من مقومات التربية في الإسلام ترك( الحرام والبعد عن الشبهات )

ومن واجب المسلم ( البعد عن الشبهات )

عن أبى عبد الله النعمان بن بشير رضى الله تعالى عنهما _ قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول :" إن الحلال بين, وإن الحرام بين , وبينهما أمور مشتبهات لايعلمهن كثير من الناس , فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ,
ومن وقع فى الشبهات كراع يرعى حول الحمى , يُوشكَ أن يُواقعه , ألا إن لكل ملك حمى , ألا وإن حمى الله محارمه , ألا وإن فى الجسد مضغة , إذا صلحت صلح الجسد كله , وإذا فسدت فسد الجسد كله , ألا وهى القلب " رواه البخارى
الشرح اللفظى :

العقيدة :" إن الحلال بين وإن الحرام بين " فمن أنكر معلوما من الدين بالضرورة
فقد ارتد عن الإسلام , كمن استحل الخمر أو الزنا وغيره مما حرم الله قطعا ولاشبهة فيه , أو جحد حلال مجمع على إباحته , أو واجب مجمع على وجوبه .
والحلال بين : هو ما لم يرد دليل بتحريمه , وتأكد لك أنه حلال , فيشمل المسكوت عنه .
والحرام : هو ما ورد الدليل عنه بالمنع , وعرفت معرفة أكيدة أنه حرام
وبينهما أمور مشتبهات : أى اشتبه على كثير من الناس معرفة حكمها من الحلال أو الحرام , وهى من الأمور التى تؤدى إلى الوقوع فى الحرام , اتقى الشبهات , أى ابتعد عنها .

استبرء لعرضه : والعرض هو موضع الذم والمدح , بالإبتعاد عن الوقوع فى المحرمات , وحافظ على دينه وسلامة عرضه .
كراعى يرعى حول الحمى : كالرعى الذى يرعى غنمه حول الحمى , وهو مثل ضربه النبى صل الله عليه وسلم لمن يحوم حول ما اشتبه عليه هو حلال أم حرام
فيكون بذلك عرضة , للوقوع فى الحمى والتعرض للعقاب .
حمى الله محارمه : أى أن الله تعالى قد جعل لكم ما حرم عليكم كالحمى , فاحذروا أن تقتربوا منه .
والمضغة : هى جزء صغير قدر ما يمضغ الإنسان فى فمه
والقلب : المراد به العقل قال تعالى " إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب " سورة ق
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(1)

المعنى العام للحديث

1_ يبين لنا الحديث الشريف أن المسلم الصادق هو من يعرف الحلال من الحرام
وعندما يقف على ما أحل الله تعالى يفعله مطمئنا وسعيدا بحله , وأن يعرف المحرمات ويبتعد عنها حسبة لله وخشية منه سبحانه
2_ وعندما يخفى على المسلم فى أمر من أمور دينه , من جهة الحلال أو الحرام
فإنه يبتعد عن الشبهات اتقاء الله وطالبا رضاه ,
ومن الأمثلة التى تبين لنا أن هذا الأمر فيه محض شبهة ومن الواجب تركه على المسلم , كأن يسكن فى منزل مريب ومن فيه يفعلون الفساد والمنكر ولايمكن الإحتراز منهم فى شئ فهم مدعاة للفساد , وكذلك مخالطة أصدقاء السوء , وارتياد محال اللهو المحرم قولا واحد , والإمتناع عن ذلك واجب دينى , ليعيش المسلم فى أمان ويسلم له عرضه ممن يلوكون الأعراض وألسنتهم بالسوء .

وأما من يجترئ على ما اشتبه عليه من أمور دينه مما ذكرنا وغيرها من الأمور , اعتمادا على جهة الحل فيها , فهو مغامر بدينه و لن يفلت من الوقوع فى المحرمات
التى جعلها الله تعالى حمى له من راعى حوله وقع فيه , فقد استحق غضب الله وعقابه . وهناك بعض المتنطعين فى الإسلام والذين قال عنه سيد الخلق صل الله علي وسلم " ألا هلك المتنطعون قالها ثلاثا " هؤلاء لا هم لهم إلا الأخذ والرد فى الأمور المتشابهة بلا علم ولا دراية وفى ذلك قوله تعالى " هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب " سورة آلا عمران الآية 7_ " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (2)

بين الغلو والتهاون

3_ هناك كثيرون ممن ينتسبون للإسلام , يتهاونون فى موضوع الحلال والحرام يجاهرون بالمعاصى والمحرمات , ويتفاخرون بانتهاك حرمات الله وتعدى حدوده كترك الصلاة , وعادة شرب الخمور
وتعاطى المخدرات (ومنهم من يقول وهو ضاحك ومستهزء عن شربه للحشيش مثلا
إن كان حلالا فنحن نشربه وإن كان حراما فنحن نحرقه ولا حول ولا قوة إلا بالله ) والإفطار فى نهار رمضان علنا جهارا نهارا وغير ذلك كثير

وهناك فئة أخرى لايعجبها ذكر كلمة ما حرم الله وأحل وهم يغضبون عند ذكر ذلك ويصفون من يتحدث بذلك بالتطرف والتشدد فى الدين , وهو بذلك يتمالئون مع أعداء الله وأعداء الإنسانية والوطن والمقدسات , من أجل اسكات الأصوات وقطع الأقوات
ومصادرة الحريات على كل من تجرء على إغضابهم ومخالفة أهوائهم , ولا عجب بعد ذلك أن ترى هؤلاء فى آخر الأسبوع ممن يؤدون صلاة الجمعة ...شكلا ولا حول ولا قوة إلا بالله
4_ ولنعلم جميعا معاشر الأخوة أن مهمة التحليل والتحريم بيد الله وحده , وتلك خصوصية من خصوصياته عز وجل , فهو سبحانه هو الذى يعلم طبيعة النفس البشرية وما ينفعها وما يضرها , ولكننا نرى فى هذه الأيام من أعطى لنفسه حق التحريم والتحليل , وحذف الأحكام الشرعية أو تحريفها وتأويلها والخروج بها عن مسارها الذى أراده الله وكأنه اتخذ من نفسه إلها وإن لم يصرح بذلك , فيحرم ما يتعارض مع مصالحه وأهوائه , ويحلل ما يرضى شهواته وملذاته , وله فى ذلك سلف قدوة فرعون الطاغية قال تعالى " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " سورة غافر الآية 29_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة( 3)

المتجاوزن حدود الله

إن من شدة وطأة الإستبداد السياسى , والإستكبار فى الأرض بغير الحق , أصبحت الأمة الإسلامية تهاب , سطوة الحكام والإمراء والعظماء ممن لادين لهم ولا عهد , قبل أن تنظر فى حدود الله أذلك حرام أم حلال , قال تعالى " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " سورة الشورى
والمسلم إذا عمل بالحلال كانت جميع ملكات نفسه هادئة مطمئنة , ولكنه إذا عمل بالحرام فإنه فى الحقيقة لم يرض فى نفسه إلا فى جانب الشر فحسب , والإبتعاد عن الشبهات هو فى الحقيقة أكبر عامل نفسى مريح للنفس , حيث يجنبها من مرض "عشق الذات " فهل ياترى يبيت العامل المجد كاللص المحتال , وهل ينام قاتل النفس
مثلا كالتقى لله عز وجل ؟ وهل يستقر للكاذب قرار كالصادق ؟

إن صلاح الأعمال والأقوال متوقف على صلاح الجسد نفسه , وصلاح الجسد العام تبع لصلاح القلب , وبفساد القلب يفسد كل شئ , ويبدأ الفساد بأصغر الذنوب قال إبراهيم ابن آدهم : " قلب المؤمن نقى كالمرآة, فلا يأتيه الشيطان بشئ إلا أبصره , فإذا أذنب ذنبا ألقى الله فى قلبه نكتة سوداء , فإذا تاب إلى الله محيت عنه , فإذا عاد إلى المعصية ولم يتب تتابعت عليه الذنوب حتى يسود قلبه , فما تنفع معه موعظة بعد ذلك قال تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " سورة المطففين الآية 14_
وما أشبه القلب بالأرض يخرج ما ينبت فيه ما صلح وما فسد تبع لما يوضع فيه قال تعالى " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لايخرج إلا نكدا " الأعراف 58_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(4)

بين العقل والشبهة

الأصل فى الأشياء الإباحة كما عرف ذلك علماء الأصول وغيرهم من الفقهاء قال تعالى " هو الذى خلق لكم مافى الأرض جميعا " سورة البقرة قال الشافعى رحمه الله فقد دل الدليل على ما قام البرهان على تحريمه وهذا هو سر ابتداء الرسول صل الله عليه وسلم الحديث بقوله الحلال بين والحرام بين " وإنما جاء التشابه فى الأحكام التى لم تشتهر بين علماء الشريعة , لأسباب تعود إلى المجتهد نفسه فى زمانه لا إلى النص قال تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ " سورة النحل 89_
قال مجاهد كل شئ أمروا به ونهوا عنه " وقال أيضا " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم " سورة النحل 44_
وقال تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " سورة المائدة الآية 3_ وقد كان عمر رضى الله عنه يجمع علماء الصحابة ليسألهم عما سمعوه عن رسول الله فى بعض الأحكام

وقد أخذ علماء الأصوال من هذا الحديث وهم القائلون بسد الذرائع كحكم شرعى يثبت به الحل أو الحرمة انظر فى ذلك مذكرات الأصول كا للعلامة الفقيه أبو زهرة والشيخ الفاضل عبدالوهاب خلاف وغيرهم كثير والأخذ بقانون سد الذرائع سياسة اسلامية وسد الذرائع كفتحها كلاهما مطلوب وأهل العلم من يقررون ذلك .
والذريعة معناها الوسيلة , فكل ما أدى إلى الحرام فهو حرام , وما أدى للحلال فهو حلال , وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب وقاعدة سد الذرائع من القواعد المعتمدة عند عامة العاماء على اختلاف فى بعض أقسامه واختلاف فى أخرى "
وبذلك ينمى المسلم عقله بالمعارف الإسلامية , ويغذى روحه بالعلم النافع الواجب , ويأخذ من ذلك ما استطاع , وبذلك يتحلى المسلم بمكارم الأخلاق , ويشعل عقله بنور المعرفة وتلك ميزة الله تعالى اختصها الله تعالى بالإنسان , وبذلك يكون المسلم وعاء بر ومنبع خير يفيض عطاء , ويسيطر ذلك على أحاسيسه وجميع جوارحه وأعضاء جسده " ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب "
 وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (5)

من مقومات التربية في الإسلام ترك الحرام :

إن طاعة الله بترك ما حرم هي الأساس في تربية الشخص الشريف المأمون الذي يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ومن حديث أبى الدرداء رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفوا فاقبلوا من الله عافيته فإن الله تعالى لم يكن ينسى شيئا ثم تلا وما كان ربك نسيا " رواه الحاكم والبزار وصححه إن من واجبات العقيدة في الإسلام أن يعلم المسلم أن للإيمان ركنين أساسين افعل ولا تفعل فجوهر الدين وحقيقته تتمثل في أداء الفرائض واجتناب المحرمات وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلا استفت النبي صل الله عليه وسلم في أمور إن فعلها دخل الجنة _ ومنها _ إن صليت المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام أأخل الجنة قال نعم رواه مسلم _- ومن هنا نعلم أن إتقاء الحرام من أعظم مقامات العبادة وأقرب طريق يدل على صدق الإيمان وكمال اليقين كما قال النبي صل الله عليه وسلم " اتق المحارم تكن أعبد الناس " ( 1)

والمتأمل في قضية الحلال والحرام يشعر برحمة من ترفرف على عباده فمنذ أن خلق الله سبحانه سيدنا آدم عليه السلام وقد بين له الحلال والحرام فتمثلت دائرة الحلال في قوله " وكلا منها رغدا حيث شئتما " وقوله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا " فاتسعت دائرة الحلال و ضاقت دائرة الحرام كما في قوله تعالى " ولا تقربا هذه الشجرة " ولما ظلم اليهود وانحرفوا عن منهج الله تعالى حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم قال تعالى " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " إلى أن أرسل الله محمد صلى الله عليه وسلم بشريعته السمحة ليخفف عن عباده " كما قال الله _ يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا " (2)

فظلت دائرة الحرام ضيقة كما كانت وسهل على المؤمن أن يعلم الحرام فما عداه فهو حلال ويقول العلامة بن تيمية _ إن السلف لم يطلقوا الحرام إلا على ما علم تحريمه قطعا والحرام الصريح الذي بين تحريمه في كتاب الله وسنة رسول الله صل الله عليه وسلم ومما وقع فيه الخلل والاضطراب _ أن كثيرا من الناس شغلوا أنفسهم بمقاومة المكروهات أكثر مما اشتغلوا بمحاربة المحرمات أو الكبائر أو الواجبات المضيعة وأوقفوا جل عنايتهم في رصد أعمال غيرهم أكثر مما نظروا في أحوال أنفسهم وغاب عنهم ما ورد في الأثر:" طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس "
(3)

نظرة إجمالية على موضوع الحلال والحرام :

وعنه صل الله عليه وسلم أنه قال ما أمرتكم به من أمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عن شئ فاجتنبوه رواه البخاري ومسلم وحين نلقى نظرة إجمالية على ما حرم الله نجد أنه يشمل أنواع الفساد في كل شئون الحياة _ من ذلك قوله تعالى :" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذالكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لانكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فا عدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذالكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون سورة الأنعام ( 4)

وهذه الآيات تسمى بالوصايا العشر التي تلها رسول الله صل الله عليه وسلم على بعض من سأله كما يروى أن رجلا قال له على ما تدعوا يا أخ العرب فتلا عليه رسول الله صل الله عليه وسلم هذه الآيات فقال الرجل إن لم يكن هذا دينا أرسلك الله به لكان في أخلاق الناس حسنا ( يعنى لو عمل الناس بهذا الكلام من غير إيمان لكان أفضل لهم ) ثم قال الرجل أشهد أن لااله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله " وقوله لعلكم تعقلون فيه إرشاد وتنبيه للعقل حتى يبنى فعله وتركه على يقين وإقناع وهذا أوقع في تنفيذ الوصية _- وقوله لعلكم تذكرون ليستعين الناس على أداء ما كلفهم الله به بذكره سبحانه فتنموا عندهم ملكة المراقبة والتقوى لله تعالى __ وقوله لعلكم تتقون _ إشارة أن في التقوى مراقبة لله وتوجها إليه وحده دون سواه ووقاية من الزلل والضعف والخذلان ولا يكون ذلك , إلا بإتباع الصراط المستقيم " ( 5)

وفى ليلة الإسراء والمعراج رأى رسول الله صل الله عليه وسلم وعاين نتن الحرام وخبث منظره وطيب الحلال وحلاوة مخبره – من حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم رأى أخوانة ( والخوان معناه هو ما يوضع عليه الطعام لتناوله ) عليها طعام مشرح ليس يقربه أحد ورأى أخونة أخرى عليها لحم قد أروح وأنتن عندها أناس يأكلون منها فقال من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء من أمتك يأتون الحرام ويتركون الحلال – إن الحلال تستطيبه النفوس الصافية وتراه حسنا مرغوبا وتأنف من الحرام وتتضرر منه وتراه نيئا مرفوضا "
( 6)

موقف السلف من قضية الحلال والحرام :

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه سئل رسول الله صل الله عليه وسلم عن السمن والجبن ( يعنى السمنة والجينة التي نأكلها وكانت تصنع من منفحة ما يحلب من لبن المجوس ) والغراء وهى كذلك ما نستعملها في طلي الأخشاب وكانت تصنع أيضا نتاج ذبائح المجوس فأحله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأصل فقال " الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا لكم رواه الترمذي وابن ماجة يقول فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوى حفظه الله فالرسول صل الله عليه وسلم لم يجبهم عن هذه الجزئيات بل أحالهم على قاعدة يرجعون إليها في معرفة الحرام والحلال ويكفى أن يعرفوا ما حرم الله فيكون ما عداه حلالا طيبا " ( 7)

والأمور ثلاثة :

1_ أمر استبان لك رشده فاتبعه 2_ وأمر استبان ضرره فاجتنبه 3- وأمر أشكل عليك فتوقف فيه وفى الحديث :" ومن أتقى الشبهات فقد استبرء لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب " من حديث النعمان بن بشير إن قضية الحلال والحرام من أخطر القضايا التي لا يجوز لإنسان كأنا ما كان أن يقول فيها برأيه فمدار التحليل والتحريم كتاب الله وسنة رسول الله صل الله عليه وسلم يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله إن السلف الصالح لم يطلقوا لفظ الحرام إلا على ما ثبت تحريمه قطعا بدليل صحيح صريح من كتاب الله وسنة رسول الله صل الله عليه وسلم وقال أبو يوسف أدركنا مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتيا أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل " (

يقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوى في كتابه الحلال والحرام .
التحريم والتحليل بيد الله وحده ولوازم ربوبيته وتحريم الحلال وتحليل الحرام قرين الشرك بالله قال الله تعالى :" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" سورة الشورى وفيما رواه الترمذي وغيره وحسنه وقد جاء إليه عدى ابن حاتم الطائي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد دان بالنصرانية قبل الإسلام فلما سمع النبي صل الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية " إ تخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أومروا الا ليعبدوا إلها واحدا لا اله الا هو سبحانه عما يشركون " سورة التوبة (9)

قال يا رسول الله صل الله عليه وسلم إنهم لم يعبدوهم فقال بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم وفى رواية أن النبي صل الله عليه وسلم قال في تفسير هذه الآية أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله وغيره من فقهاء الحديث يقولون إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها الا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله سورة الشورى والعادات أو المعاملات الأصل فيها العفو ولا يحظر منها الا ما حرمه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم سورة يونس ( 10)

إن المسلم يحاذر أن يسخط ربه أو يعتدي حدوده أو ينتهك حرماته فقد روى الدارقطنى من حديث أبى ثعلبة وحسنه النووي في الأربعين قوله صل الله عليه وسلم :" إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" هكذا أثبتت لنا حقائق العلم وتجارب الحياة أن الحرام يمثل مجال الخطر في حياة الناس إنه يجلب لهم الخراب والدمار ولهذا حرمه الله قال تعالى :" ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " سورة الأعراف ـ والمسلم يعلم أنه ليس في شئ مما حرم الله خير لأن الله سبحانه لم يحرم عليه إلا العدوان والفساد في الأرض وما يتلف الإنسان ويشقيه ويرده إلى أسفل سافلين " (11)

ومن هنا يطمئن المسلم في سعيه ويصم أذنه عن صيحات التشكيك والفساد والإلحاد وذلك ما يقطع به نظرُ العلم والعقل أما الجهل وإتباع الهوى فهو الذي يغرى الإنسان بانتهاك الحرمات ويزين له طريق الغواية" وأعداء الإسلام في هذا العصر يريدون أن يستبيحوا المحرمات دون فهم ولا علم إنهم يريدو ن الا نسان حيوانا لا حظر أمامه ولا قيد والحقيقة أنهم يهرفون بما لا يعرفون ويستترون وراء كلمات جوفاء وشعارات مغرضة فهم يقولون بأننا نعيش في عصر العلم والمدنية وأن الحلال والحرام نظرة قديمة لقرون خلت وهم بهذا يجهلون ويخرجون عن حد الإنسانية ونسوا أو تنسوا أن الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان " ( 12)

وفى مجال المحرمات يرى الإسلام أن الفاحشة خطيئة مستنكرة وأن العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة هي الزواج وأن الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يستقر فيه الإنسان ويجد طمأنينته وسلامه فما الذي جد في هذا العصر حتى يريد المفسدون أن يشيعوا الفاحشة بين المؤمنين وأن يمهدوا لها الدعائم وأن يضعفوا نظام الأسرة ويضعوا في طريقه الصعاب والعراقيل وفى مجال تكريم المرأة وتحريرها التحرير الحقيقي جاء الإسلام فصان كرامتها وأخذ بيدها إلى مستوى الإنسانية وحدد لها رسالة تقوم بها فى الحياة فلماذا يريدون لها فى هذا العصر أن ترجع إلى الجاهلية وأن تمتهن كرامتها وتكتسب بعرضها وتعيش على حساب أنوثتها؟
أي سند لهذا العبث من علم أو فكر ؟" والخمر التي أثبت العلم أنها داء مدمر وعدو مخيف ومن أجل هذا حرمها الله أي صلة لها بالحضارة والتقدم حتى تصبح طابعا عصريا للمدنية فى هذا الزمان فى بلاد الإسلام. " ( 13)

الخاتمة :

إن التحرج من فعل الحرام علامة من علامات الإيمان والسمو ودليل على يقظة الضمير وشارة من شارات النبل وكمال العقل لأن الذي لا يتحرج من فعل ماحرم الله عليه يسهل عليه التفلت من كل قيد والهروب من كل مسؤولية وأن يخون فى كل عهد وليعلم كل مسلم أنه ليس فى الحرام سلبا لحرية ولا إعناتا له فان الله سبحانه وتعالى ما حرم شيئا إلا وجعل من الحلال ما يغنى عنه ويسد مسده .إن في المجتمعات الإسلامية اليوم قوى معادية للإسلام تعمل من خلال برامج محددة وخطط مرسومة لإغراء المسلمين بالتفلت من دينهم وانتهاك حرماته لتباعد بينهم وبين صراطه المستقيم. " ( 14)

ومن هنا نؤكد أن العالم لن يتقدم بغير هذا السلوك فالفوضى والإباحية لا تتفق مع حضارة ولا تقدم ولا تصلح بها حياة ولا يطمئن فى ظلالها أي إنسان.قال تعالى : "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما"سورة النساء إن الباطل لا يعيش إلا في غيبة الحق أما حين ينتشر نور الحق وتعم هدايته العالمين فإذن سينكمش ويزول بطبيعته لان هذه سنة الحياة"وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا"ويقيننا أن الله تعالى لن يخذل دينه ولن يخفض رايته ولن يذل أتباعه فان النصر دائما للمؤمنين قال الله تعالى"إن لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"سورة غافر " ( 15) . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم