من أخلاق الإسلام عن حقيقة الغضب الأسباب والعلاج .

من أخلاق الإسلام :

عن حقيقة الغضب الأسباب والعلاج :

أولا : عن معنى الغضب :

يقول تعالى :" وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا " سورة الفرقان الآية 20 ـ وعن معنى الغضب يقول الإمام أبى حامد الغزالى رحمه الله تعالى :" الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة مستكنة فى طى الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد وقُوت هذه القوة محلها القلب ومعناه : غليان دم القلب بطلب الإنتقام وحتى لا يشب فى القلب حريق ويضيع تحت أقدام الغاضبين الطريق نحاول أن نأخذ بأيديهم إلى التى هى أقوم بمحاولة كيفية التغلب على هذا الخلق السئ وأسباب علاجه من خلال هدى القرآن العظيم ووصايا النبى الكريم صل الله عليه وسلم وفى الحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أنه صل الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس " إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة " رواه مسلم (1)

وفى مسند أبى يعلى وغيره أنه لما قال رسول الله صل الله عليه وسلم للأشج بن عبد القيس رضى الله عنه :"
إن فيك خصلتين الحديث قال أكان فى أم حدثا ؟ قال بل قديم قال : قلت الحمد لله الذى جبلنى على خلتين يحبهما الله " رواه مسلم من أوائل كتاب الإيمان والترمذى فى سننه وعن عبد الله بن مسعود قال : كأنى أنظر إلى الرسول صل الله عليه وسلم يحكى نبيا من الأنبياء صلوات الله عليه وسلامه " ضربه قومه فأدموه وهو يمسح
الدم عن وجهه وهو يقول " اللهم اغفر لقومى فإنهم لايعلمون " متفق عليه
وكان عمر رضى الله عنه يبكى بعد وفاة النبى صل الله عليه وسلم ويقول : بابى أنت وأمى يا رسول الله ؛ لقد دعا نوح على قومه فقال :" رب لاتذر على الأرض من الكافرين دياراً " سورة نوح الآية 26 ـ " ولو دعوت علينا لهلكنا ولقد وطئ ظهرك وشج وجهك وكسرت رباعيتك فما زدت على أن قلت :" اللهم اغفر لقومى فإنهم لايعلمون " وهكذا كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ داعيا إلى طريق ربه بأخلاقه وأعماله كما كان داعيا بأقواله  ( 2)

نظرة واقعية فى أحوالنا :

هناك نقطة وحيدة إجتمع عليها المسلمون ووحدتهم جميعا , وأنها قد تركزت حول أداء الشعائر العبادية وليست الأخلاق ولذلك فهم يحسنون العبادة ويسئون المعاملة , فالمسلمون جميعا يصلون النوافل التى كان يصلها الرسول صل الله عليه وسلم ـ كما لو كانت صلاة مفروضة , ويصومون كذلك تطوعا كما لو كان مفروضا , وذلك بحكم اتخاذ الرسول صل الله عليه وسلم ـ أسوة لهم فى هذا الجانب وهذا حسن وجميل
ولو أنهم جعلوا من خلقه الرفيع كذلك الإهتمام والحرص من سماحة وصدق واخلاص وكرم وشجاعة هدفا وجمعوا بين الإلتزام بالعبادة وحسن المعاملة وتمسكوا بالأخلاق الفاضلة كذلك لتقدم المسلمون عما هم عليه بمراحل , (3)

ولعل السبب فى التركيز على الشعائر وليس على التعامل أو الأخلاق , هو أن المسلمين نظروا إلى الرسول صل الله عليه وسلم ـ من زاوية السنة وليس من زاوية السيرة , ولهذا كان من السهل أن يصوم الرجل أو يصلى وغير ذلك من العبادات ولكن يصعب عليه أن يملك أعصابه أو يكون مع الصادقين أو من أهل الوفاء بالعهد لأنه لم يضع ذلك فى اعتباره ولهذا حدثت الازدوجية فى الشخصية فأصبحنا لانعرف من الاسلام إلا اسمه ومن الدين إلا رسمه ( 4)

وعلى هذا من أراد أن يعرف الإسلام مفسراً مجسداً على حقيقته الإولى كما نزل من عند الله تعالى فليعرفه من سيرة
رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بوصفها التطبيق العملى الرشيد لروح القرآن ثم سيرة الخلفاء والأصحاب رضوان الله عليهم فى جهادهم المادى والأدبى لإرساء دعائم الإسلام وابلاغ رسالات الله , وعلى هذا عُنى الإسلام بالأخلاق ووصلها بالإيمان , فلا قيمة لأيمان لم يصحبه خلق كريم والعبادات التى شرعت فى الإسلام وجُعلت أركانا له , ثمراتها والغاية من إقامتها الأخلاق الفاضلة والمعاملة الكريمة لخلق الله جميعا , ومن الأخلاق السيئة التى نأخذ فى الحديث عنها خلق الغضب , والمقابل له من السماحة والعفو عن المسئ ..؛ (5)

عن فضل كظم الغيظ :

يقول تعالى :" والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " سورة آل عمران 134 ـ وروى البيهقى فى شعب الإيمان مرسلا بإسناد جيد عنه صل الله عليه وسلم :" أشدكم من غلب نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا عند القدرة "
وأخرج أبو داود وابن أبى الدنيا وابن حبان ـ عنه صل الله عليه وسلم ـ من كظم غيظا ولو شاء أن يمضه لأمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا " وفى رواية : ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا " وأخرج بن ماجة باسناد جيد من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال رسول الله صل عليه وسلم :" ما جرع جرعة أعظم أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى " (6)

ومن مواقفه صل الله عليه وسلم فى مقابلة الحماقة والسفه
بالصبر والحلم كما فى حديث أنس رضى الله عنه أنه قال : كنت أمشى مع رسول الله صل الله عليه وسلم وعليه بُردٌ نجرانى غليظ الحاشية فأدركه أعرابى فَجبذه بردائه جَبذة شديدة فنظرت إلى صفحة النبى صل الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد
من شدة جبذته ثم قال يا محمد " صل الله عليه وسلم " مر لى من مال الله الذى عندك
فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء " متفق عليه وفى رواية : للبيهقى : فإنك لا تحمل من مالك ولا مال أبيك " وذكر القاضى عياض رحمه الله تعالى فى الشفا أنه حمل له على بعير شعير والآخر تمر " وزاد على العفو بالبشر الذى كما قال فيه الشاعر :
بشاشة وجه المرء خير من القِرى ـ فكيف بمن يُعطى القِرى وهو ضاحك ، (6)

إذن فما هو الغضب ؟ وكيف نتفادى هجمته ؟ ثم ما هى أعراضه وأثره وأخطاره ؟
وما هى أسبابه وهل إلى خروج من سبيل ؛؛
وحتى لايفقد الإنسان أغلى ما يملك أعصابه , ليعلم أنه من السهل أن يغضب ولكن من الصعب أن تغضب بالقدر المناسب وفى الوقت المناسب , والإنسان لا يخلوا من غضب والله تعالى يغضب ورسوله صل الله عليه وسلم ـ كان يغضب فأصل الغضب ليس عيبا ولا يعتبر وجوده مرضا , ولكن هناك غضب بالباطل وهناك غضب ظالم , وهناك تسرع فى الغضب وبطئ فى الفئ وكل هذا لايصح , وهناك تصرفات لا يقرها شرع ولا عقل عند الغضب لايصح , ومن المعلوم أنه لايستحق السيادة إلا حليم , وأن الغضب فى غير محله لا تستقيم معه حياة إجتماعية ولا علاقات صحيحة لا يحتاج الإنسان إلى تفكير كثير حتى يدرك مثل هذه الأمور , فغضبة وحده قد تُفسد بين جار وجاره وزوج وزوجته , وبين شريك وشريكه وبين أخ وأخيه ، (7 )

غضبة واحدة قد تفسد جماعة بأسرها فتفرق صفها , أو تعرقل أعمالها وتشل نموها غضبة واحدة قد تفسد علاقة بين دولة ودولة , وقد تؤدى إلى حرب فالغضب قد يخرب ولا يعمر لذلك كان ولا بد وأن الغاضب على نفسه , يكون من أجل صلاح الدنيا والآخرة ولذلك كان رسول الله صل اله عليه وسلم ـ : لا يغضب إلا إذا إنتهكت حرمات الله فلا يقوم لغضبه شئ " وهذا هو المطلوب أن لا يغضب الإنسان إلا من أجل القضاء على المنكر وفى مثل هذا يقول الإمام الشافعى رحمه الله تعالى :" من استغضب فلم يغضب فهو حمار " أى بليد الطبع فاقد الحمية وإلى هذا يشير قوله تعالى " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين " سورة البقرة الآية 251 ـ (

ولذلك كان الغضب على ثلاث درجات الإولى : درجة الإعتدال ومعنى الإعتدال : هو الوسط الذى وصفه الرسول صل الله عليه وسلم حيث قال :" خير الأمور أو سطها " أخرجه البيهقى فى الشعب مرسلا . والإعتدال بأن يغضب ليدفع عن دينه
وعرضه وماله , أو ليدفع عن الحقوق العامة ونصرة المظلوم وتلك الحالة التى من أجلها خُلق الغضب فى الإنسان , وإلا فسدت الأرض وانتشرت الفوضى مما يؤدى إلى الخلل فى النظام الإجتماعى , فمن لايغار للحقوق العامة وانصاف المظلومين فقد خالف مقتضى الطبيعة والجبلة التى فطر الله الناس عليها , والحالة الثانية : وهى درجة التفريط وأن ينحط الغضب عن درجة الإعتدال , فيضعف الإنسان أو يفقد منه رأسا , وفى ذلك خطر على الإجتماع لأنه مثار الفوضى فى جميع مرافق الحياة كما علمت , ( 9)

الدرجة الثالثة : درجة الإفراط وهو أن يخرج الغضب عن حد الإعتدال ويطغى على العقل والدين , ويُقابل الشر بالشر والنار بالنار مما يؤدى للهلاك من حيث لايدرى , وربما جره غضبه لأجل أمر يسير إلى ارتكاب أكبر المنكرات
والجرائم والموبقات ومن المعلوم أن الغضب فى تلك الحالة الثانية والثالثة مذموم
إن الوقاية خير من العلاج " وهو ما قاله عمر رضى الله عنه لما نزل قول الله تعالى :" قل للذين أمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " قال والله لن ترى الغضب فى وجهى أبداً , ولهذا كان من وصايا السلف الصالح ـ لاتعاقب رجلا حين غضبك ولكن احبسه فإن سكن غضبك فعاقبه على قدر ذنبه ولا تتجاوز خمسة عشرة سوطاً " ورحم الله تعالى أبا العتاهية حين قال : ولم أر فى الأعداء حين أختبرهم ـ عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب " ويدخل فى ذلك عند معاقبة الرجل لولده إذا أخطأ لايعاقبه وهو غضبان أو وهو جعان بل عليه أن يهدأ حتى يستطيع نصحه وإرشاده بما ينفعه وليس هذا موضع ذلك ومن أراد أن يعرف عن تربية الأولاد الكيفية والعلاج فلينظر باب من فقه التربية ( 10)

وإذا كانت الشرائع السماوية قد استهدفت الإنسان وما يصلحه , وما يفسده فى دنياه آخرته فيقول تعالى :" إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً " سورة الإسراء الآية 9 ـ
إن القرآن الكريم منهج حياة يهدى الإنسان إلى أقوم السبل , التى تقيه مغبة التردى فى مهاوى الضلال وأسباب الهلكة وآلام الشقاء والحرمان , وهكذا يأتى هدى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ محذراً من أخطر أعداء الإنسان الذى يطمس معالم المنهج والخير فى دخيلة الإنسان ويُغشى على فطرته الطاهرة , فلا يرى إلى الطريق السوى فى حياته سبيلا , ويظل يتخبط فى الظلمات كالذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران , ( 11)

ويضيق صدره بكل ما فى الحياة من خير كأنما يصعد فى السماء
فيصبح كالوحش فى سلوكه , لا يرجوا لله وقاراً ولايعرف لمخلوق قدراً ولا لحقوقه
فى الحياة من قيمة وفى ذلك يقول الله تعالى :" إذ جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها " سورة الفتح الآية 26 ـ يقول تعالى :" قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم " سورة المائدة الآية 16 ـ وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم ـ كما فى حديث أبو داود والترمذى حين يقول :" إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " والنواجز " الأنياب والأضراس " ( 12)

ولما كان أمر المسلم فى جميع أقواله أحواله إشاعة الأمن والسلام فى المجتمع وكان شعاره الذى يتميز به بين الناس توثيق عرى المودة والمحبة
فى جميع تصرفاته ـ أقواله , أفعاله , معاملاته لذا كان من أبرز صفات المسلم فى حياته الحلم وكظم الغيظ والعفو عن المسئ كما فى حديث حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبى صل الله عليه وسلم :قال قال رجل : يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أوصنى ؟ قال : لا تغضب يكرر مراراً قال : ففكرت حين قال : النبى صل الله عليه وسلم ـ ما قال : فإذا الغضب يجمع الشر كله " ( 13)

لأن الإنسان إذا غضب لايبالى بما يرتكب من الحمقات والمخالفات والمنكرات ولهذا كان البطل الحقيقى كما عرفه حديث ابن مسعود رضى الله عنه أن الرسول صل الله عليه وسلم قال : ما تعدون الصُرعة فيكم ـ قلنا الذى لاتصرعه الرجال , قال : ليس ذلك ولكن الذى يملك نفسه عند الغضب " رواه مسلم وفى رواية : ليس الشديد من غلب الناس إنما الشديد من غلب نفسه " وغلب نفسه أى قهرها وكسر شهواتها للإنتقام وتنفيذ الغضب وفى
الحديث إرشاد وبيان إلى المفهوم الخاطئ الذى تتبين به أقدار الرجال إنما يكون فى القوة المادية , التى بها يستطيع المرء أن يقهر خصومه ويتغلب عليهم , ولقد كان هذا المفهوم سائداً بين العرب فى جاهليتهم وبه المعيار الذى يخفض ويرفع وتسموا به المنزلة , ويحتل به الإنسان من القلوب كل التقدير والإحترام ـ ( 14 )

عن علاج الغضب :

لما جاء الإسلام اقتلع جذور هذه الرذيلة الممقوتة التى بها قد ينسلخ من آدميته " ولهذا كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يشجع الإنتصار على النفس والتغلب عليها فيقول عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" ثلاث من كن فيه أواه الله فى كنفه " أى ضمه إلى حضرته , وحماه بحمايته , وأحاله برعايته والكنف الجانب ـ وستر عليه برحمته وأدخله فى محبته أو أدخله جنته ـ :" من أعطى شكر ـ وإذا قدر غفر ـ وإذا غضب فتر ـ أى انكسرت حدته " وأيضا عن محمد بن كعب القرضى رضى الله عنه :حديث :" ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان :" من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق , ومن إذا رضى لم يخرجه رضاه إلى الظلم والباطل , ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له " ( 15 )

ومن أجل ذلك كان العقلاء يحملون مفاتيح القلوب والتى تتلخص فى الإبتسامة التى لا تكلفهم إلا تحريك ثلاث عشرة عضلة فى الوجه بدل المعاناة " بتحريك أربع وسبعين عضلة ساعة الغضب وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم حين قال :" تبسمك فى وجه أخيك صدقة " ومما يروى أن أبا الدرداء رضى الله عنه :" إذا حدث صديقا له تبسم فقالت له زوجته ألا تخاف أن يظنك الناس أحمق ؟ وقد كان جوابه : أننى أفعل ذلك تأسيا برسول الله صل الله عليه وسلم ـ وقد وجدا مكتوبا على قائمة سيفه صل الله عليه وسلم :" اعف عمن ظلمك , وصل من قطعك , وأحسن إلى من أساء إليك , وقل الحق ولو على نفسك " ( 16 )

إن اقتلاع جذور الغضب أمر بعيد المنال لو تصور لبشر لتصور لرسول الله صل الله عليه وسلم كما فى الحديث الذى رواه مسلم كان رسول الله صل الله عليه وسلم :" يغضب حتى تحمر وجنتاه حتى أنه قال " اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته أو لعنته أو ضربته فاجعلها منى صلاة عليه وزكاة وقربة إليك يوم القيامة " ويبين هذا الحديث كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما يا رسول الله صل الله عليه وسلم :" أكتب عنك كل ماقلت فى الغضب والرضا فقال : اكتب فو الذى بعثنى بالحق نبيا وما يخرج منه إلا حقا وأشار إلى لسانه " أخرجه أبو داود بنحوه فالرسول صل الله عليه وسلم لم يقل إنى لا أغضب ولكن قال : إن الغضب لا يخرجنى عن الحق " قلت وبذلك يتبن لنا من كلامه فى الحديث السابق من سب ولعن الغير إنما هو من باب المجاز لا الحقيقة والتواضع واعترافه بالتقصير فى حق ربه عز وجل فكيف يسب أو يلعن أحداً حقيقة وهو لم يخرج عن الحق أبداً كما أفاد الحديث  ( 17 )

وقوله صل الله عليه وسلم :" من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤس الخلائق ويخير عن أى الحور شاء " رواه أبو داود والترمذى وغيرهما وقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه :" من اتقى الله لم يشف غيظه , ومن خاف الله لم يفعل ما يريد , ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون " رواه ابن أبى الدنيا هذا هو العلاج العلمى والأدبى والإنسان مخير بين أن يكون كالحمقى وبين أن يتشبه بأهل الصلاح والفضل من الأنبياء والعلماء فى أعمالهم وأحوالهم وعادتهم , وأما العملى فيقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " هكذا أمر رسول الله صل الله عليه وسلم عند الغضب " متفق عليه فإن لم يزل بذلك فليجلس إن كان قائما ,
ويضطجع إن كان جالسا كما قال صل الله عليه وسلم " إن الغضب جمرة توقد فى القلب , ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه , فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئا فإن كان قائما فليجلس وإن كان جالسا فليتم " رواه الترمذى ـ والأوداج عروق العنق ـ فإن لم يسكن غضبه فليتوضا أو يغتسل " ( 18 )

قال صل الله عليه وسلم :" إذا غضب أحدكم فليتوضأ " رواه أبو داود والمقصود من هذا التنقل من حالة إلى حالة ليتفكر الإنسان فى قبح الغضب وجمال الحلم , لأنه عندما يصرفه نظره وعقله إلى هذا العلاج سكن غضبه وانصرف عنه الشيطان  " وروى أن أبا ذر رضى الله عنه قال : لرجل يابن الحمراء ـ فى خصومة بينهما فبلغ ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم ـ فقال : يا أبا ذر بلغنى أنك اليوم عيرت أخاك بأمه فقال : نعم " فانطلق أبو ذر رضى الله عنه يرضى صاحبه , فسبقه الرجل فسلم عليه فذك ذلك للنبى صل الله عليه وسلم فقال : يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر ثم اعلم أنك لست بأفضل من أحمر فيها ولا أسود إلا أن تفضله بعمل , ثم قال : إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد , وإن كنت قاعدا فاتكئ , وإن كنت متكئا فا ضطجع " رواه ابن أبى الدنيا باسناد صحيح ( 19)

خطر سوء الغضب الأسباب والعلاج :

عن حقيقة الغضب ومعناه : الغضب هو نفخة من نفخات الشيطان الرجيم نعوذ بالله منه ـ إذا سيطر على صاحبه ، فإنه يفقده اتزانه ، فيقول ويعمل ما يوبق ويؤذي وما يفسد آخرته ودنياه ، وكم من عاقل فقد عقله حال غضبه فأرداه الشيطان في داهية ، وألقاه في هاوية وكم من رجل غضب في لحظة شيطانية ، فتكلم بما يوجب له النار ، وكان الغضب سبب تلك الخطايا والأوزار وكم من رجل حليم ، غضب فظلم ، وسخط فحرم ، وتكلم فندم وكم من زوج محبٍ لزوجته ، ملكت عليه لُبَّه ، وتمكنت من قلبه ، فوقعت فيما يسخطه ، فغضب منها غضبة أوقعته فيما كان يحذر ، فمدَّ يده عليها بغير حق ، وتكلم عليها بباطل ، وربما طلَّقها بغير جرم ، فندم يوم لا ينفعه الندم ، فخرجت من بيته وهو لها محب ، وفرَّق بينهما الغضب ,وكم من والد غضب من ولده ، فضربه ضرباً مبرحاً ، حتى أعطبه أو أرداه قتيلا كما نسمع اليوم ، أوأوقع به من عاهة في بدنه ، ما جعل الوالد الحزين يندم على ذلك مدى عمره ،

، ولو تأمل بعقله لوجد أن السبب لا يستحق هذا الغضب , وكم من رجل عاقل تعرض له بالأذى أو الخطأ رجل آخر ، فنفخ الشيطان في قفاه ، فتقاتلا كالأعداء ، فقتله أو جرحه ، فكانت السجون من بعد بيته موطن سكنه وحزنه ، أو كان السيف الأبتر الذي دُقَّت به عنقه ثمرة من ثمرات الغضب وكم من مواقف حزينة ، وكلمات مشينة ، وكربات جسيمة ، ونكبات عظيمة ، كان الغضب سبباً فيها ، وقائداً إليها ، وربما تعرض المرء للحظة غضب أردته في الدنيا قبل الآخرة ، وعرضته لمساخط الله وحلول عقابه عليه ، وعلى العاقل أن يسأل :عن الأسباب والعلاج وكيف يتخلص ويبتعد عن هذا الداء العُضال ؟

ومنها كما سبق البيان عنه عليك أن تعلم أن الغضب إنما هو نفخة من نفخات الشيطان على الإنسان ، فلتحذر من عدوك ، فإنه يريدك أن تغضب ليتكلم على لسانك ، ويبطش بيدك ، ويسحق بقدمك .فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه ـ قال : كنت جالساً مع النبي صل الله عليه وسلم ـ ورجلان يستبان ، فأحدهما احمرَّ وجهه ، وانتفخت أوداجه ، فقال النبي صل الله عليه وسلم :" إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان . ذهب عنه ما يجد " . فقالوا : إن النبي صل الله عليه وسلم ـ قال : " تعوذ بالله من الشيطان " فقال : وهل بي جنون ؟ " صحيح البخاري .هل رأيت ماذا قال ؟ ! جربها أنت مع من تراه يخاصم ويهاجم ، وقل له : استعذ بالله من الشيطان ، فهل تراه يقولها من أول وهلة ؟ جرِّب لتعرف الجواب .

ومنها أن تدرك الأجور العظيمة التي أعدها الله تعالى لمن كتم غيظه وكف غضبه ، ولو شاء لأنفذه ، ولكنه تركه لله تعالى .فعن معاذ بن أنس رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله عليه وسلم :" من كظمَ غيظاً وهو يستطيعُ أن ينفِذَه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ، حتى يُخيره في أي الحور شاء " صحيح سنن الترمذي وصحيح سنن أبي داود .وعن ابن عمر رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" ما من جُرعةٍ أعظم أجراً عند الله من جُرعة غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله " صحيح سنن ابن ماجه .وعن ابن عمر رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" ... ومن كفَّ غضبه ، ستر الله عورته ، ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ..." رواه الطبراني في الكبير ،صححه الشيخ الألباني ,

, ومنها أن تفارق المكان الذي غضبت فيه إلى حين ، فيخسأ الشيطان ، ويعود إليك الاتزان ، فإذا غضبت من زوجتك فلا تقعد معها في البيت بل اخرج من المنزل لبضع ساعات ، لتعود إليه وقد ذهب غضبك ، وأمعنت الفكر في المشكلة التي وقع عليها الخلاف ومن أجلها الشجار ، وكذلك الحال
عندما يحدث بينك وبين غيرك شجار أو عراك أو خصومة ، اخرج ؛ لتنجُو .فعن سهل بن سعد رضي الله عنه ـ قال : جاء رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بيتَ فاطمةَ رضي الله عنها ـ فلم يجد علياً رضي الله عنه ـ في البيت ، فقال :" أين ابنُ عمِّكِ ؟ " فقالت : كان بيني وبينَهُ شيءٌ ، فغاضبني ، فخرج فلم يَقِل عندي ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لإنسانٍ :" انظُر أين هُو ؟ " فجاء ، فقال : يا رسول الله ! هو في المسجد راقدٌ ، فجاء رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وهو مُضطجعٌ ، قد سقطَ رداؤُهُ عن شِقِّه . فأصابَهُ تُرابٌ ، فجعلَ رسولُ الله صل الله عليه وسلم ـ يمسَحُهُ عنهُ ، ويقولُ :" قُم أبا التُّرابِ ! قُم أبا التُّرابِ " صحيح مسلم .