الأخلاق الإسلامية مالها وما عليها

الأخلاق الإسلامية ما لها وما عليها :

يقول أهل العلم _ الخلق هو السجية ( وهو الطبع ) من الأوصاف الباطنية بخلاف الخلق بفتح الخاء وسكون اللام فهذا الأخير اسم للصفات الظاهرية وتعلق الكمال بالأول أكثر منه بالثاني ومن دعاء النبى صلى الله عليه وسلم " اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي " وقد مر بيان ذلك عند حديثنا عن أهمية الأخلاق
ويقول القاضي عياض رحمه الله _ الخلق هو الاعتدال فى قوى النفس وأوصافها والتوسط فيها دون الميل الى الإفراط _ أو التفريط
وقد جمع العلماء علامات الخلق الحسن فقالوا _ هو أن يكون الإنسان كثير الحياء _ قليل الأذى – كثير الصلاح _ صدوق اللسان _ قليل الكلام _ كثير العمل _ قليل الزلل _ قليل الفضول _ برا وصولا وقورا صبورا شكورا راضيا حليما رفيقا عفيفا لا لعاناولاسبابا – ولا نماما ولا مغتابا ولا عجولا ولا حقودا ولا بخيلا ولا حسودا يحب فى الله ويبغض فى الله ويرضى لله ويغضب لله " ( 1)

وقد بلغ الرسول صل الله عليه وسلم الدرجة القصوى وحاذ قصب السبق فى حسن الخلق بشهادة الخالق جلا وعلا _ ويكفيه فخرا هذا الوسام وتلك الشهادة من أحكم الحاكمين كما فى  قوله تعالى _ وإنك لعلى خلق عظيم " سورة القلم وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنه بمعنى " إنك أيها الرسول الكريم والنبى العظيم صل الله عليه وسلم _ لعلى دين قويم "وقال القرطبى فى تفسيره قال ابن عباس ومجاهد رضى الله عنهما على خلق على دين عظيم فى الأديان ليس دين أحب الى الله تعالى ولا أرضى عنده منه وعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت " أن خلقه كان القرآن وقال على رضى الله تعالى عنه هو أدب القرآن _ وقيل هو رفقه بإمته واكرامه إياهم _ وقال قتادة هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهى عنه مما نهى الله عنه وقيل إنك لعلى طبع كريم" وقال الإمام ابن القيم : الدين كله خلق فمن زاد عليك فى الخلق زاد عليك فى الدين وقال بعضهم : لكل بنيان أساس وأساس الإسلام حسن الخلق " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 2)

من أوصافه وشمائله صل الله عليه وسلم :

ولقد كان صل الله عليه وسلم من أشجع الناس _ وأحلم الناس – وأعدل الناس _ وأسخى الناس – وأعف الناس وأعفاهم _ وكان يخصف نعله ويرقع ثوبه _ وكان أشد الناس حياء ولا يثبت بصره فى وجه أحد _ ويجيب دعوة العبد والحر ويقبل الهدية ولو جرعة لبن أو فخذ أرنب ويأكلها ولا يأكل الصدقة ولا يتكبر عن إجابة الأمة والمسكين _ يغضب لربه ولا يغضب لنفسه وكان يقبل بوجهه على أشر القوم يتألفهم بذلك
وسئلت عائشة رضى الله تعالى عنها عن خلقه صل الله عليه وسلم فقرأت " قد أفلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " سورة المؤمنون ( 3)

ثم قالت رضى الله عنها ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صل الله عليه وسلم وما دعاه أحد من الصحابة الا قال لبيك ولذا قال وإنك لعلى خلق عظيم " ولم يذكر خلق محمود الا وكان للنبى صل الله عليه وسلم الحظ الأوفر وقال الجنيد رحمه الله سمى خلقه عظيما لأنه لم تكن له همة سوى الله تعالى _ وقيل لإجتماع مكارم الأخلاق فيه _ وقيل لأنه امتثل أمر الله تعالى فى قوله " خذ العفو امر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " سورة الأعراف فلما قبلت منه ذلك قال " وإنك لعلى خلق عظيم وقد روى عنه صل الله عليه وسلم أنه قال أدبنى ربى فأحسن تأديبى " وروى الترمذي عن ابى ذر رضى الله تعالى عنه قال عن رسول الله صل الله عليه وسلم " اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " وعن أبى الدرداء رضى الله تعالى عنه قال عن رسول الله صل الله عليه وسلم ما من شئ أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذئ " حسن صحيح والحديث موصول للإمام القرطبى رحمه الله تعالى "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم _ (4)

الدين هو الأخلاق الكريمة :

من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال سئل رسول الله صل الله عليه وسلم " عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال تقوى الله وحسن الخلق " وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج.
وعن جابر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال " إن أحبكم الى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا قال : وإن من أبغضكم الى وأبعدكم منى الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يارسول الله : قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال : المتكبرون
ولقد بين لنا رسول الله صل الله عليه وسلم " ان الله تعالى يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفاسفها فعن سهل بن سعد رضى الله تعالى عنه قال عن رسول الله صل الله عليه وسلم " إن الله تعالى يحب معالى الأمور ويبغض سفاسفها " رواه البيهقى
                                                                    ( 5)

وقد ذكر صاحب الشمائل رحمه الله تعالى قال عن أنس رضى الله تعالى عنه قال:" خدمت رسول الله صل الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لى أف قط وما قال لى لشئ صنعته لم صنعته ولا لشئ تركته لم تركته وكان رسول الله صل الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا وقد لامست خزا وحريرا وما وجدت شيئا ألين من كف رسول الله صل الله عليه وسلم " ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صل الله عليه وسلم قال على رضى الله تعالى عنه يا عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم فى حاجة فلا يجد نفسه للخير أهلا فلو كان لا يرجوا ثوابا ولا يخشى عقابا لقد كان ينبغى أن يسارع الى مكارم الأخلاق فإنها مما تدل على سبيل النجاة فقال له رجل أسمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم فقال نعم وما هو خير منه " وعنه رضى الله تعالى عنه أيضا " أنه قال من كان فيه أربع خصال أبدل الله تعالى سيئاته حسنات يوم القيامة _ الصدق _ والحياء _ والشكر – وحسن الخلق "
                                                                 (6)

القدوة الحسنة :

إن حسن الخلق لايأتى عن طريق الأقوال وحدها وإنما يأتى بصورة أكمل وأفضل عن طريق الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة والسلوك الحميد فينبغى على كل مسئول أن يكون قدوة لمن تحت ولايته حسب التسلسل الوظيفى والإجتماعى بدأ من الحاكم الى أن تنتهى بالأب فيرى فيه أولاده كل سلوك فاضل وقول حسن فينشأون على حب الفضائل وينفرون من كل خلق ذميم
ولقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم مثلا أعلى لأصحابه فى كل خلق يدعوا إليه ويحض على فعله وكان يغرس فى أصحابه الأخلاق السامية بسيرته العطرة قبل أن يغرسه بما يقوله من حكم وعظات وقد تقدم من ذلك كثير ومنه أيضا أنه كان إذا صافح إنسانا لاينزع يده من يده حتى يكون ذلك الإنسان هو الذى ينزع يده رواه ابن ماجة فى سننه  ( 7)

وكان إذا جلس بين أصحابه جلس بوقار وتواضع
وكان يقول لأصحابه " لاتبلغونى عن أحد شيئا أكرهه فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" رواه أبو داود من حديث عبد الله ابن مسعود رضى الله تعالى عنه
وقال إبن لقمان الحكيم لأبيه ياأبت أى الخصال من الإنسان خير ؟ قال الدين قال فإذا كانتا إثنتين ؟ قال الدين والمال قال فإذا كانت ثلاثة ؟ قال الدين والمال والحياء قال فإذا كانت أربعا ؟ قال الدين والمال والحياء وحسن الخلق قال فإذا كانت خمسا ؟ قال الدين والمال والحياء وحسن الخلق والسخاء قال فإذا كانت ستا ؟ قال يا بنى من إجتمعت فيه الخمس خصال فهو نقى تقى ولله ولى ومن الشيطان برئ " ومما يحكى عن شقيق البلخي رحمه الله تعالى أنه كانت له إمرأة سيئة الخلق فقيل له لم لاتفارقها وهى تؤذيك بسوء خلقها فقال إن كانت هى سيئة الخلق فأنا حسن الخلق لو فارقتها صرت مثلها ومع ذلك فأنا أخاف أن يمسكها أحد غيرى بسوء خلقها " نسأل الله تعالى أن يرزقنا خلقا حسنا يكون فى ميزان حسناتنا يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم _ (