من مفاهيم الإسلام متى نهجر أصحاب (البدع والمعاصى )

هل يجوز هجر المسلم العاصى أو المبتدع ؟ ؛

حيث ورد النهى فى الحديث عن ذلك :

من حديث أبى أيوب الأنصارى رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال "
لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذى يبدأ بالسلام " رواه البخارى ومسلم
وفى هذا أحاديث كثيرة ترهب من الهجر وأنه من الكبائر لما فيه من التقاطع والإيذاء والفساد _ وقد رخص الشارع الهجر لمدة ثلاث أيام مراعاة للطباع البشرية فإن المسلم لا يخلوا من أن يختلف مع أخيه المسلم فى أمرمن الأمور كالمعاملة وغيرها فيحتد غضبهما فيتهجران حتى إذا مرت ثلاثة أيام وهدأت نفوسهما وسكن غضبهما وجب عليهما أن يرجعا إلى سابق مودتهما ويصلا ما إنقطع من حبل أخوتهما" ( 1)

متى نهجر أصحاب البدع والمعاصى :

وقد ذكر العلماء : ـ فى مسائل الهجر أقوال متعددة , والأقرب إلى الصواب وإلى قواعد الشريعة وروحها فيما ذكر ابن مفلح رحمه الله تعالى , هو الرأى القائل بالوجوب أى وجوب هجر المبتدع , المجاهر ببدعته والداعى إليها وكذلك العاصى المجاهر بمعصيته إن كان فى ذلك الهجر ردع له وإلا صار هجره فى هذا الحال من قبيل المستحب "
وعلى هذا يتبين لنا مما ذكرنا فى مسألة هجر العصاة وأهل البدع قواعد عامة :
أولا : ـ التثبت من وقوع المعصية أصلا من فاعلها فلا يجوز أن ننسب إلى شخص فعل معصية أو ابتداع بدعة لمجرد سماعنا ممن ينسب ذلك إليه عملا يدبقول الله تعالى " ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنباء فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " سورة الحجرات  ( 2)

ثانيا : ـ نصح العاصى برفق ولين , بعد ثبوت فعل المعصية أو البدعة يجب علينا أن نقوم بواجب النصح لفاعلهما حتى يتذكر أو يخشى " لقوله تعالى مخاطبا موسى وهارون عليهما السلام " إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " سورة طه
وقوله صل الله عليه وسلم " إن الله رفيق يحب الرفق فى الأمر كله "
ثالثا _ التفريق بين العصاة حسب تفاوتهم فى المعصية : ـ
فالذى يسوى فى هجرانه بين مرتكب الكبيرة أو مرتكب الصغيرة أو بين المصر على الكبيرة والمصر على الصغيرة أو بين المبتدع المجاهر ببدعته الداعى لها وصاحب البدعة الذى لايجاهر بها ولا يدعوا غيره لها فالذى يسوى فى هجرانه بين هؤلاء لا يكون إلا مثل الذى يسوى بين الكافر والمؤمن , والضلال والهدى والظلمات والنور بل يكون أشد ابتداعا ومعصية من المهجور " ( 3)

متى نهجر أصحاب البدع والمعاصى :

رابعا : ـ أن يعلم الهاجر أن المقصود من الهجر الزجر والتأديب إذ يهجر أصحاب المعاصى المجاهرين بمعاصيهم والمصرين عليها وكذلك أصحاب البدع والداعين إليها حتى يرتدع العامة عن مثل حالهم وقد ينزجر المبتدع أو العاصى ويرجع عن معصيته وبدعته إلى حديقة الإيمان بعد توليه وإدباره .
خامسا _ أن ينتهى الهاجر عما هجر بسببه _ فلا يكون مقبولا أن يهجر إنسان إنسانا لفعله معصية أو بدعة ثم يفعلها هو فمتى يتم معنى الهجر لابد وأن يهجر الإنسان المعصية أولا ثم عليه بعد ذلك أن يهجر فاعلها بمراعاة الشروط السابقة ودليل هذه القاعدة قوله صل الله عليه وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " ( 4)

ومن ثم يتبين لنا أهمية هذه القضية الإيمانية فى علاج أفراد المجتمع المسلم من التلوث بالمعاصى والذنوب والبدع والمنكرات وهى قضية تثبت تميز شخصية المسلم عن غيره وكذلك تميز المجتمع المسلم عن غيره من المجتمعات وتحفظ الأمة الإسلامية عن التميع والإنزلاق فى تيار المادية الآسن ومستنقعها العفن "
ثمة أمر يجب التنبه عليه هو مغالاة بعض الناس فى تعريف البدعة فالمعروف أن العلماء قسموا البدعة إلى أقسام خمسة _ واجبة , ومندوبة , ومباحة , مكروهة , محرمة , فالبراء من المبتدع إن كانت بدعته من قبيل المحرمات كشأن القائلين ببدعة خلق القرآن أو المكفرين للمسلمين كافة لمجرد مخالفتهم فى الرأي حتى إستباحوا دمائهم وأموالهم كالأزرقة من الخوارج " ( 5)

مسائل فى أحكام الهجر :

قال العلامة الفقيه أحمد بن حجر الهيتمى فى الزواجر وذلك بعد أن ذكر أحاديث النهى عن الهجر: ـ ما نصه :ويستثنى من تحريم الهجر مسائل ذكرها الأئمة وحاصلها : أنه متى عاد إلى صلاح دين الهاجر والمهجور جاز وإلا فلا ـ والمعنى أن الهاجر إنما هجر العاصى أو المبتدع خوفا على نفسه وهو يعلم كذلك أن هجره له سيكون سبب فى صلاح المهجور وإلا فلا يجوز الهجر ـ إن العاصي المجاهر بمعصيته أو المصر على فعلها يُهجر بعد نهيه واسداء النصيحة له وكذلك المبتدع المتفق على بدعته مثل الخوارج والمعتزلة وكان مذهب عمر ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه وأبى الدرداء وابراهيم النخعى وجماعة أنهم لايهجرون عند الذنب وكان أبو الدرداء رضى الله عنه يقول إذا تغير أخوك واعوج فلا تتركه لأجل ذلك فإن الأخ يعوج مرة ويستقيم أخرى" ومما لا يجوز الهجر عليه الأمور المختلف فيها لأنه لا عصيان فيه ولاإبتداع ومن هجر صاحبه بسب ذلك كان أثما عاصيا فإن كان المهجور قريبا له جمع اثم الهجر واثم قطيعة الرحم " ( 6)

وأريد أن أبين أن الهجر أنواع وينقسم إلى ثلاثة أقسام :
_1 هجر إيجابى زاجر وهو يحصل ممن له حق الزجر والتأديب اما بسلطة مادية كا لحاكم والزوج أو سلطة معنوية كالعالم المقتدي به والصالح المطاع لفضله
_2 هجر وقائي – وهو الذى تيقن الهاجر شر المهجور أو الإفتتان به
_3 هجر سلبى لا زجر فيه ولا منع
وعن الهجر الإيجابى نذكر أمثلة _ فقد هجر الرسول صل الله عليه وسلم :" الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كما فى الصحيحين مع أنه لم يهجر سائر من تخلف وهذا دليل على صدقهم وكذب سائر المنافقين فأراد هجر الصادقين وتأديبهم على هذا الذنب أما المنافقون فجرمهم أعظم من أن يقابل بالهجر من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى " ( 7)

مسائل فى الهجر بين المشروع والممنوع :

وثبت عنه أن رجلا ألقى السلام على النبى صل الله عليه وسلم فلم يرد عليه فقيل لم ؟ فقال إنه ذو وحهين فعدم رد السلام من النبى صل الله عليه وسلم كان تأديبا له لتخلقه بخلق قبيح وهو يأتى هؤلاء بوجه ةهؤلاء بوجه وهذا من شر أخلاق المنافقين وثبت عنه أيضا صل الله عليه وسلم أنه هجر بعض نسائه ذا الحجة والمحرم وبعض صفر رواه أبو داود فى سننه
وكان هجر رسول الله صل الله عليه وسلم لزينب رضى الله تعالى عنها بوصفه زوجا لها يملك حق تأديبها " (

وأما هجره فى الحديثين السابقين فكان بوصفين اجتمعا له كونه خليفة ينفذ حكم الله وكونه قدوة يقتدى به لقول الله " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر " سورة الأحزاب يقول الإمام القرافى أن النبى صل الله عليه وسلم كان له أربع شخصيات شخصية النبى المبلغ عن ربه , , وشخصية الخليفة الذى يقيم حكم الله , وشخصية القاضى الذى يقضى بين الناس , وشخصية المفتى الذى يفتى فيما جد من الحوادث , والأسوة أو القدوة داخلة فى الشخصية الأولى " ( 9)

وفى مسند الإمام أحمد عن مجاهد أن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم " إذا إستأذنكم نسائكم بالليل إلى المساجد فائذنوا لهن فقال إبنه والله لمنعهن فما كلمة عبد الله حتى مات " قلت عبد الله ابن عمر هجر إبنه بوصفه والده يملك حق تأديبه وزجره ويحق لأبنه أن يهجر لأنه صرح برد الحديث , لغير عذر أبداه أو تأويل استند ولو أنه قال كما قالت عائشة رضى الله تعالى عنها لو رأي رسول الله صل الله عليه وسلم " ما أحدث النساء بعده لمنعهن الخروج إلى المسجد لما هجره _ على أن ابن حزم رحمه الله _ لم يأخذ بكلام عائشة رضى الله تعالى عنه وقال إن اباحة الرسول صل الله عليه وسلم دخول المسجد للمرأة عامة لا يجوز تخصيصها الا بنص " (10)

مسائل في الهجريين المشروع والممنوع :

وأما الهجر الوقائى " فالأصل فيه السنة والإجماع أما السنة فحديثان أحدهما قول النبى صل الله عليه وسلم " إن شر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه " رواه البخارى والآخر قوله صل الله عليه وسلم من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى باب السلطان افتتن " رواه الطبرانى فى الكبير من حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وأما الإجماع فقال ابن عبد البر : وأجمع العلماء على أن من خاف من مكانة أحد وصلته ما يفسد عليه دينه أو يدخل عليه مضرة فى دنياه أنه يجوز له مجانبته والبعد عنه " ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية" ( 11)

ومن الهجر الوقائى هجر عوام المسلمين للفرق الضالة لأن المبتدع قد يؤثر فى الرجل العامى بقوة كلامه وسحر بيانه فتزيغ عقيدته , والمقصود هجر أهل البدع فى العقائد الباطلة والبدع المحرمة كالخوراج والمعتزلة وفى عصرنا ( العلمانية _ والماسونية _ وفلاسفة المتمصوفة ) وأما الهجر السلبى الخالى من الأمرين فهو ممنوع لأنه لاخير فيه ولا ثمرة ترجى من وراءه _ وضابطه أن يحصل الهجر على أمر مختلف فيه بين العلماء وعلى هذا أسرف بعض الناس فى استعمال الهجر السلبى وقطع رحم إخوته ومعظم أقاربه زاعما أنهم ضالون مبتدعة ويرميهم بالفسوق والضلال كأن الله أباح له أعراضهم يمزقها كيف يشاء ؟ لايدع منهم حيا ولا ميتا ولا حاضرا ولا غائبا بل يسمى الميت منهم هالكا وهو وصف لا يطلق الا على الميت الكافر " ( 12)

أما المسلم الذى يؤمن بالله ورسوله فلا يسمى هالكا وإن عصى وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى حين تكلم على ميراث الكلالة ( وإن امرؤ هلك ليس له ولد ) الآية من سورة النساء ولم يقل ( وإن مسلم هلك) ولا ( وإن امرؤ مسلم هلك ) تجنبا لأن يوصف مسلم بالهلاك وهو من دقائق وعظمة القرآن الكريم .
إن الله تعالى قال لنبيه صل الله عليه وسلم فى شأن المشركين " واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا " سورة المزمل – وإن كان الهجر جميل فى شأن المشركين وحالهم فهو فى حق المسلمين أولى وأوكد _ والهجر الجميل هو الذى لأذى معه والصبر الجميل هو الذى لا شكوى معه " ا , هـ بحول الله وقوته والحمد الله أولا وأخيرا " . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 13)