المسئولية الإجتماعية ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر )

عن أثر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر :

_ من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول صل الله عليه وسلم يقول ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم يوضح لنا الإسلام المنهج السديد فى كيفية مقاومة المنكر بالتدرج مع الناس حسب قدرتهم وطاقتهم من خلال الترتيب النبوي الشريف كما جاء فى الحديث المرتبة الأولى هي تغير المنكر باليد لمن يقدر على تغيره باليد ويكون ذلك حسب التسلسل الوظيفي والاجتماعي وفى حدود ولايته كالحاكم ومن ولاه والأب فى بيته والمدير فى مصنعه ...الخ المسؤولية ومن أمثلة مقاومة المنكر باليد ما فعله سيدنا إبراهيم عليه السلام من تكسير للأصنام عندما أصر قومه على عبادتها وما كان من موسى عليه السلام عندما عبد قومه العجل فحرقه ونسفه . المرتبة الثانية وهى تغير المنكر باللسان توجيها وإرشادا وذلك عندما يكون عاجز عن التغير باليد حيث لم تكن له سلطة ولاية على من يريد مقاومة المنكر معه وفى هذه الحالة عليه ألا يكون قاسيا غليظا فى أمره ونهيه بل يجب أن يكون ليننا رفيقا يتسم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن قال الله تعالى ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) " سورة النحل ومن أمثلة تغير المنكر باللسان فى رفق ما أخبر القرآن به _ عندما بعث موسى وهارون عليهما السلام الى فرعون لنهيه عن المنكر فأمرهما بالقول اللين قال تعالى " فقولا له قولا ليننا لعله يتذكر أو يخشى " سورة طه

المرتبة الثالثة هي تغير المنكر بالقلب _ فيبتعد عن مقترف المنكر ويبغضه من قلبه ولا يقره على ما هو عليه وهذا الشر هو ما يعبر أصدق تعبير على النفوس من صاحب المنكر وعندئذ يكون الرأي العام فى المجتمع الإنساني أثره البالغ فى ردع صاحب المنكر ومن أمثلة ذلك ما وجه القرآن الكريم قوله تعالى " وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره " سورة الأنعام
وهذه المرتبة والتي عبر عنها الحديث بأنها أضعف الإيمان لأنها أدنى صور التغير وليس بعدها مرتبة وما ينبغي على من يقاوم المنكر ألا يؤدى ذلك إنكاره ومقاومته الى حدوث مفسدة أشد من المنكر كأن يخشى على حياته مثلا بسب ذلك وأن يكون رفيقا بما يأمر وبما ينهى عدلا بما يأمر وبما ينهى عالما بما يأمر وبما ينهى , وقد بين لنا الحديث ثلاث مراحل يسير عليها الإنسان لاتخطئه واحدة منها ما كان فى استطاعته فعله المرحلة الأولى باليد للقادر عليه فان لم يستطع فعليه أن يقاوم باللسان فإن لم يستطع فبالقلب وكذلك لا يكون التعرض للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلا بعد حدوثه ورؤيته والتحقق من وقوعه فإن كان الشخص مستورا فليس لأحد أن يتجسس عليه وأن نعلم كذلك أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من خصال الإيمان الواجبة كما فى الحديث الذي معنا " وذلك أضعف الإيمان وصل الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (1)

بين الحرية والمسؤولية:

إن الحرية التي تخلوا من القيود ليست حرية وإنما هي همجية مغلفة بغلاف فاسد ظاهره الجمال والحرية الحقيقية التي يجب أن يهتم بها الناس هي الحرية المقيدة بقيود أخلاقية تعصم صاحبها من التردي وتمنعه من الإضرار بحقوق الآخرين
ومن أجل تماسك المجتمع ومن أجل الحفاظ على مقدساته من دين وخلق وسلوك وضع الإسلام للحرية مفهوما عاما يدعم الروابط بين الناس ويؤكد احترام المقدسات
فى نفوسهم فلا حرية لإنسان يعمل عملا يضره ويسئ إلى غيره ولا حرية له فى عمل يخالف به مبادئ الشريعة ونظامها ولا حرية له فى عمل يعرضه هو نفسه للتلف والفساد قال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) وهذا هو مفهوم الحرية إن ممارسة هذه الحرية مع توافر الدوافع وحسن النية فيها إضرار حتمي بمن يمارسونها وبغيرهم من شركائهم بل وبكل من علي ظهر السفينة لأن السفينة
تكون معرضة للغرق متى خرقت فهل يستسيغ عاقل أن يترك هؤلاء وشأنهم يفعلون ما يشاءون ما دام ذلك فى سهمهم ؟وهذا الفهم للحرية هو ما يرفضه الإسلام وهو ما يرفضه كل عاقل على ظهر الأرض ولكنه ومع الأسف هو الذي يريده الذين فهموا الحرية مطلقة من كل قيد مجردة من الأخلاق ذلك أنهم يريدون حرية لا قيود فيها وكل القيود فى نظرهم أغلال يجب أن تزول أمام الحرية التي يريدونها " . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (2 )

عن حقيقة الحياء:

من حديث أبى هريرة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صل الله عليه وسلم ( استحيوا من الله حق الحياء قالوا إنا لنستحي من الله والحمد لله قال ليس
ذاك _ من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوي وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا من فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء رواه الترمذي إن الحياء الذي يدعوا إليه نبي الإسلام هو أن يحفظ الإنسان حواسه يحفظ سمعه وبصره ولسانه فلا يسمع الى فحش أو هجر ولا ينظر الى محرم أو شهوة ولا يتكلم بقبيح أو منكر وكذلك يحفظ بطنه فلا يدخل إليه حراما ويحفظ فرجه فلا يرتكب فاحشة أو يلوث شرفا ويحفظ يديه ورجليه وسائر أعضائه وحواسه فلا يمشى الى رجس ولا يشهد زورا ولا يعتدي على إنسان وهكذا يكون قد تحقق بمعنى الحياء وتخلق بهذا الخلق الكريم الطاهر الذي كان من خلق الرسول العظيم ولنعلم أن الحياء الذي يحبه الله تعالى لعباده الحياء الصادق الذي يعصم صاحبه من الانحراف ويجنبه من التردي فى مهاوي الزيغ والضلال وإذا لم يكن عند المرء خلق وأدب فلا خير فيه يقول الشاعر :إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فافعل ما تشاء *فلا والله ما فى العيش خير ولا الدنيا إذا ما ذهب الحياء * يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقى اللحاء __ وصل الله عل سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (3 )

شيوع الفاحشة هلاك للأمم :

إن أمة الإسلام حينما تبتلى بهذه الآفات الخلقية والجرائم والمفاسد وتعمل بها معاول الهدم والتآمر والمخططات فإنها ستكون مطمعا لكل خبيث وهدفا لكل مستعمر
وغاية لكل عدو ملحد وإباحى فاجر وتفقد كل مقومات وجودها وأسباب بقائها واستمرارها ومن ثم تكون قد حكمت على نفسها بالموت وعلى من يأتي من بعدها
بالفناء المحقق والهلاك المحتوم وصدق الله إذ يقول " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " سورة الإسراء
يقول الكاتب الفرنسي (أنددريا موروا ) فى كتاب " أسباب انهيار فرنسا"؟ يقول " من أهم أسباب انهيار فرنسا فى الحرب العالمية الثانية تفسخ الشعب الفرنسي
نتيجة لانتشار الرذيلة بين أفراده " وهذا ماحدا بالجنرال " ديغول " فى أعقاب تسلمه زمام السلطة لأن يستدعى رئيس شرطة باريس ويقول له : " أغلق لي المواخير وأوكار الخنافس فى عاصمتي "

إن الإسلام يقدر أن المعصية عنوان الفشل وأن انتشار الرذيلة فى المجتمع سبب الذل والمهانة ويكفى أن نعلم كما سجل لنا التاريخ أن الأسباب التي مكنت الجيوش الإسلامية من تقويض امبراطوريتى فارس والروم والسيطرة على أكثر من نصف المعمورة فى أقل من ربع قرن هو تتوج رؤوسهم بعزة الله والإسلام وتحليهم بالآداب الإسلامية والمكارم الخلقية فى حالتي السلم والحرب والرخاء والشدة ويوم تكون تربيتنا لأولادنا وبناتنا وأهلينا على المبادئ الإسلامية والمكارم الخلقية فآنذاك يرجى النصر لأمتنا وتتحقق العزة والكرامة والخلود للشعوب ونكون قد استعدنا مجدنا الغابر وعزنا السليب ووحدتنا الشاملة وما ذلك على الله بعزيز يقول تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بى شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " سورة النور وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 4)

الأمر بالمعرف والنهى عن المنكر: :

_ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قعد أبو بكر رضي الله عنه , على منبر رسول الله صل الله عليه وسلم يوم سمى خليفة رسول الله صل الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وصل على النبي صل الله عليه وسلم ثم مد يديه ثم وضعها على المجلس الذي كان النبي صل الله عليه وسلم يجلس عليه من منبره ثم قال سمعت الحبيب وهو جالس على هذا المجلس يتأول هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم " سورة المائدة الآية 105_ ثم فسرها فكان تفسيره لنا أن قال لنا نعم ليس من قوم عمل فيهم بمنكر , ويفسد فيهم بقبيح فلم يغيروه ولم ينكروه إلا حق على الله أن يعمهم بالعقوبة جميعا ثم لا يستجاب لهم , ثم أدخل إصبعيه فى أذنيه فقال : أن لا أكون قد سمعته من الحبيب فصمتا " أخرجه ابن مردوية وعن أبى بكر الصديق رضي الله عنه قال : إذا عمل قوم بالمعاصي بين ظهراني قوم هم أعز منهم فلم يغيروا عليهم أنزل الله عليهم بلاء ثم لم ينزعه منهم رواه البيهقي " . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 5)

لا تكن إمعة :

ينهى الإسلام عن أن يكون المسلم إمعة ضعيف الرأى والإرادة يتابع الناس فى أعمالهم وأقوالهم سوأء كانت خيرا أم شرا
ويطلب المؤمنين أن يحكموا عقولهم فيما يرونه من أعمال الناس ويسمعونه من أقوالهم فإن رأوا منهم خيرا إقتدوا بهم وإن رأوا منهم شرا لم يتبعوهم
والله سبحانه أعطى كل إنساان وسائل الإدراك ليميز بها الحسن من القبيح والخير من الشر ومن عطل عقله ولم ينتفع به كان كالأنعام واستحق العقاب
قال تعالى " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم أذان لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم
أضل أولئك هم الغافلون سورة الأعراف
إن من لا يعود نفسه النظر فى الأمور والحكم عليها يظل عاجز الرأى ولايحسن تدبير أموره وإن وكل اليه عمل لم يستطع أن يبتكر رأيا فيما يعرض له من مشكلاته وإذا كثر أمثاله فى أمة ضعفت عن مواحهة الصعاب وتذليل العقاب
والذى يحاكى غيره بلا تميز بين الحسن والقبيح أشبه بالقردة التى تحكى غيرها وتستثير ضحك الناس منها وصلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 6)

الإسلام يحرص على سلامة المجتمع وأمنه :

_ إن من أهم ما يتطلع إليه المجتمع الإسلامى أن يعيش أبنائه فى أمن وأن يسود السلام والإستقرار الذى يجعل الفرد يسعى من أجل العمل ومضاعفة الإنتاج , وتحقيق مجتمع الرفاهية والرخاء ولا يكون ذلك إلا بتنمية الموارد ودعم الإقتصاد حتى نحفظ للأمة الإسلامية مكانها ومكانتها فى عالم اليوم لا يعترف إلا بالأقوياء ماديا ومعنويا ولكى يتحقق ذلك وجب على المجتمع الإسلامى أن يكون إيجابيا فى مقاومة الفساد والمفسدين , وأن يكون بعيدا عن الفتن التى تهدم بنيان المجتمع وتقوض أركانه وتدعوا إلى الطائفية والتحزب مما يؤدى إلى إنقسام المجتمع , وهذا يحتم على المجتمع إلى الوقوف فى وجه الفساد والمفسدين وأن يتصدى لكل إنحراف خلقى أو سياسى أو بدع تخالف مبادئ الدين فكل هذه علل لاتصيب فاعليها فقط بل تمتد إلى أبناء الأمة جميعا قال تعالى " واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 7)

إشاعة السوء من الكبائر :

لقد أمرنا الله تعالى بحفظ ألسنتنا وغض أبصارنا , قال تعالى " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " سورة الإسراء أي لا تقل رأيت وأنت لم تر ولا سمعت ولم تسمع ولا علمت وتيقنت وتأكدت وأنت لاقين لك ويقول الرسول صل الله عليه وسلم أنه قال " أفرى الفري أن يرى الرجل عينيه مالم تريا " ومن الناس من يولع بإشاعة أخبار السوء والخيانة والفاحشة فهو مريض بالولوغ فى أعراض الناس وسلوكهم بدون تثبت أو دليل وفى مثل هؤلاء يقول النبي صل الله عليه وسلم " يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من يتبع عورة مؤمن يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو فى جوف بيته "

وقال تعالى " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون " سورة النور وتطلق الفاحشة على كل أمر قبيح وأحيانا تطلق على الزنا خاصة ومقصود الآية الكريمة تحرض المسلمين على إقفال أبواب الفتنة ورفض كل حديث يتصل بتجريح الأعراض وحفظ الألسنة من قالة السوء ووجوب الوقوف بحزم أمام الوسائل المشبوهة التي تيسر الرذيلة وتشيع الفاحشة وفى تفسير القرطبي أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :" أيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء يرى أن يشينه بها فى الدنيا كان حقا على الله أن يرميه بها فى النار " فذلك مصداق قوله تعالى " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا " سورة النور . "وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (

على المسلم أن يمنع المفسد من إفساده:

من حديث النعمان بن بشير رضى الله تعالى عنهما _ عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : ( مثل القائم على حدود الله , والواقع فيها , كمثل قوم استهموا على سفينة فأصااب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها . فكان الذين فى أسفلها إذا أستقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ) رواه البخارى
جاء الإسلام ليقيم مجتمعا سليما على أساس من الفضيلة , مجتمع يحرص فيه الجميع على نشر الفضائل ومقاومة الرذائل , ويسود فيه الحياء فلا يظهر إلا ما هو خير وتختفى فيه الجرائم حتى لايشيع الفساد مما يفسد الجو الخلقى بين أبناء المجتمع , وحتى يتأكد ذلك فإن الإسلام يدعوا كل مسلم ملتزم بدينه وواقف عند حدوده ولا يرتكب الحرام أن يفعل الخير ويدعوا الناس إليه , وأن يبتعد عن المنكرات والرذائل ويعمل على منع الشر والفساد من المجتمع كذلك فلا يكفيه أن يكون صالحا فى نفسه بل الواجب عليه أن يعمل على صلاح غيره

ويساعد على منع الفساد والمفسدين عملا بقول الله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " سورة آل عمران
والمجتمع يجمع بين الخير والشر وفيه خليط من الناس منهم الأمين والخائن , والصالح والطالح , والمستقيم والمنحرف والمحسن والمسئ والبلاء إذا عم فإنه لايفرق بين الصالحين والمفسدين قالت أم سلمة ضى الله تعالى عنها يارسول الله " أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث " لأن عاقبة الشر لاتقف عند أصحابه بل تتعداهم إلى غيرهم من أهل الصلاح .قال تعالى " واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب " سورة الأنفال

وفى منع المفسدين من فسادهم وحملهم على الإستقامة والصلاح يعود بالخير لنجاتهم من عقاب الدنيا وعذاب الآخرة كما يعود على المجتمع كله بالخير .
وفى الحديث دعوة أن المسلم الصالح لايتستر على جرائم المجرمين وعدم التغاضى عنهم حماية لهم أولا وثانيا حماية للمجتمع من الإنهيار والتردى فى المنكرات والرذائل قال تعالى " لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " سورة المائدة وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 9)

النصيحة :

_ كان المسلمون الأوائل يبايعون الرسول صل الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم : _ من حديث جرير ابن عبد الله رضى الله عنه قال : " بايعت رسول الله صل الله على وسلم :" على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة , والنصح لكل مسلم " وبعض الناس قد أساء فهم هذه الآية الكريمة معتقدا أنه إذا ما تمسك بالخير وابتعد عن الشر فى نفسه فقد كفاه الله , ولا عليه شئ بعد ذلك , ولايبادل أحد بنصيحة أو تصحيح فهم ومن ذلك قوله تعالى :" يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا إهتديتم " سورة المائدة الآية 105 _ وهذا فهم مقلوب يصححه لنا سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه عندما قال : يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها فى غير موضعها " يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا إهتديتم " وإنى سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه " فالمسلم الذى لايأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , ناقص الإيمان مهما كان صلاحه وكثرة عبادته وانفاقه , وعلى المسلم الصادق أن يقول الحق ولا يخشى فى الله لومة لائم " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 10 )

حسن الأعمال فى الدعوة إلى الخير والعمل به :

_ أيها الأخوة الأحباب : إن الدعوة إلى الخير تتمثل فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , وهذا فرض لازم على كل مسلم , بل هو واجب من أجل إصلاح حياتنا وأوضاعنا على مستوى الفرد والجماعة , من أجل إقامة المجتمع الفاضل , والأمة والمجتمع والقرية التى لا يوجد فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , تعمها الفساد والفوضى , ويسودها الجهل , ويحل بها الخراب والفساد , ويبغى بعضها على بعض , قال تعالى :" ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " سورة الأعراف والأمة الإسلامية لاتزال بخير كلها , مادام هناك من يفعل الخير ويدعوا إليه غيره , وينهض بالبر والمعروف ليقضى على الباطل , ولا يسكت عليه ,"

ومن ثم نعلم أن الخير كله فى التمسك بأحكام الإسلام وآدابه والدعوة إليه , فلا يشفع للإنسان يوم القيامة أن يكون مستقيما فى نفسه وتجنب الإضرار بالغير , ولا يهمه أيضا إصلاح الآخرين وإرشادهم إلى مافيه صلاحهم فى الدنيا والآخرة والقرآن الكريم يذكرنا بأن هلاك بنى إسرائيل كان سببه المعصية , والإعتداء على محارم الله فلما لم ينتهوا عن المنكر وفشت فيهم المعاصى , لعنهم الله تعالى على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما السلام وذم صنيعهم بهذه الآية وما تحمله من بلاغة فى الزجر والترهيب قال تعالى :" لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " فالواجب علينا معاشر المسلمين أن نحذر كل الحذر من أفعال أعداء الله ورسوله لئلا يصيبنا ما أصابهم فى الدنيا والآخرة " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 11)

المجتمع المسلم بين الفضيلة والرذيلة :

إن مجتمعاتنا الإسلامية التى نعيش فيها , قد ابتعدت كثيراً عن نظام وحياة المجتمع الفاضل الذى ننشده ونتمنى أن يتحقق , ولقد انفصلت مجتمعاتنا عن العمل بالفضائل
الإسلامية والتعاليم الدينية , مما أدى إلى شيوع الفحشاء والمنكر , وسيطرت حياة الترف والخلاعة والمجون , وكُشفت فيه العورات وتعرت الأجساد , وتفككت روابط المجتمع الإجتماعية والأسرية , وساد النظام الطبقى فكانت الفوارق والتميز بين أبناء
المجتمع والإسلام يدعونا جميعا , لمراجعة سريعة من خلال تطبيق أحكامه والعمل بشريعته قال تعالى : " فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم
فنعم المولى ونعم النصير " سورة الحج الآية 78 ـ ( 12)

إن الإسلام يحرص على قيام المجتمع الفاضل , على أسس متينة ومبادئ كريمة من الأخلاق الفاضلة , والمجتمع الإسلامى ينهض ويزدهر عندما يقوم على الإخاء والتعاون , والتراحم والمساواة , والعدل والتناصح , والتضامن فى المسئولية , والحرص على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , ومواجهة الظلم والطغيان , والجهاد ضد العدوان ضد مقدساتنا
وأوطاننا وبلادنا لنكون بذلك خير أمة أخرجت للناس كما أمرنا الله تعالى من غير افراط أو تفريط قال تعالى :" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " سورة آل عمران الآية 110 ـ . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 13)

الصمت عن الفساد.. يُعين الفاسدين :

لايوجد مجتمع فى أنحاء العالم يخلو من الفساد والمفسدين , تلك حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها ، كما لا يمكن لأحد أن ينكر الدور والتأثير الكبير لذاك الإخطبوط الذي يضرب بأيديه في كل الاتجاهات ، وما يخلفه من إحباط للنفوس العاملة بجد واجتهاد ، وتدمير للقيم ، التي تربى عليها الناس منذ وعيهم الأول بالحياة ، ولا آثاره السلبية على أساس الدول وبنائها. لكن المشكلة الأخطر من تلك الآثار التي يخلفها الفساد ، هي في الصمت عليه ، وعدم التبليغ عنه ، وترك الأمر كله على الدولة ، والاعتقاد بأن أي تدخل لن يفيد في تغيير دفة الأمور.

هذا التبرير الذي نقنع به أنفسنا ، لم يعد يصلح الصمت عنه ، فنحن بتلك العقلية نشارك الفاسدين فسادهم ، ونسمح لهم بتكرار الفعلة طالما آمنوا بأن لا أحد غير الأجهزة الرقابية تراقبهم بعد أن فقدوا الإحساس والشعور بعظم مراقبة الله لهم.
الصمت وعدم الإبلاغ عن الفاسدين هو أيضاً من قبيل عدم العمل بما جاءت به السيرة الكريمة من الأمر، بتغيير المنكر، وأوضحت طرقه التي تبدأ باليد وهذه بالطبع لولاة الأمر، والثانية باللسان وهذه من نصيب من يقدر عليها ، وهي متاحة الآن عبر الخطابات التي تُرسل إلى أجهزة الدولة نفسها ، وفي مقدمتها هيئة مكافحة الفساد ، أما الإنكار بالقلب فقط ، فلا يستقيم مع الأمور، كونه يسمح بتفشي الفساد ، أكثر وأكثر.

وقد يكون مكافحة الفساد والمفسدين من خلال الإبلاغ عنهم فهناك
حالات كثيرة نسمع عنها من التي تقوم بها هيئة مكافحة الفساد ، عندما يقوم البعض بالبلاغ عن أمور تتعلق بالفساد ، دون التعرض لهم والكشف عن أسمائهم , وإنما تُخضع ما جاء في البلاغ للتحقيق والمساءلة ، لأن ما يهم هو الفساد وحجمه ومكانه ، وليس المبلغ عنه. فلنظر إلى آثار الفساد وما يفعله بالأمم , من ضياع للحقوق
وهدم للحياة ، وفى هذا المفام يذكرنا , العالم الكبير ابن خلدون ذكر في مقدمته المشهورة ، حادثة تتعلق بفرار آخر ملك لغرناطة بعد سقوطها ، وهو الملقب بأبي عبدالله الصغير، والذي نزل في ضيافة ملك نصراني

، فزاره الملك في خيمته ، فوجده يتوسد الحرير، وبجواره كؤوس الخمر، ولما سأله عن ذلك وكيف أنها محرمة في الدين الإسلامي الذي يدين به الملك السابق ، تحرج من الإجابة وقال إنه من فعل العبيد الأعاجم الذين يخدمونه وأنهم قدموا بها من بلادهم ، لكنه فوجئ بالملك النصراني يقول له : لا والله لكنكم حرمتم الحلال وأحللتم الحرام ، وإنها فتنة وغضب من الله ، وإني أخشى على بلادي أن تُعاقب بفسادكم ، وإن إكرام الضيف ثلاثة أيام ، فخذوا ضيافتكم وارحلوا عن بلادي. وحسبنا من القرآن الكريم قول الله تعالى " فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد فى الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " سورة هود يجب ايصال صوتك الى صاحب القرار وعدم السكوت عن الظلم في حال تعرضك له ، وكل قوي هناك من هو اقوى منه والله اقوى من الجميع. الصمت عن الفساد يزيد من فساد الفاسدين ، ومن هنا  نعلم أن المواطن كما هو المسؤول الأول عن أمن البلاد وحمايتها من أعداء الخارج ، فإنه كذلك  أيضاً المسؤول الأول عن حمايتها من الفساد الداخلي ، وليس فقط  الجهات المعنية وأجهزتها. من فقه الاسلام للشيخ سامى محمود وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

في وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها، مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا، فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك، قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم". رواه البخاري وأحمد وغيرهما.
في الحديث النبوي الشريف يشهد بحالة حاصلة ومتكررة لغياب الوعي الديني والوازع الأخلاقي في كثير من المجتمعات والتجمعات البشرية التي يكون مصيرها ومآلها في النهاية مشتركا، فهلاكهم يعم الجميع ونجاتهم تعم الجميع، والضرر يصيب الجميع والنفع يستفيد منه الجميع. وشيوع الصلاح نعمة للصالح والطالح، والمؤمن والفاجر والمسلم والكافر، ثم يوم القيامة يكون الحساب والجزاء الأوفي لكل انسان علي ما قدم. وهذه سنة من سنن الله تعالى في خلقه قد نطقت بها أو نبهت عليها آيات قرآنية وأحاديث نبوية، من قول الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" سورة الأنفال: 24 الآية ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فالفتنة إذا نزلت بقوم لا يقتصر لظاها وشقائها وأذاها على الذين تسببوا فيها بظلمهم وبغيهم وفسادهم، بل تحرق الأخضر واليابس… كما في حديث النبي صل الله عليه وسلم ـ حين سئلت بعض أزواجه: أنهلك وفينا الصالحون؟ ـ قال: نعم إذا كثر الخبث” والخبث لا يكثر إلا إذا سكت عنه الصالحون والمصلحون وتركوه ينبت ويثبت في حياة حتى يصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا. ولنعلم أن هنلك مسألة مهمة قد تغيب عن الكثير من الدعاة وبعض أهل العلم أن واجب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف وإن كان مطلوب من أهل الإيمان فيما جاءت به الشريعة الإسلامية إلا أن غير المسلم ممن يعيشون في المجتمع الواحد يشملهم أيضا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقضايا الدفاع عن العرض والمال والشرف والقتل والغصب وغير ذلك هم يشتركون معنا فيها ولذلك وجب علي أهل الإيمان تكوين رأي عام فاضل يحارب الرذيلة ويدعوا للفضيلة , كما في قول الله عز وجل :ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" سورة الحج الآية 40 ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم