الإختيار فى الزواج .

الإختيار فى الزواج :

الزواج فى الإسلام رابطة مقدسة , تقوم على المعانى الروحية والعاطفيه , من التواد والتراحم ولقد بين لنا ربنا سبحانه وتعالى , هذه المعانى التى يجب أن تعم أرجاء البيت وأساسه فقال تعالى :" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الآية 31 ـ سورة الروم
وبما أن المرأة خلقت من جنس الرجل فهى بالنسبة له , الأم والأخت والبنت والعمة والخالة ولهذا فهى جديرة أن تكون لها ما لرجل وعليها ما عليه أكدت هذا المعنى الشريعة السمحة فى قوله تعالى :" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " سورة النحل الآية
97 ـ ( 1)

ولقد حرص الإسلام على أن تنشأ الأسرة من أول يوم تقوم فيه , على المنهج التربوى الصحيح من خلال تعاليمه السامية , ووصاياه الحكيمة التى تغرس فى نفوس أفرادها العقائد السليمة , وتترسخ المبادئ فى جو من الإيمان الصحيح , يحملها على التزام طاعة الله , وامتثال أوامره واجتناب نواهيه , مع التمسك بمكارم الأخلاق , لا رياء ولاسمعة ولكن التزام وطاعة ابتغاء وجه الله ورضوانه .
ولقد أوجب الإسلام وفرض على أن يلتزم أفراد البيت بمنهج الإسلام عقائد وعبادة وأخلاقا , ولا يحل التهاون فى أدائه ولا فى إقامته . (2)

فالمرأة باعتبارها مدرسة الإسلام الإولى ومربية الأجيال , وهى راعية ومسئولة
ألزمها الإسلام بأن تتأدب بأدب الدين وتتمسك بتعاليمه , وتتحلى بالحشمة والوقار قى نظرتها ومشيتها , ولباسها وزينتها فقال الله تعالى :" قل للمؤمنات يغضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ...إلخ الآيات سورة النور الآية 31 ـ
وحث الإسلام الرجل على معاشرة زوجته بالمعروف فقال صل الله عليه وسلم فى آخره عهده بالدنيا فى بعض وصاياه :" الله الله فى نسائكم " وقال عليه الصلاة والسلام أيضا :" الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " وقال صل الله عليه وسلم :"
أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا والطفهم بأهله " ودعى الإسلام الأولاد إلى بر الوالدين وحسن معاملتهما عند الخطاب والقيام بحقهما فقال :" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " سورة الإسراء الآية 23 ـ ( 3)

وعن الصفات التى يجب أن تكون الأساس عند اختيار كل من الزوجين للآخر , قد بينها لنا ربنا سبحانه وتعالى فى مواطن كثيرة , من كتابه وسنة رسوله صل الله عليه وسلم ـ وإذا ما اختار كل من الزوجين على أساس الدين والخلق الكريم , فإن ذلك يضمن لهما سلامة الأسرة والسعادة الدائمة والإستقرار المنشود , وتتحقق المقاصد السامية التى من أجلها شرع الزواج ومن هذه المقاصد , التى تبتغى من وراء إقامة الأسرة , وهى الإحصان , والعفاف , والتوالد , والسكن والمودة والمحبة والرحمة وغير ذلك , وأساس ذلك كله خشية الله فى السر والعلانية , فهى التى تبعث فى النفوس الإستعصام عن الوقوع فى المعاصى , واحترام الآخرين وحب الخير والسعادة لهم . ( 4)

وإذا ما توافرت الصفات التى ذكرناها من المعانى الروحية والنفسية والأخلاقية , عند اختيار كل من الزوجين للآخر , فلا حرج عليهما أن تبتغى إلى ذلك صفات أخرى كالمال والجمال والجاه , وأما من لايبالى عند زواجه إلا هذه الصفات الأخيرة التى ذكرناها ويترك الأساس , ولا يعنيه من أمر الزواج إلا أن تكون صفقة تجارية أو طريقا لشهوة بهيمة , أو غير ذلك فإنه بذلك يصبح أثم قلبه , خارج على تعاليم دينه مبادئه وأحكامة , وهذا هو الذى توعده الرسول صل الله عليه وسلم بخيبة الأمل وانعكاس الرجاء , فقد قال صل الله عليه وسلم :" لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن , ولا تزوجهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن , ولكن تزوجهن على الدين , ولأمة خرساء سوداء ذات دين أفضل "
وقال صل الله عليه وسلم :" من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا , ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا , ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة , ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه ويصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه " ( 5)
. موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من أسباب الصحه النفسية الزواج :

الزواج يوفر الصحة النفسية للرجل والمرأة على السواء , فقد أكد أطباء نفسيون أن الزواج السليم أحد أسباب توافر الصحة النفسية للفرد والمجتمع , لاسيما إذا كان الزواج مبنى على أسس شرعية , فإنه يوفر الراحة للزوج والزوجة , وقد أمر رسول الله صل الله عليه وسلم بحسن الإختيار وانتقاء الوعاء الصالح والمحضن الأمين من كلا الطرفين فقال صلى الله عليه وسلم :" تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس " وقال صل الله عليه وسلم :" إياكم وخضراء الدمن فإن العرق دساس قالوا :
وما خضراء الدمن يارسول الله : قال المرأة الحسناء فى المنبت السوء " ( 6)

فالإسلام يحرص فى عملية التكافؤ , على الجوهر لا على الأعراض الزائلة , والتكافؤ المطلوب عند الزواج كما بينت هذه الأحاديث السابقة هو التكافؤ النفسى , والتكافؤ الخلقى , والتكافؤ القيمى , والتكافؤ الصحى , فالإسلام قد تعهد الوليد قبل أن يوجد حيث ركز على النوعيين الذى ينشأ عنهما ذلك الإنسان , ومن هنا نعلم أن التربية الإسلامية لاتوجد مع الوليد ولكنها تسبقه وهو نسمة فى عالم الغيب , فالتربية المادية
تتعلق بالإنسان منشأ واجتماعا لعناصر تكوينه , وحملا وارضاعا له وحضانة , وتربية لجسمه , حتى يصل إلى المستوى الذى يهيؤه له كماله الإنسانى , (7)

, ويرشدنا الرسول صل الله عليه وسلم ـ إلى الحرص على تجنب زواج القريبات , حتى لايؤول أمر النسل إلى الضعف , أما إذا اغترب فإنه يؤول أمر النسل إلى القوة يقول : صل الله عليه وسلم :" اغتربوا ولا تُضووا " والأمر هنا للارشاد للأفضل وليس للتحريم وقد أكد العلم الحديث هذه النظرية النبوية , وما ينتج عنه زواج القرابة القريبه من صفات وراثية غير حميدة نفسيا وعقليا وبدنيا , (8 )

وقد يقول البعض ألم يُزوج رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ابنته فاطمة الزهراء لعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما ـ نقول إنها قرابة بعيدة فهو ابن عم النبى صل الله عليه وسلم ـ وليس ابن عم لفاطمة رضى الله عنها ـ والمقصود من ذلك أنه كلما ابتعد الإنسان رجلا كان أو امرأة واغترب فى زواجه , كانت حصيلة النسل أقوى ومعنى الحديث :" اغتربوا ولا تُضوا " حتى لا تنهزلوا وتضعفوا , لذلك شاع على ألسنة الشعراء :
فى العرب قولهم : أنصح من كان بعيد الهم ـ تزوج أولاد بنات العم
فليس ينجوا من ضوى وسقم .
ويقول فى وصف الشجاع :
فتى لم تلده بنت عم قريبة فيُضوى
وقد يُضوى سليل الأقارب .
وبهذا نعلم عن مدى حرص الإسلام على سلامة النشأ ماديا ومعنويا , حتى ينشئوا أقوياء أمناء صالحين . . موقع من فقه الاسلام ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 9)

من هدى القرآن عن خيانة امرأتى نوح ولوط عليهما السلام :

يقول الله تعالى في سورة التحريم‏‏ : " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانت تحت عبدين من عبادين صالحين فخانتهما فلم تغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين " ‏يقول‏‏ : في أي شيء كانت خيانتهم عنِ ابن عباس رضى الله ـ فِي قوله تعالى :" فخانتهما" سورة التحريم آية 10 ، قال : " كانت خيانتهما أنهما على غير دينهما , فكانت امرأة نوح عليه السلام تطلع على سر نبي الله نوح , فإذا أمن مع نوح احد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به , فكان ذلك من امرها , وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط ٌعليه السلام أحدا أخبرت به اهل المدينة ممن يفعل السوء فلم يُغنيا عنهما من الله شيئا حديث موقوف " حديث موقوف . ( 10

هذه الآية الكريمة يضرب الله تعالى لنا فيها مثلا لمخالطة الكافر بالمسلم وأن الكافر لا ينفعه مخالطة المسلم ما دام أنه لم يدخل في الإسلام فإنه في يوم القيامة يكون في النار ولا تنفعه معاشرته للمسلم ومخالطته للمسلم وإن توثقت الصلة والعلاقة , لأنه ليس بمسلم‏‏ ، أما الخيانة التي حصلت من امرأة نوح وامرأة لوط فهي خيانة الملة ، لأن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين فخانتاهما في الدين ، حيث لم تدخلا في دين زوجيهما ، وذلك ليس خيانة عرض ، لأن فرش الأنبياء معصومة من خيانة العرض ، ولا يمكن أن يتزوج نبي بامرأة خائنة في عرضها ، فالمراد هاهنا بالخيانة خيانة الدين ‏.‏ وقيل‏:‏ إن خيانتهما أن امرأة نوح كانت تخبر الكفار بأسرار نوح عليه الصلاة والسلام‏.‏‏.‏ وتصفه بأنه مجنون‏ , ( 11)

وخيانة امرأة لوط أنها كانت تدل قومها على أضياف لوط ، ليفعلوا بهم الفاحشة‏.‏‏.‏ فهما خائنتان للأمانة التي بينهما وبين زوجيهما من ناحية حفظ السر ، وعدم الدلالة على ما عندهما من الأسرار ومن الأضياف , وبذلك نعلم أن الله تعالى لم يٌقدر على نبى قط أن تبغى امرأته كما قال ابن عباس رضى الله عنهما وغيره من أئمة السلف والخلف :" مابغت امرأة نبى قط " ومن قال غير هذا فقد أخطأ خطأ كبير وأثم إثما عظيما , فالخيانة كانت بسبب عدم طاعتهما ورفض الإمتثال لأمر زوجيهما واصرار الزوجين على الكفر والتمادى فيه وحاشا لله تعالى أن تكون غير ذلك . ". موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (12)

المرأة الصالحة كنز :

خلق الله أدم عليه السلام وأسكنه الجنة ، يأكل منها ما يشاء ، ويستظل بظلالها ، وينعم بنعيمها وتغمره الراحة التي لا مثيل لها ، لكن رغم ذلك ، رغم كل الخيرات والنعيم ، ورغم كل الجمال الذي يحيط به ، جمال الأشجار والطيور ولذات الطعام وغيرها إلى انه شعر بالوحشة ، استوحش آدم وهو في الجنة فخلق الله له حواء ، خلقها لتكون له الأنس والقرب والمودة ، خلقها لتكون له الأمان والاحتواء والاطمئنان ، وجاءت حواء ، خلقها الله سبحانه وتعالى من ضلع آد م، فهي بأصلها منه ،جاءت منه لتكون له ، خُلقت منه لتمنحه الدفء والأنس. ( 13)

إن المرأة الصالحة هي مصدر الجمال والراحة للرجل ، فهي الزوجة التي تحرص دومًا على رضا زوجها ، وتسعى بكل ما تملك كي يعيش معها حياة ملؤها الراحة والمودة ، فالزوجة الصالحة لا يهمها من متاع الدنيا شيء إلا رضا الله وزوجها ، فمهما كانت رغبتها في شيء إلا انها تكبح جماحها من أجل زوجها ، حتى لو فتحت لها الدنيا لم تأخذ إلا بقدر حاجتها فهي ذات قناعة ، فلا تعكر صَفوَ زوجها بمطالبها الهائلة من لباس ومستحضرات تجميل وغيرها ، ولا تنظر لنظيراتها من النساء ماذا ارتدين؟ وماذا يفعلن؟، بل هي امرأة قنوعة صبورة مؤمنة أن متاع الزواج في الزوج الصالح، وأنه لا مال ولا جاه يفيد شيئا إذا أصابها او زوجها مكروها في صحتهما ، ( 14)

لذا تتفهم الأمور فيكون الزوج مرتاح إذا خرج من البيت ، مرتاح إذا عاد إليه ، مرتاح إذا تحدث إليها. المرأة العفيفة تكبر في عين الجميع ، ويفخر بها رجُلها أمام الجميع، وقد صرح الإسلام بالفوز لمن كان نصيبه بزوجة عفيفة ذات خلق فقول الرسول عليه السلام واضح عندما قال :" فاظفر بذات الدين ، تربت يداك" أي إن لم تكن زوجتك المرأة العفيفة ذات الدين ، فكأنك نلت من التراب لا تنال من الخير شيء؛ لأنه بذات الدين يكون الرجل قد حاز الدنيا والآخرة ، فزوجته هي معينٌ له في أداء واجباته الدينية والدنيوية. المرأة العفيفة كنزٌ للرجل في ذاته ، كنز له في أبناءه ، كنز له في صلة أرحامه وعلاقاته ، فهي دائما تذكره بزيارة أقاربه وتفقد أحوالهم ، ( 15 )

المرأة العفيفة إن أنجبت أبناءًا ربتهم على ما رُبيت عليه ، فيصبح أبناؤها من اكثر الناس أخلاقا ، ومن بين أبناءها تلك الفتاة التي تعد كنز آخر، هي كنز لأبيها ، وكنز لإخوتها وعائلتها ، فمهما كانت شروط رجل ما في أن  حصل على زوجة جميلة وذات حسب ونسب ، لكنه في آخر الأمر يرنو لمن إذا ادلهمّت عليه الحياة واشتدت عليه الخطوب لم يفقدها ، ولم تعكر عليه صفو أيامه لأتها تربت فى بيت أبيها على القناعة والرضا . وهناك امرأة عفيفة كبيرة هي كنز كبير للرجل ، هي التي أوجدته رجلا كبيرًا ذا شأن في هذه الحياة ، إنها أمه التي ربّته وجعلت في داخله الحب والإيمان ، فالتقى بشريكة حياةٍ هي تماما كما يريد عفيفة نقية. من فقه الاسلام للشيخ سامى  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  ( 16)

من صفات المرأة الصالحة:

_ أربعة من النساء في الجنة , امرأة عفيفة طائعة لله وزوجها , وامرأة صابرة قانعة باليسير مع زوجها ذات حياء , إن غاب عنها زوجها حفظت نفسها وماله , وإن حضر أمسكت لسانها عنه , وثوابها كما يقول النبي صل الله عليه وسلم : يستغفر لها الطير في الهواء والملائكة في السماء " إن الزوجة الأصيلة هي التي تقف بجانب زوجها في اليسر والعسر والصحة والمرض لتكون قدوة لبناتها حين يتزوجن ولتحظى بسمعة طيبة وتقدير من الناس لها , وعندما تفعل ذلك بإخلاص وحب ووفاء فلها ثوابها الكبير عند الله تعالى , وحب الناس لها دليل على حب الله لها ومن أجل ذلك أوصى النبي صل الله عليه وسلم عند الزواج أن يختار كلا منهما شريكا حياته على أساس الدين فيه تعرف الحقوق والواجبات بين الطرفين ولا تنكر بحال من الأحوال " موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (17)