أهميه الأخلاق فى صلاح الأفراد والمجتمعات :

أهميه الأخلاق فى صلاح الأفراد والمجتمعات :

مكانة الأخلاق فى الإسلام :

روى البيهقى فى شعب الإيمان من حديث جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه عن النبى صل الله عليه وسلم "من سعادة المرء حسن الخلق ومن شقاوته سوء الخلق
إن الإسلام إهتم بتربية أفراده على أساس من الفضيلة والخلق القويم حتى تبعد عن أفراده روح الميوعة والإنحلال وتدفع بهم الأخلاق الى معالى الأمور
وبالتربية السليمة والأخلاق القويمة تبنى الأمم وتشاد الحضارات وتتربى الأجيال الصاعدة التى تقيم المدنية والرقى من أجل بناء دعائم المجتمع على أسس متينة كريمة ومن ثم كان الخلق الحسن صفة الأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم إمام المتقين عليه الصلاة والسلام وهى أفضل أعمال الصدقين وهو على التحقيق نصف الدين وثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين"  (1)

والأخلاق السيئة هى السموم القاتلة والمخازى الفاضحة والرذائل الواضحة والخبائث المبعدة عن جواررب العالمين التى تودى بصاحبها في طريق الشياطين وفى عداد المحرومين المقطوعين الى نار الله الموقدة التى تطلع على الأفئدة
وعن النبى صل الله عليه وسلم " أن رجلا قال له يارسول الله صل الله عليه وسلم إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتكثر من صدقاتها غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها قال صل الله عليه وسلم لاخير فيها هى من أهل النار ثم قال يارسول الله إن فلانة تذكر من قلة صلاتها وصيامها ( يعنى تقتصر على الفرئض وقليل من النوافل ) وتتصدق(بالأثوار من الأقط ) يعنى اللبن المطبوخ يُصنع منه ما نسميه نحن الجِبنة "غير أنها لاتؤذى جيرانها قال صل الله عليه وسلم هى من أهل الجنة رواه الإمام أحمد فى مسنده ( 2)

ومن هنا كانت الأخلاق الطيبة أبواب مفتوحة من القلب السليم الى جنة ونعيم حيث جوار رب العالمين وكيف لا وقد قال عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم " إن الله تعالى قسم بينكم الأخلاق كما قسم بينكم الأرزاق وإن الله تعالى يعطى الدنيا من يحب ومن لايحب ولا يعطى الإيمان الا من أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه " رواه الإمام أحمد
والأخلاق الخبيثة هي أمراض القلوب وأسقام النفوس وهو داء عضال يحرم به العبد النعيم الأبدى فى الآخرة والحياة الكريمة فى الدنيا
فالناس هذا حظه مال وذا علم _-- وذاك مكارم الأخلاق
لاتحسبن العلم ينفع وحده ___ ما لم يتوج ربه بخلاق
                          (3)

التربية على الأخلاق :

ومن حديث أبى هريرة رضى الله عنه عند الطبرانى فى الأوسط أن رسول الله صل الله عليه وسلم " إن هذه الأخلاق من الله فمن أراد الله تعالى به خيرا منحه خلقا حسنا ومن أراد به شرا منحه خلقا سيئا فالأخلاق منحة وهبة من الله تعالى وعلى قدر الجهد والإخلاص تكون المعونة من الله تعالى
ومعنى ذلك أن صلاح أفعال الإنسان مرهون بصلاح أخلاقه لأن الفرع بأصله اذا صلح الأصل صلح الفرع واذا فسد الأصل فسد الفرع قال تعالى " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لا يخرج إلا نكدا " سورة الأعراف
فتغير أحوال الناس الى ما يجعلهم فى أوج السعادة ويخلصهم من الشقاوة تبع لتغير ما بأنفسهم من صفات ذميمة ومعان سيئة قال تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " سورة الرعد (4)

إن للأخلاق فى الإسلام مكانة عظيمة جدا تظهر آثارها فى وجوه كثيرة منها
أولا تعليل بعثة النبى صل الله عليه وسلم بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمها وبيان معالمها ونشرها بين الناس كما فى الحديث الشريف عن النبى صل الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "ومدحه ربه بقوله " وإنك لعلى خلق عظيم " قال ابن عباس رضي الله عنه – أي إنك أيها الرسول الكريم لعلى دين قويم عظيم
ويقول الشاعر إنما الأمم الأخلاق إذا ما بقيت __ فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ثانيا تعريف الدين بحسن الخلق فالعبد لا يكون صاحب دين إلا إذا كان صاحب خلق فالدين الأخلاق كما فى الحديث المرسل أن رجلا جاء إلى النبي صل الله عليه وسلم ما الدين ؟ فقال صل الله عليه وسلم " الدين حسن الخلق وهو ألا تغضب قيل وما الشؤم ؟ قال سوء الخلق أخرجه محمد بن نصر المرزوى ومعنى هذا أن الدين لايقام صرحه ولاتزدهر معالمه ولا تظهر مكارمه وأركانه ولا يتألق بين أهله إلا بالأخلاق
                                                          (5)

وهذا بعني أن الخلق الحسن ركن الإسلام العظيم الذى لايقام بدونه كما أن فريضة الحج لاتتم ولا تتأكد الا بالوقوف بعرفة كما قال صل الله عليه وسلم " الحج عرفة " أي الوقوف بعرفة من أركان الحج
ثالثا والمؤمنون يتفاوتون فى الإيمان وأفضلهم فيه أحسنهم خلقا من حديث أبى هريرة عند الطبرانى قيل يارسول الله صل الله عليه وسلم أى المؤمنين أفضل قال أحسنهم خلقا " وكيف لاتكون الأخلاق ذا فضيلة وفيها الحب والقرب من رسول الله صل الله عليه وسلم يوم القيامة ولا يكون ذلك الا لأولئك الذين حسنت أخلاقهم حتى صاروا فى الحب أحسن من غيرهم " إن أحبكم الى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون اكنافا الذين يألفون ويؤلفون رواه الطبرانى فى الأوسط من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه (6)

علاج الأخلاق :

والحقائق الأخلاقية والدقائق النفسية من الأدعية النبوية المأثورة تبين أن الخلق الحسن أغلى نعمة بعد الإيمان بالله ولعظم فضل الأخلاق كان رسول الله صل الله عليه وسلم يدعوا به بأن يحسن خلقه وهو ذو الأخلاق الحسنه من دعاء له أثناء قيامه الليل رواه النسائى من حديث جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه " اللهم إهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لايهدى لأحسنها الا أنت وقنى سئ الأعمال وسئ الأخلاق لايقى سيئها الا أنت
وحينما يشاهد الإنسان صورته فى المرآة يدرك إعتدال أعضائه واتزان جسمه وحسن تقويمه وصدق قوله تعالى " لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم " سورة المؤمنون فلم يفت النبى صل الله عليه وسلم أن يشعر أمته بهذه المناسبة كذلك بأهمية الخلق الحسن فعلمها أن تدعوا الله لتحسين الباطن بجانب تحسين الظاهر فا بجتماعهما يستحق البشر أن يكون خليفة الله فى الأرض فيقول صل الله عليه وسلم وهو يرى صورته فى المرآة من حديث أم سلمة رضى اله عنها كما فى مسند الإمام أحمد "الحمد الله اللهم كما حسنت خلقى فحسن خلقى "(7)

والحياة الطيبة لاتكتمل ولا تكون الا مع الإيمان والصحة وحسن الخلق فيقول الرسول صل الله عليه وسلم فى دعائه له اللهم إنى أسألك صحة فى إيمان وإيمان فى حسن خلق رواه الحاكم فى المستدرك من حديث أبى هريرة
ومعلوم أن الرسول صل الله عليه وسلم لا يدعوا الا بما يحبه الله ويقربه منه وسألت أم سلمة رسول الله صل الله عليه وسلم عن أمر إشتد عليها فلقد أحبت رسول الله صل الله عليه وسلم ولم تعد تصبر على فراقه وأرادت أن تطمئن فقالت يارسول الله إن المرأة تتزوج الرجلين والثلاثة من يكون زوجها فى الآخرة فى الجنة فقال يا أم سلمة تخير فتختار أحسنهم خلقا" (

يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخيرى الدنيا والآخرة
حسن الخلق يحب حتى من غير المسلمين وفى ذلك تحكى القصة ولما أوتى بسبايا طىء الى النبى صل الله عليه وسلم وقفت جارية فى السبى فقالت يامحمد صل الله عليه وسلم إن رأيت أن تخلى عنى ولا تشمت بى أحياء العرب فإنى بنت سيد قومى وإن أبى كان يحمى الذمار ويفك الأسير ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشى السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا إبنة حاتم الطائى فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلو عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق فقال أبو بردة بن نيار الله يحب مكارم الأخلاق فقال والذى نفسى بيده لا يدخل الجنة الا حسن الخلق " ومعني يحمي ذمارها أي يحفظ مواردها ويحمي حماها " (9)

منزلة الأخلاق عند السلف الصالح :

وفى مقام أهمية الخلق الرفيع نذكر ما عليه السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم
قال الحسن البصرى رحمه الله " من ساء خلقه عذب نفسه "
وقال وهب بن منبه رحمه الله وقد ضرب لسئ الخلق مثلا " مثله كالفخارة المكسورة لاترفع ولاتعاد طينا " والفاجر صاحب الخلق أفضل عند الله تعالى من العابد سئ من ناحية الصداقة فى الدنيا وعند الإستشارة فى بعض الأمور والمصاحبة فى السفر وليس معنى هذا الأفضلية فى الآخرة
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى لأن يصحبنى فاسق حسن الخلق أحب الى من أن يصحبنى عابد سئ الخلق " فحسن الخلق يحب حتى من غير الملتزم والأفضلية الدينية لاتكون الا لمن جمع بين الأخلاق والإيمان بالله تعالى والإلتزام بمبادىء الإسلام " (10)

والأخلاق الحسنة لاتكتسب الابمصاحبة أهل الخير فان الطبع لص يسرق الخير والشر ويؤيد ذلك حديث النبى صلى الله عليه وسلم " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " وكما قيل " الوقاية خير من العلاج
ولا يتأكد تهذيب الأخلاق فى النفوس الا اذا عرف العبد عيب نفسه وأن يحب من يبصره بعيوبه " قال عمر رضى الله تعالى عنه " أحب الناس من أهدى الينا عيوبنا " وفى الغالب الآن أبغض الناس الينا من نصحنا ودلنا على عيوبنا
وهذا دليل ضعف الإيمان فإن الأخلاق السيئة كالعفارب ولو أن منبها أخبرنا أن تحت ثياب أحدنا عقربا لتقلدنا له منه واشتغلنا بقتلها والأخلاق الرديئة أشد ضررا من العقرب على ما يخفى " ( 11)

وقد يظن ظان أن الطباع لاتتغير وهذا من الجهل وعدم العلم وضعف الإيمان عن رياضة النفس وتهذيبها فلو كانت الطباع لا تتغير لبطلت الوصايا و المواعظ والتأديبات ولم قال لنا رسول الله صل الله عليه وسلم " حسنوا أخلاقكم
ومن الطرائف
إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بين الناس بخلقه وخف عليهم وأحبوه
وإن العابد إذا كان سئ الخلق ثقل على الناس وملوه وإن المرء لن ينال ما يحب حتى يصبر على كثير مما يكره ويقول النبى صل الله عليه وسلم " إن خياركم أحاسنكم أخلاقا " متفق عليه وفى بعض وصاياه لبعض أصحابه عن عبد الله بن غمر رضى الله تعالى عنه أنه قال لما أراد معاذ بن جبل رضى الله عنه سفرا الى الى جهة فقال يانبى الله أوصنى قال اعبد الله ولا تشرك به شيئا قال زدنى قال : اذا أسأت فأحسن قال زدنى قال استقم وليحسن خلقك رواه بن حبان فى صحيحه
بمثل هذه الأخلاق سار المسلمون الأوائل فى الناس وكان القرآن عندهم قولا وعملا وكان اسلامهم عبادة وأخلاقا وكان ايمانهم مصدر أخلاقهم" . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (12)

رسالة الإسلام جاءت للعناية بالأخلاق :


_ عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال إن من أحبكم الى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم الى وأبعدكم منى يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ؟ قالوا يارسول الله فما المتفيهقون ؟ قال المتكبرون رواه الترمذى جاء الإسلام من أجل تربية الفرد على الأخلاق الكريمة والصفات النبيلة وبناء المجتمع المسلم القائم على الفضيلة المشيد بدعائم التقى والصلاح وبالأخلاق يفكر الفرد فى المجتمع ويعيش للجماعة ويدافع المجتمع عن الفرد ويعطيه حقه فى الحياة وفى العلم والعناية الصحية ومعاملته معاملة انسانية كريمة فى جميع مراحل حياته مهما كان اتجاهه وفى هذا الهدى النبوى الشريف يبين الرسول عليه الصلاة والسلام منزلة ( الأخلاق والتربية ) فى الإسلام ومكانة المسلم المتخلق بهذه الأخلاق الكريمة التى هى من أهم مقاصد الإسلام فالأخلاق سياج الأمم وميزان تقدمها ورقيها وعنوان عظمتها وخلودها فالأمم لاتحيا بدون أخلاق ولا تعيش من غير أدب فى ذلك يقول أمير الشعراء شوقى صلاح أمرك للأخلاق مرجعه ____ فقوم النفس با لأخلاق تستقم __ وقال أيضا انما الأمم الأخلا مابقيت __ فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا __ (13 )

وقال أيضا انما الأمم الأخلا مابقيت __ فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا __ ولقد ضرب لنا رسول الله صل الله عليه وسلم أروع الأمثلة فى الخلق الرفيع والإستقامة على أمر الله عزوجل والتحلى بالأخلاق الكريمة الفاضلة حتى أثنى عليه المولى تبارك وتعالى بقوله ( وانك لعلى خلق عظيم ) سورة القلم وكفى بذلك شرفا ونبلا وثناء ومديحا ورفعة وعزة وسموا وجلالا لنبى الهدى ورسول الأخلاق صل الله عليه وسلم ولقد بين لنا رسول الله صل الله عليه وسلم فى هذا الإيجاز الرائع قيمة الأخلاق ورفع مكانةأهلها المتخلقون بخميد الخصال والذين ترسخت فيهم معانى الفضل والنبل والأدب الرفيع حتى أصبحت الأخلاق تشكل طباعهم وأعمالهم حتى أشاد الرسول صل الله عليه وسلم بفضلهم حين جعلهم أحب الناس عنده وأقربهم مكانة لديه فقال " إن من أحبكم الى وأقربكم منى منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا " (14)

وليست الأخلاق سبب السعادة فى الدنيا فحسب بل هى أساس السعادة وأصل العزة فى الدنيا والآخرة وكفى بجوار الرسول صل الله عليه وسلم فى دار الخلد والنعيم شرفا وعلوا لصاحب الخلق الرفيع حيث ينال درجة عاليه يغبطه عليها كثير من الناس يوم القيامة الى جوار مجلس الرسل الكرام والصديقين والشهداء فهل بعد هذا عز وشرف يدانيه ؟ ثم ينتقل الرسول صل الله عليه وسلم فى بيان منزلة الفريق الثانى أولئك الذين تجردوا من الفضيلة وتعرواعن حميد الأخلاق وحسبهم خسارة أن يكونوا بغضين الى رسول الله صل الله عليه وسلم بعدين عن مجلس الأنس والسعادة فى جواره الشريف وجوار أولياء الله من النبين والشهداء والصالحين .". موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 15)

أفضل الأعمال عند الله حسن الخلق :

حسن الخلق يعني أن يتحلى الإنسان بكل الصفات الإنسانية الحسنة مما يُحب الله ورسوله , كالحلم،الصبر، المروءة، التواضع والكرم والأدب والمعاملة الطيبة مع الآخرين وهناك الكثير والكثير من الصفات الكريمة والأخلاق الطيبة التي ينبغي على الإنسان أن يتمسك بها لما فيه خير البلاد والعباد ...يقول الشاعر:إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. ولقد كان النبي صل الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم عند الله منزلة ، كما في حديث أنس رضي الله عنه قال" كان النبي صل الله عليه وسلم:" أحسن الناس خلقًا" - رواه الشيخان وأبو داود والترمذي. (16)

. وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صل الله عليه وسلم" - رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. قال تعالى مادحاً وواصفاً خُلق نبيه الكريم صل الله عليه وسلم :" وإنك لعلي خلق عظيم " سورة القلم الآية : 4ـ , وعندما سئلت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن خلق النبي صل الله عليه وسلم ، قالت : "كان خلقه القرآن" صحيح مسلم. فهذه الكلمة العظيمة من أمنا عائشة رضي الله عنها ترشدنا إلى أن أخلاقه عليه الصلاة والسلام هي إتباع القرآن ، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي ، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن. قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: ومعنى هذا أنه صل الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً .... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل.أ.هـ (17)

وعن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صل الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يا أيها النبي غنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً "رواه البخاري , وحسن الخلق كما في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، عن النبي صل الله عليه وسلم قال: "البر حُسن الخُلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس؛ رواه مسلم. (18)

وأما حسن الخلق مع الناس حسن الـخلق؛ أي: التخلُّق مع الخَلْق؛ بطلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى، وقلة الغضب، وأن يحب للناس ما يحب لنفسه، قال ابن دقيق العيد: البر حسن الخلق، يعني أن حسن الخلق من أعظم خصال البر.وعلى الرغم من حُسن خلقه عليه الصلاة والسلام . حيث كان يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه ويتعوذ من سوء الأخلاق كما في حديث أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت "كان صل الله عليه وسلم يقول:" اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي" - رواه أحمد ورواته ثقات. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان صل الله عليه وسلم يدعو فيقول "اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق" - رواه أبو داود والنسائي. ". موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (19)

في حسن التعامل مع الناس :

التعامل مع الله عز وجل جزء من التعامل مع الله سبحانه وتعالى كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخال الناس بخلق حسن. رواه أحمد والترمذي والدارمي وحسنه العلامة الألباني في مشكاة المصابيح.إن الله عز وجل إذا أحب العبد، يحبه جبريل وأهل السماء، ويجعل الله له وداً، ويوضع له القبول في الأرض.وهذا القبول والود من الغير يتأتى بفضل الله تعالى ، ثم بحسن خلق يرزقه الله العبد ومن ثم كان أعلى الناس منزلة يوم القيامة، وسيد ولد آدم، وهو رسول الله صل الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً قال تعالى : " وإنك لعلي خلق عظيم ": سورة القلم الآية : 4 ـ (20)

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالط الناس بخلق حسن. " رواه أحمد والترمذي والدارمي وحسنه العلامة الألباني في مشكاة المصابيح , وأخرج الإمام أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد ,بإسناد حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "وعن أبي الدرداء .قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن ، إن الله يبغض الفاحش البذئ ". في صحيح الجامع . (21)

وهنا تُحكي قصة من قصص حسن الخلق :حيث يُحكى أن رجلاً من الصالحين كان يوصي عماله في المحل - بأن يكشفوا للناس عن عيوب بضاعته إذا وجدت. وذات يوم جاء يهودي فاشترى ثوباً معيباً، ولم يكن صاحب المحل موجوداً.فقال العامل: هذا يهودي لا يهمنا أن نطلعه على العيب.ثم حضر صاحب المحل فسأله عن الثوب، فقال: بعته لليهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم أطلعه على عيبه، فقال: أين هو؟ فقال: لقد رجع مع القافلة، فأخذ الرجل المال معه، ثم تبع القافلة حتى أدركها بعد ثلاثة أيام.فقال لليهودي: يا هذا، لقد اشتريت ثوب كذا وكذا، وبه عيب، فخذ دراهمك وهات الثوب.فقال اليهودي: ما حملك على هذا؟.قال الرجل: الإسلام، إذ يقول رسول الله صل الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا".فقال اليهودي: والدراهم التي دفعتها لكم مزيفة، فخذ بها ثلاثة آلاف صحيحة، وأزيدك أكثر من هذا بأنني: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .". موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (22)