التربية الروحية وتزكية النفس ( ومعنى الإخلاص)

الهجرة المفروضة وحقيقتها :

_ وكما يقول العلامة بن القيم رحمه الله تعالى :" إن لله على كل مسلم هجرتان هجرة إلى الله بقلبه عن محبة غير الله تعالى إلى محبته وحده ومن عبودية غيره إلى عبوديته الخالصة
ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والإستكلنة له مع فعل الأوامر وترك النواهي وتتمثل فى أداء الفرائض والنوافل وترك المحرمات والمكروهات _ وهذا مقتضى " شهادة أن لا اله الا الله "
والهجرة الثانية – وهى تعنى أفراد الرسول صل الله عليه وسلم بالإتباع والإقتداء وذلك تحقيقا لقوله _ أشهد أن محمد رسول ___ وعن هاتين الهجرتين يسأل عنهما العباد يوم القيامة وفى البرزخ ويطلب بها فى الدنيا
وقال قتادة " كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون : ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين ؟ " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  صفحة ( 27)

وبهذا نعلم أن محمدا رسول الله صل الله عليه وسلم مبلغ عن ربه جل وعلا وأنه جاء بوحيين
الأول كتاب الله القرآن الكريم المكتوب بين دفتي المصاحف المنقول الينا بالتواتر المتعبد بتلاوته
الثانى السنة الشريفة وما جاء عن رسول الله صل الله عليه وسلم وذلك قوله " ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه رواه أبو داود وغيره بسند صحيح
فكلام رسول الله صل الله عليه وسلم وكلام الله سواء فى الاعتقاد والعمل والقبول وهذا وذلك من الله سبحانه وتعالى والرسول صل الله عليه وسلم لا يأمر ولا ينهى ولا يحرم لايحل فى أمور الدين بشئ من عند نفسه بل يأمر بأمر الله سبحانه وتعالى ولا يخبر بشئ من الغيب الا بوحي منه جل وعلا كما قال سبحانه وتعالى " ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  صفحة  (28)

والسنة تشمل جميع أحكام التكاليف المطلوبة الفعل كالواجب والمندوب والحرام والمكروه المطلوب الترك وكما تقرر أن الدين هو المنهج والطريق والحكم والصبغة العامة وليس هو التقرب فقط كالمفهوم الشائع بين الناس اليوم ومعنى هذا أن الرسول صل الله عليه وسلم هو المشرع بأمر الله لجميع شئون الحياة التى له فيها أمر ونهى وحكم وليس للطاعات والقربات فقط فمعصية أحاديث الرسول صل الله عليه وسلم فى شئون البيع والتجارة والزواج والطلاق والحكم والسياسة والحدود كمعصية فى شئون العبادة كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها"   وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  صفحة  ( 29)

تابع الإخلاص لله -:

قال تعالى وأن أعمل صالحا ترضاه – سورة الأحقاف وأرنا مناسكنا وتب علينا "سورة البقرة
والعمل الصالح هو العمل المرضى عند الله تبارك وتعالى وهو الجامع لشيئين الأول الإخلاص والثاني النية
وهو كما بينا أن يقصد المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أوجاه أو لقب أو تقدم أو تأخر وبذلك يصبح المسلم منفذا لقول الله تعالى " قل إن صلاتي ونسكى ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " سورة الأنعام وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  صفحة  ( 30)

الشرط الثانى _ لقبول العمل أن يكون مطابقا لسنة رسول الله صل الله عليه وسلم " فإن الابتداع فى الدين بالزيادة والنقصان لا يجوز ولا ثواب فيه لصاحبه حتى لوكان بنية العبادة لله تعالى لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها عن رسول الله صل الله عليه وسلم " من أحدث فى أمرنا هذا ماليس منه فهو رد " وفى رواية ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام فكما أن حديث الأعمال بالنيات ميزان الأعمال فى باطنها كذلك هذا الحديث ميزان الأعمال فى ظاهرها
إن إحياء سنة رسول الله صل الله عليه وسلم من مقتضى ا لمحبة الصحيحة لرسول الله صل الله عليه وسلم
فإن المرء مع من أحب ولابد من مشاركته فى أصل عمله وإن قصرت المحبة عن درجته "  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  صفحة (31)

قال الحسن رحمه الله تعالى _ لاتغتر بقولك المرء مع من أحب "
وإن من أحب قوما اتبع آثارهم ولن تلحق بالأبرار حتى تتبع أثارهم وتأخذ يهديهم وتقتدي بسنتهم وتمسي وتصبح وأنت على منهاجهم حريصا أن يكون منهم وسلك سبيلهم وتأخذ طريقتهم وإن كنت مقصرا فى العمل فإن ملاك الأمر أن تكون على استقامة أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء الردية والبدع المنكرة يحبون أنبيائهم وليسوا منهم لأنهم خالفوا فى القول والعمل وصاروا على غير طريقتهم فصار موردهم النار ويئس الورد المورود
والسعيد الموفق من أحيا السنة ودعا إلى الله تعالى وخالف مااعتاده الناس مما يخالف سنة رسول الله صل الله عليه وسلم
ولقد أخبر النبى صل الله عليه وسلم عن السبيل التى ينبغى على العباد أن يسلكوها حتى لايكونوا من المغبونين " الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " سورة الكهف وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  صفحة  ( 32)

وهذا يدل على أن أعمال العاملين كلها ينبغى أن تكون تحت أحكام الشريعة فتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها بأمرها ونهيها فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشريعة موافقا لها فهو مقبول ومن كان خارجا عن ذلك فهو مردود _ ومن حديث العرباض ابن سارية عنه صل الله عليه وسلم " إنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة – رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وأحمد بسند حسن صحيح وقال الحافظ أبو نعيم وهو حديث جيد قال قتادة رحمه الله تعالى " كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون _ وماذا أجبتم المرسلين ؟ ...
وهذا يعنى أن الدين أن تعبد الله تعالى وحده وأن لا تعبده إلا بما شرع فالسؤال عن تجريد العبودية لله وحده وذلك بالإخلاص والمحبة والخوف والرجاء والتوكل والدعاء والسؤال والخضوع والذل والاستكانة
والسؤال الثانى عن تجريد الإقتداء والإتباع لرسوله صل الله عليه وسلم وذلك تحقيقا لقول _ أشهد أن محمدا رسول الله " وصل الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (33)

في النهي عن الرياء :

يقول الرسول صل الله عليه وسلم ـ قال : الله عز وجل من عمل عملاً أشرك فيه غيري فهو له كله وأنا منه بريء فهو له كله وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك.قال العراقي: رواه مالك في الموطأ واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ـ دون قوله :" وأنا منه بريء وعند الإمام مسلم مع تقديم وتأخير دونها أيضاً وهو عند ابن ماجة بسند صحيح اهـ.قلت: لفظ مسلم وابن ماجة قال الله تعالى :" أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ورواه ابن جرير في تهذيبه والبزار بلفظه قال الله عز وجل :" من عمل لي عملاً أشرك فيه غيري فهو كله له وأنا أغنى الشركاء عن الشرك " وعند أحمد ومسلم في رواية وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي بلفظه قال عز وجل :" أنه خير الشركاء فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء منه وهو للذي أشرك " . وأخرج البيهقي من حديث جابر رفعه يقول الله تعالى :" كل من عمل عملاً أراد به غيري فأنا منه بريء " . وأخرج الطيالسي وأحمد وابن مردويه من حديث شداد بن أوس رفعه إن الله يقول :" أنا أغني الشركاء ...إلخ " . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامى ـ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

لمن أراد النجاة :

أخرج الإمام أحمد رحمه الله تعالى : عن عن محمود بن لبيد أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال :" الرياء" .يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ؟. لا يجدون عندهم شيئًا ." ويقول تعالى :" فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يُشرك بعبادة ربه أحدا " سورة الكهف . ـ . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامى ـ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم