الإسلام يدعوا الى تهذيب النفس وتقويمها

الإسلام يدعو الى تهذيب النفس الإنسانية وتقويمها :


حصانة الفكر واستقلاله:


قال تعالى " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير" سورة لقمان وقال تعالى " وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون " سورة المائدة
إن من أهم الملامح الواضحة في حياة المجتمع المسلم والشعب المسلم أنه يعتنق الحق ويسير على ضوئه ويعمل في دائرته دون أن يكون هناك أي تأثير خارجي عليه لأنه يؤمن بان جزؤه منوط ٌ بعمله فإحسانه لنفسه وإساءته لها.
ولقد غرس الإسلام في نفوس الأفراد والجماعات أصول الحق ليتبعوها " إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها".سورة الإسراء
ولقد أنار القرآن الكريم الطريق أمام المسلم مبينا له أنه وحده الذي ينال مثوبة هدايته وأنه وحده هو الذي ينال جزاء ضلالته فلا ينجي اهتداوه غيره ولا يُردى ضلاله سواه وكل نفس وما حملت من وزرها فلا تحمل وزر نفسي أخري فلكل استقلاله وجزاؤه على حدة قال الله سبحانه" من اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخري" سورة الإسراء.
( 1)

وقد نعي القرآن الكريم على أولئك الذين وقعوا أسري العادة والإلف وتجافيهم عن الحق وضرب مثلهم بمن ينادي على حيوان يسمع الصوت ولا يفهم له معنى فهم في انهماكهم في التقليد الأعمى ووقوعهم للتبعية البلهاء كمثل الصم البكم قال الله تعالي " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون" ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداءً صم بكم عمي فهم لا يعقلون وهذا الصنف من الناس لم يعط نفسه استقلالها ولم يمنحها حريتها في البحث عن الحق وإما حبسها بين أسوار التقليد الموروثة توثقها العادات الباليه وتمتهن كرامتها وإنسانيتها وقد تابع الإسلام نفسية المسلم في سلوكها بالتقويم والتهذيب لئلا تتأرجح بين مد الحياة وجزرها فتتدهور قواها المعنوية تابعة كل ناعق ومناديه كل إنسان أنا معك محسنا كنت أو ظالما:قال رسول الله ل الله عليه وسلم محذرا"لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وان ظلموا ظلمنا لكن وطنوا أنفسكم إن أحسن أن تحسنوا وان أساءوا فلا تظلموا رواه الترمذي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (2)

حصانة الفكر :


فإذا كان الله تعالى قد أعدا المسلم إعدادا حقا وهيأه لأسباب الحق والفلاح بما ألهمه من رؤية واضحة للخير حتى يتبعه وللشر حتى ينأى عنه فليس للمسلم أن يكون إمعة ولم تعد له حجة فى تعطيل ما أوضعه الله فى حسه ووجدانه فكيف به يقف على مفترق الطريق يميل مع رياح الحياة حيث تميل لقد سوى الحق النفس وألهمها فجورها وتقواها قال تعالى "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها وقد خاب من دسها"سورة الشمس
وفى استقلال النفس الإنسانية حماية لمقومات الحق والخير التى خلقها الله فى الإنسان حتى لا يتأثر بالعوامل الخارجية والمؤثرات المحيطة به فإذا كان قاضيا أو شاهدا أو مدرسا أو قائما بالإصلاح بين الناس أو مقوما لأعمال البعض أو نحو ذلك من مسالك الحياة التى يرتادها فان عليه أن ينظر الى الحق بغض النظر عن اى عامل آخر أو اى مؤثر خارجي فإذا قام للحكم بين الناس أو القضاء فيهم أو طلب منه أداء شهادة بالحق او فصل فى خصومة فعليه أن يتحرى جانب الحق والصواب فلا تؤثر عليه صلة قرابة او نسب او غير ذلك قال الله تعالى:وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون سورة الأنعام " ( 3)

وكما دعا الإسلام الى المحافظة على قول العدل دون تأثر بصلة القرابة أو ما يدعوا الى الانحياز فكذلك حذر من أن تكون الكراهية والبغضاء من دواعي الميل والانحراف عن الحق والعدل فقال سبحانه " يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "سورة المائدة
وهذه الآية الكريمة تمثل لنا منهج دقيق لجميع صور العدل والقسط مع القريب والبعيد وتنهى عن جميع صور الجور والظلم مع كل أحد
ومن ثم يتبن لنا أن صفة العدل لازما أصيلا من لوازم الإيمان قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " وأمور الناس إنما تستقيم فى الدنيا مع العدل الذى يكون فيه الاشتراك فى بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم فى الحقوق وإن لم يشترك فى إثم ولهذا قيل " إن الله تعالى يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة " ( العدل أساس الملك ) "وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " صفحة(4)

خطر التقليد على الإنسان :

ويقال الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام وذلك أن العدل نظام كل شئ فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها فى الدين من خلاق ومتى لم تقم بالعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به فى الآخرة "
وفى زماننا هذا الذى عز فيه العدل والإنصاف وأصبحت الأهواء هى التى تتحكم بالآراء والتوجيهات حتي إن الإنسان قد يتغاضى عن أخطاء من يحب مهما كانت كبيرة ويبررها بل قد تتحول هذه الأخطاء الى محاسن ويجعل محبوبة فى أعلى الدرجات ولا يقبل فيه نقدا أو مراجعة وفى المقابل تراه إذا أبغض أحدا لهوى فى نفسه أو تقليدا لغيره جرده من جميع الفضائل ولم ينظر الا الى سيئاته وزلاته يضخمها وينسى أو يتناسى محاسنه الأخرى مهما كانت ظاهرة "
قال تعالى فى كتابه الكريم __::
" ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " سورة المائدة
وهذا التقويم وهذا النقد الموتور لا يقف عند حد تجريح الرجال بل تعداه عالم الكتب كمن يرى لبعضهم زلات أو خلالا فى كتاب ما رماه جميعه وضرب به عرض الحائط وشنع على مؤلفه ومن اقتناه أو قرأه وهو يغفل إغفالا شديدا للجوانب الإيجابية التى لمؤلف الكتاب " (5)

والعكس إذا ما كان الكتاب لأحد الكتاب المرضين عنده فإنه يرفع هذا الكتاب فوق منزلته ويغض الطرف عن الزلل والتقصير التى للمؤلف حتى لا يقلل من شأن المؤلف وكما قيل " فعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدى المساوئ ولم يقف هذا الخلل الفكري عند هذا الحد من النقد والتجريح بل تعداه الى ما هو أعظم منه من التنازع والتقاطع بل البغي والعدوان فتفرقت كلمة الصالحين
من المسلمين فى الوقت الذى يحتاجون فيه الى الترابط والتآلف والوقوف فى صف واحد أمام الأعداء " وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب يقول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه " عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذى أمر به وإن ما تكرهون فى الجماعة والطاعة خير مما تحبون فى الفرقة " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " صفحة (6)

الإنصاف وعدم التمادي فى الظلم :

وهذا الاضطراب صفة ظاهرة لأهل البدع والى هذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية " وقد صار لهم فى ذلك هوى أن ينتصر جاههم أوريا ستهم وما نسب ا ليهم لا يقصدون أن تكون كلمة الله هى العليا وأن يكون الدين كله لله بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه ويرضون على من وافقهم وإن كان جاهلا سيء القصد ليس له علم ولا حسن قصد فيفضى ذلك الى يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله وتصير موالاتهم ومعادتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله وهذا هو حال الكفار الذين لا يطلبون الا أهوائهم ويقولون هذا صديقنا وهذا عدونا وبلغة المقل هذا بال هذا باغ ولا ينظرون الى موالاة الله ورسوله ومعاداة الله ورسوله وذلك لأنهم يأخذون بظواهر النصوص ويتركوا بعضها ويحكموا بظاهر النص فلم يتمكنوا من الاستنباط الصحيح ولا عرفوا دلائل الألفاظ ومقاصد الأدلة فضلوا وأضلوا فشهدوا لمن شاءوا بالإيمان وكفروا من شاءوا وأدخلوا فى الدين ما ليس منه ومن هنا تنشأ العداوة بين الناس " (7)

إن السلوك الإسلامي يتنافي مع الظلم فيقيم المسلم العدل ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين ويتنافى مع الباطل فيقول الحق ولو على نفسه ويعدل مع العدو كما يعدل مع القريب والحبيب فهو لا تحكمه تبعية تهدم شخصيته ولا يجور على عقيدته الهوى ولا تتسرب المحاباة الى داخله إنه يحيا بين الناس قواما بالقسط شاهدا لله ولو على نفسه أو لوالديه أو أقربائه قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله واو على أنفسكم أو الوالدين والأقرابين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى يهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا " سورة النساء والعدل القرآني أن يصرف الإنسان أمور نفسه وأمور غيره من الناس على قانون لاعوج فيه ولا زيغ ولا استثناء ولا ظلم ولا محاباة وأن يسير أعماله على قانون إلهي لا تبديل فيه ولا تحويل كالقوانين التى تسير الشمس والقمر والنجوم والرياح وتصرف العالم كله كما يشاء الله وليس عدل الله أمرا يسيرا تتصرف فيه الأهواء وتتلاعب به الشهوات والعصبيات ليس عدل الله مما يباع باليسير من متاع الحياة الدنيا ويهجر للحقير من أهواء النفوس ولكنه نظام فى العالم وفى الاجتماع البشرى لا يستقيم شئ فيهما بدونه كما جاء فى الحديث " وبالعدل قامت السموات والأرض " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (

التبعية الممقوتة تؤدى الى الانحراف :

ولقد حذرنا الإسلام كما بينا من هذه التبعية الممقوتة التى تحققت وراء اليهود والنصارى ومن على شاكلتهم بما يدبرانه لهذه الأمة من مكائد ودسائس
والتبعية بين الناس إنما تكون فيما هو صالح ومفيد فى الحقول العلمية وهو مطلب شرعي مطالبة به الأمة الإسلامية كي تكون فى مصاف الدول المتقدمة
والإسلام يصون الأمة الإسلامية من التأثر بخصائص الغير وأفعاله التى لا تتفق مع روح الإسلام والتي تتنافي مع فضائله وأما الاستبداد بالرأي أو التمادي فى الباطل والخطأ فليس فيه من قوة الشخصية واستقلالها أدنى علاقة بل إن ذلك يتنافى معها تنافيا تاما فإن الرجوع الى الحق فضيلة ولا يوصف من يرجع للحق بأنه فاقد الشخصية بل إنه قوى الشخصية فى ضبط النفس وكبح جماحها والاتجاه بها صوب الحق فلا يتجمد عند الخطأ بل يفئ الى الصواب أينما كان " (9)

وكما أن استقلال الشخصية لايتنافى مع الرجوع للحق فانه كذلك لايتنافى مع التعاون ومشاركة الأمة الإسلامية ومن أجا هذا كله أرسى القرآن الكريم للشخصية الإسلامية معالم محدودة لاتتعداها بحيث يجد المسلم ثواب عمله الصالح ويتحمل تبعية إساءته " والمراد باستقلال الشخصية ألا يذوب سلوك الفرد فى سلوك آخر ولا تذوب الجماعة فى جماعة آخري فالكل إنسان مقوماته وقدراته الخاصة وحين يسلب هذه المقومات فلا تكون له حريته ورغبته المستقيمة المخلصة فإنه يقوم بالعمل وهو مسوق إليه ومكره عليه فلا يستشعر المتعة به ولا يتذوق الرغبة الدافعة الى إتقانه ومن ثم يفقد روح النشاط والحيوية ولا يقبل على العمل بجد وفاعلية بل يؤدى عمله وهو مكره متبرم
ولو ترك الإنسان بلا توجيه سديد وأطلق لنفسه العنان دون رعاية وضبط ومن غير حدود فإن ذلك شر مستطير لما يترتب على سلوكه بلا مقاييس ما يترتب من انطلاق نوازعه النفسية فتنموا الأنانية والأثرة ويتجاوز الحدود بلا رادع ولا ضابط " (10)

فقال تعالى " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها " فالجزاء حتم على كل صغيرة وكبيرة وليس للإنسان الا عمله وليس فى الناس مقربون الى الله ولا مبعدون عنه الا بالعمل الصالح
وهكذا بالنسبة للفرد فشخصيته ملحوظة ومحوطة بدائرة الحق والعمل الصالح وأما بالنسبة لعلاقته بالجماعة الإسلامية وعلاقة الناس بعضهم مع بعض فإن تلك العلاقات مع ما وفر الإسلام لها من الاحتفاظ بالمقومات بحيث لا تذوب فى الآخرين فإنه لم يمنع الإنسان أو الجماعة من التعاون والمشاركة بل أمر بذلك إزكاء لروح التعاون وإبقاء لوحدة الأمة وإثراء لها بالعمل المشترك والمتضافر المثمر وذلك كله يتم فى إطار البر والتقوى وبعيدا عن الإثم والعدوان كما قال الله سبحانه " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " سورة المائدة "وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " صفحة(11)

المسلمين من أحوج الناس الى استقلال الذاتية المعنوية :

وهناك صنف من الناس لم يعط نفسه استقلالها ولم يمنحها حريتها الشخصية فى البحث عن الحق وإنما حبسها بين أسوار التقاليد الموروثة توثقها العادات البالية وتمتهن كرامتها وإنسانيتها ولهذا قال الفقهاء بأن العقل مناط التكليف " ولهذا أجمعوا استمدادا من القرآن الكريم والسنة الشريفة المطهرة _ على براءة الطفل والطفلة من الحساب والعقاب لفقدهما تمام الرشد واكتمال وظائف الأعضاء فإذا ما اكتملت هذه الوظائف سمو ذلك الكمال بالبلوغ ويصحب ذلك نضوج الفكر _ وسمو ذلك بالعقل وقالوا بالبلوغ والعقل وجب "
وإن استقلال فكر المسلم هدف من أهداف هذا الدين القيم يسعى الإسلام لتحقيقه ليكون المؤمن ذا عقل راشد محفوظ من الضيعة ومناعة صلبة تعصمه من التبعية وضعف الرأي والتردد والتقليد المهين لأفكار الناس وآرائهم فكم هى فاسدة " (12)

وحسبك فى ذلك أن مادة أكثر الناس فى الكتاب العزيز لم يحكم الله تعالى عليها بخير أبدا وحذرنا من

عدم الاغترار بالكثرة " اعرف الحق تعرف أهله " قال تعالى _-:
"وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون الا الظن وإن هم الا يخرصون " سورة الأنعام
وبالتالي تواردت الآيات الكريمة بأنهم لا يؤمنون _ ولا يعلمون _ ولا يشكرون _ فاسقون – وأكثرهم للحق كارهون _ وأكثرهم لا يعلمون _ وأكثرهم يجهلون وأكثرهم كاذبون .....الخ الآيات
فكيف بالله عليك يسلم المسلم عقله للناس ويجعل منه وعاء يلقون فيه بآرائهم وتفاهتهم
يقول الآ ديب الراحل عباس محمود العقاد وقد ضرب فى هذا الميدان الى حد بعيد " التفكير فريضة إسلامية " رحمه الله تعالى " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(13)

الإسلام يدعوا الى الحوار وعدم الجمود :

والمسلم المعاصر يستطيع أن يروى ويخطب ولكنه لا يستطيع أن يناقش أو يحلل أو يطبق ويتوصل الى حل لأن الرواية والخطبة ترتبطان بالقدرة على الحفظ وأما النقاش والتحليل والتطبيق فهو يتطلب قدرات عقلية عليا من الفهم والتحليل والتأليف ولذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " كونوا للعلم وعاه لا تكونوا للعلم رواة " ويقول الإمام على رضى الله تعالى عنه " الناس ثلاثة عالم رباني _ ومتعلم على سبيل نجاة – وثالث _ لا خير فيه همج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل صياح لم يستضيؤا بنور العلم ولم يلجؤا الى ركن وثيق "
فكيف نستقل بعقولنا لتكون لنا أفكار سديدة قال الله تعالى " قل إنما أعظكم أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة " سورة سبأ (14)

فإذا واجه الإنسان ما لاحيلة له فيه ولا خبرة له به فقد أرشده المولى جل شأنه الى ما يفعل إذ وجهه الى أهل الاختصاص فقال تعالى " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " سورة الأنبياء وقال جل شأنه " ولا ينبئك مثل خبير " ولكي يتأكد للمسلم حصانة فكره فلا يتأثر بالتبعية ولا يذوب عند مشاركة الآخرين بل تسلم له شخصيته لابد من التأكيد على هذه العناصر التالية _:
_1 الإسلام دين التوحيد الحق الرافض لكل صور الشرك والتعدد الماحي لشتي الوثنيات وتبعية المرء لغير الله قال تعالى " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء " سورة الأعراف
_2 وهو دين الكمال العقلي دين أصحاب الفطرة المستقيمة والأفكار الناضجة والمزايا البشرية السوية
_3 ينهض الإيمان على النظر فى الكون وعلى أداء العقل لوظيفته المنطقية والإسلام يأبى تقليد الأوائل دون وعى ويرى تعطيل العقل مرادفا للحيوانية " (15)

_4 ومنذ بدء الإسلام والمسلم عزيز الجانب قوى بربه سيد لما حوله يفعل الخير ويدعوا إليه ويحترم الحق ويحكم به ويستمده من الوحي الأعلى ويقيم سلطان الدولة على دعائمه ومن ثم فإن الإسلام يحتقر الأهواء والتفنينات الأجنبية ويجعل شريعة الله أساس الحكم فى أرض الله
_5 والأطوار والأحوال التى بدت على المجتمع الإنساني توجب على المسلمين ألا ينحصروا فى تقليد فقيه واحد من فقهاء الأمصار بل يجب العود الى الينبوع الذى يستضيء منه الكل أي الكتاب والسنة وأنه يفتح باب الاجتهاد للوفاء بالمصالح الدينية والمدنية التى جدت فى حياتنا المعاصرة فالشريعة الإسلامية صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان
_6 الإسلام يحتقر الجمود الذى يلوذ به بعض المتدينين من أصحاب الفلسفات الانسحابية التي تشد المسلمين الى الوراء " صفحة(16)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم