التربية الإسلامية ومجاهدة النفس

التربية الإسلامية ومجاهدة النفس :

بين التخلية والتحلية :

من عظمة الدين الإسلامي الحنيف أنه يحثنا على السعي الدءوب نحو المثالية والكمال فالإسلام لا يرضي للمسلم أن يكون مقصرا فى أداء واجباته نحو الله سبحانه ونحو المجتمع أو حتى تجاه نفسه ولذلك نجد الإسلام يرسم لنا صورة واضحة المعالم للمسلم المثالي ويرسم لنا الإسلام كذلك صورة للعلاقة التى ينبغي أن تكون بين المسلم وبين مجتمعه وإن من أعظم المهمات التى بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإضافة الى تبليغ ما أنزل الله إليه من القرآن وتلاوة آياته وهى تزكية المؤمنين والتزكية من الشرك والرذائل وينميهم بالتوحيد والفضائل فهي تتضمن التخلية والتحلية وبعبارة أخرى يربيهم التربية العملية المتكاملة المتضمنة لحسن فهم الدين والإيمان به إيمانا يدفع الى العمل به والعمل له وذلك بالأسوة الحسنة
ومع هذه التزكية العملية يقوم بتعليمهم الكتاب الإلهي المنزل وذلك بتفهيمهم معانى آياته ومقاصد تشريعه وأسرار توجيهه وبيان ما غمض عليهم منه وتفصيل ما أجمله من أوامره ونواهيه وأخباره حتى لا يزيغوا فى فهمه أو إتباعه كما يعلمهم مع الكتاب الحكمة النظرية وتعنى العلم المقترن بأسرار الأحكام وغاياتها الباعث على العمل والعلمية وتعنى إتباع أحسن الطرق وأفضل الأساليب فى العمل والدعوة والجهاد قال تعالى " ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا " سورة البقرة         (1 )

العلم والحكمة من ركائز التربية :

وهى التى ذكرها القرآن الكريم فى سورة البقرة فى قوله تعالى " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون " وهذه الشعب الأربع هى التى تتكون منها مهمته عليه الصلاة والسلام ومنها سنته أو طريقته أو منهجه فى فهم دين الله تعالى وتطبيقه والدعوة إليه كما أمره ربه بالحكمة والموعظة الحسنة
وفى معنى ذلك جاءت آيات آخر مثل قوله تعالى " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمه الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين سورة آل عمران
وقوله " هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " سورة الجمعة _ وكم هو معروف أن الأجسام المريضة لن تعود إليها صحتها وسلامتها الا إذا استكمل الغذاء المفقود وتوافرت العناصر المطلوبة ؟ ( 2)

وهذا المثل إذا كان موضع تسليم فى حياتنا المادية فكذلك يجب أن يكون موضع تسليم فى حياتنا المعنوية فإن للقلوب والعقول أغذية تقوى بها وتنموا فإذا عرا أو طرأ على تلك الأغذية نقص فإنها لا محالة تمرض معنويات الأمم والأفراد
وإذا استمر هذا العوج فلا ننتظر الا ضمورا فكريا أسوأ من ضمور الأبدان المسلولة وعجزيا روحيا أنكى من عجز الحواس المشلولة
وبلاء هذه الأمة جاء إليها من داخلها قبل أن يتسرب إليها من الخارج فمنذ أمد بعيد ومصادر التربية والتوجيه العام للأجيال الناشئة كان ولا يزال يعانى فسادا عريضا وانحرافا شاملا فكيف ننتظر الثمر الجيد من هذه الغراس ؟ قال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لا يخرج الا نكدا " سورة الأعراف (3)

العملية التربوية ( تقويم النفس) :

خلق الله سبحانه وتعالى بين جنبي الإنسان نفسا تميل الى الخير والشر وتميل الى الضلال والهدى وتميل الى التقوى والفجور فالنفس مزدوجة الطبيعة لها وجه مشرق مضيء ووجه مظلم وقد أخبرنا القرآن الكريم بهذه الحقيقة فقال تعالى " ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " سورة الشمس
والفلاح فى الدنيا والآخرة لمن طهر نفسه من الآثام والذنوب والخيبة والخسران لمن ترك لنفسه الحبل على الغارب تغوص فى أوحال المعاصي والموبقات فالنفس البشرية من طبيعتها وجبلتها أمارة بالسوء تلح على الإنسان دائما بفعل الشر والحرام والضلال " وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربى " سورة يوسف ( 4)

                             
فمن رحمهم الله تعالى من نفوسهم أعانهم عليها ووفقهم الى مجاهدتها حتى استقامت على أمر ربها قال تعالى " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكى من يشاء والله سميع عليم " سورة النور وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن النفس عدو خفي لدود " أعدى أعدائك نفسك التى بين جنبيك " والعدو الخفي ينبغي الحذر منه أكثر من العدو والظاهر لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان يرجع من جهاد الأعداء يقول صلى الله عليه وسلم " رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس "
حقا إن جهاد النفس يعد جهاد أكبر لأننا إذا انتصرنا على نفوسنا فما أسهل الانتصار على الأعداء فقد قال سيدنا عمر رضى الله عنه فى رسالة الى أحد قواده " إنكم تنتصرون على عدوكم بطاعتكم لله وعصيانهم هم لله
بذلك العدو فإذا إستويتم معهم فى المعاصي فالغلبة لمن هو أكثر عددا وعدة
(5)

أهمية الطاعة فى التوفيق والنجاح :

والمسلم لا ينتصر على نفسه بقوته وانما يحتاج الى عون الله وتوفيقه فالرسول صل الله عليه وسلم كان يقول فى دعائه " اللهم برحمتك أجرني ولا تكلني الى نفسي طرفة عين " ومن دعائه أيضا " اللهم إنى أعوذ بك من شر نفس ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوء أو أجره إلي مسلم " ويقول " اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها " ويقول صل الله عليه وسلم أيضا " اللهم قني شر نفسي وأعني على رشد أمري " وهذه كلها تعليم لأمته وإلا فهو صل الله عليه وسلم يحمل نفسا هى أطهر النفوس وأنقاها وأصفاها والله وحده هو العليم بنفوسنا فإن كانت النفس سيئة ولا ترغب فى الخلاص من آثامها فإنها تتردى إلى أسفل سافلين قال تعالى " ولقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ثم رددناه إلى أسفل سافلين الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون " سورة التين
                                                             ( 6)

وإذا كان الإنسان يريد الخلاص من نفسه الأمارة بالسوء فإن الله تعالى يعينه ويهديه الى الهدى والرشاد قال تعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " سورة العنكبوت والنفس تحتاج الى الفطام عن رعونتها وشهواتها وأطماعها حتى تقوى وتشتد وتتحمل المسئولية وتتحلي بالقيم والأخلاق والفضائل _ والنفس كالطفل إن تمهله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم _ ولابد من مخالفة النفس وعدم الرضا عنها _ وخالف النفس والشيطان واعصيهما
وإن هما أخلصا النصح فاتهم
فالعدو لا ينصح وإن بدا في ظاهر الأمر أنه ناصح أمين
فلا يغتر الإنسان بزيف الشيطان ومعسول النفس فإنها تضع السم فى العسل
(7)

بين النفس والشيطان :

والفرق بين النفس والشيطان أن النفس تهوى وتتمنى الفجور مثلها كمثل حشرة تسمى ( الجعل ) وهى الخنفساء _ إذا شمت رائحة الورد ماتت وإذا شمت رائحة النجاسات ربت فيها الحياة وانتعشت والشيطان يتعاون مع النفس الفاجرة ويخطط لها حتى يقع صاحبها فى أوحال المعصية قال تعالى " ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين "
والإنسان لابد وأن يكون بصيرا بنفسه وبعيوبها وأن يكون صادقا مع نفسه فى التخلص من آفات النفس وأن يقبل نصيحة الناصحين إذا ما أرشدوه الى عيوبه فمن أرشدك الى عيب فى نفسك فقد أهدى إليك أعظم هدية وينبغي للناصح أن ينصح فى السر لا فى العلانية فإن النصيحة فى الملأ فضيحة وأن يقدم له النصيحة فى شكل مقبول لا يحرج إحساسه يقول سيدنا عمر رضى الله عنه " رحم الله امرأ أهدى الى عيوبي " (

ولم يترك الله تعالى النفس دون أن يصف لها الدواء ومعلوم أن الأمراض والعلل تعرض للأجسام فتذهب بجمالها وكثيرا ما تودي بحياتها إذا لم تسعف بالعلاج الناجح قبل استفحالها واشتداد خطرها والقلوب كالأجسام يعرض لها من الأمراض والعلل ما يطفئ نورها وقد يفقدها حياتها وذلك يوردها موارد الغي والضلال وانهماكها فى الملذات والشهوات والتهاون بالأوامر والنواهي وعدم المبالاة بأنواع الفسوق والفجور وسيئات البدع ونبذ الآداب الدينية والأخلاق المحمدية وارتكاب كل ما لا يرضاه الشرع والعقل من الشرور والقبائح فمن هذه الأفعال تتكون أمراض القلوب وعللها قال تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " سورة المطففين أي أن الذنوب تركب القلب كما يركب الصدأ وغلبها وهو أن يصر على المعاصي ويسوف فى التوبة حتى يطبع الله تعالى على قلبه فلا يقبل الخير ولا يميل إليه ولا دواء للنفس الا مراهم الشريعة الغراء المركبة تركيبا علميا كيماويا دقيقا . (9)

شرع الله العبادات وسائل لطهارة النفس :

ومن هذه الوسائل التى شرعها الإسلام لأتباعه وآثار أمامها أفاق الكمال حتى يسعوا إليها على بصيرة – العبادات التى شرعت فى الإسلام واعتبرت أركانا فى الإيمان به وليست طقوسا مبهمة من النوع الذى يربط الإنسان بالغيوب المجهولة ويكلفه بأداء أعمال غامضة وحركات لا معنى لها كلا فالفرائض التى ألزم الإسلام بها كل منتسب إليه هى تمارين متكررة خمس مرات فى اليوم والليلة عدا النوافل لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة وأن يظل مستمسكا بهذه الأخلاق مهما تغيرت الظروف أمامه والعبادات أشبه بالتمارين الرياضية التى يقبل الإنسان عليها بشغف ملتمسا من المداومة عليها عافية البدن وسلامة الحياة والقرآن الكريم والسنة المطهرة يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق فالصلاة الواجب عندما أمر الله بها أبان الحكمة من إقامتها فقال " اتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر " سورة العنكبوت ( 10)

فالبعد عن الرذائل والمنكرات والتطهير من سوء القول وسوء العمل هو حقيقة الصلاة وذلك علاج النفس ومحاربة الشيطان فالصلاة دواء للنفوس من كل داء يقذفه الشيطان فى القلوب فإذا نهتك صلاتك عن الفحشاء والمنكر فاعلم أنها صلاة مقبولة قال تعالى " إنما يتقبل الله من المتقين "
ويتم ذلك بأن تستحضر عظمة الله فى صلاتك وذلك بالشعور بأنك بين يدي الله وأن الجنة عن يمينك والنار عن شمالك وملك الموت خلف ظهرك وقد جاء فى حديث يرويه النبى صل الله عليه وسلم عن ربه " إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي ولم يبت مصرا على معصيتي وقطع النهار فى ذكرى ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب " رواه البزار
فإذا كنت تصلى وتفعل المنكرات والمحرمات فراجع نفسك وتب إلي الله تعالى واستقم على طريق الإيمان بالله سبحانه وتعالى ( 11)

تابع العبادات وسائل التطهير :

والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب بل هى أولا لغرس مشاعر الحنان والرأفة وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات
وقد مضى القرآن الكريم على الغاية من إخراج الزكاة بقوله تعالى " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم " سورة التوبة فالزكاة علاج للنفس من داء خطير وهو الشح قال تعالى " وأحضرت الأنفس الشح " سورة النساء
فتغير نفسية الإنسان من الشح الى الكرم والعطاء والإيثار قال تعالى " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" سورة الحشر فتنظيف النفس من أدران النقص والتسامي بالمجتمع الى مستوى أنبل هو الحكمة الأولي من فريضة الزكاة ومن أجل ذلك وسع رسول الله صل الله عليه وسلم فى دلالة كلمة الصدقة التى ينبغي أن يبذلها المسلم فقال " تبسمك فى وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل فى أرض الضلال لك صدقة وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك فى دلو أخيك لك صدقة وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة "
                                                             ( 12)

وكذلك شرع الله الصيام فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من بعض الأطعمة والأشربة بل اعتبره خطوة الى حرمان النفس دائما من شهواتها المحظورة ونزواتها الطائشة فالصيام علاج للنفس لأمور عديدة وهى الفجور والقسوة والجزع والرياء فينتقل المسلم بعد صيامه الى التخلق بأخلاق المتقين والرحماء والصابرين والمخلصين وقال صل الله عليه وسلم " ليس الصيام من الأكل والشرب " وقال صل الله عليه وسلم " إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إنى صائم " رواه ابن خزيمة
والقرآن الكريم يذكر لنا ثمرة الصوم يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " سورة البقرة ( 13)

تابع العبادات وسائل التطهير :

وقد يحسب الإنسان أن السفر إلي البقاع المقدسة الذى كلف به المستطيع واعتبر من فرائض الإسلام على بعض أتباعه يحسب الإنسان هذا السفر رحلة مجردة عن المعاني الخلقية وهذا خطأ إذ يقول الله تعالى فى الحديث عن هذه الشعيرة قال تعالى " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وإتقون ياأولي الألباب " سورة البقرة
فالحج جهاد لا شوكة فيه كما قال الرسول "صل الله عليه وسلم":"فالحج علاج للنفس من البخل والعزلة حتى تتحلى بالعطاء والبذل والحركة والاختلاط بالمسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ويتعامل معهم بالرفق والعون والعطاء والنظام.
وبعد هذا العرض المجمل لبعض العبادات التى اشتهر بها الإسلام وعرفنا على أنها أركانه الأصلية نتبين منه مكانة الأواصر التى تربط الدين بالخلق.إنها عبادات متباينة فى جوهرها ومظهرها ولكنها تلتقي عند الغاية التى رسمها الرسول صل الله عليه وسلم فى قوله "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " (14)

.فالصلاة والصيام والزكاة والحج وما أشبه هذه الطاعات من تعاليم الإسلام هى مدارج الكمال المنشود ومعطيات التطهر الذى يصون الحياة ويعلى شأنها ولهذه السجايا الكريمة التى ترتبط بها أو تنشأ عنها أعطيت منزلة كبيرة فإذا لم يستفيد المرء من هذه العبادات ما يزكى قلبه وينقى عقله ويهذب بالله وبالناس صلته فقد هوى قال الله عز وجل "انه من يأت ربه مجرما فان له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجرى من الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى" (15)

خاتمة البحث :

وهكذا ما فرض الله علينا العبادات والأخلاقيات الا لتهذيب النفس وتحلينها بالفضائل .وإذا ما التزمت النفس بما فرضه الله عليها وابتعدت عن الرذائل والمعاصي فإنها لومه اذا فعل صاحبها ذنبا فإنها تلومه على فعل هذا الذنب حتى يصل الى الندم والتوبة قال تعالى:"لا أقسم بيوم القيامة.ولا أقسم بالنفس اللوامة"وإذا ما استمر الإنسان فى العبادة وهو يبتعد عن المعاصي فان النفس تترقى الى النفس المطمئنة التى اطمأنت الى طريق الاستقامة والهدى والرشاد وأيقنت أن الطاعة عز والمعصية ذل"يأيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي فى عبادي وادخلي جنتي" ( 16)

ولا يليق بالمسلم أن يقع فى المعصية ويعلقها على القضاء والقدر وأن الذى ينبغي على المسلم اذا وقع فى معصية أن يوقن أنها من نفسه الأمارة بالسوء "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"
وحينما خالف الرماة أمر رسول الله "صل الله عليه وسلم"فى غزوة أحد فتركوا حماية الجيش من فوق ظهر جبل أحد طمعا فى الغنائم قتل منهم عدد كبير فوضح لهم القرآن أن هذا من عند أنفسكم "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"
فإذا ما هذبنا نفوسنا وغيرنا ما بنفوسنا فان الله يصلح بالنا وأحوالنا وينصرنا على أعدائنا"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "وإذا همت نفسك بمعصية أو وسوس لك الشيطان فتذكر ثلاثة أمور لا تنساها واجعلها دائما نصب عينك .
الأمر الأول :تذكر أن الله يراك ويسمعك ويترصدك فان تذكرت ذلك استحيت النفس من ربها وخلفت غضبه"وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين". ( 17)

الأمر الثاني :تذكر الموت فربما يأتيك بغتة وأنت متلبس بالمعصية فيكون عياذا بالله سوء الخاتمة كما قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما:اذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء.
الأمر الثالث:تذكر دخول القبر وحرك وضمة القبر والحساب والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فان ذلك يخيف النفس من خالقها "إن الذين اتقوا من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"
اذا تغير النفس من سيئ الى حسن ومن حسن الى أحسن أمر ممكن وليس بمستحيل لان الله طلب منا أن نغير نفوسنا من الشر الى الخير "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "والله لا يطلب من الناس الا ما هو فى استطاعتهم "لا يكلف الله نفسا الا وسعها"
وصل الله على سيدنا محمد وعلى أهله وصحبه وسلم.صفحة(18)