مع سيدة نساء العالمين الزهراء البتول فاطمة ( بنت محمد صل الله عليه وسلم )

مع سيدة نساء العالمين , الزهراء البتول فاطمة بنت محمد بن عبد الله سيد الخلق صل الله عليه وسلم : قال تعالى :" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " سورة الأحزاب الآية 33_

الزهراء البتول عليها السلام _ بنت سيد ولد آدم , وخاتم النبين وسيد المرسلين
وعن تاريخها وحياتها وكفاحها وصبرها وحبها لرسول الله صل الله عليه وسلم
وقد قال : صل الله عليه وسلم : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء , إلا أربع خديجة بنت خويلد , وفاطمة بنت محمد صل الله عليه وسلم , وآسية بنت مزاحم , ومريم ابنى عمران " ( 1)

فهى الزهراء البتول ريحانة الرسول صل الله عليه وسلم _ وهى أم أبيها كما كان يلقبها رسول الله صل الله عليه وسلم _ ولقد كنيت بذلك لأنها كانت أصغر , بنات الرسول صل الله عليه ولأنها كانت تعيش فى البيت وحدها بعد موت السيدة خديجة فتولت رعاية الرسول صل الله عليه وسلم _ والسهر عليه ولخدمته , وهى بنت سيد المرسلين صل الله عليه وسلم  , وهى سيدة نساء العالمين , وأحب بناته إليه وأكرمهن عليه , وأقربهن إلى قلبه وأشبه بناته به خَلقةً وخُلقا , فهى شجرة الفضائل , وأم الشمائل , كريمة الخليقة , شريفة الملكة , نبيلة النفس , جليلة الحس , سريعة الفهم , مرهفة الصدر , رابطة الجأش , حمية الأنف , نائية عن مذهب العجب , لايحددها مادى الخيلاء ولا يثنى أعطافها الزهو والكبرياء , إنها منبع كل خلق كريم , ومصدر كل صفه حميدة "  ( 2)

, ولقد تربت فى بيت كريم , وأهل بر وعطاء , وبيئة طاهرة , كانت شديدة الإعتزاز بالإنتساب لأبيها , فطرة على يقين التدين , ذات إرادة قوية , لاتهمل فى حساب شأنها وأحوالها , كانت تحب أبيها رسول الله صل الله عليه وسلم _ وأمها خديجة رضى الله عنه _ وهى زوج الكرار على بن أبى طالب رضى الله عنه _ وأم السبطين الشهيدين سيدى شباب أهل الجنة , وقد وهبت حياتها لله , حتى لقبت بالبتول , ريحانة رسول الله صل الله عليه وسلم _ وهى آخر من بقى من أولاده , على قيد الحياة وقد شهدت إنتقاله إلى الرفيق الأعلى , وكانت أول من لحق به" ( 3)

, وقد كان النبى صل الله عليه وسلم لايصبر عن رؤيتها , ولا يبطئ عن زيارتها , ولا يطيق بعده عنها , وكان كثيرا ما يذهب إليها , ويجلس عندها , ويطيل الجلوس , لها ويشاركها فى شئونها وأحوالها , ويحمل لها أولادها , ويسألها عن دقيق أسراها , وكل ما يهم سعادتها ورضاها , وكان صل الله عليه يحسن إليها كثيرا عند لقائها فيما رواه الإمام أحمد عن أم سلمة رضى الله تعالى عنها قالت بينما رسول الله صل الله عليه وسلم فى بيتى , إذ قال الخادم إن عليا وفاطمة بالباب فقال : قومى فتنحى عن أهل بيتى , فدخل على على وفاطمة ومعا الحسن والحسين فأخذ الصبيين فوضعهما فى حجره , واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة بالأخرى فقبل فاطمة وقبل عليا " ( 4)

الوليدة الطاهرة:

حملت السيدة خديجة رضى الله عنها – بها وهى فى سن الخمسين من عمرها وكانت السيدة فاطمة هى البنت الرابعة بين أخواتها , ولقد استبشر النبى صل الله عليه وسلم بمولد فاطمة رضى الله عنها _ وفرح بمقدمها , وتهلل وجهه عند البشارة بها , وقد ساعده على ذلك , اقتران مولدها بحادث بناء ( الكعبة ) وتشييدها , واقامة البيت الحرام وتجديده دون أن تختصم قريش , لذلك ودون ان تتفكك وحدتها , أو تسفك
فى سبيل بنائها وتشيدها , دماء وتزهق أرواح , بل جمع الله تعالى شملهم على يديه صل الله عليه وسلم _ فازداد فى قلوبهم مكانة , على مكانته ومنزلة فوق منزلته وأصبح حديث محمد صل الله عليه وسلم _ يتردد على كل لسان , وحبه يعمر كل فلب " ( 5)

لأنه فض النزاع , وأزال أسباب الفرقة والشقاق , كل ذلك بفضل ما وهبه الله من عقل ذكى وفطنة قوية , وبفضل ما آتاه من رشد توفيق وحكمة وسداد ولقد ظهر من حب رسول الله صل الله عليه وسلم _ لفاطمة وتكريمه لها واهتمامه بها فى صورة طيبة , فتضاعف فى البيت النور والسرور , وغمره البشر والسعادة , وظهرت فيه البهجة والأنس , وبدأت فيه معلم الرضا والحب , والصفاء والبهاء وقرب ولادتها قال صل الله عليه وسلم للسيدة خديجة رضى الله عنها : ( يا خديجة لقد بشرت أنها أنثى , وانها النسمة الطاهرة الميمونة , وأن الله تعالى سيجعل نسلى منها , وسيجعل من نسلها أئمة فى الأمة , ويجعلهم خلفاء فى أرضه , ومما يروى أن الرسول صل الله عليه وسلم _ بعد ما انتهى من وضعه للحجر وإنطفأت الفتنة عاد إلى بيته فوجد السيدة خديجة قد ولدت فاطمة رضى الله عنها , فى يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخر وذلك قبل البعثة بخمس سنين ,وبشر بها ففرح فرحا عظيما وتفائل بمولدهها المبارك الميمون " ( 6)

, وتهلل وجهه الشريف بالرضى والسرور إنهما حدثان عظيمان فى يوم واحد , وسمها فاطمة وحيا ( يعنى بأمر من الله تعالى سميت فاطمة ) لأن الله تعالى فطمها وذريتها ومن أحبهم من النار,  فانظر كيف كان رسول الله صل الله عليه وسلم _ يحب السيدة فاطمة رضى الله عنها ويجلها ويعزها ويقدرها ويبالغ فى تعظيمها , وتكريمها حتى لكأنما جاءته على ظمأ وشوق , وكأنه صل الله عليه وسلم _ لم يولد له وليدة إلا هى رضى الله عنها وهذا العامل النفسى والسبب الروحى ما نقلته لنا , السيدة عائشة رضى الله عنها_ من أنها قالت قلت : يارسول الله صل الله عليه وسلم _ أراك تحب فاطمة وتحن للقائها وتفرح بمجيئها وتقوم لها معظما ومرحبا , فقال صل الله عليه وسلم هو كما تقولين"(7)

لأنى رأيت ليلة من الليالى كأنى دخلت الجنة , فأعطانى ملك تفاحة فأكلتها فوجدت لها طعما طيبا ورائحة , فلما استيقظت من نومى واقعت (خديجة ) فحملت ,( بفاطمة ) فكلما رأيتها تذكرت تلك التفاحة فاشتقت إليها , وكانت إلى جانب ذلك أشبه أهل البيت بأبيها صورة وحديثا وخُلقا , حتى إنهم كانوا يلقبونها ( بأم أبيها ) وهى كنية أطلقها الرسول صل الله عليه وسلم _ من فرط حبه لها وشغفه بها , وارتياحه إليها وفوق هذا كله فقد عاصرت الزهراء رضى الله عنه , أحداث الرسالة وشاهدت أعباء النبوة
حيث لم يمض على مولدها المبارك إلا خمس سنين , واصطفى الله تعالى آباها نبيا , واختاره رسولا , وحمله أمانة الدين القويم , وأمره ان يبلغ الدعوة إلى قومه خاصة
ثم إلى العرب كافة " (

, ثم بعد ذلك إلى الناس عامة , فقام من فوره ونهض من ساعته , وصعد على الصفا ونادى بأعلى صوته , صل الله عليه وسلم _ ( يابنى هاشم يابنى عبد المطلب يا بنى عبد مناف فلما اجتمعوا له , قال لهم : إنى رسولالله إليكم خاصة وإلى الناس عامة , فسكتوا جميعا إلا ( أبو لهب ) رد عليه ردا قاسيا ولكنهم وقفوا حجر عثرة وكانوا فى طريقه عقبة كئودا , لأن القرآن دائم الذكر بتوبخ ألهتم , ويعيب فى أربابهم , وينادى بأنهم هم وأباهم فى ضلال مبين , وأنهم من الأخسرين أعمالا" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " سورة الكهف الآية 104 _ ( 9)

وكان هذا من أسباب حرب شعواء , أعلنها الطغاة والمستبدين وقعدوا له فى كل مرصد , وتربصوا به فى كل مكان , وكان على رأس هؤلاء عقبة ابن أبى معيط فقد كمن للرسول صل الله عليه وسلم - فى الكعبة حتى إذا جاء ليصلى بها ويطوف حولها انتظره حتى سجد , وتقدم إليه فى غلظة وسعى إليه فى جفاء , وغلظة , حتى إذا كان بجانبه وطأ بقدميه عنق النبى الكريم صل الله عليه وسلم _ واستمر فى وطئه حتى كاد يموت من ثقل وطأته , لولا أن قام أبو بكر رضى الله عنه _ إليه فدفعه عنه فى قوة وغضب قائلا له ولقومه الذين ينظرون إليه ويضحكون ويسخرون من النبى صل الله عليه وسلم ويستهزئون ويحكم أتقتلون , رجلا أن يقول ربى الله " (10)

حدث ذلك كله والزهراء واقفة غير بعيد , من أبيها وألمها أن ترى آباها الوقور , ووالدها الرسول يؤذيه السفلة الرعاع , ويعتدى عليه وعلى صاحبه المشركين اللئام , دون أن يجدوا لهم وليا ولانصيرا , لقد آذوا ( أبا بكر ) واعتدوا عليه لأنه قام دون الرسول يمنعه ويحميه ويقيه ويدافع عنه , فلم يرقهم ذلك وأقبلوا عليه ضربا وشتما
وطعنا ولكماً حتى أدموا جسده , واتنزعوا شعره وثملوا وجهه , وراسه بالنعال وما زالوا به حتى فقد وعيه , وغاب صوابه وحمل إلى منزله , وهو لايكاد يحس شيئا
بل لايزال يتبين من كل ما يدور حوله , ويحيط به قليلا أو كثيرا كل ذلك والصبية الوليدة والفتاة الرشيدة تسمع وترى , وكان يؤلمها كل الألم ويؤذيها , كل الإيذاء أنها لا تستطيع الدفاع عن أبيها " ( 11)

,ولا تمتلك له إلا صراخها المؤلم , ودموعها الساخنة , وزفراتها الحارة فإن كانت تمتلك شيئا , أكثر من ذلك فهو الدعاء وعلى هؤلاء الجبابرة أن يشتت الله شملهم , ويضعف كيدهم ويقضى على سلطانهم , جزاء ما ألحقوا بأبيها من ظلم وما فعلوه وبصاحبه من أذى وإهانة, وما أنزلوه من ضرب واعتداء وكأنما كانت تحدث نفسها , وتتمنى من قرارة قلبها إنها لو كانت فى ذلك الوقت رجلا قوى الساعدين , مفتول العضلات , لوقفت إلى جانب أبيها لها مع هؤلاء السفلة وأولئك الأنذال شأن يعرفه الناس , وتعيه مكة ويرويه بعد ذلك كله التاريخ " ( 12)

أسماؤها وألقابها وكنيتها :

إسمها فاطمة : قال رسول الله صل الله عليه وسلم _ ( يافاطمة أتدرين لم سميت فاطمة ؟ قال الإمام على رضى الله عنه يا رسول الله صل الله عليه وسلم _ لم سميت فاطمة ؟ قال إن الله تعالى فطمها وذريتها من النار يوم القيامة ) ومن طهرها أنها لم يصبها حيض ولم ترى فى حياتها نفاسا لأن الله تعالى طهرها تطهيرا من حديث ابن
عباس رضى الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" إن فاطمة ابنتى حورية آدمية , لم تحض قط , ولم ترى دم ولادتها قط , وإنما سميت فاطمة لأن الله عز وجل فطمها وحبيها من النار "
وقال أبو جعفر محمد الباقر رضى الله عنه _ لما ولدت فاطمة عليها السلام _ أوحى الله تعالى إلى ملك فانطلق به لسان النبى صل الله عليه وسلم _ فسماها فاطمة ثم قال : إن الله تعالى فطمك عن الطمث " ( 13 )

وقد لقبت بالزهراء : لأنها كانت نورانية اللون , وعن جعفر بن محمد بن على رضى الله عنهم _ عن أبيه _ قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام _ عن فاطمة لم سميت الزهراء ؟ قال : لأنها إذا قامت فى محرابها يزهو نورها لأهل السماء , كما يزهو نور الكواكب لأهل الأرض , وقيل سميت الزهراء لأنها كانت لاتحيض , وإذا ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى لاتفوتها صلاة " ( 14)

زواجها بأمر من الله :

قال المحب الطبرى : خطب النبى صل الله عليه وسلم _ فقال : الحمد الله المحمود بنعمته , المعبود بقدرته , المرهوب بعذابه وسطوته , النافذ أمره فى فى سمائه وأرضه بحكمته , الذى خلق الخلائق بقدرته , وميزهم بأحكامه , وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد صل الله عليه وسلم _ وملته إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته
جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا وشج به الأرحام , وألزم به الأنام فقال عز من قائل " وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا " سورة الفرقان فأمر الله يجرى بقضائه , وقضاؤه يجرى بقدرته , لكل قضاء قدر , ولكل قدر أجل , ولكل أجل كتاب , ثم إن الله تعالى أمرنى أن أزوج فاطمة بنت خديجة من على بن أبى طالب , فاشهدوا أنى قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة أو رضى بذلك ؟ فقال على : رضيت يارسول الله صل الله عليه وسلم _ فقال : جمع الله شملكما وأسعد جدكما , وبارك عليكما وأخرج منكما الكثير الطيب ) ( 15 )

مناقبها :

إن للزهراء مناقب عديدة ومفاخر كثيرة , منها ما شملها فى الدنيا ومنها ما ينتظرها فى الآخرة , وإن فضائلها لاتقف عند حد ولا تنتهى عند تقدير , فأما ما كان فى الدنيا
وذكرتها كتب السير ومراجع السنة , من أنها سيدة نساء العالمين كما فى مسند الإمام أحمد رحمه الله : أن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال : دخلت على أمى يوما فسألتنى هل رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم _ فقلت منذ كذا وكذا لم أراه فنالت منى ونهرتنى فلما رأيتها غضبى قلت لها دعينى , فإنى ذاهب إليه صل الله عليه وسلم _ وسأصلى معه المغرب والعشاء . ثم انصرف النبى صل الله عليه وسلم _ من صلاته فتبعته وبينما نحن فى طريقنا , عرض للنبى عارض فناجاه , ثم ذهب فتبعته
أيضا فسمع مشيتى خلفه فالتفت إلىَّ وقال : من هذا ؟ فقلت حذيفة ؟ فحدثته بحديث أمى فقال غفر الله لك ولأمك " ( 16)

, ثم قال لى أما رأيت العرض الذى عرض لى ؟ فقلت له نعم يا رسول الله صل الله عليه وسلم _ فقال ذلك ملك من الملائكة , لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة , وقد استأذن ربى فى أن يسلم على , ويبشرنى بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة , وأن فاطمة الزهراء سيدة ( نساء العالمين )وروى مثله الطبرانى قال صل الله عليه وسلم إن ملكا من السماء لم يكن زارنى فاستأذن الله فى زيارتى فبشرنى أو قال أخبرنى أن فاطمة سيدة نساء أمتى " ومن مناقبها رضى الله عنها : أن النبى صل الله عليه وسلم _ كان يحبها ويبالغ فى حبها " ( 17 )

فقد سأله الإمام على رضى الله عنه : يوما وقال له ( أينا أحب إليك أنا أم فاطمة ؟ فقال صل الله عليه وسلم :أنت أعز على منها , وهى أحب إلى منك " وروى أبو داود قال صل الله عليه وسلم :" أحب أهلى إلى فاطمة " وقد جاء فى نجاتها وولدها من النار ما رواه الطبرى عنه صل الله عليه وسلم _ إن الله تعالى غير معذبك وولدك بالنار " وروى عن مجاهد رضى الله عنه أنه قال : رأيت النبى صل الله عليه وسلم _ وقد أخذ بيد فاطمة رضى الله عنها ثم أقبل علينا فقال : " من عرف هذه فقد عرفها , ومن لم يعرفها فهى ( فاطمة بنت محمد صل الله عليه وسلم ) وهى بضعة منى وقلبى ونفسى وروحى التى بين جنبى ومن آذها فقد آذانى , ومن آذانى فقد أذى الله عز وجل , " ( 18)

ويقول فيما رواه البزار عنه صل الله عليه وسلم " فاطمة بضعة منى " أى جزء منى وروى الإمام أحمد عنه صل الله عليه وسلم " فاطمة بضعة منى يقبضنى ما يقبضها , ويبسطنى ما يبسطها , وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبى " وروى أبو داود عنه صل الله عليه وسلم :" إن فاطمة وعليا والحسن والحسين فى حظيرة القدس فى قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن " يبين لنا الرسول صل الله عليه وسلم فى الحديث أن رضا الله تعالى لرضها وغضبه لغضبها فقد روى الطبرى قال صل الله عليه وسلم :" يا فاطمة إن الله تعالى يرضى لرضاك يغضب لغضبك " ( 19 )

وكان النبى صل الله عليه وسلم _ إذا أراد الحج أو الغزو لايخرج من المدينة حتى يكون آخر عهده بها رؤية ( فاطمة ) بعد ذلك ثم يخرج من عندها إلى بيت أزواجه أمهات المؤمنين وربما عاتبته بعضهن فى ذلك , فيقول لها : إن فاطمة الزهراء أحب آل بيتى إلى "
ومن مناقبها رضى الله تعالى عنها : أن الله تعالى حفظ ذرية نبيه فى ذريتها , وأبقى فى عقبها , فهى وحدها دون بناته وبنيه أم السلاسة الطاهرة , والعترة الزكية الخيرة
والصفوة المختارة من عباد الله لأن أبناء النبى صل الله عليه وسلم _ الذكور الذين لم يكبروا فقد ما ( القاسم ) و ( عبد الله ) و ( إبراهيم ) وهم جميعا أطفال صغار لم يشبوا عن الطوق ولم يبلغوا الحلم بعد , وأما بناته صل الله عليه وسلم : فكن أربع ( زينب ) و ( رقية ) و( أم كلثوم ) و ( فاطمة ) فأما زينب فلم تلد من أبى العاص إلا ( أمامة ) و ( على ) فأما ( أمامة ) فقد عاشت فقد عاشت حتى تزوجت سيدنا ( على ) بعد وفاة ( فاطمة ) ولكنها لم تنجب له أولادا" ( 20 )

و ( أمامه ) هذه هى التى كان يحبها
النبى صل الله عليه وسلم _ ويحنوا عليها لأنها كانت يتيمة , فقد ماتت أمها , وتركتها طفلة صغيرة فى بيت رسول الله صل الله عليه وسلم _ فقام بتربيتها وكفالتها خير قيام وهى صاحبة ( العقد النفيس ) الذى ذاعت قصته وشاعت وخلاصة هذه القصة
أن النبى صل الله عليه وسلم كان جالسا يوما ومعه ( عقد ثمين ) فقال : " لأعطين هذا العقد لأحب أهلى إلى فتضاربت الأراء , واختلفت الأقويل , وكبرت الظنون حول صاحبة هذه الحظوة الكريمة ,وتلك المنزلة العظيمة عند رسول الله صل الله عليه وسلم _ فقائل يقول ذهبت به عائشة بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنهما : وآخر يقول ذهبت به الزهراء , وثالث يقول إنه لفاطمة بنت حمزة سيد الشهداء
ولم يطل الخلاف هؤلاء اللاتى ذكرن ولم تفز به إلا( أمامة ) بنت زينت بنت رسول الله صل الله عليه وسلم _" ( 21)

وأصبح لأمامة فى بيت رسول الله صل الله عليه وسلم بعد هذا اليوم منزلة عالية لم تكن لها من قبل , وأما على أخوها ابن ( أبى العاص فلم يعش ولم يتزوج , وكل ما نقلته المصادر لنا عن حياته , أنه كان راكبا خلف النبى صل الله عليه وسلم يوم ( فتح مكة ) ولا شئ غير هذا وأما رقية زوج سيدنا عثمان رضى الله عنه فإنها لم تنجب ولما ماتت زوجة النبى أختها ( أم كلثوم ) لم تلد إلا غلاما واحد وهو سيدنا عبد الله , وقد مات فى حياة أمه متأثرا ( بنقرة ديك ) فى عينه ولنا رأته أمه يموت أمامها , وبين يديها أرسلت إلى أبيها النبى صل الله عليه وسلم _ ظنا منها أنه يملك لها شيئا , أوأنه يستطيع أن يدفع عن ابنها الموت أو يخلصه من قبضة القضاء , فلما جاء النبى صل الله عليه وسلم إليها , والصبى يجود بأنفاسه قال لها يا بنيتى اصبرى واحتسبى فإن لله ما أخذ وله ما أعطى , وكل شئ عنده بأجل مسمى " ( 22)

ولم يبق من بناته إلا الزهراء البتول رضى الله عنها , وقد رزقها الله تعالى بالسبطين الكريمين والحفيدين التقيين الحسن والحسين , كما رزقها من البنات البطلة المجاهدة
والعقيلة الخالدة والبارة الطاهرة , صاحبة المواقف المشهودة وشجرة الفضائل المحمودة السيدة زينب رضى الله عنهم أجمعين _ وكان من ذرية الزهراء جميع أهل البيت الشرفاء والأماجد الأعزاء , ومن مناقبها أنها لم يجر على لسان النبى صل الله عليه وسلم _ ذكر لبناته إلا ذكرها ولم يتردد فى حديثه إلا اسمها , ولعلنا لا ننسى حديث المرأة التى سرقت وكانت من أشرف , القبائل ومن أنبلها , ولما خاف أهلها على يديها من القطع وسطوا ( أسامة ) بن زيد حب رسول الله صل الله عليه وسلم
وابن حبه ليشفع لها عند رسول الله صل الله عليه وسلم _ حتى لايقطع يدها ولما بلغ ذلك النبى صل الله عليه وسلم _ قال قولته الخادة ( يا أسامة أتشفع فى حد من حدود الله ؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ) ( 23)

ولم يذكر غيرها من بناته كرقية مثلا أو زينب , ولو قال لكان قد ضرب لنا مثلا بأحب الناس إليه , ولكنها قبل كل شئ هى فاطمة الزهراء رضى الله عنها _ التى لم يشاركها فى قلب أبيها وحبه أحد حتى وإن كان من بنات النى صل الله عليه وسلم وبنيه .
وهل أتاك نبأ غزوة ( أحد ) , لقد بلغ (فاطمة ) يومها أن أباها قتل , فخرجت إليه حاسرة سافرة تهرول إلى أرض المعركة لتنظر ماذا حدث لأبيها , وساعتها لم يخرج من بيت الرسول إلا هى , مع أن الجميع كن موجودات فى البيت وكن جميعا على قيد الحياة . أما الزهراء فقد شقت الصفوف وتخطت الرجال والابطال , وتخللت الفرسان الشجعان , ومرت على القتلى والجرحى وهم يفارقون الأرواح , وينزفون الدماء . وما زالت تزاحم وتزاحم حتى وصلت إلى أبيها الحبيب صلى الله عليه وسلم
(24)

, ولتكون معه فى كل ميدان يلقى فيه الأعداء والخصوم , ويصارع فيه الكافرين والمنافقين وحتى بعد الزواج لم تبعد عن أحداث الإسلام ولم تنس مواقف الجهاد وساعدها على ذلك أنها تزوجت من رجل هاشمى لم يكفر بالله طرفة عين ولم يسجد لصنم قط , ذلك هو البطل الغيور والفارس الشجاع , والهمام والمقدام الذى لم يتخل عن نصرة الإسلام منذ دخل فيه , ولم ينم عن خدمته منذ عرفه ألا وهو سيدنا ( على بن أبى طالب ) زوج الزهراء وصهر الرسول صل الله عليه وسلم وحبيبه الأول وأخوه فى الإسلام , وبزواج (على ) من (فاطمة ) أصبح للرسول الكريم بيت اخر يأوى إليه , ويعتصم به وينزل فيه كلما روعته الحوادث أو أزعجته الخطوب والملمات "                                              (26)