من فضائل شهر شعبان تحويل القبلة من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي...

من فضائل شهر شعبان تحويل القبلة من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي...

يقول المولى تبارك وتعالى:"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم" البقرة: الآية  ١٤٣-

فيه أحداث عظيمة ..

وليلة النصف من شعبان هي الليلة التي وقع فيها أمر تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، كما ذكر أهل التاريخ والسير  أنه تم تحويل القبلة في هذا اليوم المبارك، وهو حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية‏، حيث كان تحويل القبلة في بدء الإسلام من الكعبة المشرفة إلي المسجد الأقصى المبارك لحكمة تربوية عالية وهي العمل علي تقوية الإيمان في نفوس المؤمنين وتنقيتها من شوائب الجاهلية‏ وأكدارها المنته. وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.

ولقد كان العرب قبل الإسلام يعظمون البيت الحرام ويمجدونه‏، وبعد أن انتشر الاسلام وقامت دولته القوية الفتية في المدينة‏ المنورة، صدر الأمر الإلهي من الله سبحانه وتعالى بالاتجاه إلى المسجد الحرام‏، ليس تقليلاً من المسجد الأقصى ولا تنزيلاً من شأنه‏، ولكنه لأجل ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى هي حقيقة الإسلام‏، حيث رفع سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام قواعد هذا البيت العتيق ليكون خالصاً لله‏ تعالى، وليكون قبلة للإسلام والمسلمين‏، ولكون هدف الإسلام الأول هو تعبيد الناس لله عزوجل وتنقية قلوبهم وتجريدها من التعلق بغير الله وحثهم علي اتباع المنهج الإسلامي المرتبط بالله تبارك وتعالى مباشرة‏؛ لذلك اختار الله جل وعلا لهم التوجه قبل المسجد الأقصى‏، ليخلص نفوسهم ويطهر قلوبهم مما علق بها من أدران الجاهلية‏ ورذائلها، ليظهر من يتبع الرسول اتباعاً صادقاً عن اقتناع وتسليم‏، ممن ينقلب علي عقبيه ويتعلق قلبه بدعاوى الجاهلية ورواسبها‏. وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.

ابتلاء وامتحان..

حيث يقول الله تعالى:" وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم " سورة البقرة: الآية ١٤٣- والمعني: وما جعلنا -أيها الرسول- قبلة "بيت المقدس" التي كنت عليها، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة بـ "مكة"، إلا ليظهر ما علمناه في الأزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز مَن يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت، ومَن هو ضعيف الإيمان فينقلب مرتدا عن دينه لشكه ونفاقه. وإن هذه الحال التي هي تحول المسلم في صلاته من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة لثقيلة شاقة إلا على الذين هداهم ومنّ عليهم بالإيمان والتقوى وما كان الله ليضيع إيمانكم به واتباعكم لرسوله، ويبطل صلاتكم إلى القبلة السابقة، إنه سبحانه وتعالى بالناس لرءوف رحيم.الميسر. وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.

القبلة وحكمة التحول..

والحكمة من أمر تحويل القبلة هو تأكيد من الله جل شأنه أن دين الأنبياء جميعاً واحد هو الإسلام‏، وإن اختلفت الشرائع، فقد خص الله تعالى الأمة الإسلامية بأقوم المناهج وأوضح المذاهب،كما في قول الله تعالى:"هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس" سورة الحج :الآية ٨٧- وليس تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلي المسجد الحرام إلا تأكيد للرابطة الوثيقة بين المسجدين‏، فإذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى قد قطعت فيها مسافة زمانية قصر الزمن أو طال‏، فقد كان تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلي المسجد الحرام من خلال رحلة تعبدية‏، منها التوجه إلى الله تعالى دون قطع مسافات‏، إذ لا مسافة بين الخالق والمخلوق‏، قال تعالى:" وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير"؛ وعندما يتجه الإنسان من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام فهو بذلك يعود إلى أصل القبلة، يقول الله سبحانه وتعالى: "إِن أَول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين"، وقد بدأ هذا الأمر من آدم إلي إبراهيم حتى عيسى عليهم السلام‏، ولكنها لم تتم أو تكتمل إلا بالرسول الخاتم صلّ الله عليه وسلم- فقد أخره الله تعالى ليقدمه‏، فهو وإن تأخر في الزمان فقد تحقق علي يديه الكمالات الروحية والأخلاق الإسلامية.وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.

‏إخلاص وتسليم وانقياد..

وفي تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى: حيث قال البخاري رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال : بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال : قد أنزل علي النبي صلّ الله عليه وآله وصحبه وسلم قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها . فتوجهوا إلى الكعبة .وفي رواية الإمام مسلم رحمه الله تعالي من وجه آخر ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده: أنهم كانوا ركوعا ، فاستداروا كما هم إلى الكعبة ، وهم ركوع . وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، مثله ، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ورسوله ، وانقيادهم لأوامر الله عز وجل ، رضي الله عنهم أجمعين.وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.

وقوله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم " أي: صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك لا يضيع ثوابها عند الله ، وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء ، قال : مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقال الناس : ما حالهم في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى:" وما كان الله ليضيع إيمانكم"ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه.انتهي.
و في تفسير الوسيط - قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان رجال من أصحاب رسول الله صلّ الله عليه وآله وصحبه وسلم قد ماتوا علي القبلة الأولى، منهم: أسعد بن زرارة، وأبو أمامة ...
وأناس آخرون فجاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله: مات إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا، فأنزل الله-تبارك وتعالى- وما كان الله ليضيع إيمانكم"وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.

والمعني: وما كان الله تبارك وتعالى- ليذهب صلاتكم وأعمالكم الصالحة التي قمتم بها خلال توجهكم إلى بيت المقدس، لأنه- سبحانه - بعباده رءوف رحيم ولا يضيع أجر من أحسن عملا.انتهى.
‏والله عز وجل- كرم نبيه صلّ الله عليه وسلم- في هذه الليلة بأن طيب خاطره بتحويل القبلة والاستجابة لهوى رسول الله صلّ الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى:"قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون " سورة البقرة: الآية ١٤٤- والمعني: قد نرى تحوُّل وجهك -أيها الرسول- في جهة السماء، مرة بعد مرة؛ انتظارا لنزول الوحي إليك في شأن القبلة، فلنصرفنك عن "بيت المقدس" إلى قبلة تحبها وترضاها، وهي وجهة المسجد الحرام بـ "مكة"، فولِّ وجهك إليها. وفي أي مكان كنتم -أيها المسلمون- وأردتم الصلاة فتوجهوا نحو المسجد الحرام. وإن الذين أعطاهم الله علم الكتاب من اليهود والنصارى لَيعلمون أن تحويلك إلى الكعبة هو الحق الثابت في كتبهم. وما الله بغافل عما يعمل هؤلاء المعترضون المشككون، وسيجازيهم على ذلك.انتهى. وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.

وعن البراء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلّ الله عليه وسلم صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه قبلته قبل البيت وأنه صلى صلاة العصر ، وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن كان يصلي معه ، فمر علي أهل المسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلّ الله عليه وسلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت.
وعن البراء رضي الله تعالى عنه أيضل، قال: لما قدم رسول الله صلّ الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلّ الله عليه وسلم يحب أن يحول نحو الكعبة ، فنزلت :" قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها"وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.

وعن نويلة بنت مسلم رضي الله تعالى عنها ، قالت : صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا ركعتين ، ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله صلّ الله عليه وآله وصحبه وسلم قد استقبل البيت الحرام ، فتحول النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، فصلينا السجدتين الباقيتين ، ونحن مستقبلون البيت الحرام . فحدثني رجل من بني حارثة أن النبي صلّ الله عليه وآله وصحبه وسلم قال : " أولئك رجال يؤمنون بالغيب". انتهى تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.
وغاية الأمر في هذا التحول كله سوي الانتقال من الحسن إلي الأحسن وهذا شأن رسول الله صلّ الله عليه وآله وصحبه وسلم في الأمور كلها‏.‏وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.

وفي تفسير  القرطبي رحمه الله تعالى: عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلّ الله عليه وآله وصحبه وسلم قال : البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي.
وقالوا: من جلس في المسجد الحرام فليكن وجهه إلى الكعبة وينظر إليها إيمانا واحتسابا ، فإنه يروى أن النظر إلى الكعبة عبادة ، قاله عطاء ومجاهد.انتهي. والحمد لله رب العالمين. موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي محمود.. وصل الله وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وأزواجه أمهات المؤمنين وسلم تسليما كثيرا.