بين اليأس والأمل

رحماء بينهم :

قال تعالى :" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " سورة التوبة الآية 71 ـ
هذه الآية الكريمة تضع المؤمنين والمؤمنات فى بوتقة واحدة , ألا وهى الأخوة فى الله التى جمعت بين أبناء الإسلام مهما اختلفت أوطانهم , وألوانهم وأن بعضهم أولياء بعض يتعاونون على البر والتقوى , ولا يتعاونون على الإثم والعدوان فهم فى توادهم
وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد , إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى , والأخوة فى الإسلام مرتبطة بالإيمان والتسليم لله رب العالمين ,
الواحد الأحد الذى لا إله غيره ولا رب سواه , فلا ملجأ من الله إلا إليه ولا اعتماد إلا عليه قال تعالى :" قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " سورة الأنعام الآية 162 ـ 163 ـ
( 26)

لقد نشأ الإسلام عزيزا لايقبل الذل , كريما لايفبل الضيم وحمل رسالته إلى الدنيا رجال أبرار صدقوا ما عاهدوا الله عليه , فأسسوا دولة الإسلام التى قال عنها ربنا جل شأنه ـ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " سورة آل عمران الآية 110 ـ
أيها المسلمون : إننا لو أخذنا بمنهج هؤلاء الأصحاب رضوان الله عليهم ـ
لستطعنا أن نبنى مجتمعاتنا على أساس سليم , من العلم النافع والعمل الصالح
فلا صلاح لهذه الأمة إلا أن نأخذ من حيث أنتهى سلفنا الصالح , والبناء السليم يقتضى منا أن نطهر نفوسنا من الآفات الفكرية , والأمراض النفسية والقلبية
كا لحقد والغل والضغينة والشحناء ومن ذلك أيضا التباغض والعداء الناشئ
عن الأنانية والمطامع والشهوات , والجشع والمنافع الشخصية وحتى نكون أعزاء رحماء نصل ما أمر الله به أن يوصل , ( 27 )

, يجب علينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر , لننال رحمة الله عز وجل , وذلك عندما نتخلى عن الرذائل ونتحلى بالمكارم
والفضائل وهذه هى أول صفة , طالبت بها الآية الكريمة التى معنا , وهى الأمر بالمعروف : والأمر بالمعروف يتمثل فى مضمونه , الأمر بالخير والنهى عن الشر
وهذا إنما يكون بمحاسبة النفس وتوجيهها إلى ما ينفعها , فى دينها ودنياها فمن لم يكن من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ , قال تعالى :" قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " الآية 9 ـ 10 ـ سورة الشمس ـ والنفس إذا تطهرت من أدران المعاصى وموبقاتها ومطامعها وشهواتها , وخداع الحياة الدنيا وأخطائها , إذا تطهرت النفس من هذا كله صلحت أن تحمل هذه الرسالة بحق , ( 28 )

, الأمر بالمعروف وذلك من أجل اصلاح النفوس وهداية الآخرين , وقد فرض الإسلام الدعوة إلى الله وقرر متابعتها
لأن نشر البر والأمر بالمعروف رسالة دينية وضرورة إجتماعية , وفريضة من الفرائض الإسلامية التى لا يصح بحال التهاون فيها قال تعالى :" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون , ولا تكنوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " سورة آل عمران الآية 104 ـ 105ـ الصفة الثانية : هى النهى عن المنكر : إن الإسلام يوزع المسئولية فى تغير المنكر على قدر الإستطاعة كما فى حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه ـ عنه صل الله عليه وسلم قال : من رأى منكم منكرا فليغيره
بيده فإن لم يستطع فلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم ( 29)

الكل يجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , وذلك فى حدود ولايته ومسؤليته وقدر استطاعته , فالأمر بالمعروف هو سبيل الله الذى يدعو إليه العلماء
بالحكمة والموعظة الحسنة , قال تعالى :" قل هذه سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين " سورة يوسف الآية 108 ـ
ومن المعلوم أن فى النهى عن المنكر تستقيم الحياة , ويسير الخير فى طريقه ويستقر الدين ويستتب الأمن فى ربوع المجتمع , لأن المجتمع النظيف فى جوهره ومخبره تسعد به النفوس وتطمئن إليه القلوب , وفى ظل مبادئ الإسلام وتعاليمه السمحة
تتحقق للإنسان الكرامة المبتغاه والسعادة المنشودة , التى نتمنها ويأملها كل انسان حر يحير فى نور الله وشرعه الحكيم قال تعالى :" الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور "
سورة الحج الآية 41 ـ
( 30)

ولكن الذين يأمرون بالمنكر ويتركون الرذائل رافعة رأسها , وينهون عن المعروف أولئك هم المنافقون نسو الله فنسيهم إنهم جنود إبليس , وهم شياطين الإنس قال تعالى :" أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون لاجرم أنهم فى الآخرة هم الآخسرون " الآية 21 ـ 22ـ سورة هود ـ ومن صفات هؤلاء الآمرون أنهم ممن يقيمون فرائض الإسلام وكما ذكرت الآية السابقة , الصلاة والزكاة ـ أولا : الصلاة ـ
إن الصلاة ركن من أركان الإسلام بها تتهذب النفوس , وتتم للعبد مكارم الأخلاق لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر , حيث يقول الله تعالى :" أتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " الآية 45 ـ سورة العنكبوت ويقول الله تبارك وتعالى :" وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير " سورة البقرة الآية 110 ـ
( 31)

ولقد أوصى الله تعالى بالصلاة رسله عليهم السلام قال تعالى :" وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا " الأية 31 ـ سورة مريم ويقول تعالى :" وإذكر فى الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا " سورة مريم الآية 54 ـ 55ـ ويقول عن خليله إبراهيم عليه السلام فى دعائه :" رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء " سورة إبراهيم الآية 40 ـ
وقوله : وآتوا الزكاة ـ الزكاة فريضة دينية , وصلة اجتماعية , وعلاقة انسانية ,
والزكاة ركن من أركان الإسلام , وهى حق معلوم للسائل والمحروم وفى أدائها
تنمية للمال وتزكية للنفس البشرية قال تعالى :" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها " الآية 103 ـ سورة التوبة ( 32)

ـ والناس عند حبهم للمال يقضون حياتهم
فى حيه حبا جما , وقد يبخلون به ولا يُنفقونه على أنفسهم وأسرهم فهم فى خوف
الفقر فى فقر , ومنهم من يشقى بالمال فيُحرم نفسه من الطيبات من الرزق , فى الدنيا ومن ثواب الإنفاق فى سبيل الله " يقول تعالى :" مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم " سورة البقرة الآية 161 ـ ومن ثم فالويل كل الويل لمن منحهم الله تعالى أموالا وفيرة وخيرات كثيرة فبدلوا نعمة الله كفراً , وأحلوا قومهم دار البوار فتجاوزوا الحدود وعصوا الحى الذى لايموت سبحانه وتعالى : وجعلوا ثرائهم نقمة وعاثوا فى الأرض فساداً وعتواً عن أمر ربهم , عتواً كثيراً فسفكوا الدماء وأثاروا الحروب والكروب , وهكذا لما بسط الله لهم الرزق بغوا فى الأرض , قال تعالى :"
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " سورة الأنفال الآية 36 ـ
( 33)

إن الإنسان لم يخلق عبثا ولم يُترك سدى فلا ينبغى له أن يعيش , لذاته وملذاته وإنما وجد ليعيش فى خدمة غيره من أبناء وطنه وأسرته والناس أجمعين "
ومن ثم فإن الإمتثال لله تعالى بطاعتة وطاعة رسوله صل الله عليه وسلم _
فهؤلاء الطائعون لله ورسوله أولئك هم المتقون العابدون , الأوفياء الأمناء الصادقون المخلصون , إنهم الأبرار الأطهار الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون , فهم السعداء المقربون ذلك هو الفوز العظيم قال تعالى :" ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك هو الفوز العظيم " سورة النساء 13 ـ
وقد جعل الله تعالى طاعة رسوله صل الله عليه وسلم من طاعته قال تعالى :" من يطع الرسول فقد أطاع الله " سورة النساء الآية 81 ـ
( 34)

ـ وجعل حكمه صل الله عليه وسلم _ من حكم الله تعالى يُسلم له المؤمن من غير ريب ولا حرج قال تعالى :" فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " سورة النساء الآية 65 ـ ويوجه الله تعالى الخطاب للمؤمنين
ويأمرهم بالإحتكام إلى الله ورسوله , عند التنازع فى أى شئ من أمور الدين قال تعالى :" يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " سورة النساء الآية 59 ـ
( 35)

إنه مما لاشك فيه أن طاعة الله ورسوله هى غاية كل مؤمن , يُحب الإستقامة على منهج ربه ويَحرص على طهارة سيرته , ونقاء سريرته وصفاء بصيرته ومن كانت هذه حاله كان سليم العقيدة عالى الهمة قويا فى غير عنف , ليناً فى غير ضعف يمشى
على الأرض هونا فلا كبر ولا استعلاء وإن تقوى الله عز وجل مما تساعد على تهذيب النفوس وتجعلها طاهرة أبية عفيفة , عزيرة سامية عالية مطمئنة راضية مرضية وإن أعظم المؤمنين والمؤمنات إيمانا , من توافرت فيهم هذه الصفات تلك الصفات التى جعلتهم قريبين من رحمة الله , قال تعالى :" إن رحمة الله قريب من المحسنين " سورة الأعراف الآية 56 ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 36)

متى ننقذ من يموتون جوعا ؟ :

إن المسلمين مع كثرة ثرائهم وما يكنزون من أموال , وخاصة ما نراه فى بعض الدول الإسلامية من ثروات لاحصر لها , فهؤلاء يتمتعون وينعمون برغد من العيش والزينة والبهرج وغير ذلك , وعلى الرغم من انتشار المجاعات بين اخوانهم
بما يصل إلى حد الهلاك من شدة الجوع والعطش وانتشار الأمراض بما يصل إلى حد الموت وهذا كله لم يحرك فى هؤلاء وغيرهم ساكنا , وللأسف مع كثرة ثروات هؤلاء يعيشون حياة الهوان والغفلة والبعد عن الله تعالى قال تعالى :" وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول ربى لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين " سورة المنافقون الآية 10 ـ

ـ وحتى ننقذ أنفسنا من المذلة والهوان فى الدنيا والآخرة فلابد من انقاذ من يموتون جوعا , ولا يكون ذلك إلا بالتعاون والتكافل بين أبناء الأمة الإسلامية , وذلك من أجل اختفاء هذه الظاهرة التى ينكرها الإسلام وتنكرها المعايير الإنسانية السامية , وبهذا وحدة يصبح المسلمون أصحاب اليد العليا , عندما يقفون فى مواجهة الكوارث والأزمات , التى تنزل بهم ولا يمدون أيديهم إلى عدوهم الذين يستذلهم , ويتحكم فى شئونهم بسبب حاجتهم إليه فالتعاون بين أبناء الأمة هو المسلك الصحيح الذى يحفظ عليهم كرامتهم وعزتهم قال تعالى :" ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " سورة آل عمرا الآية 139ـ . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

لا دنيا من غير دين :

الدين والعمل الصالح هما أساس كل نجاح , وهما بابا الحياة الدنيا ومظلتها التى يحفظا على الإنسان شخصية وكرمته , والدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر ونعيمها ينفد , والآخرة وعد صدق ونعيمها باق ولا ينقطع , والوصول إلى ثواب الله وجنته يكون بالعمل الصالح وملازمة تقوى الله عز وجل , وكم من أناس شيدوا القصور وأصبحوا من ساكنى القبور , وكم من أناس لبسوا ثواب الفساد وطغوا فى البلاد وتجبروا على العباد , فأصبحوا أثرا بعد عين " فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين " سورة الدخان الآية 29 ـ والإنسان إذا التزم الفضائل وتمسك بأوامر الله صلح له أمر الدينا والآخرة وكما فى الحديث الذى رواه الإمام أحمد عن النبى صل الله عليه وسلم :" إن الله يعطى الدنيا من يحب ومن لايحب , ولا يعطى الإيمان إلا من أحب "

" والدين والإيمان الصادق بهما صلاح كل شئ , وإذا خلت الدنيا من الدين وتجرد العبد من الفضائل وابتعد عن دينه , فإنه يصبح عبدا لشهواته ورغائبه وأهوائه وستنهار جميع الموازين , وتتلاشى كل القيم والمبادئ , فالدين للدنيا بمثابة الرئة للتنفس عند الإنسان , والدين يعصم الإنسان من التردى فى الشرور والوقوع فى المعاصى" . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الإنسان والآخر :

من ينظر حياة الكثير من الناس برى حماقتهم تجاه الآخرين , لاتقف عند حد فلا قانون يمنع ولا حياء يردع , فكثير من الناس لايكفون عن إيذاء اخوانهم بألسنتهم وأفعالهم برغم علمهم بحرمة ما يرتكبون من تلك الأفعال الشنيعة , وقد سيطرت على هؤلاء حياة الترف واللهو والعبث والخلاعة والفجور , ولا نجد إلا القلة ممن يحرصون على فعل الخير , واتباع الحق وسلوك الطريق المستقيم , وفى حياتنا المعاصرة نجد الفضيلة تدوسها الأقدام , والرذيلة تُرفع فوق الروؤس , والمنكر معروفا , والمعروف منكراً , والناس فى سباق سريع مع ما يحصلون وما يريدون , وليس لديهم وقت فى التفكير هل ما يفعلون يرضى الله أم يغضبه ؟ فهل من عودة حميدة لكتاب الله وسنة رسوله صل الله عليه وسلم ?. وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم