من حياة الصالحين ( الإمام الفضيل بن عياض رضى الله عنه )

من حياة الإمام الفضيل بن عياض رضى الله عنه

سبب توبته :

كان الفضيل بن عياض شاطرا , يقطع الطريق ومن أسباب توبته , أنه كان يعشق جارية فبينما هو يرتقى الجدران , إليها إذا سمع تاليا يتلوا قوله تعالى " ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق , سورة الحديد الآية 16_
فلما سمعها قال : بلى يارب قد آن فرجع فأواه الليل إلى خربة , فإذا فيها سابلة , فقال
بعضهم نرحل , وقال بعضهم حتى نصبح فإن الفضيل على الطريق يقطع علينا قال
ففكرت وقلت أسعى بالليل فى, المعاصى وقوم من المسلمين هاهنا , يخافونى وما أرى الله تعالى أرسلنى إليهم لأرتدع , اللهم إنى توبت إليك وجعلت توبتى مجاورة البيت الحرام " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

شدة خوفه وحزنه من الله

عرف الفضيل بن عياض رضى الله عنه بشدة حزنه وخوفه , وكان يقول : كيف يفرح من شغله بكاؤه على خطيئته , ويقول مبينا ذلك : الخوف أفضل من الرجاء
ما دام الرجل صحيحا فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل " وقال عنه سفيان بن عيينه رحمه الله تعالى " ما رأيت أحدا أخوف من الفضيل وأبيه "
فكان رحمه الله يغلب جانب الخوف على الرجاء لأنه يدفع الانسان إلى العمل والمواظبة على الطاعة وقد قال بعض الصالحين " حسبك من الخوف ما يمنعك من الذنوب , ولا حسبك من الحب أبدا "

وعندما رأى الفضيل , صاحب القلب الخائف من ربه المشفق من ذنوبه رأى رجلا يضحك, فقال له ألا أحدثك حديثا حسنا "
قال تعالى " لا تفرح إن الله لايحب الفرحين " سورة القصص 76_
ولقد سيطر الحزان على شغاف, قلبه حتى أن الحزن لم يخلق إلا له وقال عنه عبد الله  بن المبارك رضى الله عنه _ إذا مات الفضيل ارتفع الحزن ," وكان يقول عنه أيضا " ما بقى على ظهر الأرض عندى أفضل من الفضيل بن عياض " وكان يقول عنه الإمام الغزالى رضى الله عنه " كان الفضيل غصنا مثمرا فى شجرة التقوى "
وكان الفضيل رحمه الله يقول:" كل حزن يبلى إلا حزن التائب"
وقال عنه أبو على الرازى صحبت الفضيل ثلاثين سنة , ما رأيته ضاحكا ولا مبتسما
إلا يوم مات ابنه على , فقلت له فى ذلك فقال " إن الله عز وجل أحب أمرا فإحببت ما أحب الله " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ومن أقواله لولده

فقد كان ولد الفضيل بن عياض كثير الطاعة نشيطا فى العبادة لله فأراد أن يلقنه درسا فى التربية حتى لايغتربعمله فقال له " لعلك ترى نفسك فى شئ ( الجعل أطوع لله منك ) والجعل دابة سوداء من دواب الأرض "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وكان يبغض أهل البدع ويندد

كان الفضيل رضى الله عنه يبغض أصحاب البدع ويحذر من مشاورتهم ويقول "
من أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الاسلام " والمقصود بالبدعة هو ما يخالف أصول الدين العامة وأحكامه الكلية "
وكان يأخذ على كل من ينتقصون أحدا من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم آل بيته رضوان الله عليهم أجمعين فهو يقول " إنى أحب من أحبهم وهم الذين يسلم منهم أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم وأبغض من أبغضه الله وهم أصحاب الأهواء والبدع " وكان يقول رحمه الله " إذا نظرت إلى رجل من أصحاب أهل البيت كأنى نظرت إلى رجل من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

مفهوم الربح عند الفضيل رحمه الله

ليس الربح ما يملك الانسان من مال و أشياء مادية , ولكن الربح الحقيقى هو ما يجده الانسان بعد ما يرحل عن هذه الدنيا الفانية , ولهذا كان يقول " لن يتقرب العباد إلى الله تعالى بشئ أفضل من الفرائض , الفرائض رؤس الأموال , والنوافل الأرباح "
وقال عنه إبراهيم بن الأشعث قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : " لو أن الدنيا بحذفيرها عرضت على لا أحاسب بها فى الآخرة , لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ومن نصائحه فى قيام الليل

يقول من أخلاق الأنبياء الحلم والآناة وقيام الليل "
ويقول :" إذا لم تقدر على قيام الليل , وصيام النهار
فاعلم أنك محروم كبلتك خطيئتك "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ومن عظاته فى الإمساك عن الكلام

كان الفضيل بن عياض يقول :" لا حج ولا جهاد ولا رباط أشد من حبس اللسان , لو أصبحت يهمك لسانك أصبحت فى غم شديد , وسجن اللسان سجن المؤمن , وليس أحد أشد غما ممن سجن لسانه "
ويقول :" إذا تكلمت فيما لايعنيك فشغلك عما يعنيك , ولو شغلك ما يعنيك تركت ما لايعنيك .

وعندما رأى قوما من أصحاب الحديث يمرحون ويضحكون , نادهم : مهلا ياورثة الأنبياء وكررذلك ثلاثا ثم قال إنكم أئمة يقتدى بكم .
وقال أيضا : بلغنى أن العلماء فيما مضى كانوا إذا تعلموا عملوا , وإذا عملوا شغلوا
وإذا شغلوا فُقدوا , وإذا فُقدوا طُلبوا , فإذا طلبوا هربوا "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وكان يقول :

المؤمن قليل الكلام كثير العمل , والمنافق كثير الكلام قليل العمل
_ بقدر ما يصغر الذنب عندك , يعظم عند الله وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله
_ والله ما يحل لك أن تؤذى كلبا ولا خنزيرا بغير حق فكيف تؤذى مسلما "
_ لايكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه "
_ ترك العمل من أجل الناس رياء , والعمل من أجل الناس شرك
والاخلاص أن يعافيك الله منهما .

_ عاملوا الله تعالى بالصدق فى السر, فإن الرفيع من رفعه الله , وإذا أحب الله
عبدا أسكن محبته فى قلوب العباد "
_ وسأله رجل قائلا : يا أبا على متى يبلغ الرجل غايته من حب الله تعالى ؟
فقال له الفضيل : إذا كان عطاؤه ومنعه إياك عندك سواء , فقد بلغت الغاية من حبه
_ وسأله عبد الله بن مالك فقال : يا أبا على ما الخلاص مما نحن فيه ؟ فقال له : أخبرنى من أطاع الله هل تضره معصية أحد ؟
قال لا : قال : فمن عصى الله سبحانه وتعالى هل تنفعه طاعة أحد ؟ قال لا :
قال فهو الخلاص إن أردت الخلاص .

لقد أشرب قلبه الإخلاص لله فى كل شئ وقصرت رغبته على الله وحده وها هو يصور إخلاصه فى الايمان بقوله " لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة , وحتى لايبالى من أكل الدنيا, وحتى لا يحب أن يحمد على عبادة الله عز وجل , ومعنى عدة البلاء , نعمة أنه تكفير, عن الخطايا ورفع فى الدرجات , واعتبار الرخاء مصيبة من حيث, إنه ابتلاء شاق للعبد فيما فوضه الله فيه وهو محاسب عليه لا محالة "
إن الصدق والإخلاص متلازمان ومن ثم حرص عليهما الإمام الفضيل فيقول " ما تزين العباد بشئ أفضل من الصدق , إن الله يسأل الصادقين عن صدقهم فكيف بالكاذبين " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ومن الأحاديث التى رواها

_ عن الأعمش مرفوعا إلى النبى صل الله عيله وسلم قال :" لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها فى الركوع والسجود "
وعن منصور بن المعتمر مرفوعا إلى السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها
قالت : ما رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم _ منتصرا من مظلمة ظلمها قط
ما لم تنتهك محارم الله , فإذا انتهك من محارم الله شئ كان أشدهم فى ذلك غضبا
وإذا خير بين أمرين إختار أيسرهما ما لم يكن مأثما "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فتح باب الرجاء

لقد قضى الفضيل بن عياض عمره وحياته بعد توبته مجاورا البيت الحرام
مع الجهد الشديد والورع الدائم , والخوف الوافر والبكاء الكثير ورفض الناس وما عليه أسباب الدنيا .
وقال عنه إبراهيم بن الأشعث يقول" فى مرضه الذى مات فيه ," ارحمنى بحبى إياك
فليس شئ أحب إلى منك "

ويقول " مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين "
ويقول " ارحمنى فإنك بى عالم , ولا تعذبنى فأنت على قادر "
وهكذا قضى حياته بين الخوف والرجاء , وقال عنه عبد الله بن المبارك " إن الفضيل بن عياض صدق الله , فأجرى على لسانه الحكمة فالفضيل ممن نفعه الله بعلمه .
وكانت وفاته _ رحمه الله تعالى _ بمكة فى أول سنة مائة وسبع وثمانين "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم