من أسباب النصر وطريق الفلاح :

من أسباب النصر وطريق الفلاح :

الله عزوجل جعل لنصره أسبابا يتمثل ذلك فى أناس , يتمسكون بحبل الله وشرعه الحكيم من خلال قدوة صالحة تلتزم مسارها , سنة رسول الله صل الله عليه وسلم
طاعة فيما جاءه من الحق , الذى لن يضل من تمسك به , ولن ينحرف من اتخذه دليلا وهاديا , ومن هؤلاء الذين صدقوا فى اقتدائهم وتمسكهم بمنهج الإسلام الشافى الوافى سيدنا أبو بكر رضى الله عنه ـ عندما أرسل يزيد ابن أبى سفيان قائدا على جيش المسلمين إلى الشام , فكان مما أوصاه به قوله " وعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك كما يرى من ظاهرك "

وفى هذه الوصية دعوة لكل قائد أن يعلم بأن القضية ,
ليست فى المظاهر الخادعة التى نخدع بها أنفسنا وغيرنا من الناس , وليست الأعمال والأقوال تُصرف فى الرياء وحب المدح والثناء , وإنما أساس القضية أن نكون ما نأتيه من أعمال وجهاد ينبع عن تقوى ومراقبة الله تعالى , إذ أن كافة العبادات التى شرعها الإسلام إنما كان الغاية والهدف منها تحقيق تقوى الله , التى تعصم العبد من الإنحراف والوقوع فى المعاصى والمنكرات , وتأخذ بيده إلى طريق الإستقامة على النهج الأمثل والعبادة الخالصة كما فى قوله تعالى :" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " سورة الحشر الآية 7 ـ

وهذه هى حقيقة التقوى التى أراد الصديق رضى الله عنه ـ أن ينصح بها قائد جيشه حتى يحقق الله له نصره , ويؤيده بروح من عنده وذلك كان من نصائح الصديق رضى الله عنه ـ عامة أن يقول لأصحابه دائما " إنه لايُنال ما عند الله بمعصيته " وبذلك يعلم أبو بكر رضى الله عنه قائده أن الله تعالى يعلم السر كما يعلم العلن , وهو مطلع على الباطن إطلاعه على الظاهر , فالقلوب محل رؤيته ومعيار القبول , وهى بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء , وبغير التقوى تصبح الأجساد خاوية هاوية , وتسقط الأفراد أمام كل نازلة أو كارثة , ولكنها تكون صامدة بالتقوى والقلب السليم , والباطن الطاهر , والنية الصادقة والصدر الذكى والفؤاد النقى , الذى يضم بين جنبات نفسه حب الله , وطلب الشهادة فى سبيل مرضاته ,

, ومن ثم كانت وصية الصديق رضى الله عنه ـ زادا روحيا تمنح كل من أخذ بها , ثباتا وصمودا كما تهبه شجاعة المقاتل الذى أصبح ظاهره لله وباطنه لله , فيكون بذلك جنديا من جنود الله بل أسد فى معركة الحق
ويواصل سيدنا أبو بكر رضى الله عنه وصيته وتوجيهه لقائده فيقول :" وأصلح نفسك , يُصلح الله لك الناس , وصل الصلاة لأوقاتها باتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها "

وفى هذه النصيحة نتلمس فيها رؤية السياسى العابد , فهو يريد أن يقول لقائده أن عيون جندك عليك , وكذلك كل من يرونك من غيرهم من الناس , من أهل البلاد التى ستنزل بها , فإن صلح حالك ودينك قلدوك وأحسنوا طاعتك , لأنك بدات بنفسك فأدبتها , وروضتها حتى أصبحت هى النفس الزكية المطمئنة الطائعة
لا عصيان ولا ذنوب , ولا معصية ولاعدوان , وإنما خلق مرضى , وسلوك نقى , وباطن تقى يقول صل الله عليه وسلم ـ " اتق المحارم تكن أعبد الناس , وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ..."

يقول العالم الجليل محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى :" إن رياح النصر لا تهب إلا على رجال يريدون وجه الله تعالى فى كل ما يعملون " ويذكر الصديق رضى الله عنه قائده وجنوده بمهام الأمور وأعظم العبادات التى بها يتأكد للعبد الصلاح والفلاح وهى إقامة الصلاة على وقتها , مع الإتيان بها كاملة غير منقوصة , بخشوع وخضوع متمثلا الهيبة والخوف بين يديه سبحانه , تناجيه وتثنى عليه بما أولاك من النعم والمنن والعطايا التى أنزلها رحمة بك , فأخرجك بها من الظلمات إلى النور , ومن الذل إلى العز , ومن القلة إلى الكثرة , ومن الفقر إلى السعة والغنى , ومن الضعف إلى القوة , حتى أصبحت الأمة كما قال تعالى :" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " سورة آل عمران

ويذكر لنا صاحب تفسير المنار عند قوله تعالى :" الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر " فقد جاءت هذه الآية بعد ما أذن الله تعالى للمسلمين بالقتال , وبهذه الصفات فتح المسلمون الفتوحات ودانت لهم الأمم طوعا , وبتركها سلب أكثر ملكهم .." فالمسلمون الأوائل عندما التفوا حول عبادتهم لله تعالى , واستمعوا جيدا إلى ما أنزل الله على رسوله , وحافظوا على ما أدبهم الله به كان لهم النصر والفلاح قال تعالى :" قد أفلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون , والذين هم عن اللغو معرضون , والذين هم للزكاة فاعلون , والذين هم لفروجهم حافظون , والذين هم لآمانتهم وعهدهم راعون , والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " سورة المؤمنون .

وهذا هو منهج الله تعالى الذى لن يُفلح أبدا من خرج عنه وعاش بغيره , فتأمل تاريخ أمتك الذى يريد البعض أن يصرفنا عنه , واعلم أنه لن ينتصر الإسلام إلا بما كان عليه سلفنا الصالح , إنهم رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه " رغم ما قابلوا من صعاب وشدائد واجهوها وعقبات تغلبوا عليها :" فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " سورة الأحزاب وما ضعفوا وما هانوا ولا استكانوا , بل كان الموت أحب إليهم من الحياة , ويحكى لنا التاريخ ما كان من البطل الهمام والمسلم المناضل صلاح الدين الأيوبى أنه كان له صناديق يضع فى بعضها التراب , الذى كان ينفضه عن ملابسه أثناء المعارك , حتى أنه صنع من هذه التراب اثنتا عشرة لبنة من الطوب , لأجل وضعها تحت رأسه حين يموت ويدفن فى قبره ,

, وكان محمد الفاتح رحمه الله " للقسطنتنيه " يصوم نهاره , ويقوم ليله حسبة لله وابتغاء رضوانه وهذه بعض أمثلة
تصف لنا قواد المسلمين فى الماضى , ضربوا بها فى سبيل الله , جهادا وتضحية وعرقا , مع حرصهم على العبادة وتلاوة القرآن الكريم , واستعمال القوة بالسيف مع التضرع والإلحاح فى الدعاء , لأن معركة بلا عبادة رحلة بلا فجر , وبذر بلا ثمر , وطريق بلا دليل , إن المجتمع الصالح الفاضل هو الذى يثق بما عند الله أوثق مما فى يده , متمسكا بما جاء عن نبيه صل الله عليه وسلم ـ وهم الجاديرون بوعد الله قال تعالى :" وعد الله لايخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لايعلمون " سورة الروم

والناجحون الفائزون فى سعيهم وجهادهم هم الذين يُدركون سر قول الله تعالى :" وإن تطيعوه تهتدوا " وحين يتحدث القران عن جونب شخصية المسلم وأهم ما يجب أن يتمثل به فى نفسه وجوانب حياته أن يصوغها أحسن ما قال الله وفصل :" صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون " سورة البقرة وحين يحقق المسلم لنفسه تلك الأخلاق العالية فإنه يتصف بصفات , تُجمل ظاهره وتطهر باطنه , وبذلك يصبح الإنسان الذى أراده الله أن يكون , فيعيد بذلك للعالم الطريق السوى , ويتجدد به دنيا يعيشها الأطهار , ويحيا لها الأبرر , وهذه هى رسالة النبى محمد صل الله عليه وسلم ـ التى أرادها الإسلام , وصاغها القرآن , وتلك هى قواعد العدل وأساسيات النصر , يقول تعالى :" يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم " سورة الأنفال . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

بين اليأس والأمل :  

الحياة من غير أمل كجسد بلا روح  , فلا يأس مع الحياة , ولا حياة مع اليأس , والعاقل هو من ينظر فى الأمور وعواقبها و يجد لكل عقدة حلا أو يحاول على الأقل تقدير مانزل به من مشكلات  , والأحمق يرى في كل حل مجموعة من العقد المتشابكة , ويعيش حياته فى ظلام دامس فى غير أمل  , وبما أن صحيح الشرع لا يمكن أن يتناقض مع صحيح العقل , لأن التشريعات موجهة لمصالح العباد , فقد عدّ العلماء : اليأس والقنوط من رحمة الله  عزّ وجل  من الكبائرعن ابن عباس  رضي الله عنهما  :"  أن رجلا   قال : يا رسول الله ما الكبائر  ؟ قال : صل الله عليه وسلم   :  ” الشرك بالله والإياس من روح الله والقنوط  من رحمة الله , من وقاه الله إياها وعصمه منها ضمنت له الجنة   ”

وهذا يعقوب عليه السلام يقول لولده : " يا بني تحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " سورة يوسف: الآية 87 , ويقول الحق سبحانه وتعالى" : " قل يا عبدي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " سورة الزمر: الآية 53 .فلا ييأس مذنب من العفو , لأن الله تعالى فتح باب التوبة واسعا , وفي الحديث القدسي أن رسول الله صل الله عليه وسلم : ” يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي , يا بن آدم لو جئتني بقراب الأرض خطايا لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بمثلها مغفرة ” أخرجه الترمذي .ولا ييأس مريض من عدم الشفاء مهما كان مرضه عضالًا , فعليه أن يأخذ بأسباب التداوي مع التعلق بحبل الله في الشفاء , ولنا في أيوب عليه السلام أسوة ، يقول الحق سبحانه :" وأيوب إ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكري للعابدين " سورة الأنبياء الآية 83 ، 84.

وإن كنت عقيماً لا تنجب فلا تيأس من رحمة الله وفيض عطائه , فهذه امرأة إبراهيم عليه السلام عندما بشرتها الملائكة بالولد على كبر سنها تقول: " يا ويلتي آلد وهذا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " سورة هود: الآية 72 ، 73 ، وزكريا عليه السلام عندما دعا ربه فقال :" رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ب شقيا , وإني خفت الموالي من ورائى وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليا " سورة مريم: الآية 4 ، 5 وجاءته الاستجابة الربانية العاجلة قال تعالى :" يا زكريا إنا نبشرك بعلام اسمه يحي لم نجعل له من قبل سميا " سورة مريم: الآية 7 ـ , وعندما تساءل عليه السلام :" رب أني يكون لي غلام وقد لغني الكبر وامرأتي عاقرا قال كذلك الله يفعل ما يشاء " سورة آل عمران: الاية 40 ـ جاءه الجواب قال تعالى :" كذلك قال ربك هو عليَّ هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " سورة مريم : الآية 9ـ . وإن كنت في حالة من ضيق اليد فاعلم أن فقير اليوم قد يكون غني الغد , وغني اليوم قد يكون فقير الغد , والأيام دول , وأن الله تعالى إذا أراد للعبد شيئًا أمضاه له قال تعالى :" إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " سورة يس: الآية 36ـ , ويقول سبحانه وتعالى :" ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يُمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " سورة فاطر الآية 2ـ .

 ومهما تكن لحظات حياتك عصيبة فتعلق بحبل الله عز وجل ، فهذه مريم عليها السلام عندما أظلمت الدنيا في عينيها ولم تجد ملجئًا من الله إلا إليه قالت:
يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً " سورة مريم مريم: الآية 23 ـ فكان الغوث والرحمة في قوله تعالى: " فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك ثريا , وهُزي إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رطبا جنيا , فكلى واشربي وقر عيني فغما ترين من البشر أحداً فقولي إني نظرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم إنسيا " سورة مريم: الآية 24 ، 25، 26ـ .وها هم المسلمون في غزوة الأحزاب عندما أطبق عليهم المشركون من كل جانب لكن النصر جاءهم من حيث لم يحتسبوا كما صور ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى :" يا أيها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جُنودٌ فأرسلنا عليهم ريحا وجُنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا , وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا , هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً " سورة الأحزاب: الآية 9 ، 10 , 11 ـ .

وها هو سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما ألقاه قومه في النار كان النجاء من عند الله :" قلنا يا نار كوني بارداً وسلاماً على إبراهيم , وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " سورة الأنبياء : الآية 69 , 70ـ وهذا يونس عليه السلام عندما التقمه الحوت فلجأ إلى الله عزوجل واستمسك بحبله كانت الرحمة والنجاة متتابعتين له من ربه ، يقول الحق سبحانه : وذا النون إذ ذهب مُغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادي في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين , فاستجبنا له ونجينه من الغم وكذلك نُنجي المؤمنين "سورة الأنبياء : الآية 87 ، 88 .

ومن رحمة الله عز وجل بنا أنه يحاسبنا على الأخذ بالأسباب ، أما النتائج فمردها إليه سبحانه ، فإن أحسنّا الأخذ بالأسباب وأحسنّا التوكل على الله عز وجل فتح لنا أبواب رحمته في الدنيا والآخرة ، فيروي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صل الله عليه وسلم يقول :" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ." أخرجه أحمد ,ويقول الحق سبحانه :" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " سورة الطلاق : الآية 2 ـ , ويقول سبحانه : " ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدراً " سورة الطلاق : الآية 3 ـ ،ويقول سبحانه : " ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرا " سورة الطلاق الآية 4 ـ ،ويقول سبحانه : " أليس الله بكاف عبده ويُخوفونك بالذين من دونه ومن يُضلل الله فما له من هاد " سورة الزمر : الآية 36 ـ

غير أن الأمل بلا عمل أمل أجوف ، وأمانٍ كاذبة خاطئة ، وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ” لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول : " اللهم ارزقني وقد علمت أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة " ، ولا يكفي مجرد العمل ، إنما ينبغي أن يكون العمل متقنًا ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها رضي الله عنها أن النبي صل الله عليه وسلم قَالَ: " إن الله يُحب إذا عمل أحدكم عملا أن يُتقنه " مسند أبي يعلى رواه البيهقي في الشُعب ، ويقول الحق سبحانه :" إِنَ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " سورة الكهف : الاية 30 والإسلام لم يدعُ إلى العمل ، أي عمل فحسب ، وإنما يطلب الإجادة والإتقان،.وذلك مع ضرورة مراقبة الله عز وجل في السر والعلن ، فإنه من الصعب بل ربما كان من المستبعد أو المستحيل أن نجعل لكل إنسان حارساً يحرسه، أو مراقبًا يراقبه ، وحتى لو فعلنا ذلك فالحارس قد يحتاج إلى من يحرسه ، والمراقب قد يحتاج إلى من يراقبه ، لكن من السهل أن نربيَ في كل إنسانٍ ضميراً حياً ينبض بالحق ويدفع إلى الخير لأنه يراقب من لا تأخذه سنة ولا نوم .,

وللتأكيد على أهمية العمل دعانا الإسلام إلى أن نعمل إلى آخر لحظة من حياتنا، حتى لو لم ندرك ثمرة هذا العمل ، وما ذلك إلا لبيان قيمة العمل وأهمية الإنتاج للأفراد والأمم، كما في حديث أنس بن مالك رضي اله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة , فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها " الأدب المفرد .كما دعا القرآن الكريم إلى العمل ، وجعله في مصافّ العبادات ، فقد نادانا الحق سبحانه لصلاة الجمعة هذه الشعيرة العظيمة بأمرٍ، ثم صرفنا إلى العمل بأمرٍ مساوٍ له حيث يقول تعالى:" يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون , فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تُفلحون سورة الجمعة 9 – 10ـ وكان سيدنا عِرَاكُ بن ُ مالك رضي الله عنه ": إِذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال :" الله إني أجبت دعوتك وصلين فريضتك , وانتشرت كما أمرتني , فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين " تفسير ابن كثير .
. " . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

السعي على المعاش جهاد :

كما في حديث أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة ، قالوا: فما يكفرها يا رسول الله؟ قال: الهموم في طلب المعيشة. رواه الطبراني في الأوسط , والديلمي في مسند الفردوس , وأبو نعيم في الحلية بألفاظ مختلفة متقاربة."إذا كان الإسلام يدعو إلى العمل والإنتاج فإنه يرفض وبشدة البطالة والكسل والتسول ، لأن ذلك من أسباب تأخر البلاد وهلاك العباد ، وقد كان النبي صل الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العجز والكسل ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله صل الله عليه وسلم يَقُولُ : " اللهم غني أعوذ بك من العجز والكسل والجُبن والبخل والهَرَمِ والبُخل وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات أخرجه مسلم.

ومن ثَمَّ كان ترغيب الرسول الكريم صل الله عليه وسلم في العمل ونهيه عن البطالة والكسل ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَال رسول اللهِ صل الله عليه وسلم " : لأن يحتطب أحدكم حُزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطه أو يمنعه " أخرجه البخاري ، وعَنِ ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: سُئل رسول الله صل الله عليه وسلم :" عن أطيب الكسب فقال" عمل الرجل بيده وكُل بيع مبرور " أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير. و حديث المقداد رضي الله عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم اللهِ قَالَ :" ما أكل أحدٌ طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأل من عمل يده " أخرجه البخاري. و حديث أَبِي هريرة رضي الله عنه قَال: قَال رسول الله صل الله عليه وسلم : " إن من الذنوب ذنوبا لا تُكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة , قالوا :" فما يُكفرها يا رسول الله ؟ قال :" الهموم في طلب الرزق " أخرجه الطبراني ،

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قَالَ : "الساعِى عَلَى الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل اله وأحسبه قال :" وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يُفطر " متفق عليه.وما كل ذلك إلا للتأكيد على أهمية العمل والإنتاج ، إذ إن الأمم لا تملك كلمتها ولا إرادتها إلا إذا عمل أبناؤها جميعًا على رقيها ونهضتها ، واستطاعت أن تنتج طعامها ، وشرابها ، وكساءها ، ودواءها ، وسلاحها ، وسائر مقومات حياتها ، ولن يكون ذلك إلا بالعلم والعمل والتخطيط الجيد. موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الأمة بين الأمل والعمل :

الأمة الإسلامية بحاجة إلى استلهام الدروس وأخذ العبر من القرآن الكريم ، والله سبحانه وتعالى قد بيَّن للأمة في القرآن أحوالها مع مخالفيها.وهي في حالتها الراهنة تمر بمرحلة ضعف وتشتت وظلام ، ومع ذلك فإن المؤمن كلما ازداد الباطل بطشاً وطغياناً ازداد إيمانه بأن هذا هو بداية النهاية لهذا الباطل. حاجة المسلمين إلى استلهام الدروس من القرآن وبيان أحوال الأمة مع مخالفيها في القرآن اقرءوا وتأملوا في حديث القرآن عن أحوال الأمة مع مخالفيها قال تعالى : " إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تُصبكم سيئة يفرحون بها وإن تصبروا لا يضركم كيدهم شيئا " سورة آل عمران الآية 120 وقال تعالى :" قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين , هذا بيان للناس وهُدي وموعظة للمتقين , ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " سورة آل عمران الآية 137-139 .ويقول تعالى :" ولا تَهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " " سورة النساء الآية 104 ـ

إن أمتنا الإسلامية تمر في حالها الراهنة بأوضاع من الضعف والتشتت ، وظلام الطريق ، بينما يمر آخرون بموجات من الاستعلاء والقوة ، ونزعات التفرد ، إن كل ذلك على ظلامه وبأسائه يشير إلى أفقٍ مضيء ، وسبيل عامرٍ بالأمل بإذن الله.نعم. لئن كان الباطل يزداد بطشاً وطغيانا وغدراً ، وصورة ذلك جلية في عدوان اليهود في فلسطين المحتلة ، في القتل والهدم والتشريد والصلف والاستكبار، لئن كان الباطل يزداد بطشاً وطغياناً وغدراً بهذه الصورة ، فإن ذلك عند المؤمن في إيمانه ، وبمعرفته بسنن الله، هو بداية النهاية بإذن الله قال تعالى : " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين " سورة يوسف الآية الآية 110 ـ وقال تعالى :" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الذين أمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب " سورة البقرة الآية 214ـ . وقال تعالى :" ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لك يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب " سورة الحشر الآية 2ـ . إن المسلم لا يسرف في التعلق بالأماني ، وسراب التمنيات ، ولكنه في الوقت ذاته ، لا يكون منكس الرأس في مستنقعات الهزائم ، ومواطن الذل والمهانة.

أهمية الأمل في حياة المسلم :

إن أمل المسلم ليس مكابرة ولا قفزاً على الواقع والوقائع ، ولكنه عقيدة راسخة يؤمن بها ويعمل في إطاره ا ، سندها كتاب الله عز وجل قال تعالى :" ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الضالون " يوسف 87 ـ وقال تعالى :" ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " سورة الحجر:56 ـ .إن اليأس حيلة العاجز الذي يؤثر الانسحاب والعزلة. إن البلاء يُحتمل بعظم الرجاء ، والفرج طريقه الثقة بالله العلي الأعلى ، والمؤمن الحق لا تزلزله المحن ، ولا تهزه المتاعب والشدائد ، بل يزيده ذلك عطاءً وبذلاً وتضحية

قال تعالى :" وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يُحب الصابرين , وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين , فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يُحب المحسنين " سورة آل عمران الآية 146 ـ 148 .و إن من أعظم مهمات أهل العلم والرأي والدعاة والمصلحين أن يشيعوا الأمل الصادق في نفوس الأمة ؛ الأمل الذي يدعو إلى الثبات على الدين ، والعض عليه بالنواجذ ، والعمل على نصرته ، والذب عن حياضه ، واليقين ، لأن نصر الله لن ينزل على أوليائه بمعجزة خارقة ، ولكن بسنة جارية ، يمتحن فيها العباد ليبلوهم ربهم أيهم أحسن عملا.وهذا لا يتحقق بموعظة تتلى ، أو خطبة تلقى فحسب ، ولكن بقدواتٍ صالحة قوية بإذن الله ، ذاقت حلاوة الإيمان ، وصدقت بموعود الله لأوليائه المتقين.