رجال أعلام من الرعيل الأول .

رجال أعلام :

الصحابى الجليل عتبة بن غزوان
( منشئ مدينة البصرة )

كان سابع سبعة ومن السابقين إلى الإسلام , حيث بسط يمينه مبايعا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وقد تحدى قريشا بكل ما تملك من بأس وقوة على الإنتقام , ولقد كان هذا الصحابى عتبة بن غزوان ـ أحد الرماه الأفذاذ الذين صنعهم الإيمان فأصبح من أولئك الأبطال البواسل , الذين أبلوا فى سبيل الله بلاء حسنا وأعظمه , ولقد كان عتبة رضى الله عنه ـ نموذجا فريدأً فى الجاهد وقوة التحمل حيث شارك رفاقه من جماعة المؤمنين , ذلك الصمود العظيم الذى كان بمثابة اعداد نفسى وزادا روحيا يتغذى به الضمير الإنسانى , وينمو على مر الأيام حتى حان وقت الإعداد والتخطيط للهجرة إلى المدينة المنورة ,

, وفى تلك الأوانة أذن الله تعالى للمؤمنين بالقتال والدفاع عن أنفسهم , ومواجهة أهل الشرك والطغيان فى مكة , ولقد كان لعتبة رضى الله عنه ـ من قوة الإرادة وصدق الإيمان فى الدفاع عن الإسلام , حيث كان يحمل رماحه ونباله والرمى بها فى وجوه أهل الكفر والطغيان , ولم يضع سلاحه فى الزود عن الحق والدفاع مع صاحب الرسالة صل الله عليه وسلم ـ فى تثبيت دعائم الفضيلة ونشر نور الإيمان إلى أن لحق رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بالرفيق الأعلى ,

ولم يقف عند هذا الحد بل ظل
يضرب فى الأرض مجاهداً , مع جنود الإسلام العظام الذين خرجوا من أجل قتال الفرس , فقد اختاره سيدنا عمر رضى الله عنه ـ ليقوم بفتح " الأبلة " وقد احتشد بها جيش الفرس احتشادا قويا , ليتخذوا منها مكانا حصينا للقضاء على الإسلام , وضرب قواته الزاحفة عبر الأمبراطورية الفارسية , وقد وقف عتبة لهذه الغزوة منظما ومخططا و تقدم الجيش حاملا رمحه بيده التى لم يعرف
الناس لها زلة , منذ عرفت الرمى وصاح فى جنده " الله أكبر " صدق وعده "

وهناك كان النصر حليف المؤمنين وانتهت المعركة بهزيمة الفرس واستسلامهم
وطهرت أرض " الأبلة " من جنود الفرس وفى هذا الوقت عمل عتبة رضى الله عنه فى التخطيط لمدينة البصرة  وهى بأرض العراق مكان " الأبلة " وعند تأسيسه رضى الله عنه ـ لمدينة البصرة كان أول ما أنشأ بها بناء المسجد العامر العظيم , الذى شهد حلقات العلم والدروس أزمنة عديدة وظل بها يصلى بالناس ويفقه أهلها بأمور دينهم , ويحكم بينهم بالعدل ويضرب لهم أروع الأمثال فى الزهد والورع والبساطة , وقد أراد عتبة أن يغادر البصرة إلى المدينة هربا من مسؤلية الإمارة وتبعاتها ,

, إلا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ـ أمره بالبقاء ثم لما جاء موسم الحج استخلف مكانه أحد اخوانه ليؤدى فريضة الحج , فلما قضى حجه سافر إلى المدينة ليسأل أمير المؤمنين اعفاؤه من الإمارة ولكن عمر رضى الله عنه أبى أن يفرط فى الفارس الهمام التقى الزاهد , وكان يقول تضعونى أماناتكم فوق عنقى ثم تتركونى وحدى , والله لا أعفيكم أبدا
وقد استجاب عتبة لرغبة أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه ـ وبينما وهو فى طريقه إلى البصرة لتنفيذ ما طلب منه عمر أدركه الموت , وفاضت روحه إلى بارئها بعد جهاد عظيم بذله لله وفى سبيل رضاه , فرضى الله عنه وعن الصحابة
أجمعين أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

صاحب السيف البطار القائد البطل
أبو دجانة رضى الله عنه :

أبو دجانة رضى الله عنه ـ من الأبطال الكبار الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن الإسلام ورسوله صل الله عليه وسلم ـ فقد ساهم فى معظم الغزوات ضد أهل الشرك والإلحاد , فكانت الإنتصارات والبطولات المؤيدة بنصر الله تعالى لدينه
وظهوره على كل الأديان , وقد تربى أبو دجانة فى مدرسة الرعيل الأول من الذين لازموا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ونهلوا من أدبه وأخلاقه فنصر الله به الحق وأيد به اخوانه من أهل الإيمان , وقد قام رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بتكريمه أعظم تكريم ففى غزوة أحد وقبل أن تبدأ المعركة , أمسك النبى صل الله عليه وسلم ـ بسيف فقال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فأقبل أبو دجانة قائلا :
أنا آخذه بحقه , فأعطاه إياه فأخرج أبو دجانة عصابة حمراء فعصب به رأسه ,

وكان ذلك شأنه وحاله عندما كان يريد أن يقاتل حتى الموت , ثم راح يتبختر بين الصفوف فقال : رسول الله صل الله عليه وسلم ـ إنها لمشية يبغضها الله تعالى إلا فى مثل هذا الموطن , وبدأت المعركة وحميت الحرب وراح المسلمون يقاتلون
الكفار فى اندفاع مذهل وكان فى مقدمة المبارزين والمقاتلين أبو دجانة .
لما انكشف المسلمون بعد مهاجمتهم من الخلف وتحول النصر , إلى هزيمة بسبب جمع المسلمين الغنائم ومخالفتهم أمر الرسول صل الله عليه وسلم ـ وبخاصة الكتيبة المكلفة بحماية ظهر الجيش ...

... بل لقد أخذ يتلقى الطعنات التى كانت موجهة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ليكون فداء للرسول والقائد حتى حفظ الله رسوله من كيد المجرمين الكافرين , وقد التف الصحابة رضوان الله عليهم فى هذه الغزوة حول رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يحمونه بأجسادهم ويدفعون عنه بأرواحهم من نبال الأعداء وسهامهم , التى كانت تتساقط على الواحد منهم تلو الآخر , وهم يحرصون أشد الحرص على حماية الرسول صل الله عليه وسلم ـ والمحافظة على حياته عندهم كانت , أهم من أى شئ آخر ولو كلفتهم حياتهم ,

وعندما يتأمل كل مسلم فى مواقف هؤلاء الصحابة , وعن سر هذه التضحية العجيبة التى لم يشهد التاريخ لا فى القديم ولا فى الحديث مثلها , ذلك السر هو الإيمان الصادق بالله ورسوله صل الله عليه وسلم ـ ثم المحبة الخالصة لرسول الله صل الله عليه وسلم ـ فهما معا من أسباب التضحية والفداء , وهتان الصفتان يحتاج إليهما كل مسلم فلا يكفى الواحد منا أن يدعى الإيمان , بما ينبغى الإيمان به من أمر العقيدة حتى يمتلأ قلبه بمحبة الله ورسوله وفى هذا يقول صل الله عليه وسلم ـ :" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين "
وهذه هى المنزلة التى يجب أن يتسابق إليها المسلمون اليوم , وأن يسيروا على أنوارها امتثالا لنهج أسلافهم السابقين فى التضحية والفداء , والمحبة الصادقة لله رسوله صل الله عليه وسلم ـ حتى يتحقق لنا نصر الله ولتكون كلمة الله هى العليا
ويعلو شان الإسلام على كل الأديان . ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

السابق إلى الخير زيد بن الخطاب رضى الله عنه :

ما أجمل أن يتسابق الناس إلى الخير وفى الخير , وما أعظمه من تنافس فى مواطن العز والفخار , ولا عزة إلا بالإسلام والتمسك بطاعة الله ورسوله
التى ينعم فيها الإنسان بحسن الذكر فى الدنيا , وينال بها السعادة فى الآخرة
وبذلك يظل الإنسان بين الأحياء مذكورا بأثاره , ومتمتعا بالحياة بنعيم ربه جلا وعلا ولذلك حكم الله تعالى بأن الشهداء لايموتون بل هم أحياء عند ربهم يرزقون
كما فى قوله تعالى :" ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " سورة آل عمران آية 169 ـ

ومن هذه النماذج المشرفة عبر تاريخ الإسلام فى التسابق لفعل الخير زيد بن الخطاب , إنه الصحابى الجليل الذى تألق ذكره " زيد بن الخطاب الأخ الأكبر لعمر بن الخطاب رضى الله عنه
فقد ولد قبله فى الحياة , وأسلم قبله , كما كان من السابقين بالشهادة فى سبيل الله
فقد كان زيد بطلا ذا إرادة وعزيمة صلبة , وكانت بطولته تتمثل عمل الخير فى صمت , فلم يتخلف عن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ لا فى مشهد أو غزوة من الغزوات وكان كل أمله أن يموت شهيدا فى سبيل الله , وفى غزوة أحد عندما اشتدة رحى الحرب بين المسلمين والمشركين ,

, وقد أخذ زيد فى قتال المشركين
حتى سقط عنه درعه , فرأه أخوه عمر وقد سقط عنه الدرع فصاح به قائلا : خذ درعى يازيد فقاتل بها فقال له زيد إنى أريد من الشهادة ما تريده ياعمر , واستمر يقاتل بفدائية باهرة وبطولة فائقة مستبسلا عظيما .
لما كان يوم اليمامة أكبر معارك حروب الردة , التى تجمع فيها بنو حنيفة حول مسيلمة الكذاب , والذى عاونه على دعواه الرجَّال بن عنفوه .. وكان مسلما ثم ارتد عن دينه ولم يكن ارتداده عن قناعة بل كان من أجل وصولية حقيرة , وخسة ودنيئة , ونفاق بغيض , وقد كان زيد يبغض النفاق وأهله , كأخيه عمر تماما

فكلاهما لايثير اشمئزازه , ولا يستثير حافظته بغضا مثل الكذب والنفاق , الذى
لايبغى إلا المنافع الشخصية , والأغراض الهابطة , التى جعلت " الرجَّال " هذا يلعب هذا الدور الساقط فقد كان هذا الرجل , من أشد الملتفين حول مسليمة فحشا واثما وما أن بدأت المعركة يوم اليمامة , وجمع قائد الجيش خالد بن الوليد جنود الإسلام ووزع كل منهم حسب موقعه ومكانه , وأعطى لواء الجيش إلى زيد بن الخطاب " وقاتل أتباع مسليمة قتالا ضاريا , ومالت المعركة فى بديتها على المسلمين ورأى " زيد" مشاعر الفزع يمكن أن تسيطر على بعض المسلمين فصعد على ربوة عالية , وصاح قائلا : أيها الناس عضوا على أضراسكم
واضربوا فى عدوكم , وامضوا قدما , والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقاه سبحانه وتعالى فأكلمه بحجتى ,

, ثم رأى زيد أن مصير المعركة لديه فى مصير " الرجَّال " فراح يخترق الصفوف باحثا عنه حتى أبصره , فاقترب منه حتى أمسك بخناقه وأسقطه صريعا , وبمقتل " الرجال " دب الرعب فى نفس مسيلمة
ثم فى جيشه , الأمر الذى أدى إلى تشامخ عزمات المسلمين حتى أخذت المعركة
تمضى لصالحهم , وهبت رياح النصر مقبلة , ولم يجد زيد ختاما لحياته خيرا من هذا فتمنى من الله تعالى أن يرزقه الشهادة , فراح يضرب باحثا عن مصيره العظيم , وقد صعدت روحه الطاهرة إلى ربها ورضوانه راضية مرضية , وعاد جيش المسلمين إلى المدينة ظافرا بنصر الله تعالى , وما أنا علم عمر باستشهاد أخيه حتى قال : " رحم الله زيدا , سبقنى إلى الحسنيين أسلم قبلى , واشتشهد قبلى . ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

الحارس المتعبد ... ذو النور :

حين يستقر الإيمان فى قلب الإنسان الصادق , ويملأ به جوانح نفسه , ويسيطر على جوارحه ومشاعره , ويعيش بالإيمان ومن أجله , ومن كان كذلك فإن إيمانه يعبر عن عزيمة صادقة لنفس سوية , تحرص فى أقوالها وأفعالها على أن تكون عبادة خالصة لله تعالى على كل حال .
ومن هؤلاء النبلاء الأعلام , الذين تربوا فى مدرسة النبوة , ونهلوا من فيض معارفها وحسنت أخلاقهم من خلال منهجها , الصحابى الجليل عباد بن بشر بن عبد الأشهل " وكما تروى لنا كتب السيروالتاريخ أنه كان أحد الذين بايعوا , " مصعب بن عمير رضى الله عنه " حين بعثه رسول الله ل الله عليه وسلم ـ سفيرا ومعلما لأهل المدينة المنورة ليعلم الأنصار ويقيم فيهم الصلاة , وذلك قبل أن يهاجر رسول الله صل الله عليه وسلم ـ إليها . ( 1)

ولقد صاحب بشر بن عباد مصعباً ولزمه , وكانت له مكانة مرموقة بين أصحابه من الأنصار , وكان فارسا ومجاهدا فى سبيل إحقاق الحق وتدعيم مبادئ السماء
كان يجاهد باستبسال وشجاعة ويتقدم الصفوف الأولى , من أجل اعلاء كلمة الله والجهاد فى سبيله , كان عبادا رضى الله عنه معروفا بالتقوى والورع , جعلته يهتدى للخير من غير تكلف أو عناء , حتى عرف عنه بين أصحابه بأنه الرجل الذى أوتى معه نور من الله تعالى , لدرجة أن كثيرا من أصحابه شهدوا له بأنه
إذا مشى فى الظلام انبعثت من بين جوانحه أطياف نور , تضئ له من أمامه عندما يسير فى الطريق . ( 2)

وله من المواقف ما تشهد له بالبطولة والعظمة الفائقة , ما روت لنا كتب السيرة أنه بعد انتهاء الرسول صل الله عليه وسلم من غزوة " ذات الرقاع " وقد نزل المسلمون مكانا يبيتون فيه , واختار الرسول صل الله عليه وسلم ـ من أصحابه من يقوم على حراسته بالتناوب وذلك قبل أن ينزل قول الله تعالى :" والله يعصمك من الناس " من سورة المائدة وكان عمار بن ياسر , وعباد بن بشر أحد القائمين على حراسته صل الله عليه وسلم فى نوبة واحدة , وقد رأى عباد , صاحبه عمارا مجهداً فطلب منه أن ينام فى أول الليل , على أن يقوم هو بالحراسة . ( 3)

وكان عباد يحرص على وقته ويشغله بطاعة الله تبارك وتعالى , فلما رأى هدوء المكان ومن حوله فقام إلى الصلاة والعبادة متبتلا , جامعا بين الحراسة فى سبيل الله وبين قيامه الليل , وبينما هو قائم يصلى إذا تسلل إليه سهم اخترم عضده , فلم يهبأ لذلك ونزعه وأخذ فى صلاته , ثم رماه المهاجم بسهم ثان فنزعه وأنهى قراءته ثم ركع وسجد وكانت قواه قد بددها الإعياء والألم , فأخذ فى ايقاظ صاحبه عمارا فلما استيقظ وثب عمارا وقد أحدث ضجة أخافت المعتدين , وجعلتهم يهربون , ثم التفت إلى عباد قائلا له هلا أيقظتنى أول ما رميت وأصبت ؟
فقال له " كنت أتلوا فى صلاتى آيات من القرآن الكريم قد ملأت نفسى روعة , فلم أحب أن أقطعها . ( 4)

ثم قال عباد والله لولا أن أضيع ثغر أمرنى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بحفظه لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات , التى كنت أتلوها .
وظل عباد رضى الله عنه وفيا لله ولدينه , حريصا على الجهاد والوقوف فى صفوف المسلمين جنديا مستبسلا فى سبيل النصر أو الشهادة , وقد لبى نداء ربه شهيدا فى معركة " اليمامة " بعد أن صعد ربوة عالية وصاح فى أصحابه يا معشر الأنصار , حطموا جفون السيوف , وتميزوا بين الناس " فالتف حوله أربعمائة رجل , فقادهم إلى حديقة الموت حيث كان جيش مسيلمة الكذاب , يتحصن بها وظل يقاتل قتال الأبطال حتى نال الشهادة من ربه , فكانت خير ختام لحياته فرضى الله عن الصحابى عباد بن بشر , وأدخله فسيح جناته وحشرنا معه
مع النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . ( 5 )

قائد سمى فَتحَ الفُتوح :

حين بعث رسول الله صل الله عليه وسلم وانتشر نور الدعوة إلى عبادة الله وحده , ونبذ عبادة الأصنام والأوثان وعلا صوت الحق وعم الخير إبان البعثة المحمدية  
وتنافلت الأخبار وأخذت الأسماع والأبصار  , ترى نور الفضيلة تتألق صفاته , فى أعمال كثير من أتباع الدعوة الإسلامية , وأخذت الرذائل تتوارى خجلا , وعم الخير حياة الإنسان بما يحمله له من سعادة فى الدنيا والآخرة , ومن هؤلاء الذين علموا ببعثة الرسول صل الله عليه وسلم ـ وتابعوا أخباره , قبيلة تسمى " مزينة " وقد كانت مساكنها قريبة من يثرب المدينة المنوره , على الطريق الذى يربط بين مكة والمدينة , وقد كان من هؤلاء " النعمان بن مقرَّن المزنى " الذين فتح الله قلوبهم للإيمان , وأعلن إسلامه على ملأ من قومه وقد تحدث إليهم بما وقر فى قلبه , وما أحس به تجاه هذا الدين الجديد قائلا لهم , يا قوم والله ما علمنا عن محمد " صل الله عليه وسلم " إلا خيرا , ولا سمعنا عن دعوته إلا احسانا ومرحمة وعدلا , فلماذا نبطئ عن الدخول فى دينه والناس إليها يسرعون؟ ( 1)

ثم قال لهم فى ثقة أما أنا فقد عزمت , على الذهاب إليه فى الصباح , فمن أراد منكم أن يكون معى فليتجهز , فوقعت كلمات النعمان " على نفوس قومه فمست وترا مرهفا , فما أن أشرق الصباح , حتى وجد من أخوته العشرة وأربعمائة فارس من فرسان بلدته قد جهزوا أنفسهم للمضى معه للقاء النبى صل الله عليه وسلم ـ من أجل الدخول فى دين الله , فما أن وصلوا مدينة رسول الله صل الله عليه وسلم ـ حتى فرح الجميع بمقدم النعمان وصحبه , إذ لم يسبق أن أسلم أحد عشر أخا من أب واحد ومعه أربعمائة فارس فعة واحدة . ( 2)

وظل النعمان يتنافس فى فعل الخير , وبلغ المنزلة الأسمى فى صنائع البر والمعروف , ولم يكن يدخر وسعا فى أن يحظى برضا ربه فيما كلف به إلى أن كانت خلافة الفاروق عمر رضى الله عنه ـ وبعد موقعة القادسية أراد الفرس أن يثأروا لهزيمتهم فجمعوا جموعهم حتى صار عددهم , مائة وخمسين ألفا من أشد المقاتلين , حتى أن أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه قد عزم على مواجهة هذا الخطر الكبير بنفسه , إلا أن وجوه المسلمين أشار عليه أن يرسل قائدا يعتمد عليه
فى مثل هذا الأمر الجلل فقال والله , لأولين على جنود المسلمين رجلا يكون إذا إلتقى الجمعان , أسبق من الأسنة يعنى السيوف " هو النعمان بن مقرن المزنى "
( 3)

فما كان من النعمان عندما تلقى هذا التكليف الذى اعتبره شرفا , حتى هب بجيشه
للقاء العدو ولما اقترب من " نهاوند " توقفت الخيول وقد تبينوا من سبب توقفها
وجدوا فى حوافرها شظايا من الحديد تشبه رءوس المسامير , فنظروا فى الأرض فإذا العجم قد نثروا فى الطرق المؤدية إلى نهاوند " حسك الحديد ليعوقوا الفرسان والمشاة عن الوصول إليها , ثم أمر النعمان جنده أن يقفوا فى أماكنهم
ويوقدون النيران فى الليل ليراهم العدو , فإذا ما رأهم يتظاهرون بالخوف منه
والهزيمة أمامه ليغروه باللحاق بهم , وازالة ما زرعه من حسك الحديد . ( 4)

وحازت الحيلة على الأعداء وحدث ما توقعه القائد حتى احتل المسلمون كل الدروب المؤدية إلى " نهاوند " فلما دارت رحى المعركة وحمى وطيسها , فما شهد التاريخ بمعركة مثلها إذ سالت الدماء فى المجرات والدروب , فزلق جواد النعمان بن مقرن " فصرع وأصيب النعمان إصابة قاتلة , فأخذ أخوه اللوء من يده وسجاه ببردة كانت معه وكتم أمر مصرعه عن المسلمين , ولما تم النصر سماه المسلمون " فتح الفتوح " وسأل الجند عن قائدهم الباسل , فرفع أخوه البردة عنه وقال هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة , رضى الله عن النعمان بن مقرن وعن سائر الصحابة والمجاهدين الذين قدموا ارواحهم رخيصة فى سبيل محبة دينهم ورضى ربهم . ( 5)

الصحابى الذى حفظ الله تعالى له جسده :

عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري يكنى أبا سلمان :

نسبه :

عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري يكنى أبا سلمان شهد معركة بدر، وهو الذي حمته الدبور وهي ذكور النحل من المشركين أن يجزوا رأسه يوم الرجيع، وهو أخوجميلة بنت ثابت زوجة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ـ   ووالدة عاصم
عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الانصاري ، هو جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه من السابقين الأولين من الأنصار.