من هدى القرآن تفسير ( سورة العصر )

من هدى القرآن تفسير سورة العصر )

سورة العصر _ مكية وآياتها 3 _ آيات ونزلت بعد سورة الشرح

وفيها دعوة إلى الإيمان والعمل الصالح

_ قال تعالى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " سورة العصر

البيان اللفظى :
والعصر _ وهو الزمان والدهر أقسم الله تعالى به لأنه الوعاء والظرف الذى تقع فيه الأعمال سواء كانت خيرا أم شرا .
إن الإنسان _ وهو ذلك المخلوق الذى خلقه الله تعالى فى أتم صورة وأحسن تقويم والمقصود من ذلك المكلف ذكرا كان أو أنثى .
لفى خسر _ أى أن هذا الإنسان لفى خسران وضياع , إذا تلوثت فطرته وانطمست بصيرته وابتعد عن منهج ربه العزيز الحكيم
وتواصوا بالحق _ وهو مما يدل على التيقظ والفطنة والحرص على الخير وذلك باتباع الحق وسلوك الطريق القويم , ويكون بطاعة الله تعالى الكريم وإمتثال الأوامر وترك المحرمات , ووصى بها بعضهم بعضا بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو من أعظم الوصايا الإلهية
فيما أمر الله به حيث قال : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله "
وتواصوا بالصبر _ وذلك على إحتمال الأذى فى سبيل الله , والصبر على المصائب وما ينزل على الإنسان مما يمضى بقدر الله تعالى وتقديره .

البيان العام للسورة

فى هذه السورة الكريمة التى لو لم ينزل الله تعالى للإنسانية إلا هذه السورة لكفتهم كما قال الإمام محمد بن إدريس الشافعى رحمه الله , وذكر الطبرانى من حديث ثابت عن عبيد الله بن حصن أن الرجلان , من أصحاب النبى صل الله عليه وسلم _ كان إذا إلتقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ , أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر " وفى هذه السورة الكريمة يقسم الله تعالى بالدهر والدهر هو الله سبحانه وتعالى كما فى الصحيح من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صل الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : يؤذينى اب آدم , يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار " وفى رواية " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " وهو مثل أن يقول ابن آدم زمن أغبر وأيام سوداء وغير ذلك مما نهى الله عنها , ولأن الزمن والوقت هو أغلى ما يملكه الإنسان وهو من أعظم النعم ولهذا أقسم الله تعالى به يقول بعض الصالحين " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك "

والله سبحانه وتعالى فى هذه السورة يقسم بالدهر والزمان تكريما له وهذا من خصائص ربوبيته وعظيم ألوهيته سبحانه أنه يقسم بما يشاء على مايشاء ولا يجوز لأحد من خلقه أن يقسم بغيره لأن من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر , وعندما يتخلى الإنسان ويعرض عن منهج الله تعالى فهو ولاشك من الخاسرين الهالكين ,وهو دليل على نقصه وضياعه , والعصر من أفضل الأوقات التى تتعاقب فيه الملائكة ( ملائكة الليل وملائكة النهار ) كما فى الحديث يتعاقبون فيكم ملائكة الليل والنهار عند صلاة العصر وعند صلاة الفجر , ويصعدون إلى الله تبارك وتعالى فيسألهم ربهم وهو أعلم بما يقولون , ماذا تركتم عبادى يقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون فيقول الله تعالى أشهدكم يا ملائكتى أنى قد غفرت لهم " ولهذا قال تعالى :" إلا الذين أمنوا بالله تعالى وعملوا عملا صالحا , وتواصوا فيما بينهم بالإستمساك بالحق والمنهج الواضح الواحد الرابح والعمل بطاعة الله والصبر على الأذى فيه " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

إيجاز البيان

فى تفسير سورة العصر وهى ثلاث آيات مكية نزلت بعد سورة الشرح

_ قال تعالى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " سورة العصر

هذه السورة الكريمة على وجازتها , وقلة عبارتها تحتوى على معانى عظيمة لو تدبرها الناس لوسعتهم كما يقول الإمام الشافعى رحمه الله تعالى " لو تدبر الناس مافى هذه السورة لوسعتهم " وقد بينت السورة للإنسان ما تكون له به السعادة والشقاء , وأسباب نجاحه فى هذه الحياة أو فشله وهلاكه

, والله سبحانه وتعالى يقسم بالعصر وهو الزمان الذى ينتهى فيه عمر الإنسان , على أن الإنسان فى خسارة ودمار إلا من اتصف بهذه الصفات الأربعة : الإيمان الذى يثمر اليقين , والصبر على إحتمال المكاره , والتضحية فى سبيل المبدأ , والعدل وبذل الإنصاف لخير البشرية جمعاء , ومن ثمرة الإيمان العمل الصالح الذى يبدأ بتوحيد الله جلا وعلا وينتهى بكلمة طيبة , والتوصى بالحق المتمثل فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , و يبدأ بالنهى عن الشرك وينتهى بإماطة الأذى عن الطريق , والتواصى بالصبر على الأذى فيه وعند الدعوة إليه .
إن من باع آخرته بدنياه فقد خسر خسرانا مبينا وضل ضلالا بعيد , وأى خيبة وانعكاس رجاء لأولئك الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الدهر ليس من أسماء الله الحسنى

روى البخارى ومسلم أن النبى صل الله عليه وسلم قال _ قال الله تعالى يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر , بيدى الليل والنهار وفى رواية للإمام مالك رحمه الله " لايقل أحدكم ياخيبة الدهر فإن الله هو الدهر "
يقول الحافظ المنذرى _ ومعنى الحديث _ أن العرب كانت إذا نزل بأحدهم نازلة أو أصابته مصيبة أو مكروه يسب الدهر إعتقادا منهم , أن الذى أصابه هو فعل الدهر
فكان هذا مثل اللعن للفاعل , ولا فاعل فى الحقيقة لكل شئ إلا الله سبحانه وتعالى
خالق كل شئ ولذلك نهاهم الرسول صل الله عليه وسلم _ عن سب الدهر لأنه ذريعة لسب فاعل الأمور وخالقها وهو الله سبحانه وتعالى .
ومن هنا نعلم أن الدهر ليس من أسماء الله , فالله سبحانه هو خالقه وخالق كل شئ ولا يجوز الحلف به لأنه حلف بغير الله تعالى

ومن المعلوم أن أسماء الله الحسنى ليست , محصورة فى التسعة والتسعين اسما ويدل على ذلك ما رواه البيهقى عن ابن مسعود رضى الله عنه قال عنه صل الله عليه وسلم _ من أصابه هم أو حزن فليقل : " اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك نا صيتى فى يدك ماض فى حكمك عدل فى قضاؤك , إن أسألك بكل اسم هولك سميت به نفسك , أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحدا من خلقك أواستأثرت به فى علم الغيب عندك " وهذا الحديث صريح فى عدم الحصر ويقول الإمام النووى اتفق العلماء على ذلك , وأن المقصود من الحديث الإخبار بأن الأسماء التسعة وتسعين من أحصاها دخل الجنة وهو لا ينفى أن له سبحانه أسماء غيرها " روح المعانى للألوسى
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

لمن أراد النجاة :

_سورة قصيرة من القرآن الكريم , ولكنها كنز لاينضب معينه عظيمة الأثر لمن يريد أن يتجنب الخسران والهلاك , وينعم بالسعادة لينجو من عذاب الله فى الدنيا والآخرة وهى سورة ( العصر ) عدد أياتها ثلاث آيات قال تعالى :" بسم الله الرحمن الرحيم " والعصر * إن الإنسان لفى خس * إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر وتواصوا بالحق * لقد بين الله سبحانه وتعالى فى هذه السورة أن الإنسان ببشريته المجردة وهو بعيد عن الشرع والهدى فى خسران وضلال مبين , ولكن من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده أن جعل لهم منهج وأسباب للهداية , فمن أخذ بها اهتدى ولحق بأهل الفوز والنجاة , وإن هو تخلف وآثر هواه حق عليه كلمة ربك أنه من الهالكين , وهذه الأسباب تتمثل فى : الإيمان الحق , والعمل الصالح , والتواصى بالحق والتواصى بالصبر " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم