبه فى الوسائل التى تؤدى إلى محوها والتطهر منها "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (6)

التوبة لا تحتاج إلى وسطاء بينك وبين ربك

والتوبة فى الإسلام لا تحتاج للإعتراف , بالذنب لغير الله تبارك وتعالى أوتبقى معلقة بالمذنب لا مَخلصْ له منها ولا فرار , بل إن" التائب من الذنب كمن لا ذنب له "
كما جاء به الأثر ويقول تعالى " إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما , ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا " سورة الفرقان الآية 70_ 71_
ومن ثم فإن الإسلام لايسلك بأهله المسالك المعقدة , ولا يطلب عمل الإجراءات المتعبة فما أحكمه من تشريع وما أعدله من نظام , وما أشد موافقته للفطرة السليمة
إن دين هذا صفته وتلك مزاياه لجدير بأن , تسارع الإنسانية إلى اعتناقه والإيمان به والتمسك بأحكامه ومبادئه لتنعم بالسعادة الأبدية فى الدنيا والآخرة قال تعالى " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " الآية 97_ من سورة النحل
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (7)

التوبة تغسل الذنوب :

_ من دعاء النبى صل الله عليه وسلم عند استفتاح الصلاة وبعد تكبيرة الإحرام " اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب , اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس , اللهم اغسلنى من خطاياى بالماء والثلج والبرد " ما أعظم حديث النفس عن معنى الإحسان الحقيقى فى طاعة العبد لربه وخالقه سبحانه وتعالى , إنه يرتفع نداء من القلب إلى الله تعالى ربنا ورب كل شئ , إنه نداء واضح صريح يطلب فيه العبد من ربه عز وجل أن ينقه من الخطايا والذنوب دون الشعور بأى واسطة أو غبش أو شراكة , كالماء يسيل على الجسم والقلب خاشع متضرع , يرفع نجواه ويبث هتافه إلى مولاه , وهو مقشعر من المهابة إذ هو مابين الخوف والرجاء , وكلما غشية العبد صورة عظمة ربه تردد فى قلبه وبين أضلاعه صوت يقول يارب , يارب " فاللهم إغسلنى بما يزيل أدران صحيفتى , كما يزيل الماء أدران جسدى , اللهم باعد بينى وبين كل شهوة وشبهة محرمة , واسلل كل سخيمة من قلبى , اللهم نور فلبى بصدق الإيمان وثبات اليقين , وخفف أحمال أوزارى بمغفرة من عندك فإنك أنت الغفور الرحيم " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (

جدد التوبة مع ربك :

_ على كل مسلم مهما كانت رتبته وكثر عمله وزاد علمه أن يجدد العهد مع ربه بتوبة نصوح , يجد لها علامات مشرقة فى نفسه , من رقة فى قلبه , وغلبة بكائه , ولزوم الطاعة , وهجر قرناء السوء وأماكنها , ونحن نجدد التوبة فى كل وقت , لأن ذنوبنا كثيره , وإذا خلا العبد من جرم كبير لايخلو من ذنب صغير , ولا يزال الذنب الصغير يجتمع عليه ويفعله حتى يهلكه , فالتوبة واجبة على العبد وهو لايخلو فى ظاهره وباطنه من معاصى عديدة , وإذا حسنت حالته , استقامت حياته , ودامت طاعته , وهاهو رسول الله سيد البشر الذى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر مع كمال عصمته المطلق كان يتوب إلى الله تعالى ويستغفره كل يوم أكثر من سبعين مرة , فلنكثر من الإستغفار أناء الليل وأطراف النهار , ولنتعهد الإستغفار فى وقت الأسحار فى جوف الليل وفى كل حال ومكان فقد قال صل الله عليه وسلم " من لزم الإستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا , ورزقه من حيث لايحتسب " وكان صل الله عليه وسلم أكثر ما يقول " رب اغفر لى وتب على إنك أنت التواب الرحيم " وكان يكثر من الإستغفار فى مجالسه المباركة فكانوا يعدون له فى المجلس الواحد ما يقرب من مائة مرة أستغفر الله وأتوب إليه " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (9 )

عن فضل التوبة:

_قال تعالى " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " وقال صل الله عليه وسلم التائب من الذنب كمن لا ذنب له" ويوم القيامة ينكشف لكل مفلس إفلاسه ولكل مصاب مصيبته , قال تعالى " وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني الى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها , سورة المنافقون _ وقد قيل فى معنى الأيه انه يقول حالتئذ يا ملك الموت أخرني يوما أتوب الى ربى وأتزود صالحا لنفسي فيقول فنيت الأيام فلا يوم فيقول فأخرني ساعة فيقول فنيت الساعات فلا ساعة فيغلق عليه باب التوبة فيتغرغر بروحه وتزهق نفسه قال تعالى" وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت فال أنى تبت الآن " سورة النساء وقوله " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من فريب" سورة النساء _ ومعناه عن قرب عهد بالخطيئة بأن يتندم عليها ويمحو أثرها بحسنة يردفها بها قبل أن يتراكم الران على القلب قال تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " سورة المطففين وإذا تراكمت الذنوب على القلب  فلا يقبل المحو ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أتبع السيئة الحسنة تمحها " وبالله التوفيق وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 10 )

التوبة وعمل السيئات:

ما أهلك الإنسان الذى يحرص على فعل المعاصى والذنوب , مع ظنه أن الله تعالى سيغفر له , لأن الله تعالى غفور رحيم , ولابد أن يرحمه ويغفر له كما يظن , ومن ثم ينطلق لاهيا ماجنا , عابثا لاعبا , وكأنه ضمن اليوم الذى يتوب فيه فيتوب الله عليه ونسى ما يقوله الله تعالى فى شأن المسوفين الغافلين عن التوبة لله رب العالمين يقول تعالى :" إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات بجهالة حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما " سورة النساء الأية 17 ـ 18 ـ

الله سبحانه وتعالى يتقبل التوبة من الذين يرتكبون الذنوب والمعاصى , عن جهل بعاقبتها فإن رجعوا إلى الله بالتوبة والإنابة وامتثال الطاعات , واجتناب النواهى والمحرمات قبل معاينة الموت , قبل الله تعالى توبتهم , وأما من يصرون على المعاصى وارتكاب الموبقات , ولا يرجعون إلى ربهم إلى أن تأتيهم سكرات الموت , فيقول أحدهم إنى تبت الآن فلا تقبل توبتهم , وكذلك لاتقبل توبة الكفار الذين يموتون وهم جاحدون منكرون لوحدانية الله ورسالة رسوله محمد صل الله عليه وسلم ـ ومن ثم كان العذاب الشديد لأولئك المصرون على المعاصى إلى أن ماتوا , وكذلك الجاحدون الذين يموتون وهم كفار ,

. إن رحمة الله ومغفرته لاتكون إلا حقا وعدلا , فيجب علينا ونحن نحسن الطن بالله أن نعلم أن الله تعالى لايُسوى فى رحمته بين الفاجر المصر على المعاصى , وبين التائب المستغفر قال تعالى :" أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون " سورة القلم الآية 35 ـ 36 ـ وقال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " سورة الزلزلة الأية 7 ـ 8 ـ  . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامى ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

العلاج النفسي بالتوبة   :  

إن الشعور بالذنب يسبب  للإنسان الإحساس  بالنقص والقلق وحتى يزول هذا الشعور وحتى يصبح الإنسان  أكثر تقبيلا لذاته فيخفف تأنيبه  لنفسه بحيث لا يري ما يبرر الاستمرار في شعوره بالذنب وشعوره بالنقص وبذلك، يمدنا القرآن الكريم بأسلوب فريد وناجح في علاج الشعور بالذنب ألا وهو التوبة – فقد وعد الله تعالى بالعفو والمغفرة لكل مذنب مهما كثرت ذنوبه فالتوبة تقوي في الانسان الأمل في رضوان الله والنجاه من العذاب فتخفف حده القلق فيتخلص من شعوره بالذنب – ثم إن التوبة تدفع الإنسان  عادة الى اصلاح الذات وتقويمها حتى لا يقع مرة أخرى في الأخطاء والمعاصي ويساعد ذلك عل   ذيادة تقدير الإنسان  لنفسه وذياده ثقته فيها ، ورضائه عنها ويؤدي ذلك إلى بث الشعور بالأمن  والطمأنينه في نفسه .
قال تعالي في سورة الزمر الآية( 53 ) " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم "
ومن يعمل سوءً أو يظلم  نفسه ثم  يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" النساء الآية 110.

.
" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء 48.
" إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً " النساء 17.
" والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وأمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم " الأعراف
" فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم " المائدة 39.
" واذا جاءك الذين يؤمنون بأيتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم علي نفسه الرحمة أنه من عمل سوءاً بجهالة ً ثم تاب من بعدها وأصلح فإنه غفور رحيم " الأنعام 54." إني لغفار لمن تاب وأمن وعمل صالحاً ثم اهتدي " طه 82.

" واذا جاءك الذين يؤمنون بأيتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم علي نفسه الرحمة أنه من عمل سوءاً بجهالة ً ثم تاب من بعدها وأصلح فإنه غفور رحيم " الأنعام 54.
" إني لغفار لمن تاب وأمن وعمل صالحاً ثم اهتدي " طه 82.
" والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين" آل عمران 135\136.
إن المسلم اذا تاب توبة نصوحاً والتزم بطاعة الله وعبادته وبالعمل الصالح ارتاح باله واطمأنت نفسه وزال عنه الشعور بالذنب والخطيئة بل يجب أن يكون كثير الرجاء في عفو الله ومغفرته ، فالإنسان بطبيعته ضعيف وهو معرض للخطأ ولكنه مادام يعترف بخطئة ويستغفر الله ويتوب فليس له أن يتمادي في تعذيب نفسه ولا ييأس في رحمه الله مادام يريد استئناف حياة أفضل وأنقي وأطهر في ذلك "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم