من هدى القرآن الكريم فى تفسير سورة ( الواقعة ) للشيخ سامى محمود "

من هدى القرآن فى تفسير سورة ( الواقعة )

سورة الواقعة سورة مكية نزلت على النبى صل الله عليه وسلم _ بمكة المكرمة
وعدد آياتها ست وتسعون آية

ما جاء فى فضلها :

ورد فى فضل هذه السورة الكريمة ( الواقعة ) أحاديث عديدة تدل على فضل تلاوتها من حديث ابن مسعود رضى الله عنه _ أن رسول الله صل الله عليه وسلم _ قال : من قرأ سورة الواقعة فى كل ليلة لم تصبة فاقة أبدأً " أخرجه الحافظ أبو يعلى فى مسنده
ومعنى الفاقة هى الحاجة والفقر , وأخرج كذلك الحافظ ابن عساكر فى ترجمة عبد الله بن مسعود رضى الله عنه : بسنده عن أبى ظبية قال : " مرض عبد الله بن مسعود مرضه الذى توفى فيه فعاده , عثمان بن عفان رضى الله عنه _ فقال ما تشتكى قال ذنوبى قال فما تشتهى ؟ قال رحمة ربى قال : ألا أمر لك بطبيب قال : الطبيب أمرضنى قال : ألا أمر لك بعطاء ؟ قال لا حاجة لى فيه قال : يكون لبناتك من بعدك قال : أتخشى على بناتى الفقر ؟ إن عندى خمس بنات وقد أمرتُهن أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة , وإنى سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدأ " وقال أبو بكر رضى الله عنه لرسول الله صل الله عليه وسلم : شيبت قال : شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعم يتسألون وإذا الشمس كورت " رواه الترمذى وقال حديث حسن غريب وعن جابر بن سمرة رضى الله عنه يقول : كان رسول الله صل الله عليه وسلم : يصلى الصلوات كنحو من صلاتكم التى تصلون اليوم ولكنه كان يخفف كانت صلاته أخف من صلاتكم وكان يقرأ فى الفجر الواقعة ونحوها من السور . ( 1)

بين يدى السورة :

لقد اشتملت هذه السورة الكريمة , على تفصيل أحوال الناس يوم القيامة , وما يكون بين يدى الساعة من أهوال وشدائد , وما يلقاه المؤمنون من نعيم ولذة , وماينتظر المجرمون من شقاء وبؤس , وفى هذا اليوم ينقسم الناس إلى ثلاث طوائف , أصحاب اليمين , وأصحاب الدرجات العالية وهم ( المقربون ) وأصحاب الشمال ,
ولقد فصلت السورة وتحدثت عن مآل كل فريق , وما أعده الله تعالى لهم من الجزاء العادل يوم الدين .
والواقعة اسم من أسماء يوم القيامة , كالصاخة والطآمة والحآقة وغير ذلك من أسماء لها وصفها وما يدل على معناها فى واقع هذا اليوم المهيب , وتبتدى هذه السورة الكريمة بوصف مايكون يوم القيامة , وما يجرى فيه من أحداث وأهوال وشدائد , حيث تتطاير الجبال وتهتز الأرض إهتزازاً عظيما عنيفاً , ويندك كل ما فوق سطحها
من بيوت وقصور وحصون رفيعة , وسدود منيعة وتتبدل أوضاع الأرض كما تتبدل أقدار الناس , فترفع أولياء الله , وتخفض أعداء الله , ثم بعد ذلك تفصل مصائر هذه الفرق الثلاثة , وتصف لنا ما يلقون من نعيم وعذاب فى ذلك اليوم الرهيب , مبتدئة بذكر السابقين وهم الذين سبقوا بالإيمان والعمل الصالح , فنالوا أعلى الدرجات وأرفع المنازل . ( 2)

التفسير :

بين يدى يوم القيامة وما جاء فيه :

الله سبحانه وتعالى يخبرنا عن يوم القيامة , وأنه يوم لابد من وقوعه والواقعة اسم من أسماء يوم القيامة , وقد سمى بهذا الإسم لتتحقق كونها ووجودها كما قال تعالى :" فيومئذ وقعت الواقعة " التى " ليس لوقعتها كاذبة " أى ليس لوقوعها إذا أراد الله تعالى كونها صارف يصرفها , ولا دافع يدفعها كما قال تعالى :" استجيبوا لربكم من قبل أن يأتى يوم لا مرد له من الله " وقال : عز وجل :" سائل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع " وقال تباركت أسماؤه " ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ فى الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير " ومعنى : كاذبة أى : التى لابد وأن تكون , وهى مصدر كالعاقبة والعافية , قاله ابن جرير رحمه الله
وقوله :" خافضة رافعة " أى تخفض أقواما إلى اسفل سافلين إلى الجحيم وإن كانوا فى الدنيا أعزاء , وترفع آخرين إلى أعلى عليين إلى النعيم المقيم وإن كانوا فى الدنيا وضعاء " (3)

فى وصف ما يكون فى هذا اليوم :

ويقول ابن عباس رضى الله عنهما : فى هذه الآية :" خافضة رافعة" أى أسمعت القريب والبعيد وقوله تعالى " إذا رجت الأرض رجا " أى حركت تحريكا فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة رحمهم الله تعالى : زلزلت زلزالا شديدأً , كما يقول تعالى :" يا أيها الناس إتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم " وقوله تعالى " وبست الجبال بسا " أى فتت فتا وصارت الجبال كما قال الله الله تعالى :" وكانت الجبال كثيبا مهيلا " وقال سبحانه :" وكانت الجبال كالعهن المنفوش " وقوله تعالى :" فكانت هباء منبثا " عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما : الهباء الذى يطير من النار إذا اضطرمت , يطير منه الشرر فإذا وقع لم يكن شيئا فأصبحت ليس عليها جبل ولا معلم , كما قال تعالى :" قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا "   ( 4)

أوصاف الناس ومنازلهم :

وقوله تعالى :" وكنتم أزواجا ثلاثة " أيها الخلق : اى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أصناف يوم القيامة , بحسب أعمالهم الحسنة والسيئة , قوم عن يمين عرش الرحمن وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيمن ويؤتون كتابهم بأيمانهم , ويؤخذ بهم ذات اليمن قال : السدى : وهم جمهور أهل الجنة وآخرون عن يسار العرش وهو الذين خرجوا من شق آدم الأيسر , ويؤتون كتابهم بشمالهم ويؤخذ بهم ذات الشمال وهم عامة أهل النار عياذاً بالله من صنيعهم , وطائفة سابقون بين يديه عز وجل وهم أخص وأحظى من أصحاب اليمين , الذين هم سادتهم فيهم الرسل والأنبياء والصديقون , والشهداء وهم اقل عدد من أصحاب اليمين , ولهذا قال تعال :" فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة " تعظيما لشأنهم وتفخم لأحوالهم , وقوله تعالى :" وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة " أى أصحاب الشمال ما أصحاب المشئمة , تهويل لحالهم وما ألوا فيه من عذاب . " ( 5)

المقربون وما جاء عنهم :

وقوله تعالى :" والسابقون السابقون أولئك المقربون " اى السابقون فى الدنيا إلى الخيرات هم السابقون فى الآخرة , لدخول الجنات أولئك الذين هذا وصفهم المقربون , عند الله فى جنات النعيم فى أعلى عليين , فى المنازل العاليات التى لامنزلة فوقها , وهؤلاء هم المذكرون كما قال تعالى :" ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " أى جماعة من المتقدمين من هذه الأمة وغيرهم , وقليل من الآخرين
وهذا يدل على فضل صدر هذه الأمة , فى الجملة على متأخريها لكون المقربون هم
خواص الخلق , وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة فى آخر السورة , عند احتضارهم وذكرهم فى قوله تعالى : " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله " وعن عائشة رضى الله عنها قالت : عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال : أتدرون من السابقين إلى ظل الله يوم القيامة قالوا : الله ورسوله أعلم . الذين إذا أعطوا الحق قبلوه , وإذا سألوه بذلوه , وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " (6)

ذكر ما لهم من نعيم :

وقوله تعالى :" على سرر موضونة " أى مرمولة بالذهب والفضة واللؤلؤ والجوهر
يعنى منسوجة به , وغير ذلك من الحلى والزينة التى لايعلمها إلا الله تعالى , وقوله : متكئين عليها متقابلين " أى انهم على تلك السرر جلوس فى تمكن وطمأنية وراحة
واستقرار متقابلين أى وجوه بعضهم إلى بعض ليس أحد وراء أحد , من صفاء قلوبهم وتقابلها بالمحبة وحسن أدبهم , وقوله تعالى :" يطوف عليهم ولدان مخلدون " اى يدور على أهل الجنة لخدمتهم , وقضاء حوائجهم ولدان صغار فى غاية الحسن والبهاء , وهم على صفة واحدة لايكبرون عنها , ولا يشيبون ولا يتغيرون كما قال تعالى فى وصفهم :" كانهم لؤلؤ مكنون " أى مستور لايناله ما يضره مخلوقون للبقاء والخلد , ولايهرمون ولا يقصرون ولا يزيدون على اسنانهم , ويدورون عليهم بآنية شرابهم بأكواب , وهى الكيزان التى لاخراطيم لها وآذان , والأباريق التى جمعت بين الوصفين , والكؤس والهنابات والجميع من خمر , من عين جارية معين ليس من أوعية تنقطع وتفرغ , بل من عيون سارحة " ( 7)

فى وصف خمر الجنة وما جاء فيها :

وقوله :" لايصدعون عنها ولا ينزفون " أى أن خمر الآخرة ليست كخمر الدنيا , أى لاتصدع رءُوسهم ولا تنزف عقولهم بل هى ثابتة مع الشدة , المطربة واللذة الحاصلة وما يقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما : أنه فى الخمر أربع خصال : السكر , والصداع , والقئ , والبول , وقد ذكر الله تعالى خمر الجنة ونزهها , عن هذه الخصال " وعن مجاهد رحمه الله : لايصدعون قال : ليس فيها صداع رأس , ولا ينذفون أى لاتذهب بعقولهم ولا تذهب أحلامهم , منها كما يكون لخمر الدنيا , والحاصل أن كل مافى الجنة من النعيم الموجود فى الدنيا , يوجد فى الجنة لكن ليس فيه آفة كقوله تعالى :" وأتوا به متشابها " و كما قال تعالى :" فيها أنهار من ماء غير آسن , وانهار من لبن لم يتغير طعمه , وأنهار من خمر لذة للشاربين , وأنهار من عسل مصفى " أى مهما تخيروا وراق فى أعينهم واشتهته نفوسهم , من أنواع الفواكه الشهى الجنى , اللذيذ حصل لهم على أكمل وجه وأحسنه . (

طعام أهل الجنة وما جاء فى وصفه :

قوله تعالى :" وفاكهة مما ينخيرون ولحم طير مما يشتهون " ومن حديث ثوبان رضى الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى " وقوله : ولحم طير مما يشتهون " روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى : من حديث أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" إن طير الجنة كأمثال البخت " يعنى كأمثال الإبل العظيمة " يرعى فى شجر الجنة فقال أبو بكر رضى الله عنه يا رسول الله ( صل الله عليه وسلم ) إن هذه لطير ناعمة فقال : آكلها أنعم منها قالها ثلاثا : وإنى لأرجوا أن تكون ممن ياكل منها "
فلهم من كل صنف من الطيور يشتهونه ومن أى جنس , من لحمه أرادوا إن شاءوا مشويا أو طبيخا أو غير ذلك , ويتحدث الرسول صل الله عليه وسلم :" عن اهل الجنة فى أكلهم وشرابهم أيضا فيقول : واصفا ذلك " أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا يبولون طعامهم ذلك جشاءً وريح كريح المسك يُلهمون التسبيح والتكبير كما يُلهمون النفس " ( 9)

عن طعام أهل الجنة ووصفه :

ويقول صل الله عليه وسلم :" عن أسفل أهل الجنة منزلة أجمعين من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم مع كل خادم صِفحتان واحدة من فضة وواحدة من ذهب وفى كل صِفحة لون ليس فى الأخرى مثلها يأكل من آخره كما يأكل من اوله ثم يكون بعد ذلك رشح المسك وجشاءً لايبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون " وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال : ذكرت عند النبى صل الله عليه وسلم :" طوبى فقال رسول الله صل الله عليه وسلم :" يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى ؟ قال الله ورسوله أعلم : قال طوبى شجرة فى الجنة ما يعلم طولها إلا الله يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا ورقها الحلل يقع عليها الطير كأمثال البخت فقال : أبو بكر رضى الله عنه يارسول الله إن هناك لطيراً ناعماً
قال أنعم منه من يأكله وأنت منهم إن شاء الله تعالى "
وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" إنك لتنظر إلى الطير فى الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا " ( 10)

فى وصف نساء أهل الجنة :

وقوله تعالى :" وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون " أى ولهم حور عين , والحوراء التى فى عينها كحل وملاحة وحسن وبهاء , وعيونهن حسان لسعتها و ضخامها , وسعة عين الأنثى من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها , وقد حدث رسول الله صل الله عليه وسلم فقال :" لغدوة فى سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها , ولقاب قوس أحدكم أو موضع سوطه من الجنة خير من الدنيا وما فيها , ولو أطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً ولأضأت مابينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " وقال صل الله عليه وسلم :" إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتى تليها على ضوء كوكب درى فى السماء
ولكل امرئ منهم زوجتان يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم ومافى الجنة أعزب "
ويقول صل الله عليه وسلم :" ولو ان أمرأة من نساء أهل الجنة أشرقت لملأت الأرض ريح مسك ولذهب ضوء الشمس والقمر "  ( 11)

فى وصف نساء الجنة :

قوله تعالى :" كأمثال اللؤلؤ المكنون " أى كانهن اللؤلؤ الرطب الصافى البهى المستور عن الأعين والريح والشمس , الذى يكون لونه من أحسن الألوان الذى لاعيب فيه بوجه من الوجوه , فكذلك الحور العين لاعيب فيهن بوجه بل هن كاملات الأوصاف جميلات النعوت , فكل ما تأملته منها لم تجد منه إلا ما يسر القلب , ويروق الناظر وذلك النعيم المعد لهم " وقوله تعالى :" كأنهن بيض مكنون جزاء بما كانوا يعملون " فكما حسنت منهم الأعمال أحسن الله لهم الجزاء ووفر لهم الفوز والنعيم , وقوله تعالى :" لايسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما "
أى لايسمعون فى جنات النعيم كلاما يلغى ولا يكون فيه فائدة , ولا كلاما يؤثم صاحبه إلا كلاما طيبا وذلك لأنها دار الطيبين , ولا يكون فيها إلا كل طيب وهذا دليل على حسن أدب أهل الجنة , فى خطابهم فيما بينهم وأنه أطيب كلام وأسره للقلوب وأسلمه من كل لغو واثم , ( 12)

حديث أهل الجنة فيما بينهم :

هناك دليل على أن أهل الجنة إذا تكلم الواحد منهم , استمعوا له كما فى قوله تعالى :" فى سورة الصافات " فأقبل بعضهم عن بعض يتساءلون قال قائل منهم إنى كان لى قرين يقول أنك من المصدقين أذا متنا وكنا ترابا وعظاما أنا لمدينون قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه فى سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين " يخبر تعالى عن أهل الجنة أنهم أقبلوا على بعضهم يتسألون , عن أحوالهم وكيف كانوا فى الدنيا , وماذا كانوا يعانون فيها وذلك من حديثهم واجتماعهم , والقرين الشيطان وقال ابن عباس رضى الله عنهما : الرجل المشرك يكون له صاحب من أهل الإيمان فى الدنيا " ( 13)

ويقول كعب الأحبار : إن فى الجنة كوى إذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى أحد من أهل النار اطلع فيها , فإذا رءوا ذلك ازدادوا شكراً , وهناك دليل آخر على أنهم يتكلمون جميعا , قال تعالى :" وأقبل بعضهم على بعض يتسألون قالوا إنا كنا قبل فى أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم " أى كنا ونحن فى الدنيا بين أهلينا خائفين , من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه فتصدق الله علينا وأجارنا مما نخاف , أى نتضرع إليه
فاستجاب لنا وأعطانا سؤالنا , نسأل الله من فضله اللهم من علينا وقنا عذاب السموم .
( 14)

ما أعده سبحانه لأصحاب اليمين :

ووصف شجر الجنة :

ثم يذكرنا سبحانه وتعالى بعد ذلك بما أعده لأصحاب اليمين , فقال تعالى :" وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين " لما ذكر تعالى مآل السابقين وهم المقربون عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين , وهم الأبرار كما قال ميمون ابن مهران : أن اصحاب اليمين منزلتهم دون المقربين فقال :" وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين " يعنى إلى أى شئ وصل أصحاب اليمين وما حالهم , وكيف مآلهم فشأنهم عظيم وحالهم جسيم لما أعده الله لهم من النعيم المقيم , ووفر لهم الثواب العظيم " وقوله تعالى :" فى سدر مخضود " أى مقطوع ما فيه من الشوك والأغصان الرديئة المضرة , مجعول مكان ذلك الثمر الطيب وللسدر من الخواص , الظل الظليل وراحة الجسم فيه , ولذلك فإن أهل الجنة يجلسون تحت أشجار النبق الذى قطع شوكه وعن سليم بن عامر قال : قال أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم أنهم قالوا : إن الله تعالى لينفعنا بالأعراب ومسألهم قال : أقبل أعرابى يوما فقال : يارسول الله ذكر الله فى الجنة شجرة تؤذى صاحبها فقال وما هى فقال السدر فإن له شوكا مؤذيا فقال رسول الله صل الله عليه وسلم :أليس الله تعالى يقول :" وسدر مخضود " ( 15)

صفة شجر الجنة :

خضد الله منه الشوك وجعل مكان كل شوكة ثمرة فإنها لتنبت ثمر تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لونا من طعام وما فيها لون يشبه الآخر " وقوله تعالى وطلح منضود " والطلح هو شجر عظام يكون بأرض الحجاز , من شجر العضاء وأحدته طلحة وهو شجر كثير الشوك , وقال مجاهد رحمه الله وغيره : وطلح منضود وهو شجر الموز منضود أى متراكم الثمر يذكر بذلك قريشا لأنهم كانوا يعجبون من وج وظلاله من طلح وسدر فهذا الشجر منضود ثمره لذيذ طعمه ليس فيها شوك , وقوله تعالى :" وظل ممدود " فقد روى البخارى من حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صل الله عليه وسلم قال :" إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لايقطعها " إقرءوا إن شئتم :" وظل ممدود " أى لاينقطع ليس فيها شمس ولا حر مثل قبل صلاة الفجر إلى طلوع الشمس كما يقول تعالى :" وندخلهم ظلا ظليلا " ويقول :" أُكلها دائم وظلها "
ويقول تعالى :" فى ظلال وعيون " (16)

وصف الجنة ومافيها من نعيم :

وقوله تعالى :" وماء مسكوب " أى كثير من العيون والأنهار السارحة , والمياه المتدفقة ويقول الإمام الثورى وهو الذى يجرى فى غير جداول " وقوله تعالى :" وفاكهة كثيرة لامقطوعة ولا ممنوعة " أى وعندهم الفواكه الكثيرة والمتنوعة من الألوان مما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " وقال تعالى :" كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون " أى مافى الدنيا هو منه فى الجنة يشبه الشكل الشكل ولكنه يختلف فى اللون والطعم " ( 17)

ومن حديث جابر رضى الله عنه بينما نحن فى صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله صل الله عليه وسلم : فتقدمنا معه ثم تناول شيئا ليأخذه
ثم تأخر فلما قضى الصلاة قال له أبى بن كعب يا رسول الله صل الله عليه وسلم : صنعت اليوم شيئا فى الصلاة ماكنت تصنعه , قال : " عرضت على الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة قتناولت منها قطفا من عنب لأتيكم به فحيل بينى وبينه , ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض ولا ينقص منه " رواه البخارى
إن نعيم الجنة من ثمرات وغيرها ليست , بمنزلة نعيم الدنيا يأتى ثم ينقطع فى وقت من الأوقات وتكون ممتنعة ومتعسرة على مبتغيها , بل أكلها دائم ومستمر أبداً مهما
طلبوا وجدوا لايمتنع عليهم بقدرة الله شيئا , وكما فى الحديث عن النبى صل الله عليه وسلم _ إذا تناول الرجل الثمره عادت مكانها أخرى " (18)

فى وصف نساء الجنة :

وقوله تعالى :" وفرش مرفوعة " أى عالية وطيئة ناعمة من الحرير والذهب واللؤلؤ وما لايعلمه إلا الله , وعن الحسن رحمه الله تعالى قال :" إرتفاع فراش الرجل من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة " يقول العلامة الألوسى فى تفسيره روح المعانى : ولا تستبعد هذا من حيث العروج والنزول , فالعالم عالم آخر فوق طور
عقلك , فتنخفض للمؤمن إذا أراد الجلوس عليها , ثم ترتفع به والله على كل شئ قدير
وقوله تعالى :" إنا أنشأنهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً عربا أترابا لأصحاب اليمين " أى أعددناهن فى النشأة الأخرى بعدما كن عجائز , رُمصا صرن أبكاراً عربا أى بعد الثيوبة عدن أبكاراً , عربا متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة , والملاحة وهما على سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة , التى هى غاية ما تتمنى أكمل سن الشباب
فنساؤهم عرب أتراب متفقات مؤتلفات راضيات مرضيات , لا يَحزن ولا يُحزن بل هن أفراح النفوس , وقرة العيون وجلا الأبصار . ( 19)

وعن الحسن رحمه الله تعالى قال : أتت عجوز فقالت : يا رسول الله صل الله عليه وسلم _ إدع الله تعالى أن يدخلنى الجنة , فقال يا أم فلان إن الجنة لاتدخلها عجوز
قال : فولت تبكى قال : فأخبروها أنها لا تدخلها عجوز إن الله تعالى يقول : " إنا أنشأنهن إنشاء فجعلناهن أبكارا " وعن أم سلمة رضى الله عنها قالت : يا رسول الله صل الله عليه وسلم _ أخبرنى عن قوله تعالى " وحور عين " قال : حور بيض عين ضخام العيون شفر الحوراء , بمنزلة جناح النسر قالت : أخبرنى عن قوله تعالى :" كأمثال اللؤلؤ المكنون " قال : صفاؤهن صفاء الدر الذى فى الأصداف , الذى لم تمسه الأيدى قلت : أحبرنى عن قوله تعالى : " فيهن خيرات حسان " قال : خيرات الأخلاق حسان الوجوه " (20)

قلت : أخبرنى عن قوله تعالى : "كأنهن بيض مكنون " قال : رقتهن كرقة الجلد الذى رأيت فى داخل البيضة مما يلى القشرة وهو الفرقى قلت : أخبرنى عن قوله تعالى :" عربا أترابا " قال هن اللواتى قبضن فى الدار الدنيا عجائز رمصا شمطا
خلقهن الله تعالى بعد الكبر , فجعلهن عذارى عرب متعشيقات محببات أترابا على ميلاد واحد , قلت يا رسول الله صل الله عليه وسلم _ نساء الدنيا أفضل أم الحور العين قال بل نساء الدنيا , أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة
قلت يا رسول الله صل الله عليه وسلم :وبم ذلك ؟ قال : بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله عز وجل , أما الحور ألبس الله تعالى وجوههن النور وأجسادهن الحرير بيض الألوان خضر الثياب صفر الحلى مجامرهن , الدر وأمشاطهن الذهب يقلن نحن الخالدات فلا نموت أبداً , ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً , ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً طوبى لمن كن له وكان لنا , ( 21)

قلت يارسول الله صل الله عليه وسلم _ المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة
ثم تموت , فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها , قال : يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا فتقول يا رب إن هذا كان أحسن خلقا معى , فزوجنيه يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة , وفى الحديث : ان النبى صل الله عليه وسلم _ يشفع للمؤمنين كلهم فى دخول الجنة , فيقول الله تعالى قد شفعتك , وأذنت لهم فى دخولها فكان رسول الله صل الله عليه وسلم _ يقول : والذى بعثنى بالحق ما أنتم فى الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم فيدخل الرجل
منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله , وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله تعالى بعبادتهما لله فى الدنيا , (22)

يدخل على الإولى منهما فى غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب , مكلل باللؤلؤ عليه سبعون زوجا من سندس , واستبرق
وأنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها , من وراء ثيابها وجلدها ولحمها وأنه لينظر إلى مخ ساقها , كما ينظر أحدكم إلى السلك فى قصبة الياقوت
كبده لها مرآة يعنى وكبدها لها له مرآة فينما هو عندها , لا يملها ولا تمله ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء , ما يفتر ذكره ولا يشتكى قبلها إلا أنه لايشتكى قبلها إلا أنه لامنى ولا منية فينما هو كذلك , إذ نودى إنا قد عرفنا أنك لاتمل ولا تُمل ألا إن لك أزواجا غيرها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة كلما جاء واحدة قالت والله مافى الجن شئ أحسن منك , ومافى الجنة أحب إلى منك ويقول : النبى صل الله عليه وسلم : إن أهل الجنة إذا جامعوا نسائهم عدن أبكاراً كما فى حديث أبى سعيد رضى الله عنه
( 23)

وعن أنس رضى الله عنه _ أنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم _ يعطى المؤمن فى الجنة قوة كذا وكذا من النساء قلت ويطيق ذلك ؟ قال يعطى قوة مائة .
ومن حديث أنس رضى الله عنه عن النبى صل الله عليه وسلم _ إن الحور العين يغنين فى الجنة نحن الحور الحسان خلقنا لأزواج كرام "
وقوله تعالى :" لأصحاب اليمين " وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم _ أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر , والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب درى فى السماء إضاءة , لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يتمخطون , أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك , ومجامرهم الألوه وأزواجهم الحور العين أخلاقهم
على خلاق رجل واحد , على صورة أبيهم آدم ستين ذراعا فى السماء " ( 24)

وعن أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم _ يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك , عَلى حُسن يُوسف , وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة , وعلى لسان محمد صل الله عليه وسلم _ جرد مرد مكحلين وقوله تعالى :" ثلة من الأولين وثلة من الآخرين " والثلة هى الجماعة أى جماعة من الأولين وجماعة من المتأخرين يقول النبى صل الله عليه وسلم :" عرضت على الأنبياء وأتباعها بأممها فيمر على النبى , والنبى والعصابة , والنبى فى الثلاثة , والنبى وليس معه أحد وتلا : قتادة هذه الآية " أليس منكم رجل رشيد " , قال حتى مر على موسى بن عمران فى كبكبة من بنى إسرائيل قال قلت ربى من هذا قال هذا أخوك موسى بن عمران ومن تبعه من بنى إسرائيل , قال قلت ربى فأين أمتى قال : انظر عن يمينك فى الضراب قال :
فإذا وجوه الرجال قال : ارضيت ؟ قال قلت قد رضيت رب قال : إنظر إلى الأفق عن يسارك فإذا وجوه الرجال , قال أرضيت قلت رضيت ربى قال : فإن مع هؤلاء
سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب " ( 25)