الإسلام يدعوا الى الإعتدال وعدم المغالاة

الإسلام يدعوا الى الاعتدال وعدم المغالاة :

روى البخاري والترمذي عن أبي حذيفة قال : قال سلمان رضى الله عنه لأبى الدرداء رضى الله عنه "إن لربك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه وذكر ذلك لرسول الله صل  الله عليه وسلم فقال " صدق سلمان" وهذا الحديث من السنن التقريرية
إن السنة هى التفسير العملي للقرآن والتطبيق العملي والواقعي والمثالي للإسلام فقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم الإسلام مفسرا والقرآن مجسما فى أقواله وأفعاله وجميع أحواله وقد أدركت هذا المعنى أم المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها بفقهها وبصيرتها ومعايشتها لرسول الله صل الله عليه وسلم فعبرت عن ذلك بعبارة مشرقة بليغة حين سئلت عن خلق رسول الله صل  الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن رواه مسلم وأبو داود والنسائي فالقرآن والسنة يكملان بعضهما بعضا ويكونا معا المنهج الإسلامي
ومن أراد أن يعرف المنهج العملي للإسلام بخصائصه وأركانه فليعرفه مفصلا مجسدا فى السنة النبوية القولية والعملية والتقريرية ومنهج القرآن والسنة يتميز بالشمول لحياة الإنسان كلها بحيث تسير الهداية النبوية فى البيت وفى السوق وفى المسجد وفى الطريق وفى العمل وفى العلاقة مع الله والعلاقة مع النفس والعلاقة مع الأسرة والعلاقة مع الآخرين مسلمين وغير مسلمين بل فى معاملة الإنسان للحيوان والجماد "
ومنهج القرآن والسنة منهج متوازن لأنه يوازن بين الروح والجسم بين العقل والقلب بين الدنيا والدين بين المثال والواقع بين النظر والعمل بين الغيب والشهادة بين الحرية والمسؤولية بين الفردية والجماعية بين الإتباع والابتداع "وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم                                                       صفحة(1 )

منهج وسط لأمة وسط :

ولهذا كان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا لمح من بعض أصحابه جنوحا الى الإفراط أو التفريط ردهم بقوة الى الوسط وحذرهم من مغبة الغلو والتقصير
وذلك عندما رأى من مبالغة عبد الله ابن عمرو فى الصيام والقيام والتلاوة ورده الى الاعتدال قائلا " إن لبدنك عليك حقا ( أي فى الراحة) ولعينك عليك حقا ( أي فى النوم ) ولأهلك عليك حقا ( أي فى الإمتاع والمؤانسة ) ولزورك عليك حقا (أي فى الإكرام والمشاركة ) يعني فأعط كل ذي حق حقه " روا البخاري
منهج ميسر
ومن خصائص منهج القرآن والسنة أنه يتميز بالسهولة واليسر والسماحة فمن أوصاف هذا النبى الكريم صل الله عليه وسلم فى كتب الأولين من التوراة والإنجيل أنه "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم"سورة الأعراف
فلا يوجد فى سنة رسول الله صل الله عليه وسلم ما يحرج الناس فى دينهم أو يرهقهم فى ديناهم بل هو يقول عن نفسه"إنما أنا رحمة مهداة"حديث صحيح على شرط الشيخين"وما أرسلناك الا رحمة للعالمين"الأنبياء  
وقال عليه الصلاة والسلام " إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا " رواه مسام وحين بعث أبا موسى ومعاذا الى اليمن ليفقها أهلها أوصاهما بوصية موجزة جامعة " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا " متفق عليه ويقول معلما لأمته " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا متفق عليه من حديث أنس ويقول عن رسالته :" إنى بعثت بحنفية سمحة " من حديث أبى أْمامة عند الطبراني وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني  
ومن حديث عائشة رضى الله تعالي عنها فى قصة لعب الحبشة فى المسجد وفيه " ليعلم يهود أن فى ديننا فسحة إنى بعثت بالحنيفة السمحة "
ومن حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنه عند الإمام أحمد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم " أي الأديان أحب الى الله قال : الحنفية السمحة رواه أحمد والطبراني وعلقه البخاري "وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  "  صفحة (2 )

شرح حديث أبى الدرداء (إن لربك عليك حقا......الخ انظر صفحة (ا ):

والحديث يبن لنا أن لكل إنسان علاقات بغيره وهذه العلاقات توجب عليه علاقات متعددة :

وقد ذكر الحديث ثلاثة منها وطلب من المسلم أن يوازن بينها عند العمل بها ويؤديها فى اعتدال .

أولا _ إن لربك عليك حقا :_ وحق الله تعالى واجب الوجود أن نؤمن به إيمانا صادقا وتنزهه عن كل نقص ويخلص له الدين والعبادة ويطيعه فى كل ما أمر به ويجتنب كل ما نهى عنه بدافع من خشيته وتقدير نعمائه قال تعالى " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " سورة إبراهيم
ثانيا_ حق النفس : أن تكرمها بالتعليم والتثقيف وأن توفر لها حاجاتها من المطعم والمشرب والملابس والمسكن وأن ترعاها من الناحية الصحية وتتسامى بها عن الرذائل والشهوات المدمرة وأن تعطيها حقها وحظها من الراحة وأن تمتعها بالطيبات التى أحلها الله وأن تشبع ميولها الخيرة فى حدود ما أحل الله وألا تقتلها بالمغالاة فى العبادة
كما بين لنا الحديث قال صل الله عليه وسلم " إن الرفق لا يكون فى شئ الا زانه " وقال " عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم                                    صفحة (3 )

حق الأهل :

ومن حق أسرة المرء عليه أن يحترم زوجته وألا يعرضها لشيء فيه مهانة _ وأن يكفل لها حياة كريمة فى مأكلها وملبسها ومشربها بالقدر الملائم لمكانتها الاجتماعية _ ومن حق أولاده أن يعلمهم ويساعد على تربيتهم تربية صحيحة دينية وجسمية وعقلية وأن يهىء لهم مطالبهم بما يتسع لها ماله قال تعالى " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " وأن يخصص لهم جزء من وقته ويسعدهم به ويوجههم فيه  
ومن حق سائر أهله عليه أن يحترم الكبير ويوقره ويحنوا على الصغير ويعطف عليه ويعمل على حل المشكلات التى تعترضهم ويقدم لهم من فكره وجهده وماله ما ينفس عنهم كرباتهم وذلك فى حدود طاقته وإمكاناته قال تعالى " وآت ذا القربى حقه "
وبذلك نرى أن الإسلام فى تكاليفه دين يرعى النفس والطاقة البشرية وأنه دين السماحة واليسر ولا يجنح الى الغلو ولا يميل الى التفريط وهو دين روح ومادة فهو يطالب بحق الله الى جانب حقوق الحياة وأنه يبدأ بالنفس قبل الأهل مسايرة للفطرة وهو بذلك يجعل الفرد عضوا صالحا فى جسم أمته قادرا على العطاء فى غير إرهاق ولا اثقال "وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم                                                       صفحة(4 )

واجب المسلمين نحو السنة :

عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فأنتم أهلك  الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم " رواه البخاري ومسلم.
وقال تعالي " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب".
ما جاء به الرسول صل الله عليه وسلم وجب علينا قبوله وأداؤه وما خذرنا منه وجب علينا تركة ويستفاد من الآية أن ما شرع الرسول لنا هو تشريع الله نفسه إلا أن الفرق بين الأوامر والنواهي- أن الأوامر الشرعية يؤديها المسلم حسب استطاعته دون إهمال أو خرج – أما النواهي الشرعية فيجب تركها دون اسثناء أو اعتذار بعدم الاستطاعة.
لأن الأوامر فعل ايجابي يخضع لاستطاعته المسلم وأما النواهي فهي أمر سلبي من السهل تركه كله.
ومن الأوامر التي تأتي في حدود الاستطاعة بــــ
مثلا فرض الله على من يريد الصلاة أن يتطهر وأن يؤديها بالقيام مستقبلاَ القبلة بشروط صحتها المعروفة ولكن من عجز عن الطهارة لمرضه أو لفقد الماء فعليه أن يتيمم بدل الوضوء أو الغسل وإذا عجز عن معرفة القبلة اجتهد وصلي ولا إعادة علية ومن عجز عن التيمم صلي فاقد الطهورين وصلاته صحيحة ومن عجز عن القيام في القراءة أو عجز عن الركوع أو السجود لمرضي يصلي حسب الاستطاعة والله يتقبل منه- والمرأة الحامل اذا عجزت عن السجود فلها أن تؤدي برأسها حسب استطاعتها ومن حديث عمران. "وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  "
                                                 صفحة (5)

( الإسلام يدعوا إلى الاعتدال وعدم المغالاة )
:
_ من حديث عمران بن حصين كان مريضا بالنزيف (يعنى البواسير ) فسأل النبى صل الله عليه وسلم كيف يصلى ؟ فقال له يا عمرن ,صلى قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فمستلقيا فإن لم تستطع فموميا
( يعنى محركا الرأس يجعل سجوده أخفض من ركوعه ) قال تعالى " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " سورة البقرة والصلاة هى العبادة الوحيدة التى لاتسقط عن أحدا أبدا مادام العقل ثابتا والقلب حاضر انظر كتابنا أحكام صلاة المريض على هذا المنتدى باب الصلاة وبر الوالدين
وأما المنهيات فقوله تعالى " ولا تقربوا الزنا " وقوله " لاتأكلوا الربا "
فيجب ترك الزنا بكل أنواعه ومقدماته _ من لمس و قبلة وغير ذلك مما حرم الله
يقول الرسول صل الله عليه وسلم مصداقا لهذا " العينان تزنيان وزناهما النظر والأذن تزني وزناها الاستماع  واليد تزني وزناها اللمس والقلب يزنى وزناه التمني والفم يزنى وزناه القبلة والرجل تزني وزناها السعي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه "
الحديث متفق عليه
فلا يصح لمسلم بعد نهى الله وتحذيره نبيه صل الله عليه وسلم أن يقول أنني لاأستطيع التخلي عن النظر أو اللمس أو القبلة فهذا حرام كله قولا واحدا كما لا يصح أن يقول سأتعاطي من الربا الشئ القليل أو من الظلم الشئ اليسير فكل هذا ممنوع ويغفر الله تعالى الصغائر والكبائر بالتوبة وعدم الإصرار عليها وعمل الحسنات قال تعالى " إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين " سورة هود
وعلى المسلم أن يعلم أن من شروط التوبة المقبولة _:
1_ الندم على ما مضى _2_ العزم على أن لا يعود إلى الذنب
3_ الإقلاع عن الذنب _ 4 _ التحلل من المظالم ورد الحقوق الى أصحابها إن استطاع والإستغفار لهم كثيرا " وصل الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
                             صفحة ( 6 )

خير الأمور الوسط :

جاء الإسلام بمنهج يدعوا إلى الوسط ويقوم على الوسطية , ولقد مدح الله تعالى التوسط فى مواضع كثيرة من كتابه العزيز مثل قوله تعالى " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " سورة الفرقان الآية 67_ وقال أيضا _ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " سورة الإسراء الآية 29_ فقدحث الإسلا على الإقتصاد فى النفقة فلا يكون الإنسان مبذرا ولا يكون بخيلا , فإن من يبخل بماله على نفسه وأهله , تكلم الناس عنه بالمذلة والكراهة لأنه لاخير فيه لأهله والناس , وإذا بذر الإنسان وأسرف فسيضيع ماله , ويصبح فقيرا ويترك أهله فقراء عالة يتكففون الناس والرسول صل الله عليه وسلم يقول : ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ) ولذلك مدح الله عباده الذين أخذوا بالحكمة وإقتصدوا فى إنفاقهم وأصبح ذلك عادة من عادتهم فقال تعالى " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " سورة الفرقان الآية 67_ وكل إنسان على نفسه بصيرة , وقد وهبه الله تعالى عقلا ليتدبر أموره ويعرف ما ينفعه وما يضره وفى الحكمة" ما عال من اقتصد" وما يقال فى اقتصاد الفرد ينطبق على اقتصاد الأمم ويكمل هذا الموضوع والله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالإنتاج والعمل حتى نعمل على توفير احتياجتنا ولانكون عالة على غيرنا " صفحة 7_
              وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

معنى الوسطية :

وقد وصفت أمة الإسلام بأنها أمة وسط قال تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيد " سورة البقرة
وقد ذم الله تعالى التطرف , والإنحراف والخروج عن الجادة وصور غير المتمكن من دينه بصورة من هو على حرف إذ يقول : ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير إطمئن به وإن أصابته فتنة إنقلب على وجه خسر الدنيا والآخرة " سورة الحج الآية 11_ أى على غير تمكن , فهو على طرف من دينه غير متمكن منه
كما صور المتمكن المستقيم بصورة من هو على صراط سوى لا عوج فيه ولا أمت ووصف دينه وشريعته بين غيرها بأنها هى هذا الصراط السوى إذ يقول سبحانه " وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " سورة الأنعام الآية 153_ بل وصف نفسه جل جلاله , بأنه على صراط مستقيم فقال سبحانه " إن ربى على صراط مستقيم "
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى فى تفسيره " ير الأمور أوسطها " كل خصلة محمودة فلها طرفان مذمومان فإن السخاء وسط بين البخل والتبذير , والضجاعة وسط بين البخل والتهور , والإنسان مأمور أن يجتنب كل وصف مذموم , وتجنبه يكون بالتعرى منه , والبعد عنه فكلما إذداد من بعدا ازداد من الوسط قربا وأبعد الجهات والمقادير والمعانى من كل طرفين وسطهما وهو غاية البعد منهما , فإذا كان الوسط فقد بعد عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان ,
ويقول الإمام على رضى الله عته _ " خير الناس هذا النمط الأوسط , يلحق بهم التالى ويرجع إليهم الغالى "
          وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (