ومن أخلاق الإسلام الشجاعة فى مواجهة المواقف :

ومن أخلاق الإسلام الشجاعة فى مواجهة المواقف :

مما يجب علينا علمه أن سنن الحياة لاتقوم على الخير وحده , بل لابد وأن يكون الخير وبجانبه الشر , وهذه هى طبيعة الحياة أن الشر جندى من جنود الخير , وهذه هى حكمة الله فى الخلق , فمنذ أن خلق الله تعالى آدم وزوجه حواء عليهما السلام ـ وقد أمر الله تعالى الملائكة أن تسجد له , فسجدوا كلهم إلا إبليس , فإنه أبى وإستكبر ولم يسجد , ومن ذلك اليوم وقد وجد الشر فى الحياة .
ولقد أضل الشيطان لعنه الله " أدم وحواء معا " فى إغرائهما وكان سببا فى خروجهما من الجنة إلى الأرض , ومن ثم بدأت المعركة الحقيقة للحياة بين الخير والشر .

والله سبحانه وتعالى يدعونا إلى الخير ليُقضى على الشر , وأن نتمسك بالحق ليعلوا على الباطل , وذلك من خلال الوحى الذى جاءت به رسلة تترا فى كل أمة من قبلنا وكان خاتمهم سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ـ الذى أرسله ربه رحمة للعالمين
وفى الناحية الأخرى نجد الشيطان حريص على أن يوقعنا فى الشر من خلال وساوسه وتزين المعاصى والسيئات لنا , ومن هنا كان الناس يعيشون فى الحياة فريقان : فريقا هدى وهم جماعة الخير , التى تتبع هدى الله , وتحرص على الدعوة إلى الأمر بالمعروف , والنهى عن المنكر .

وفريقا حق عليهم الضلالة , وهم عصابات الشر التى تتبع طريق الشيطان , وتدعوا الناس إلى الضلال والباطل , وتزين لهم طريق المعاصى والآثام .
والمسلمون مطالبون بأن يقاوموا , ويقاوموا بكل شجاعة .
ـ نقاوم أنفسنا ونجاهدها وننتصر عليها حتى لاتسير فى طريق شهواتها ورغباتها وأهوائها ـ ونقاوم فى أنفسنا كذلك وسوسة الشيطان لنا بالشر , لفعل المعاصى والآثام
ـ وكذلك نقاوم إعتداء غيرنا علينا , بكل شجاعة وقوة , حتى نحافظ على شرفنا وأعراضنا , وحرياتنا وكرامتنا , وعلى كل سائر حقوقنا .
وكل هذا وذاك يتطلب منا تنمية ومعنوية , يجتمع فيها الشجاعة والقوة , قوة فى الجسم , وقوة فى الإستعداد , وقوة فى إبدأ الرأى .

ومما يجب علينا أن نعلمه أن بقاء حريتنا مرتبط بقدرتنا على الدفاع عنها ضد أعدائها , وأن بقاء أوطاننا عزيزة حرة بعيدة عن ذل الإستعمار ورجسه , منوط بقدرتنا على الدفاع عن هذه الأوطان .
وان نعلم أن الدفاع عن هذه الأوطان والإستشهاد فى سبيلها , من الأمور التى دعا إليه الإسلام وحبب إلى التقرب إلى الله تعالى بها قال تعالى :" ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحيء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله " سورة آل عمران الأية 169 ـ 170 ـ فالشهيد جزاؤه الجنة ـ ويدخل فى باب الشهادة فى سبيل الله تعالى : كل من مات دفاعا عن عرضه وشرفه , أو عن ماله ودياره , أو عن حريته وحرية بلاده وفى ذلك قوله صل الله عليه وسلم :" من قتل دون ماله فهو شهيد , ومن قتل دون عرضه فهو شهيد " وعرض الإنسان هو شرفه وشرف أسرته .

الثبات بين الإستعداد المادى والمعنوى :

ـ لابد لكل من اتصف بخلق الشجاعة أن يكون له قدرة على مواجهة الشدائد , وتحمل المواقف الصعبة و " الثقة " فيما عند الله مع الأخذ بالأسباب وأن الشدة مهما عظمت فإن الله تعالى قادر على إزالتها , وهذا يتطلب من المسلم التمسك بخلق الصبر وكما يقول صل الله عليه وسلم ـ الصبر نصف الإيمان "
ـ كما تتطلب الشجاعة أيضا " الإيمان بالقضاء والقدر " أى أن المسلم يجب عليه أن يؤمن بأن ما كتبه الله علينا حق لابد وأن يحدث , وعلينا أن نتقبله بحلوه ومره , لأن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان الستة .

ـ وكذلك يحرص الإسلام إلى جانب خلق الشجاعة " حسن الإستعداد الجسمى والحربى " مثل التدريبات العسكرية , أى تعلم الرياضة وكيفية الدفاع عن النفس ,
والقدرة على مقاتلة العدو , ومصارعته والتغلب عليه , وإعداد المعدات والمركبات الحربية لمحاربته وفى ذلك يقول تعالى :" وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " سورة الأنفال الأية 60 ـ
ويقول النبى صل الله عليه وسلم :" المؤمن القوى خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفى كل خير " وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول :" علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل "

نماذج فى حياة الرسول صل الله عليه وسلم : ـ

ولقد ضرب لنا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أروع الأمثلة فى الشجاعة , وفى القدرة على مواجهة المواقف الصعبة .
ففى غزوة " حنين " حينما اغتر المسلمون بقوتهم وكثرة عددهم , وقالوا :" لن نغلب اليوم من قلة " ونسوا معونة الله لهم , فى هذه الغزوة انهزم المسلمون أمام الكفار فى بداية المعركة , وفروا من أرض المعركة هاربين .
ولكن النبى صل الله عليه وسلم ـ ومن معه من صادقى الإيمان بالله تعالى , قفوا بكل شجاعة , وثبتوا فى أماكنهم , ونادى النبى صل الله عليه وسلم ـ على الفارين قائلا : إلىَّ عباد الله " أنا النبى لاكذب , أنا ابن عبد المطلب " فعاد إليه الجميع مرة أخرى , وقاتلوا قتال الأبطال , حتى انهزم المشركون أمام قوتهم وشجاعتهم , وأتم الله تعالى نصره على المسلمين , وإعلاء كلمة الإسلام , قال تعالى :" ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين , ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين " سورة التوبة الأية 25 ـ 26 ـ

من مواقف الشجاعة فى حياة السلف الصالح :

ومن هذه الصور وتلك البطولات التى تدل على مدى " إبداء الرأى " بكل شجاعة وكيف اتسع قلب عمر بن الخطاب , وهو خليفة المسلمين وهو يسمع للرأى الآخر "
ومن ذلك ما حدث فى أيام خلافة " عمر رضى الله عنه ـ أن اصاب الناس فى جزيرة العرب قحط شديد فى أحد الأعوام , لقلة نزول المطر فى هذا العام , فأخذ عمر بن الخطاب يرسل إلى الأقاليم يطلب من أهلها مساعدة أهل الجزيرة العربية , فكانوا يرسلون له الأطعمة والأموال والملابس , فيوزعها على أهل الجزيرة العربية بكل عدالة , وقد وزع , عمر رضى الله عنه ـ الأقمشة , فأعطى كل واحد ثلاثة أمتار
ليصنعها ثوبا له .

وبينما " عمر رضى الله عنه ـ يخطب فى الناس ذات مرة , ويقول :
" أيها الناس , اسمعوا وأطيعوا " وقف رجل من الأعراب وقال :
لا سمع ولا طاعة لك علينا ياعمر " فقال له الخليفة : ولم يارجل ؟
قال الرجل : لأنك ميزت نفسك علينا , فأعطيت كل واحد منا ثلاثة
أمتار وأخذت لنفسك أكثر , فسكت عمر قليلا , ثم قال للرجل : وكيف
عرفت هذا ؟ قال الرجل : لأن جسمك أكبر جدا من جسمنا , فكيف صنعت
ثوبك الذى تلبسه الآن من الأمتار الثلاثة ؟

فنظر عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله , وقال : ليتكلم الآن عبد الله بن عمر
فقام عبد الله بن عمر , وقال : إن أبى أخذ مثل ما أخذتم من القماش , ولكنى
رأيت أن الأمتار الثلاثة لاتكفى أبى , لضخامة جسمه , وأن ثوبه سوف يكون قصيراً
, فتنازلت له عن قماشى .
حينئذ قال الأعرابى : الآن , نسمع ونطيع يا أمير المؤمنين .
فانظر إلى موقف المحكوم وشجاعته فى إبدأ رأيه , وشجاعة الحاكم
وسيطرته على نفسه , وسعة صدره فى سماع المحكوم ؟

وهكذا نجد المسلمون الأوائل ومواقفهم فى ضرب أروع الأمثلة فى
البطولة والشجاعة , فى الدفاع عن دينهم , وعن أوطانهم , وأعراضهم
وعن أنفسهم وعن أموالهم وغير ذلك .  
لقد كانوا رضوان الله عليهم أمثلة عليا تحتذى , ويقتدى بهم فى شجاعتهم
وقوتهم . حقا إن الشجاعة فى مواجهة المواقف من أبرز الصفات التى ينبغى
أن يتحلى بها المسلمون فى الدفاع عن دينهم وأوطانهم , والتى ينبغى أن نتمسك
بها على مر الأيام . . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى  ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم