الأخلاق تصنع الإنسان

الأخلاق تصنع الإنسان :

إن المجتمع الإسلامي لا يعيش اليوم حضارته , ولكنه يعيش مأساته وآلامه فالكل يشكوا ويتوجع ويتباكى فالأدواء كثيرة والأمراض فى انتشار , والأخلاق فى انهيار والقيم تبدلت فأصبحت السرقة ذكاء وبراعة , وأصبح التدليس مهارة وأصبحت الأمانة دروشة وخمولا , وأصبح الملتزم بمنهج القرآن والسنة متخلفا متأخر , وأصبح الفجور فنا والكاسية العارية هى العصرية المتحضرة , والفاضلة المحتشمة هى الرجعية المتخلفة وبذلك خرجت الكاسيات العاريات غاديات رائحات دون أب يعارض أو زوج يمنع فانتشر فى المجتمع جرائم الزنا والاغتصاب وسرقة الفتيات أمام أعين دون أن يتحرك لهم ساكن
والمجتمع الذى يبغي والحضارة والرقى والتقدم والازدهار يجب عليه أن يلتزم بالقيم والمبادئ السامية التى ترفع من شأنه بين المجتمعات فإن المجتمع المسلم له وصفه الخاص بين المجتمعات فلا يجوز لنا أن نقارن أنفسنا بمجتمع غربي يسوده الانحلال مجتمع يغرق فى الملذات مجتمع يهدف الى تحطيم الإنسان فإذا ماتركنا حضارتنا الإسلامية السامية واقتدينا بحضارة المجتمع الفاسد فستكون حضارة زائغة سرعان ما تزول وينهار المجتمع " ( 1)

ولكي نشعر بمبادئ ديننا وأنه لامحالة آت وسيعم نوره العالمين وتعلوا أحكامه أرجاء الدنيا وحتى نشعر بذلك انظر هذه الأحاديث للرسول صل الله عليه وسلم "لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "
" اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"
اتقوا النار ولو بشق تمرة " فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة ..."
الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار :"
" الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي ارحم ثنيتن صدقة وصلة "
فكل حديث من هذه الأحاديث يحمل للدنيا مشعلا قويا من النور يضئ ويزيل مافيه من الظلمة الحالكة أمام الإنسانية المعذبة
وكيف نذهب بعيدا ومازال القرآن الكريم دستورا حيا خالدا لم يمسه أى تحريف أو تبديل أو زيادة أو نقصان قال تعالى إنا نحن نزلنا لذكر وإنا له لحافظون " سورة الحجر  (2)

وكذلك السنة الشريفة المطهرة محفوظة بحفظ الله ورعايته من خلال علماء أجلاء مخلصون فعندما سئل العالم المجاهد عبد الله بن المبارك  رضى الله تعالى عنه عن حفظ السنة واختلاط الأحاديث الموضوعة بغيرها من الأحاديث الصحيحة فقال الإمام رضى الله عنه مقولة خالدة " تعيش لها الجهابذة من العلماء وتلا قوله تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " سورة الحجرولايزال هناك رجال يكتبون عن عظمة الإسلام فى كل ناحية من نواحي الحياة على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم وهذا دليل على قوة الإسلام فهم يدفعون عنه بالعقل والمنطق والتاريخ ويثورون على كل انحراف أو الحاد أو فساد وهذا مصداقا لقوله تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " سورة الأحزاب  
وهم بخلاف المنافقين الذين يقولون ما لايفعلون ويظهرون ما لايبطنون وما أكثر المنافقين فى هذا العصر عصر النفاق والتملق والالتواء والرياء والتظاهر بغير الحقيقة ما أكثرالمنافقين الذين يأكلون على كل مائدة ويلبسون لبوس الذئاب ليأكلوا أموال الناس بالباطل وهم بذلك يصدون عن سبيل الله " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 3)

غاية الأخلاق فى التربية :

إن من خصائص الشريعة الإسلامية ومميزاتها أنها قامت على التكامل والشمول فى بناء وتربية الإنسان وليست التربية الإسلامية مقصورة على جانب واحد من جوانب الإنسان بل إنه التكامل والشمول الذى تميز به الإسلام فى مجال العقيدة وفى مجال العبادة وفى مجال التشريع والأخلاق وكما تميز الإسلام فى مجال تربية الإنسان كل الإنسان عقله وقلبه وروحه وجسده خلقه وسلوكه ومن ثمرات هذه التربية أنها تعد الإنسان للحياة بسرائها وضرائها سلمها وحربها وتعده أيضا لمواجهة المجتمع بخيره وشره حلوه ومره ومن أهم هذه الجوانب جانب التربية الأخلاقية والأخلاق الإسلامية نابعة من هذا الدين وهى تكفل الخير المطلق للمجتمع وهى تتسم بالاستقرار والدوام لأنها من صنع الله العليم الخبير الذى أتقن كل شئ " ( 4)

أما الأخلاق التى وضعها البشر لأنفسهم فموسومة بالتغير والاضطراب لأنها من صنع الإنسان الذى تتصارع جوانحه بين نوازع الخير ودوافع الشر وهو بين الاثنين إما غالب أو مغلوب ومعنى هذا أن الأخلاق الربانية ليس لها نظير فى الأديان السماوية السابقة ولا فى أى شريعة وضعية وفى هذا يقول السيد المسيح عليه السلام " أحبوا أعدائكم باركوا لا عينكم أحسنوا الى مبغضكم وادعوا لمن يسئ إليكم ويطردكم " وعلى العكس يقول المبشر ( زويمر) لحواريه الجدد إن مهمتكم ليست هى إدخال المسلمين الى المسيحية فإن هذه هداية لهم وتكريما وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله وبالتالي فلا صلة له تربطه بالأخلاق التى تعتمد عليها الأمم فى حياتها وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري فى المماليك الإسلامية وهذا ما قمتم به فى خلال المائة عام الأخيرة خير قيام وهذا ما أهنئكم عليه وتهنئكم عليه المسيحية والمسيحيون جميعا كل التهنئة " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 5)

بالأخلاق تحيا الأفراد وتنهض المجتمعات وتقوى الأمم  :

وحيث أن الإيمان قد تزعزع لدى الأفراد وفقدت الأخلاق وهو العامل الأساسي فى انحطاط الأمم والشعوب ثم انهيارها ولقد أصاب حافظ إبراهيم رحمه الله بقوله " وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم _ فأقم عليهم مأتما وعويلا
إن مجتمع المستقبل لا يعنى الا الأخلاق وأفضل الأخلاق ما استمد من الإيمان ونحن إن تناسينا مأثور حافظ إبراهيم يجب ألا ننسى قول رسول الله صل الله عليه وسلم " بأن الأفضل أخلاقا إنما هو الأفضل إيمانا قال رسول الله صل الله عليه وسلم لأم سلمة رضى الله تعالى عنها " ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " فهل أصبح مجتمع المستقبل مجرد حلم يعيش على مجرد الذكر والتذكر " ( 6)

ولقد بنى الإسلام أمة اكتملت اجتماعيا بالأخلاق فعاشت دولة الإسلام سيدة عصرها وحين بدأ الإنسان يتثاقل بالدين بدأت أخلاقه تتزعزع ثم تناسى الدين والأخلاق
وليس هناك أفضل من الأخلاق فى بناء علاقات اجتماعية صحيحة ونقية ومن ثم بناء مجتمع صلب القواعد يصعب التغلب عليه أو انهياره والأخلاق لم تنبت من عدم ولم يكتشفها الإنسان صدفة وإنما خلقت معه إنسانيا وأكدتها الرسالات السماوية منذ آدم عليه السلام وفى الحديث الذى رواه الطبراني فى الكبير والأوسط يقول صل الله عليه وسلم :" إن هذا الدين ارتضيته لنفسي ولن يصلح له الا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه وإن لله تعالى ثلاثمائة خلق من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة وأحبها الى الله تعالى السخاء تخلقوا بأخلاق الله " ( 7)

والأخلاق تفتح القلوب فهى منهج دعوة وبها فتحت بعد القلوب بلاد فى إفريقيا وفى جنوب شرق آسيا وفى غيرها بغير نقطة دم واحدة ..,وذلك من خلال التجار الصادقين وحسن تعاملهم مع غيرهم وهذا يدلنا على ان الدعوة لا تتركز فقط على الخطبة أو المحاضرة أكثر ما تحتاج الى القدوة
ولقد وصف أحد عظماء الرومان جنود المسلمين فقال إنهم يقومون الليل ويصومون النهار ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتناصفون بينهم وقال آخر : هم فرسان بالنهار رهبان بالليل لا يأكلون فى ذمتهم إلا بثمن ولا يدخلون الا بسلام يقضون على من حاربوا حتى يأتوا عليه " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (

بين الأخلاق الربانية والأخلاق الإنسانية :

وللأخلاق الإسلامية بهذا الاعتبار خصائص ذلك أن الإسلام قد طبع الأخلاق بسماته وصفاته فالكرم مثلا كان من أخلاق العرب قبل الإسلام قد اشتهروا به لأن العرب كانت حياتهم ترحلا وتجولا فكل منهم فى هذا الحال معرض لنفاد الزاد فكان الكرم وقاية لهم عند الحاجة وقرضا حسنا يتذكرونه _ أما الكرم فى الإسلام فهو جود وسخاء إيمانا بقوله تعالى " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى " سورة الليل وإيمانا بأن المال مال الله _ قال تعالى " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " سورة الحديد
ومن ثم لم تبن الأخلاق فى الإسلام على مجرد العادة أو العرف أو لمجرد لذة الإنفاق والعطاء وإنما قامت الأخلاق على أصول الإسلام العامة وتحقيقا لمصلحة الأمة .
( 9)

ولنستمع الى ما قاله الصحابي الجليل جعفر بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه وهو يصور للنجاشي ملك الحبشة ماكانت عليه حالة العرب قبل الإسلام من سوء الأخلاق وكيف كانت بعد الإسلام حين اتبعوه وتفاعلوا معه وافتعلوا به فقد تبدلت أوضاعهم العقائدية والسلوكية والأخلاقية قال سيدنا البطل الطيار جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه " لقد كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى الينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا الى الله تعالى لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من عبادة الأوثان والحجارة وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ونقيم الصلاة ونؤتى الزكاة ونصوم رمضان " ( 10)

وعندما كان رسول الله صل الله عليه وسلم يعرض الإسلام وجاء له رجل فقال له الى ما تدعوا إليه يا أخا العرب فتلا عليه من قوله تعالى " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده وأفوا الكيل والميزان بالقسط لانكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " سورة الأنعام فلما انتهى رسول الله صل الله عليه وسلم من التلاوة فقال الرجل والله إذا لم يكن ذلك دينا لكان فى أخلاق الناس حسنا إن الإسلام يربى ومعنى أنه يربى أى يكون أخلاقا لأن الأخلاق كما يقول علماء النفس عادة الإرادة والسلوك الإنساني يبدأ ثم يقوى "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  (11)