الصغير الكبير : الصحابى الجليل عمير بن سعد رضى الله عنه :

الصغير الكبير : الصحابي الجليل عُمير بن سعد رضي الله عنه :

حياته وصفته :

إنه عمير بن سعد بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه ـ الذي بايع الرسول صل الله عليه وسلم ـ وهو ما يزال غلامًا ، وأبوه هو الصحابي الجليل سعد القارئ رضي الله عنه ـ الذي شهد بدرا مع رسول الله صل الله عليه وسلم ـ والمشاهد بعدها و ظلّ أمينا على العهد حتى لقي الله شهيدا في موقعة " القادسية" انظروا إلى عظمة الإسلام شيخ في الثمانين يجاهد في سبيل الله ليصل إلى القسطنطينية ويدفن هناك , وعن ولده الصغير : منذ أسلم عمير بن سعد رضي الله عنه ـ وهو عابد لله سبحانه ، تجده في الصف الأول في الصلاة والجهاد ، وما عدا ذلك فهو معتكف في بيته ، لا يسمع عنه أحد ، ولا يراه الناس إلا قليلاً ، اشتهر بالزهد والورع ، كان صافي النفس ، هادئ الطبع ، حسن الصفات ، مشرق الطلعة ، يحبه الصحابة ويأنسون بالجلوس والحديث معه.

طفولته :

كان عمير بن سعد رضى الله عنه ـ طفل في العاشرة من عمره ، وكأن صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم ـ رضوان الله عليهم يمثِّلون كل النماذج البشرية ، ويمثِّلون كل الأعمار ، وكل الأحوال ، وكل الأطوار ، وكل البيئات ، وكل المستويات ، وكل القدرات والإمكانات ، والإسلام يجعل من الإنسان بطلاً ولو كان صغيراً ، ويجعل من الشيخ بطلاً ولو كان متقدماً في السن الغلام الصغير عمير بن سعد الأنصاري تجرّع كأس اليُتْم والفاقة منذ نعومة أظفاره ، فقد مضى أبوه إلى ربه ، ولم يترك له مالاً ولا من يعوله ، لكن أمه ما لبثت أن تزوجت رجلاً ثرياً من أثرياء الأوس في المدينة يدعى الجلاَّس بن سويد ، فكفل ابنها عميراً ، ولقي عمير مِن برِّ الجلاس وحسنِ رعايته وجميل عطفه ما جعله ينسى أنه يتيم .

وكان كلما نما عمير وشب يزداد الجلاس له حباً وبه إعجاباً فأحب الجلاس عميرا حب الابن لأبيه كما أولع الجلاس بعمير ولعُ الوالد بولده كما كان يرى به أمارات الفطنة والنجابة التي تبدو في كل عمل من أعماله , وإعجابا لما كان يرى فيه من أمارات الفطنة والنجابة وشمائل الأمانة والصدق التي يتسم بها وقد أسلم عمير وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره فوجد الإيمان في قلبه الصغير مكاناً خالياً فتمكن منه ووجد الإسلام في نفسه الصافية تربه خصبه فتغلغل في ثناياها فكان على حداثة سنه لا يتأخر عن صلاة خلف رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وكانت أمه تغمرها الفرحة كلما رأته ذاهباً إلى المسجد تارة مع زوجها وتارة وحده 0وإذا كان لأحدنا طفل صغير فليأمّل منه خيرًا إن شاء الله ، فهذا عمير في العاشرة من عمره كان بطلاً ، وسوف ترون من قصته العجب العجاب ، والذي عنده طفل يجب عليه أن يعتني به ، وعليه أن يرعاه ، وأن يعلمه , وعليه أن يؤدِّبه ، وأن يربِّيَه على قراءة القرآن , و أن ينشئه على حب النبي الكريم صل الله عليه وسلم .

عن قصة اسلامه :

أسلم الفتى عمير ، وبايع النبيَّ صل الله عليه وسلم  ـ وهو صغير لم يجاوز العاشرة من عمره ، فوجد الإيمان في قلبه الغض مكاناً خالياً فتمكن منه .
فكلما بكّرتم بالإيمان كلما تمكّن الإيمان في قلوبكم ، وكلما كانت نشأتكم منذ البداية على طاعة الله وطاعة رسوله وحب القرآن وحبِّ أهل الإيمان ، كلما نما الإيمان وترعرع حينما تكبرون , مَن لم تكن له بداية محرقة ، لم تكن له نهاية مشرقة ، ريح الجنة في الشباب ، هذه القصة عجيبة جداً لطفل في العاشرة مِن عمره
ومنذ أسلم عمير وهو عابد لله سبحانه ، تجده في الصف الأول في الصلاة والجهاد ، وما عدا ذلك فهو معتكف في بيته ، لا يسمع عنه أحد ، ولا يراه الناس إلا قليلاً ، اشتهر بالزهد والورع ، كان صافي النفس ، هادئ الطبع ، حسن الصفات ، مشرق الطلعة ، يحبه الصحابة ويأنسون بالجلوس معه.
وفى ذلك قول الشاعر :
      تعلم فليس المرء يولد عالما ـ وليس أخو علم كمن هو جاهل
     وإن كبير القوم الذى لاعلم عنده ـ صغير إذا التفت عليه المحافل .

والتاريخ يبين لنا من الموقف فى عظمة الاسلام على تكريم العلم والعلماء , ومن ذلك وفدٌ الحجازيين دخلوا على عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ـ فانزعج الخليفة منهم ، لأن فيهم غلاماً صغيراً ,وكأن هذا الغلام انتقص من قدره ، والأغرب من ذلك أن هذا الغلام وقف ليتكلم تقدم بالحديث عنهم , فقال له الخليفة عمر: اجلس ، وليقمْ مَن هو أكبر منك سنا ً، فقال: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب اللهُ العبدَ لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام ، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة مَن هو أحقُّ منك بهذا المجلس
الغلام الثاني دخل على أحد الخلفاء الكبار مِن بني أمية , هشام بن عبد الملك ، فلما رأى طفلاً صغيراً بين الوفد عاتب الحاجب ،

، وقال:
ما شاء أحدٌ أن يدخل عليَّ إلاّ دخل ، حتى الأطفال ، فقال هذا الغلام الصغير: أيها الأمير , إنّ دخولي عليك لن ينقص من قدرك ، ولكنه شرَّفني , أصابتنا سَنَة أذابت الشحم ، وسنة أكلت اللحم ، وسنة دقَّت العظم ، ومعكم فضولُ مالٍ ، فإن كانت هذه الأموال لكم فتصدقوا بها علينا ، وإن كانت لله فعلام تحبسوها عن عباده ، فقال الخليفة: واللهِ ما ترك هذا الغلام لنا في واحدة عذرًا
ومِن بطولات الغلمان ، يُذكر أنّ عبد الله بن الزبير لما مرّ به سيدنا عمر ، وكان مع جمع غفير من غلمان المدينة يلعبون ، وكان عمرُ ذا هيبة عظيمة ، فلما رأوه فرّوا وولّوا هاربين إلا عبد الله بن الزبير, فلَفَت نظرَ عمر بن الخطاب وقوفُه وأدبهُ، فقال:
يا غلام , لِمّ لمْ تهرب مع من هرب؟ قال: أيها الأمير , لستَ ظالماً فأخشى ظلمك ، ولستُ مذنباً فأخشى عقابك ، والطريقُ يسعني ويسعك .

ما هذا الإسلام الرفيع؟ ما هذا الأدب؟ وما هذه الفصاحة؟ بل ما هذه الجرأة؟ .
تفتح قلب عمير للإيمان ، وتمكن الإيمان من قلبه ، ولقي الإسلامُ في نفسه الصافية الشفافة تربةً خصبةً فتغلغل فيها ، فإذا نشأ الإنسان في طاعة الله ، أو أسْلم على كِبَرٍ فلا بأس ، جزاه الله الخير ، لكن الكبير في السن لا يعلم كثيراً مِن من دينه , ومَنْ شبَّ على شيء شاب عليه ، ومَن شاب على شيء مات عليه ، ومَن مات على شيء حُشِرَ عليه ، ومَن بلغ الأربعين ولم يغلب خيرُه شَرَّه فليتجهز إلى النار، فأروع ما في الحياة أن ترى شاباً ناشئاً في طاعة الله ، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن , فيقول:انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ". وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة " أخرجه أحمد في مسنده

إن همّه فهمُ القرآن وحفظه , همه حضور مجالس العلم , همه صلاة الليل , همه فهم العلم , هذا الشاب المؤمن يساوي وزنه ذهباً كما يقولون ، إنه شيء ثمين جداً .فما ينتظر من آباء اليوم نحو أبنائهم وبناتهم واللهِ أيها الأب , لو أنك تملك ملء الأرض ذهباً فإنّ هذا لا يقاس بابنٍ أو بنت لك نشأ في طاعة الله ، لأن هذا الابن أو البنت ثروة حقًّا ، وكل ثروتك ستتركها في الدنيا , لكن هذا الابن أو تلك البنت ثروة دائمة دنيا وأخرى بطاعتهما لله تعالى , لأن هذا الابن المؤمن والبنت الصالحة سينتفعا الناس بهما مِن بعدك , هذا الابن المؤمن الذي يُعلم الناس مِن بعدك , وهذا البنت المؤمنة اللذين يعدا استمراراً لك من بعدك , وهما ثروة كبرى ، كما في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" إن من أطيب الكسب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه " أخرجه أبو داود في سننه .

كانت أمُّه كلما رأته ذاهباً إلى المسجد أو آيباً منه تغمرها الفرحة ، ويملأ قلبها السرور ، وإننا لنعجب اليوم فى زماننا هذا مِن أبٍ ينهى ابنه عن الصلاة في المساجد ، وأشد منه من لا يريد ابنه أو بنته أن يسلكا طريق الإيمان ، فيضغط عليهما بكل الوسائل ليصرفهما عن طريق الحق ، إن أخبره ابنه أنه كان مع رفاق السوء وفي دور الملاهي فلا يتكلم كلمة راشدة ، ولا يعترض ، أمّا إذا بلغ الأب أن الابن أو البنت أنهما كانا في مجلس علم أو في مسجد يقيم الدنيا ولا يقعدها ، فما أشقى هذا الأب الذي يمنع ابنه أو بنته عن سلوك أهل الإيمان؟ .

سارت حياة الغلام عمير بن سعد رضى الله عنه ـ على هذا النحو هانئة وادعة ، لا يعكِّر صفوها معكر ، ولا يكدِّر هناءتها مكدِّر حتى شاء الله ، وها نحن الآن دخلنا في العقدة ، أول قسم في فنّ القصة اسمه البداية ، والبداية تنتهي حينما تستقرّ الأحداث ، أما إذا تأزّمت وتداخلتْ ونشأت المشكلة فهذه هي العقدة ، حتى شاء الله أن يُعرِّض الغلام اليافع لتجربة من أشدّ التجارب عنفاً ، وأعظمِها قساوةً ، وأن يمتحنه الله امتحاناً قلّما مرّ بمثله فتىً في سنه , في السنة التاسعة للهجرة أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عزمه على غزو الروم في تبوك ، وأَمَر المسلمِين بأن يستعدّوا ، ويتجهزوا لذلك ، هذه من أصعب الغزوات لبعد المسافة ، والوقت كان في أشد أشهر الصيف حرارةً ،

وكان صل الله عليه وسلم ـ إذا أراد أن يغزو غزوة لم يصرِّح بها ، وأوهم أنه يريد جهةً غير الجهة التي يقصد إليها ، لأن الحرب خدعة ، إلا في غزوة تبوك فإنه بيَّنها للناس لِبُعْدِ الشُّقَّة، وعِظَم المشَقَّة ، وقوة العدو ، ليكون الناس على بيّنة من أمرهم ، وليأخذوا للأمر أهبتَه ، ويعدّو له عدّته ، وعلى الرغم من أن الصيف كان قد دخل ، وأنّ الحرّ قد اشتدّ، والثمار قد أينعت ، والظلال قد طابت ، والنفوس قد ركنت إلى التراخي والتكاسل , على الرغم من كل ذلك فقد لبّى المسلمون دعوةَ النبي صل الله عليه وسلم ـ ، وأخذوا يتجهزون ، ويستعدَّون ، فالمؤمن الصادق أداؤه للواجبات الدينية ليس على مزاجه ، ولا حسبَ فراغه ، ليس له خِيار .

غير أن طائفة من المنافقين أخذوا يثبِّطون العزائم ، ويوهنون الهمم ، ويثيرون الشكوك , و يغمزون الرسول صل الله عليه وسلم ـ ، ويطلقون في مجالسهم الخاصة من الكلمات ما يدمغهم بالكفر دمغاً دائماً ، فالمنافق دائمًا يشكِّك , ويقول: أنا لا أقبض فلانًا ، دائماً يطعن ، دائماً يثبِّط العزائم ، دائماً يبثُّ الشكوك ، ويثير الفتنَ ، ويشقُّ الصفوفَ ، ويوهن العزائمَ ، هذه مهمة المنافق ، إنه طابور خامس ، يضعف معنويات المؤمنين ، ويضخم مِن قوة أعدائهم ، ويحلُّ بينهم الشقاق بين المؤمنين ، ويضعف عزائمهم ، ويطعن في نواياهم .

وفي يوم من هذه الأيام التي سبقتْ رحيلَ الجيش عاد الغلامُ عمير بن سعد إلى بيته بعد أداء الصلاة في المسجد ، وقد امتلأت نفسُه بطائفة مشرقة من صور بذل المؤمنين وتضحيتهم ، لقد رآها بعينه ، وسمعها بأذنه ، رأى نساء المهاجرين والأنصار يُقْبِلن على رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ، ينزعن حليهن ، ويلقينها بين يدي النبي صل الله عليه وسلم ـ ، وأبصر الغلامُ عميرُ بعين رأسه عثمانَ بنَ عفان يأتي بجرابٍ فيه ألف دينار ذهباً ، وقَدَّمه للنبي صل الله عليه وسلم .
مَن الذي قال لك: قوةُ المال أقلُّ من قوة العلم؟ المال قوةٌ كبيرة في الحياة ،

. مَن الذي قال لك: قوةُ المال أقلُّ من قوة العلم؟ المال قوةٌ كبيرة في الحياة ، والعلم قوة كبيرة ، وإذا تعاون المال والعلم تحقّق المستحيل ، أُناس آتاهم الله علماً ، وأناسٌ آتاهم الله مالا ً، أناس آتاهم الله وجاهةً وقوةً ، هذه القُوى الثلاث تشكِّل القوة الكبرى في المجتمع، لذلك كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" المؤمن القوي خير و أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كل خير , احرص على ما ينفعك , واستعن بالله ولا تعجز , وإن أصابك شئ فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا , ولكن قل قدرُ الله وما شاء , فإن لو تفتح عمل الشيطان " أخرجه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه لا بد من التفوق ، وإنّ علو الهمة من الإيمان ، لأنك إذا كنت كذلك كنت عوناً للمسلمين ، وكنت قوةً لمجموع المسلمين .

وحملَ عبدُ الرحمن بن عوف على عاتقه مئتي أوقية من الذهب ، وألقاها بين يدي النبي الكريم صل الله عليه وسلم ، هذا ما جاد به هؤلاء الأغنياء ، أمّا الفقراء فصحابي جليل حمل على كتفه فراشه الذي لا يملك غيره ، وَعَرَضَه للبيع ، ليشتري بثمنه سيفاً يقاتل به في سبيل الله ، فالكبير والصغير ، والرجل والمرأة ، والغني والفقير ، كل هؤلاء الصحابة الكرام بذلوا لهذه المعركة الحاسمة الشاقة والطويلة.هذا الطفل الصغير عمير بن سعد رضى الله عنه ـ استعاد هذه الصورة الفذة الرائعة ، لكنه عجب أشَدّ العجب لتباطؤ الجلاس زوج أمه عن الاستعداد للرحيل مع الرسول صل الله عليه وسلم ـ ، وعجِب لتأخره عن البذل على الرغم من قدرته ويساره ، وحينما عرض عمير بن سعد على عمه زوج أمه هذه الصور الفذّة ، وهذه البطولات الرائعة ، وهذا البذل السخي ، وهذه التضحية ، أراد أن يستثير حماسة عمّه ،

وحينما عرض عمير بن سعد على عمه زوج أمه هذه الصور الفذّة ، وهذه البطولات الرائعة ، وهذا البذل السخي ، وهذه التضحية ، أراد أن يستثير حماسة عمّه ، فقصَّ عليه أخبار ما سمع ، وأخبار ما رأى ، وخاصةً خبر أولئك النفر من المؤمنين الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه في لوعةٍ أن يضمّهم إلى الجيش الغازي في سبيل الله فردَّهم النبي صل عليه وسلم ، لأنه لم يجد عنده من الركائب ما يحملهم عليه ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حَزَناً ألا يجدوا ما يبلغهم أمنيتَهم في الجهاد وهكذا سارت حياة الغلام عمير بن سعد هانئه وادعه مطمئنه حتى شاء الله عز وجل ان يتعرض الغلام الى تجربه من اشد التجارب قسوه وعنفاً وتعالو نعرف محنه الغلام .

ومن هذه المواقف التى تدل على حبه وغيرته على الإسلام وصدقه عندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن زوج والدته الجُلاس بن سويد زوج أم عمير بن سعد الذي أحبّه حبًّا جمًّا ما كاد يسمع من عمير ما سمع حتى انطلقت من فمه كلمة أطارت صواب الفتى المؤمن ، قال الجلاس:
إن كان محمّدٌ صادقاً فيما يدّعيه من النبوة فنحن شرٌّ من الحمير ، -ما هذه الكلمة؟ هذه كلمة الكفر بعينها- فدهش عمير مما سمع ، ولم يكن يظن أن رجلاً له عقل عمّه وسنّه تندُّ من فمه مثل هذه الكلمة ، التي تُخرِج صاحبَها من الإيمان دفعة واحدة، وتدخله في الكفر من أوسع أبوابه
هنا المشكلة ،

غلام في سن العاشرة حُمِّل ما لا يطيق فإنْ سكت على عمّه ، وتستر عليه فقد خان الله ورسوله ، لأن النبي يحسبه مؤمناً ، بينما هو منافق وليس مؤمنا ً، بل كافرٌ محسوب على النبي صل الله عليه وسلم ـ أنه من أصحابه ، وإنْ أذاع هذا الكلام كان عقوقاً لعمّه ، وهو الذي أنقذه من الفقر واليتم ، وأكرمه ، وأطعمه ، وألبسه ، ورعاه ، وقدّم له كل ما يحتاج ، إنه موقف عسير وخطير وشديد ، وإنه لصراع عنيف ، وكان على الفتى أنْ يختار بين أمرين ، أحلاهما مُرّ ٌ, إن أبلغ النبي فقد عقَّ عمّه ، وإن سكت عنه فقد خان النبى صل الله عليه وسلم ـ

ما هو موقف عمير من الجلاس حينما سمع منه تلك الكلمة , وهل أنكر الجلاس كلام عمير أمام رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وكيف تبينت الحقيقة ؟
لقد التفت عمير بن سعد إلى الجلاس ، وقال:
واللهِ يا عمّ ما كان على ظهر الأرض أحدٌ بعد محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم ـ أحبّ إليّ منك ، وقد كنتَ آثرَ الناس عندي ، وأجلَّهم يداً عليّ ، ولقد قلتَ مقالةً: إنْ ذكرتُها فضحتْكَ ، وإنْ أخفيتُها خنتُ أمانتي ، وأهلكت نفسي وديني ، وقد عزمتُ على أن أمضي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قلت، فكن على بيِّنة من أمرك , وتصرف الفتى هذا لم يكن من خلف ظهر علمه .
-طبعاً العم كبير وثري ، ومن وجهاء المدينة ، والطفل عمره عشر سنوات ، فهل يُعقَل أنْ يقبل التحدِّي؟-

فمضى الفتى عمير بن سعد إلى المسجد ، وأخبر النبي صل الله عليه وسلم ـ بما سمع من عمه الجلاس بن سويد ، فاستبقاه النبي صل عليه وسلم ـ عنده ، وأرسل أحدَ أصحابه ليدعو له الجلاس ، وما هو إلا وقت قليل حتى جاء الجلاس فحيّا رسول الله صل الله عليه وسلم قال تعالى: " ألم تر إلى الذين نُهوا عن النجوى ثم يعودون لما نُهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاؤك حيوك بما لم يُحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يُعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير " سورة المجادلة الآية: 8 ـ

وجلس بين يدي النبي صل الله عليه وسلم ـ يا جلاس ، مقالةٌ سمعها منك عمير بن سعد رضى الله عنه ، وذكر له ما قاله ، فقال: يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ , كذب عليَّ وافترى ، فما تفوهت بشيء من ذلك ، فكيف صار وضع هذا الطفل الصغير؟ وأخذ الصحابة ينقِّلون أبصارهم بين الجلاس وفتاه عمير بن سعد رضى الله عنه ـ ، كأنهم يريدون أن يقرؤوا على صفحتيْ وجوههما ما تكنُّه صدورهما، وجعلوا يتهامسون ، فقال واحد من الذين في قلوبهم مرض: فتى عاق ، أبَى إلا أن يسيء لمَن أحسن إليه ، وقال آخرون: بل إنه فتىً نشأ في طاعة الله، وإن قسمات وجهه لتنطق بالصدق , التفت النبي صل الله عليه وسلم ـ إلى عمير فرأى وجهه محتقنًا بالدم ، والدموع تنحدر من عينيه ، وتتساقط على خديه وصدره ، وهو يقول:" اللهم أنزل على نبيك بيانَ ما تكلمتُ فيه" .

هذا الطفل الصغير يدعو الله عز وجل أن ينزل وحياً يصدِّق مقالته ، فانبرى الجلاس ، وقال: إنّ ما ذكرته لك يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ هو الحق ، وإن شئتَ تحالفن ، نقسم بين يديك ، وإني أحلف بالله أني ما قلت شيئاً مما نقله إليك عمير ، فما إن انتهى من حلفه ، وأخذت عيونُ الناس تنتقل عنه إلى عمير بن سعد حتى غشيت رسول الله صل الله عليه وسلم ـ السكينةُ ، فعرف أصحابُه أنه الوحي ، نزل الوحي مباشرةً ، فلزموا أماكنهم ، وسكنت جوارحهم ، ولاذوا بالصمت ، وتعلقت أبصارهم بالنبي صل الله عليه وسلم ـ ، وهنا ظهر الخوف والوجل على الجلاس ، وبدا التلهُّفُ والتشوُّفُ على عمير ، وظل الجميع كذلك حتى سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ، فتلا قوله جل جلاله: " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يُعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير " سورة التوبة الآية: 74 ـ

فارتعد الجلاس مِن هولِ ما سمع ، وكاد ينعقد لسانه من الجزع ، ثم التفت إلى النبي صل الله عليه وسلم ـ وقال: بل أتوب يا رسول الله صل عليه وسلم ـ ، بل أتوب ، صدق عمير يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ، وكنت أنا من الكاذبين ، اسأل اللهَ أنْ يقبلَ توبتي ، جعلت فداك يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ، وهنا توجّه النبيُّ صل الله عليه وسلم ـ إلى الفتى عمير بن سعد ، فإذا دموعُ الفرح تبلِّل وجهه المشرق بالإيمان ، فمدَّ النبيُّ صل الله عليه وسلم ـ يدَه الشريفة إلى أذنه ، وأمسكها برفق ، وقال: وفّتْ أذنُك يا غلام ما سمعت ، وصدَّقك ربك ، وعاد الجلاس على إثر هذه الحادثة إلى حظيرة الإسلام ، وحسُن إسلامُه .
-أمّا أروع ما في القصة- وقد عرف الصحابة صلاحَ حاله ممَّا كان يغدقه على عمير من بر، فعوضاً أنْ يطردَ عميرًا ضاعف له إكرامه ، وأغدق عليه من البر الشيء الكثير، وكان الجلاس يقول كلما ذكر عميرًا: جزاه الله عني خيراً ، فقد أنقذني من الكفر، وأعتق رقبتي من النار "

ما نتعلمه من هذه القصة اليوم :

إن هذة القصه تفضح كثير من شباب هذه الايام وشيوخها , نعم تفضح قلوب أصبحت لا تعرف شيئاً عن الولاء البراء إن قصة الولاء البراء هى من أهم القضايا التى يجب أن يعرفها ويتعلمها ويطبقها المسلم فى حياته لقد ذهب الفتى الصغير عمير الى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره بما كان من الجلاس رغم مكانة الجلاس فى قلبه رغم افضال الجلاس عليه وهوالغلام اليتيم عمير لايخشى فى الله لومة لائم ولا يعرف الا الحق صديقاً ورفيقاً - عمير غلام فعل مالم نستطيع ان نفعله نحن , عمير تبرء من الباطل والنفاق والزور والخداع- عمير حافظ على نظافة جوارحه طاهره نقيه لا تعرف الا الله نصيراً - فاين تربيتنا لأبنائنا اليوم ماذا علمناهم تركناهم امام التلفاز يتعلمون الاخلاق السيئه من المسلسلات والافلام الهابطة التى لا تأتى الا بكل ما هو سيىء وخبيث علمناهم التفاهه من خلال أفلام الكرتون التى لاتحظى بمادة جيدة ذات أثر على أولادنا.

. يا أصحاب القنوات التليفزيونية اتقوا الله فينا يامن تسمون أنفسكم مبدعين لماذا لا توجد أفلام تصور حياة هؤلاء الغلمان الذين فعلوا كل ما في وسعهم في سبيل نشر الدين , الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل إعلاء لا اله إلا الله محمد رسول الله صل الله عليه وسلم وانتم يا أولياء الأمور لماذا لا تجلسون مع أطفالكم وتقصوا عليهم هذه السيرة العطرة لأصحاب الرسول صل الله عليه وسلم حتى يتخذ أبناؤكم الصحابة الأطهار قدوه لهم بدلاً من أن يتخذوا المطرب والمغنى والممثل والراقص وهكذا يا أولياء الأمر انتم محاسبون على تربيه أبنائكم وتنشئتهم على حب الدين وحب نشره ورفعة رايته عالية خفاقة .