التقوى فى سلوك المؤمن :

التقوى فى سلوك المسلم :

حرص الإسلام على غرس خلق التقوى فى نفس المؤمن لما لها من أثر واضح على أعماله وسائر أحوله والتقوى هى مراقبة الله سبحانه وخشية مستمرة وحذر دائم وهى السبيل الأقوم فى استقامة المسلم والبعد عن الشرور والمأثم والمفاسد وهى المنبع الذى لايجف ولا ينتهى أبدا والقانون والقاضى والمفتش والمحاسب الذى يسيطر على بواعث فعل المؤمن وروحه ونفسه وعقله فيحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره ولهذا نجد لفظ التقوى فى القرآن الكريم لاتخلوا منه معظم سور القرآن قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " سورة الحشر الآية _ 18_ وقال تعالى " إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة أجر كبير وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور " سورة الملك _ الآية _( 12_ 13 _ وقال تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " سورة الحجرات والتقوى تبعث فى نفس المؤمن الإمتثال للطاعة حبا لله وخشية وترك المعاصى خوفا من غضبه وعقابه يقول النبى صل الله عليه وسلم " اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " رواه الترمذى كما أن التقوى لابد وأن تظهر فى سلوك المسلم ومعاملاته وهنا تحكى القصة فقد كان عمر رضى الله عنه مسافرا إلى مكة وفى الطريق التقى براع للغنم فقال له عمر أمير المؤمنين رضى الله تعالى عنه : بعنى شاة من هذا الغنم فرد الراعى : إنى مملوك , فقال له عمر ليختبر أمانته : قل لسيدك أكلها الذئب , فقال الراعى فأين الله ؟ فبكى عمر رضى الله عنه ثثم ذهب معه واشتراه من سيده وأعتقه " وحرره من العبودية " وقال له أعتقتك هذه الكلمة فى الدنيا وأرجو أن تعتقك فى الآخرة , وكان عمر رضى الله تعالى عنه يطوف بالليل ليتفقد أحوال الرعية وشئونهم وإذ به يسمع صوت إمرأة من وراء جدار تطلب من ابنتها أن تخلط اللبن بالماء قبل بيعه فى الصباح وسمع الفتاة وهى ترد على أمها بأن أمير المؤمنين قد أصدر قرارا بمنع خلط اللبن بالماء ؟ والأم تقول لأبتها لا عليك فنحن فى موضع لايرانا فيه أمير المؤمنين , فردت البنت قائلة إن كان عمر لايرانا فرب عمر يرانا , ففرح عمر رضى الله تعالى عنه بهذه الفتاة وإخلاصها ومراقبتها لله تعالى وأرسل فى الصباح يخطبها لإبنه عاصم وتصبح هذه المرأة  جدة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ." .وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

حقيقة الحب فى تقواه :

ومن اتقى الله وقاه , وهى ميزان الحب فى الحياة ,وهى الزاد ليوم لاينفع فيه إلا العمل فلا أنساب بينهم ولا يتسائلون , ولقد تحدث القرآن الكريم عن التقوى فى كثير من آياته وفى أكثر من موضع قال تعالى " ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " سورة آل عمرن 102 الآية وقال عبد الله ابن مسعود رضى الله تعالى عنه  فى تفسير هذه الآية :"اتقوا الله حق تقاته " أن يطاع فلا يعصى , وأن يذكر فلا ينسى , وأن يشكر فى يكفر " وقد كتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله رضى الله تعالى عنهما " : أما فإنى أوصيك بتقوى الله عز وجل فإنه من اتقى الله وقاه ومن أقرضه جزاه , ومن شكره زاده , واجعل التقوى نصب عينك وجلاء قلبك " ويقول النبى صل الله عليه وسلم " اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن "رواه الترمذى وقال حديث حسن والتقوى هى وصية الله تعالى للأولين والآخرين كما قال تعالى " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " سورة النساء والتقوى هى أن يجعل العبد بينه وبين الله وقاية تمنعه من الوقوع فى الذنوب والآثام ولما سئل بعض الصالحين عن التقوى قال : أما سلكت طريقا ذا شوك قال نعم قال فما فعلت قال شمرت واجتهدت قال فتلك هى التقوى " وقال عمر ابن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه:" ليست التقوى بصيام النهار ولابقيام الليل ولكن تقوى الله هى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من الهدى النبوى :

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم " أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شئ وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام , وعليك بذكر الله وبتلاوة القرآن فإنه روحك فى السماء وذكرك فى الأرض " إن تقوى الله تعالى هى العلاج الأساسى لأى مرض يصيب قلب الإنسان المسلم فهى الحصن المنيع من محاولات اختراق القلب من أمراض الدنيا الفتاكة من نفس وهوى وشيطان , وهى الزاد الروحى الذى يحمل العبد على فعل مايرضى مولاه وترك ما يبغضه وبحسب درجات التقوى فى قلب المسلم يزيد الإيمان أو ينقص وتقوى الله تعالى هى وصية الله تعالى للأولين والآخرين قال تعالى " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ....الآيه 131_ سورة النساء ومن أجل التقوى كانت البشرى من الله تعالى " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب " الآية 2_3_ سورة الطلاق وقال سفيان الثورى رحمه الله تعالى " إتق الله فما رأيت تقيا محتاجا " إن كل من أراد طهارة قلبه وتحصين نفسه من أسر الدنيا , أن يلزم تقوى الله , وأن يجتهد فى أخذ الأسباب التى تجعله تقيا نقيا طاهرا صفيا مؤيدا بفضل من الله تعالى وعونه ورحمته قال تعالى " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من ثمار التقوى
التقوى خشية مستمرة وحذر دائم وشفافية فى الضمير وحساسية فى الشعور وتلك هى أبسط معانيها إنها ملكة وسلوك ينتج عنه كل خير , كما يقول ابن رجب الحنبلى فى كتابه _ فى كتابه " جامع العلوم والحكم " ويدخل فى التقوى الكاملة , فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات , وربما دخل فيها بعد ذلك , فعل المندوبات وترك المكروهات , وهذا أعلى درجات التقوى , والتقوى لها علاقة مباشرة بالقلب فبها صلاح القلب وصلاح النية , وبصلاح القلب تصلح الأعضاء , وإذا صلحت الأعضاء صلحت الأعمال , وكيف لاتكون التقوى ذات فضيلة وبها العفة والورع والمجاهدة والمحاسبة قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغداواتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "سورة الحشر الآية 18_ , والتقوى هى وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " سورة النساء الآية 131_ , ونادى بها كل رسول ودعى إليها قومه من لدن نوح عليه السلام إلى محمد صل الله عليه وسلم
لذا فإن التقوى تدعوا إلى كل خير وبها السعادة فى الدنيا والآخرة , وهى مقياس القرب والبعد من الله تعالى وهى خير ما يتزود به العبد وعليها صلاح الأعمال وغفران الذنوب , كما ينال بها العبد الرزق الحسن والفرج من كل ضيق وهم قال تعالى " ومن يتق الله يجعل له مخرخا ويرزقه من حيث لايحتسب " سورة الطلاق الآية 2_
وبها تتيسر الأمور ويسلم العبد من مكائد الشيطان قال تعالى " ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا " سورة الطلاق الآية 4_
وبها تكون السعادة وحسن الخاتمة , وينال بها العبد محبة الله ورضوانه وعليها قبول الأعمال قال تعالى " إنما يتقبل الله من المتقين " سورة المائدة الآية 27_ ويستفيد العبد بها من هدى ومواعظ القرآن الكريم والسنة الشريفة المطهرة وهى أفضل ما يتحلى بها العبد وينال بها درجة الولاية , وبالتقوى تحل كل مشاكل الأمة سياسيا أو إقتصاديا أو إجتماعيا وفى الآخرة ينال بها العبد الصالح درجة الجنة حيث ينادى يوم القيامة أين المتقون ؟ فنعم الزاد ونعم المتزود به ونعم أجر العاملين "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كلمات جامعة:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله :" خير الغنى غنى النفس , وخير الزاد التقوى , وشر العمى عمى القلب , وأعظم الخطايا الكذب , وشر المكاسب الربا , وشر المأكل مال اليتيم , ومن يعف يعف الله عنه , ومن يغفر يغفر الله له " وقال الثوري رحمه الله: " إنما سموا متقين لأنهم اتقوا ما لا يتقي ".وقال ابن عباس رضي الله عنه :"المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به ".وقال الحسن رحمه الله: " المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما اقترض الله عليهم وقال موسى بن أعين رحمه الله : " المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله متقين .وقال ميمون بن مهران رحمه الله تعالى: " المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه .وقد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرمات كما قال أبو هريرة رضي الله عنه وسئل عن التقوى فقال : هل أخذت طريقا ذا شوك ؟قال : نعم ، قال : فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى .وأخذ أحدهم هذا المعنى فقال :
خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقي
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عن أثر العبادات فى تهذيب النفس

يقول النبى صل الله عليه وسلم " الطهور شطر الإيمان " والطهارة ليست مجرد التنزه عن القذورات والنجسات وإزالة الحدث والخبث بالإغتسال أو الموضوء وإنما هى طهارة شاملة فكما نحرص على طاهرة الظاهر بالنظافة بالماء فكذلك لابد وأن نحرص على طهارة الباطن من الرذائل الممقوتة والأخلاق المذمومة , كالحقد والحسد والضغينة والغيبة والنميمة وغير ذلك ولذلك ترتبط العبادات والمعاملات بالأخلاق لأنها ثمرة من ثمراتها , فالصلاة مناجاة بين العبد وربه , وخشوع وحضور فى معية الحق ومحبته تعالى وتطهير للنفس عموما قال تعالى " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " ويقول النبى صل الله عليه وسلم " ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها " أى لابد وأن يكون حاضرا فيها بقلبه _ وفى الصيام تطهير وتعويد لها على الصبر وغيره من الفضائل وفى هذا قول النبى صل الله عليه وسلم " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش " والزكاة كذلك تطهير من الشح والخل وتعويد للنفس على البذل والعطاء قال تعالى " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " سورة التوبة وفى الحج تريب على تحمل المشاق ودروس فى الصبر ومعنى من معانى الأخلاق قال تعالى " الحج أشهر معلومات . فمن فرض فيهن الحج   فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج " سورة البقرة وفى المعاملات التى يجب أن يحكمها الشرع الحنيف يقول النبى صل الله عليه وسلم " من غشنا فليس منا " ومن هنا يتبين لنا معنى قول النبى صل الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

التقوى هى غاية العبادات

جاء الإسلام بمنهج شامل , وهدفه الحقيقى إقامة الحياة , والوجود
على دعائم ثابتة وقواعد راسخة , من الحق والعدل والخير والفضيلة
وهذه هى الغاية التى من أجلها , أرسل الله تعالى الرسل , وأنزل الكتب
وسن الشرائع والأحكام والبشر , على مر التاريخ لم يعرفوا منهاجا
يبصر الناس بربهم ويعرفهم , بمكانته سبحانه ومكانهم منه جلا وعلا
مثل الإسلام حيث يبين لهم أن , الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية
ويدركون ما عنده بالطاعة , ومن حق ربوبيته عليهم الإعتراف له بالفضل
والشكر له على النعم التى ,لا تعد ولا تحصى فهو سبحانه وتعالى الرب المعبود ذو الفضل والجود وصاحب المنة والكرم وواهب القوة والقدرة وقيوم السموات والأرض

ومن واجب العبودية لله تبارك وتعالى , أن يعيش الإنسان فى حجمه وأن يشعر بمكانه وأن يدرك طبيعته فهو مخلوق لربه الخالق , الإله الواحد الأحد ذو الكمال
والجلال والجمال وأمانة التكليف التى ميز الله سبحانه بها الإنسان وفضله على كثير
ممن خلق تجعله يشعر نحو ربه بكل الإعظام له , والخشوع إليه والإخلاص له فى كل مايقوم به من عمل قال تعالى " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون
فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم " سورة المؤمنون الآية 116_ ومن هنا نجد أن عبادة الصيام لها أهداف ترتبط , بخواطر الوجدان والشعور
وجوانب الأخلاق والسلوك وكلها , تدور فى فلك المنهج الربانى من أجل بناء النفس الإنسانية واعلاء مقوماتها وصقل , توجهها لتنهض بأمانة الدين والدنيا معا

والتقوى
هى غاية العبادات وهى هدف الصيام والغاية من فرضيته فى تربية المسلمين على التقوى وتقوى الله سبحانه ترجع فى , مدلولها العام ومفهومها الشامل إلى إتقاء الإنسان لكل ما يضره فى دينه نفسه , وأسرته والمجتمع الذى يعيش فيه والتقوى هى غاية الكمال المطلوب تحصيلة من أجل سعادة الدنيا والنجاة فى الآخرة قال تعالى "
إفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به فى نار جهنم والله لايهدى القوم  الظالمين " سورة التوبة الآية 109_
    وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

تقوى الله :

- يقول تعالى ترغيبا فى التقوى : يا أيها الذين أمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم " سورة الحديد الآية 29 _ وفى الآية الكريمة نداء للمؤمنين بالتذكير والترغيب بما صدقوا الله تعالى واتبعوا رسوله الكريم صل الله عليه وسلم أن فى التقوى الوقاية وهى تتمثل فى فعل أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه ولهذا كان من ثمرات التقوى أن يرزقه الله من حيث لا يحتسب , ويجعل له من كل هم فرجا , ومن كل ضيق مخرجا ونجاة فى الحياة الدنيا مما يحوطه من الآلام , ويغفر له ما سلف من ذنوبه , ويسترها عليه فلا يؤاخذه بها والله تعالى ذو فضل واحسان ومنة وعطاء ومن أوفى بعهده من الله أن يحقق للمؤمنين الصادقين ما يمنحهم بتقواهم هداية فى قلوبهم يفرقون بها بين الحق والباطل أو نصرا وظفرا يفرق بين المحق من المبطل ذلك بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين والمنافقين قال تعالى " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لايعلمون " سورة المنافقين الآية 8_ ومن هنا كان العمل على مقتضى قواعد الشرع الحنيف ورعاية سنن الله فى خلقه مما يؤسس فى النفس التقية النقية ملكة العلم والحكمة ونور البصر والبصيرة ومن خلالها يميز المسلم بين الحق والباطل وبين النافع والضار , أو يمنحه الله تعالى نصرا على أعدائه نصرا يعز به المؤمن , ويذل به العدو السفيه الماكر " اللهم إنى أسألك التقى والعفاف والغنى " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أفضل الناس أتقاهم :

من حديث بن مسعود رضى الله عنه : أن النبى صل الله عليه وسلم _ كان يقول : " اللهم إنى أسألك الهدى , والتقى , والعفاف , والغنى " رواه مسلم

أولا : ما يدعوا إليه الحديث :

وفى الحديث توجيه للمسلم , بلزوم الدعاء والتضرع , إلى الله سبحانه وتعالى بأن يهديه إلى الصراط المستقيم , وهو الطريق الواضح والسبيل الأقوم وغيره من الطرق ضلال وبعد عن الصواب والحق , والمسلم يدعوا الله تعالى كل يوم واليلة أكثر من خمس عشرة مرة , عند قراءة الفاتحة " اهدنا الصراط المستقيم " وذلك بالثبات على الإسلام وترك ما سواه من , الأديان الباطلة والشرائع والقوانين الفاسدة
ثم يوصيه بالتقوى التى بها يحذر , كل ما يغضب الله تعالى قولا وفعلا حالا وسلوكا
وفى التمسك بالتقوى تتحقق العفة للإنسان , ويحفظ نفسه من التردى فى المعاصى والوقوع فى المنكرات وكل ما حرم الله , وفى التقوى الغنى والكفاية واليأس مما فى أيدى المخلوقين , وأن تكون أوثق بما فى يدى الله عما تملكه يداك . (1)

ثانيا : حقيقة التقوى وثواب المتقين :

التقوى أساس كل خير , وهى من أعظم الفضائل , التى بها تكون العلاقة بين الإنسان وغيره من الناس , وكذلك العلاقة بينه وبين خالقه سبحانه , وأن يتقى الإنسان كل ما يغضب الله , وما يجر إلى الإضرار بنفسه وغيره .
والذى يعرف قدر ربه سبحانه , هو الذى يخشاه ويتقيه قال تعالى :" إنما يخشى الله من عباده العلماء " سورة فاطر الآية 28 _
والمتقون هم أهل النجاة من عذاب الله , وسخطه فى الدنيا والآخرة وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهى , والوقوف عند حدوده والله سبحانه وتعالى لايأمر عباده إلا بكل خير ولا ينهاهم إلا عن كل شر .

إن كل من اتقى ربه وسارع إلى طاعته ورضاه , يكون جزؤه من ربه بأن الله معه معينا دائما , ولا يتركه لنفسه طرفة عين قال تعالى : " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " سورة النحل الآية 128 _
والمتقون هم أهل الله وخاصته , وأحباؤه وصفوة عباده يحميهم , ويواليهم وينصرهم
وقد أعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار , وطمأنهم وبشرهم بفضل من الله ورحمة فقال تعالى :" ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون الذين أمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة " سورة يونس الآية 26 _ 64
( 2)

ثالثا : ثمرات التقوى :

ومن ثمرات التقوى : نيل رحمة الله وفضله كما قال تعالى :" ورحمت وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بأيتنا يؤمنون " سورة الأعراف الآية 156 _
ومن ثمراتها تفريج الكربات وحل المشكلات قال تعالى :" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " سورة الطلاق الآية 2 _ 3_ .
ومن ثمراتها تنوير البصيرة , وحلول الهدية فى قلب الإنسان قال تعالى :" يا أيها الذين أمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم " سورة الأنفال الآية 29 _
هذا غيض من فيض عن التقوى وحقائقها العالية , ولقد أولاها القرآن الكريم عناية فائقة وقد حثنا على التمسك بها والعمل بمقتضاها , والوقوف عند حدودها طمعا فى مرضاة الله وخوفا من عقابه .

ولما كانت التقوى بهذه المكانة وتلك المنزلة , حيث اختص الله تعالى بها أهل الإيمان والبر وقليل ماهم بين الناس , ومن يتخلى عن التقوى ويبتعد عن طريق الله المستقيم
فإنما يتخلى عن أسباب السعادة النفسية , وراحة البال وهدوء النفس , ويقظة الضمير وبذلك يعيش فى ضنك من الحياة , ومن ثم يصبحون بلا ثقة بينهم وبين غيرهم وهم فى قلق دائم لم يحظوا براحة النفس , ورضا الله , وباءوا بغضب من الله , وعدم رضا الناس عنهم بما نالهم من أذى منهم , ومن كان حالهم كذلك فإنهم يرحلون عن الدنيا _ إذا رحلوا لاتودعهم كلمة خير , ولا يترحم عليهم انسان , ويوم القيامة ينتظرهم الحساب الشديد والعذاب الأليم قال تعالى :" يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه " سورة آل عمران الآية 30 –
وقال تعالى :" يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " سورة الحشر الآية 18 _

خامسا : التقوى خير زاد :

إن التقوى من خير ما يتزود به المرء , وهى روح الإخلاص وأفضل ما ينتفع به الإنسان فى الدنيا والآخرة , والتقوى من أعلى مراتب الإحسان وهو أن يراك الله حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك قال تعالى :" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " سورة البقرة الآية 197_
وأهل التقوى لايخافون فى الله لومة لائم , يقولون الحق ويؤيدونه , ويكرهون الباطل وينكرونه , لأنهم تزودوا بالتقوى ولبسوا لباسها , قال تعالى :" يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير " سورة الأعراف 26 _
والتقوى شفافية فى الشعور , ولها ثمراتها لمن تمسك بها وعاش لها , وهى أحسن ما يتمثل العبد لربه ومولاه , وبها تقوى روحه , وتسموا نفسه , والله يرزق من يشاء بغير ة قال تعالى :" إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " سورة الملك الآية 12 _ و13 _ وقول تعالى :" إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " سورة الحجرات الآية 12 _
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من ثمرات التقوى :

_ إن من أهم ثمرات التقوى التى تعود على صاحبها تنوير البصيرة وحلول الهداية فى قلب الإنسان فتجعله يفرق بين الحق والباطل والصواب والخطأ ومنها تكفير السيئات وغفران الذنوب قال تعالى " يأيها الذين آمنوا إن تتقوى الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم " سورة الأنفال ومن ثمراتها صلة الأرحام عملا بقول الله تعالى " يأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الى تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " سورة النساء فالتقوى هى الركيزة الإولى التى يقوم عليها بناء شخصية الإنسان السوى فإذا حلت التقوى فى قلب المؤمن وسرت فى كيانه وخالطت دمه ولحمه فإنه يصبح من الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون ,

قال تعالى " ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشري فى الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك الفوز العظيم " سورة يونس ومن ثمرات التقوى الإ جتهاد والتشمير وأخذ العدة والزاد ليوم الميعاد قال تعالى " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون " سورة البقرة ومن التقوى اتقاء الفتن وذلك بالبعد عنها وعدم إثارتها وفى ذلك قوله " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب سورة الأنفال والتقوى كما قال طلق بن حبيب الصحابي الجليل رضى الله عنه هى " أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله " وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

السعادة فى تقوى الله :

دعوة لكل باحث عن السعادة , أن يطلبها من صاحب الفضل وواهب النعم ,
وقيوم السموات والأرض , وليعلم أن تقوى الله فى أقواله وأفعاله هى وسيلة
السعادة فى الدنيا والآخرة , فتقوى الله وطلب مرضاته مفتاح لكل خير وبر
ففيها الرزق كما فى قوله تعالى :" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من
حيث لايحتسب " سورة الطلاق آيه 2ـ 3ـ
وبالتقوى والتمسك بأومر الله يبتعد الإنسان عن كل شر قال تعالى :" ومن
أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى " سورة
طه آيه 124ـ
ومن ضاقت عليه نفسه وزاده همه فلا نجاة له إلا بالتقوى قال تعالى :" ومن
يتق الله يجعل له من أمره يسرا " سورة الطلاق آيه 4ـ

والتقوى سبيل لتكفير الخطايا والسيئات قال تعالى :" ومن يتق الله يكفر عنه
سيئاته ويُعظم له أجرا " سورة الطلاق آيه 5ـ
وهى الطريق الموصل إلى طلب العلم والتفوق فيه قال تعالى :" واتقوا الله
ويعلمكم الله " سورة البقرة آية 282ـ
والتقوى تستلزم من العبد الإيمان المطلق , بكل ما يقع عليه فى دنياه بأنه من
عند الله تعالى وهو سبحانه هو القادر على تغيره , وقد جمع لنا الإمام على
رضى الله عنه ـ حقيقة التقوى فى كلمات قليلة , ولكنها تحمل لنا معانى عظيمة
لو طبقناها فى حياتنا لكانت لنا السعادة فى العاجل والآجل فقال :" الخوف من
الجليل , والعمل بالتنزيل , والرضا بالقليل , والإستعداد ليوم الرحيل "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

جزاء المتقين :

ـ إن العبد إن اتقى موالاه وحفظه فى دينه ودنياه , حفظه الله تعالى من شر كل ذى شر من يريده بأذى من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى :" ومن يتقى الله يجعل له مخرجا " سورة الطلاق الآية 2 ـ وفى ذلك تقول أم المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها ـ يكفيه غم الدنيا وهمها " وقال الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى ـ أى يجعل له مخرجا من كل ماضاق على الناس " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

خير الدنيا والآخرة :

ـ خير الدنيا والآخرة فى خمس خصال : غنى النفس , وكف الأذى , وكسب الحلال , ولباس التقوى , والثقة بالله على كل حال " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

منزلة التقوى وفضائل المتقين :

يقول الله تعالى :" يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " سورة الحشر الآية 18ـ التقوى من أعظم الفضائل التى دعا إليها الإسلام وهو وصية الله تعالى للأولين والآخرين قال تعالى :" ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم واياكم أن اتقوا الله " سورة النساء الآية 131 ـ والتقوى تعنى الإخلاص واتقان العمل , والثبات على طريق الهداية , بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه يقول النبى صل الله عليه وسلم ـ عندما سئل عن معنى الإحسان وهو من أسمى درجات التقوى وثمراتها قال :" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ولقد جمع الإمام على رضى الله عنه : معنى التقوى وحقيقتها فى كلمات موجزة ولكنها تحمل معانى كثيرة حيث قال :" التقوى هى الخوف من الجليل , والعمل بالتنزيل , والرضا بالقليل , والإستعداد ليوم الرحيل "

ولقد وعد الله تعالى المتقين بالفضل العميم والأجر والثواب ومغفرة الذنوب فقال تعالى :" يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " سورة الأحزاب الآية 70 ـ 71 ـ وفى التمسك بالتقوى الفلاح والنجاح والحفظ والرعاية والعصمة من الأعداء قال تعالى :" وإن تصبروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئا " سورة آل عمران الآية 120 ـ وفى التقوى النجاة من الشدائد وتيسير الرزق الحلال قال تعالى :" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب " سورة الطلاق الآية 2 ـ 3 ـ ومن هنا نعلم أن فى التقوى التمسك بالصفات النبيلة والمواظبة على الأعمال الجليلة , وهى تعصم صاحبها من الإنزلاق فى الشرور , وتجعله بعيدا عن ارتكاب المآثم والمعاصى "
ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

التقوى :

 _التقوى طريق السالكين وصفة المحبين وعندها يستنير القلب فينطق بالحكمة وتستقيم الجوارح فيمسك عن المعاصى وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم " لايزال المؤمن فى فسحة من دينه ما كان له واعظا من نفسه " والمرء يعرف بتقواه فى ثلاث : التوكل على الله فيما لم ينل , وحسن الرضا فيما قد نال , وحسن الصبر عما فات " قال تعالى " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لايحب كل مختال فخور " سورة الحديد موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم