شهر شعبان يدعونا إلى أن نتهيأ لعبادة الصيام وفيه فضائل شهر شعبان وليلة النصف منه وما جاء فيها ومن فضائل شهر شعبان تحويل القبلة

حول رفع الأعمال في شهر شعبان وغيره من الأيام :

كما رواه النسائي وغيره من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قوله :" تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين" ورفع الأعمال إلى رب العالمين: تتمثل على ثلاثة أنواع 1ـ يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النَّهار كما يقول الصديق رضي الله عنه :" إن لله عمل بالليل لا يُرفع بالنهار , وعمل بالنهار لا يُرفع بالليل "وكما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه - قال: "قام فينا رسول الله - صل الله عليه وسلم - بخمس كلمات ، فقال:" إن الله عز وجل - لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يَخفِض القسط ويَرْفَعه ، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل النهار، وعملُ النهار قبل الليل. " رواه مسلم. قال المُنَاوي رحمه الله : "معناه يُرفَع إليه عملُ النهار في أول الليل الذي بعده ، وعملُ الليل في أول النهار الذي بعده , فإن الحَفَظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار، ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل " . ( 1)

ففي هذين الوقتين تُرفَع التقارير اليومية آخرَ كل يوم وليلة ، فعملُ النهار يُرفَع في آخره ، وعملُ الليل يُرفَع في آخره... وهكذا ، وهذا الرفع يُطلَق عليه الرفع الخاص أي: خاص بعمل الأيام والليالي. وكذلك ذكر لنا النبي صل الله عليه وسلم أن الأعمال تُرفع إلى الله تعالى رفعاً عاماً كل يوم , وفى ذلك يقول صل الله عليه وسلم : " يتعاقبون ‏ ‏فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم ‏ ‏كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ‏" رواه البخارى. (2)

2ـ وتُرفع إليه أعمال الأسبوع في يوم "الاثنين" و"الخميس" كما جاء في حديث أبي هريرة عن رسول الله صل الله عليه وسلم - قال: " تُعرَض أعمال الناس في كلِّ جمعةٍ مرتين ، يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفَر لكل عبد مؤمن ، إلا عبدًا بينه وبين أخيه شَحْنَاء، فيقال: اتركوا - هذين حتى يصطلحا وفي رواية : حتي يَفِيئا" رواه مسلم ، وهذا الرفع خاص بعمل العبد خلال الأسبوع . ( 3)

3 ـ  ويرفع إليه هذا العمل في شهر "شعبان" خاصةً. وهو الرفع الثالث الذي تُرفع فيه الأعمال ، وتُعرض على الله تعالى ، وانظر إلى قول النبي صل الله عليه وسلم ـ  المهم في هذه الحالة ، وهو قوله صل الله عليه وسلم: " تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين , فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم " وهذا الرفع يشمل رفع جميع أعمال السنة.وكلنا يريد أن يرفع له في هذا الشهر " شعبان "  أحسن الأعمال وأكثر الأعمال  وأحسن الأعمال  وهذا يتطلب من المسلم الحرص على الأعمال الصالحة , والإخلاص فيها ومجاهدة النفس والإمساك عن الشر , وأن تكون أوقاته كلها عامرة بتقوى الله تعالى وحب الخير لغيره ,  ومما لا شك أن النبي صل الله عليه وسلم كان يختار لنفسه الدرجة العالية ، والدرجة الرفيعة التي تؤدي به إلى أفضل الأعمال وأحسن الأحول وبياض الوجه بها عند رب العالمين . ( 4)

وَرَفْعُ الأعمال إلى الله تعالى مع كونه صائما أدعى إلى القبول عند الله تعالى ، وأحب إلى الله سبحانه ، وأن يتقبل صالح عمله كله ، وأن يُثيبه عليه أعظم المثوبة ، وبذلك ينال رضا الله عز وجل ومحبته , وفى ذلك تنبيه للمؤمنين إلى أن يقتدوا به , و أن يكونوا على هذا الحال الذي يحبه لهم النبي صل الله عليه وسلم. ومع هذه التقارير التي تُكتَب وتُرفع إلى رب العالمين ، إلا أنه تبارك وتعالى توَّاب يحب التوَّابين ولذلك فقد جعل للتوبة باباً مفتوحاً إلى أن تطلع الشمس من مغربِها كما جاء في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم - قال: " إن الله - عز وجل يَبسُط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها " رواه مسلم . (5)

وهذا من كرمه عز وجل - أنه يقبل التوبة حتى وإن تأخَّرت ، فإذا أذنب الإنسان ذنبًا في النهار، فإن الله تعالى - يقبل توبته ولو تاب في الليل ، وإذا أذنب وتاب في النهار، فإن الله تعالى - يقبل توبته ، بل إنه تعالى : يبسط يده حتى يتلقى هذه التوبة التي تصدر من عبده المؤمن. وكما في الحديث عنه صل الله عليه وسلم :" أن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر " مصداق ذلك قوله تعالى :" وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتي إذا حضر أحدهم الموت قال إني توبت الآن و لا الذين يموتون وهم كفار " سورة النساء أو تطلع الشمس من مغربها كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " . رواه مسلم ويقول الله تعالى ": يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " سورة الأنعام الآية 158 ـ (6)

فإذا تاب العباد توبة صادقة ، تاب الله عليهم ، وبدل سيئاتهم حسنات ، كما قال بذلك في قوله تعالى :" إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما " سورة الفرقان: الآية 70. ـ وأما التقارير الختامية :فتكون عند انقضاء الأَجَل ، وصعود الروح إلى باريها ، فحينئذٍ تُطوى صحيفة عمله ، ويُختَم عليها ، ثم ترفع إلى ملك الملوك تبارك وتعالى - الذي يطلع على هذه التقارير وفي ذلك قوله تعالى :" وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أو مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا " سورة الكهف: الآية 48ـ (7)

وكتبة هذه التقارير هم الملائكة الذين يفعلون ما يُؤمرون ويُحصون ما يكتبون من قول أو فعل من حيث الزمان أو المكان قال تعالى :" ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " سورة ق: الآية 18 ـ وهذه التقارير يترتب عليها سعادة العبد أو شقاوته ، فإن كانت تقاريرَ إيجابية ، نجا وسعد صاحبُها في الدنيا والآخرة ، وإن كانت سلبية ، فلا يلومنَّ إلا نفسه , ومصداق ذلك ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – وفيه : قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم -: " يا أهلَ الجنة ، خلودٌ فلا موتَ ، ويا أهل النار، خلودٌ فلا موتَ " رواه البخاري ومسلم. ـ . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (

منزلة العمل الصالح في أوقات الغفلات :

كما في حديث محمد ابن مسلمة أن النبي صل الله عليه وسلم- قال: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها , لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً".رواه الطبراني في الأوسط . حتى يتعود المسلم على فعل الخيرات وترك المنكرات ومن ثم يُصبح في سلوكه وأعماله عادة وسجية وطبع ، وكما الحديث يقول النبي صل الله عليه وسلم: "الخير عادة والشر لجاجة ، ومَن يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين" أخرجه ابن ماجة بسند صحيح.ومن الفقه في الدين عمل الخيرات في كل الأوقات ، وخصوصاً الأوقات التي خصها الله تعالى بفضائل روحية , ولهذا حثنا رسول الله صل الله عليه وسلم على الاجتهاد في شهر شعبان ليكون فيه استعداداً لرمضان . وكما هو معلوم أن رمضان من الأوقات الفاضلات ، (9)

ومن النفحات الربانية التي خص الله تعالى بها الأمة الإسلامية  ، كما في  حديث أنس رضي الله عنه.يقول النبي صل الله عليه وسلم: "افعلوا الخير دهركم ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها مَن يشاء من عباده ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ، وأن يُؤمِّن روعاتكم" أخرجه ابن أبى الدنيا والطبراني . ومن هذا نعلم أن في مواظبة المسلم على عبادة الله  تعالى في أوقات الغفلات عصمة من الفتن ، ومخرج من البلايا والمحن ، ونجاة من العقوبات. قال بعض السلف:" لولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس.وقد روى البزار بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : "مهلا عن الله مهلا.. فلولا عباد ركع ، وأطفال رضع ، وبهائم رتع ، لصب عليكم العذاب صبا".وقد أخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال ": لولا الذين لهــم ورد يقومونا . وآخرون لهم سرد يصومونا . لدكدكت أرضكم من تحتكم سحرا. فإنكم قــوم سوء لا تطيعونا . وعن ابن عمر رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صل الله عليه وسلم : " إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء" وقال أيضا "إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ولا يزالون في حفظ الله عز وجل مادام فيهم " (10)

وفي بعض الآثار: إن الله ليدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله.و يدل علي ذلك أحاديث صحيحة منها حديث السوق  عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه  وسلم قال:" من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة  رواه الترمذي و صححه الحاكم في المستدرك  وقال على شرط الشيخين ، والمنذري وحسنه الألباني. دعاء مؤلف :اللهم إنا نثني عليك الخير كله أنت الغني ونحن الفقراء إليك  اللهم ارحمنا واجعلنا من الآمنين , وأعتق رقابنا ووالدينا وإخواننا وكل من له حق علينا من النار ." موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (11)

شهر شعبان و فضل العمل فيه :


شهر شعبان منحة ربانية وهبها الله تعالى لأمة سيد المرسلين وحبيب رب العالمين سيدنا محمد صل الله عليه وسلم فإن لله عز وجل في أيام دهره لنفحات يتفضل بها على عباده بالطاعات والقربات ، ويتكرم بها عليهم بما أعده لهم من أثر عمل الصالحات والمواظبة على فعل الخيرات ، وقد خصه الله تعالي بمزيد من الفضل هدية منه لعباده الصالحين ، وأوليائه المخلصين فمن قَبِلها واجتهد فيه غنم ، ومن تهاون وقصر فيه ندم وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين كما في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل رسول الله صل الله عليه وسلم حيث قال يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم:" ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ." رواه النسائي ، (12)

وفي هذا الشهر يتكرم الله على عباده المؤمنين بمنحتين عظيمتين الأولى عرض الأعمال عليه ، وبالتالي قبوله ما شاء منها ، والثانية مغفرة الذنوب للعباد من عنده تكرُماً وتفضُّلاً.وقد أشار النبي صل الله عليه وسلم في الحديث إلى أن شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل الناس عن العبادة فيه نظراً لوقوعه بين شهرين عظيمين هما رجب الذي هو من الأشهر الحرم ، و شهر رمضان المبارك . وهو يبين لنا إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام ,وشهر الصيام الذي قد يشتغل كثير الناس بهما عنه ، فصار شهر شعبان مغفولاً عنه ، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب من الأشهر الحرم وليس الأمر كذلك. وفي الحديث إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه .شهر شعبان شهر يغفل عنه الناس ونسوا أن الأعمال ترفع فيه إلى رب العالمين . (13)

ويبين لنا الحديث أن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس ، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل ، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين كما ورد عن معقل بن يسار: "العبادة في الهرْج كالهجرة إليَّ" أي: العبادة في زمن الفتنة لأن الناس يتبعون أهواءهم ، فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق.وفيه دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة. ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة ، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها: أن يكون أخفى للعمل ، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام فإنه سرٌّ بين العبد وربه ، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء. (14)

ولما كان الناس يشتغلون بغير شعبان عن شعبان ، فإن النبي صل الله عليه وسلم كان يعمره بالطاعة وبالصيام عن عائشة رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان". وقد رجح طائفة من أهل العلم منهم عبد الله ابن المبارك وغيره- أن النبي صل الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان ، وإنما كان يصوم أكثره ، ويشهد له حديث عائشة رضي الله عنها- قالت: "ما علمته تعني النبي صل الله عليه وسلم - صام شهراً كله إلا رمضان".. ـ . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (15)

عن اهتمام الصحابة بشهر شعبان :

لقد كان من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن جعل لهم أياما وليالي عظيمة خصها بنفحاته وفيوضاته حيث يزيدون فيها من الطاعات وألوان العبادات ، فيمنحهم الله عز وجل عونه وتوفيقه ورضاه لكي يُقبلوا على الأعمال الصالحة ويُداموا على فعل الخيرات والتقرب إليه سبحانه بالنوافل سواء في العبادات الواجبة أو الطاعات المستحبة ، فيرزقهم الله تعالى العفو والرضا ، ومن هذه الأيام المباركات شهر شعبان الذي حباه الله تعالى بنفحات عظيمة ، وخيرات كثيرة.لو رجعنا إلى واقع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين , ونظرنا إلى أحوالهم , فقد كانوا يهتمون بهذا الشهر اهتماما خاصاً لما عرفوا له من مكانة وفضل عند الله تعالى ورسوله صل الله عليه وسلم ، فكانوا ينكبُّون على كتاب الله تعالى تلاوة ودراسة ، ويتصدقون من فضول أموالهم ، ويتسابقون إلى فعل الخيْرات ، (16)

وكأنهم يُهيِّئون قلوبهم لاستقبال نفحات رمضان الكُبرى ، حتى إذا دخل عليهم رمضان دخل عليهم وقلوبُهم عامرةٌ بالإيمان وألسنتُهم رطبةٌ بذِكْر الله ، وجوارحُهم عفيفةٌ عن الحرام طاهرةٌ نقيةٌ ، فيشعرون بلذَّة القيام وحلاوة الصيام ، ولا يَملُّون من الأعمال الصالحة لأن قلوبَهم خالطتها بشاشةُ الإيمان وتغلغَل فيها نورُ اليقين وسمت بذلك أرواحهم , وعن سبب تسمية هذا الشهر بشعبان , نقول شهر شعبان هو الشهر الثامن في ترتيب الشهور الهجرية , وتوجد له عدة أسباب لتسمية شهر شعبان بهذا الاسم ، وهي هناك من قال انه سمي بهذا الاسم ، لأنه الشهر الذي يفصل بين شهر رجب و شهر رمضان . ويقال لأنه شَعَب أي ظهر بين شهر رجب وشهر شعبان ويعتبر شهر شعبان من أهم الشهور الهجرية لدى المسلمين وقد وردت عنه وعن فضائله العديد من الأحاديث النبوية الشريفة و بعض الروايات تقول بأنه سمي بهذا الاسم لأن القبائل العربية تتفرق فيه للذهاب إلى الملوك لقصدهم و التماس العطية منهم .و أحد أسباب تسميته بهذا الاسم ، هو أن القبائل كانت تتفرق فيه بحثا عن الماء و المرعى .و كذلك لان العرب كانت تتشعب فيه للقيام بالغزو و الغارات ، بعد امتناعهم عن القتال في شهر رجب ، لأنه من الأشهر الحرم . (17)

و كذلك سمي بشعبان لأن الأغصان تتشعب في هذا الشهر . وشهر شعبان يتمتع بمزايا عظيمة من أهمها علي الإطلاق ,ألا وهي نزول الآية الكريمة من قوله تعالى :" إن الله وملائكته يُصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا وسلموا تسليما " سورة الأحزاب: الآية 56. التي أمر الله سبحانه وتعالى فيها المسلمين بالصلاة والتسليم على سيِد الخلق أجمعين سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ـ حتى يرفع درجاتهم ، ويغفر ذنوبهم ، ويكفر عنهم سيئاتهم ، ويتقبلهم قبولاً حسناً. وفيه أيضا فرض صيام شهر رمضان في العام الثاني للهجرة .وتم فيه تحويل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى البيت الحرام في شهر شعبان استجابة وتلبية لدعاء النبي صل الله عليه وسلم ـ التي كان يُحب أن يتوجه إليها لأنها قِبلة أبيه إبراهيم عليه السلام .دعاء مؤلف : اللهم أبسط علينا , من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.اللهم هب لنا عملاً صالحا ، ورزقاً واسعا ، وعيشاً هنيئا , وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.." ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (18)

عن فضل شهر شعبان وليلة النصف منه :

كثير من الناس يغفلون عن فضل شهر شعبان وما خصه الله تعالى به من نفحات وفيوضات تتنزل على عباده المؤمنين الصادقين , ولقد كان من هدي النبي صل الله عليه وسلم كثرة صيامه في هذا الشهر، وعندما سُأل عليه الصلاة والسلام كما في حديث أسامة رضي الله تعالى عنه عن سبب ذلك قال: شهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي إلى الله وأنا صائم، " رواه النسائي مع الحرص على القيام بالصلاة وتلاوة القرآن وغير ذلك ....وقال ابن رجب الحنبلى في لطائف المعارف "ينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى و دعائه بغفران الذنوب و ستر العيوب و تفريج الكروب و أن يقدم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب " (19)

" وقال : " و يتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة و قبول الدعاء في تلك الليلة ".،و قد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله إلى البصرة عليك بأربع ليال من السنة فإن الله يفرغ فيهن الرحمة إفراغا أول ليلة من رجب و ليلة النصف من شعبان و ليلة الفطر و ليلة الأضحى" و قيل روي عن غيره" و قال الشافعي رضي الله عنه : بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال : ليلة الجمعة و العيدين و أول رجب و نصف شعبان.ولم يكن رسول الله صل الله عليه وسلم يخص بالعبادة في شعبان ليلة بعينها ولكن كان يخص شعبان كله ، ( 20)

، وهكذا مضي سلفنا الصالح كانوا يكثرون من قراءة القرآن حتى إن منهم من يغلق حانوته للتفرغ لقراءة القرآن، وكانوا يحرصون على إعانة المحتاجين من الأرامل و الفقراء واليتامى والمساكين في شعبان ليستقبل الواحد منهم شهر رمضان بما يسعد أسرته وأولاده.وليلة النصف من شعبان من الليالي العظيمة ذات المنزلة العالية لما فيها من الأجر والثواب والتي تعد بمثابة فرصة للمؤمنين لاغتنامها، ودعوة لتصالح النفس مع الآخرين ومع الله عز وجل، والتوبة عن كل فعل مشين يغضب الله عز وجل من " نميمة , وبغضاء ,وكراهية, ونفاق,سماع للأغاني المحرمة "، كما أنه لم يرد عن النبي صل الله عليه وسلم مايجزم أنه خص هذه الليلة بالصيام والقيام،ولم يثبت عنه أو عن صحابته والمقربين منه ذلك، ولكن وردت أحاديث تدور بين الحسن والضعف يُقوي بعضها بعضاتفيدنا أن مجرد القيام جائز ولا بأس به مع الحرص على قيام الليل وتناول الأذكار والدعاء والاستغفار. (21)

وليلة النصف من الشعبان من الليالي الفاضلة المكرمة التي تتجلى فيها روحانيات عظيمة وقد خصها الله عز وجل بميزة محددة حيث يطلع الله على جميع خلقه ليغفر لهم، إلا المشرك حتى بترك شركه ويؤمن بالله، والمشاحن الباغض لأخيه حتى تصفو نفسه ويتصالح مع من يعاديه،
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صل الله عليه وسلم قال: " يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن " المعجم الكبير للطبراني والأوسط ، قال الهيثمي في المجمع ورجالهما ثقات ". وابن حبان في صحيحه ، وابن أبي عاصم في السنة ، والدارقطني في النزول ، والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم.وهو حديث صحيح .(22)

كما في حديث النبي صل الله عليه وسلم يقول: إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين،ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه"قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ،وسيد القوم من يعفو ويصفح ويُسامح .والدعاء مخ العبادة وهو مطلوب في كل وقت وحين ولكن هناك من الأوقات التي اختصها الله تعالى بفضله وكرمه وإجابة الدعاء فيها ألا وهي ليلة النصف من شعبان, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام ـ فقال: هذه الليلة ليلة النصف من شعبان, والله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بني كلب, لا ينظر الله فيها إلي مشرك ولا إلي مشاحن , ولا إلي قاطع رحم ولا إلي مسبل , ولا إلي عاق لوالديه , ولا إلي مدمن خمر" (23)

قالت: فسجد ليلا طويلا وسمعته يقول في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك, وأعوذ بك منك, جل وجهك , لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك قالت: فلما أصبح ذكرتهن له, فقال: يا عائشة تعلمينهن؟ فقلت: نعم فقال: تعلميهن وعلميهن , فان جبريل عليه السلام علمينهن وأمرني أن أرددهن في السجود, رواه البيهقي في شعب الإيمان.وفي رواية رضي الله تعالى عنها: كان يقول في سجوده: سجد لك خيالي وسوادي وآمن بك فؤادي فهذه يدي وما جنيت بها على نفسي يا عظيم يرجى لكل عظيم يا عظيم اغفر الذنب العظيم سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، ثم رفع رأسه، ثم عاد ساجدا، فقال: أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ بك منك أنت كما أثنيت على نفسك،" (24)

أقول كما قال أخي داود أعفر وجهي في التراب لسيدي وحق له أن يسجد ، ثم رفع رأسه فقال: اللهم ارزقني قلبا تقيا ، من الشر نقيا ، لا جافيا ولا شقيا، .....الخ , ثم قال هذه ليلة النصف من شعبان ينزل الله فيها إلى السماء الدنيا ، فيغفر لعباده إلا المشرك والمشاحن. ثم انصرف . رواه البيهقي في شعب الإيمان .وفي هذا بيان لفضل هذه الليلة المكرمة ، وندب التعبد فيها ، لاسيما بالدعاء والاستغفار .ومن الأدعية عن ابن أبي شيبة في مصنفه اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام،لا إله إلا أنت ظهرُ اللاجئين وجار المستجيرين وأمان الخائفين.هو من الأدعية المأثورة والتي وردت عن بعض الصحابة رضوان الله تعالي عليهم أجمعين.وغير ذلك من الأدعية المأثورة...( 25)