العقل والقلب بين القرآن والسنة

قلب الإنسان وعقله فى القرآن والسنة:

يقول الله تعالى " ألم يأن للذين أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون " سورة الحديد
من المعلوم أن القلب هو سيد الجوارح وملك الأعضاء وهو مستودع العقائد والأخلاق والنيات المذموم منها والمحمود ولا سعادة فى الدنيا والآخرة الا إذا طهر الإنسان قلبه وزكاه من القبائح والرذائل وزينه وجلاه بالمحاسن والفضائل قال تعالى " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " سورة الشمس _ ثم إن الأخلاق المذمومة والخصال الممقوتة فى القلب كثيرة وكذلك الأخلاق المحمودة والخصال المحبوبة التى ينبغي للمؤمن أن يحلى بها قلبه كثيرة
ولذلك فإن القلوب التى تفقه وتعقل يقول تعالى " ولقد درأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " سورة الأعراف فالقلب هو كل مافي جوف الإنسان وداخله يقول تعالى " أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لاتعمي الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور " ( 1)

ويبين القرآن الكريم أن القلوب هى التى تعقل وتفقه وهو ما يتطابق مع الفطرة التى فطر الله تعالى الناس عليها وهذه الفطرة لا تكذب ولا تتحول فهى الحق كل الحق والصدق كل الصدق لأنها مما خلقه الله فى الناس كلى الناس يقول الحق تبارك وتعالى " فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " سورة الروم
وهذه الفطرة فى القلب شأنها فى ذلك شأن كل ما فطر الله الإنسان عليه من حق وصدق وثبات ويقين كفطرة الإيمان بوجود الله تعالى ووحدانيته
والقلب محل الرأفة والرحمة وذلك بالنص القرآني الكريم " وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رحمة ورهبانية ابتدعوه " سورة الحديد والقلب وعاء السكينة التى يزداد بها إيمان المؤمن كما يقول الله تعالى " هو الذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليرددوا إيمانا مع إيمانهم " سورة الفتح وبذكر الله تطمئن القلوب قال تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " (2)

ولذلك حرص القرآن على تكرار القول بأن من لم يستحقوا الهداية فإن الله تعالى يجعل على قلوبهم الأغطية فلا يفقهون ما يتلى عليهم أو يقال لهم أو ينقل إليهم تأكيد على أن القلب هو ما يفقه به الإنسان ويعقل وذلك فى قوله تعالى " إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه "
وتبيانا لأهمية القلب فى العلم والعقل والفقه فإن القرآن يقرر أن الله سبحانه وتعالى يحول بين المرء وقلبه وهذه إشارة الى ما يحققه القلب للإنسان فى حياته وآخرته يقول الله تعالى " وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون " سورة الأنفال والكفر والزيغ عن الحق وكل أمراض الشرك إنما تأتى من القلب وذلك قوله تعالى " وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها " بل إن الحقد والضغينة والكره والغل كل ذلك محله القلب وفى ذلك يعلمنا القرآن الكريم بنصه الحكيم " ولا تجعل فى قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك غفور رحيم " سورة الحشر ( 3)

بين القلب والعقل :

وهناك فارق بين المخ والعقل كما بينت الأبحاث العلمية والعقل والقلب هما اللذين يتقاربا ويلتقيا والقرآن يبين أن القلوب هى التى تعقل وتفقه حقا وصدقا قال تعالى " ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل إليك من ربك الحق ويهدى الى صراط مستقيم " سورة سبأ
والرسول صل الله عليه وسلم يدعونا الى الاهتمام بأمر القلب وإصلاحه فيما رواه مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صل الله عليه وسلم " إن الله تعالى لاينظر الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم  وأعمالكم " فحقق قولك بعملك وعملك مرهون بنيتك وإخلاصك وتصفية ضميرك وإصلاح قلبك فإن القلب هو الأصل وعليه المدار وكما فى الحديث " ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب رواه البخاري ( 4)

فحرص الإسلام على الاهتمام بإصلاح قلبك والعناية به وتقويمه لأنه سريع التقلب كثير الاضطراب حتى قال عليه الصلاة والسلام " لقلب ابن آدم أشد تقلبا من القدر إذا اجتمعت غليا رواه أحمد وكان عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يدعوا يا مقلب القلوب ثنيت قلبي على دينك ويقول قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الجبار عز وجل إذا شاء أن يقلبه قلبه فكان يكثر يا مقلب أو مصرف القلوب رواه أحمد
وقال تعالى حاكيا عن إبراهيم خليله عليه السلام " ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم " سورة الشعراء ( 5)

فليحرص كل مسلم على أن يطهر قلبه من الشرك والنفاق والبدعة ومنكرات الأخلاق مثل الكبر والرياء والحسد والغش للمسلمين وغير ذلك حتى يقبل على الله بقلب سليم وحتى يتحقق لك ذلك لابد من الصبر و اللجوء الى الله والتشمير والاجتهاد وأن تكثر من هذا الدعاء القرآني " ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " سورة آل عمران ويحذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من القلب القاسي وغفلته والقسوة هى غلظ القلب وجموده حتى لا يتأثر بالموعظة ولا يرق ولا يلين وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس عن الله تعالى القلب القاسي " (6)

والله سبحانه لايستجيب دعاء من قلب غافل لاه " والقلب الغافل هو الذى لايتيقظ ولا يتنبه إذا وردت عليه المواعظ والزواجر ولا يلتفت إليها من غفلته وسهوه وخير القلوب وأحباها الى الله تعالى أنقاها من الباطل والشكوك والشرك ومعاني الشر كلها واعيا للحق والهدى ومعاني الخير والصواب وفى الحديث القلوب أربعة
قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر وقلب أغلف مربوط على غلافه وقلب منكوس وقلب مصفح فأما القلب الأجرد
فقلب المؤمن سراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأى المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه رواه أحمد " ( 7)

خير القلوب وأحبها الى الله :

وخير القلوب أصفاها وأصلبها وأرقها عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه " إن لله تعالى فى الأرض آنية ألا وهى القلوب فخيرها أصفاها وأصلبها ثم فسر ذلك بقوله أصفاها فى اليقين وأصلبها فى الدين وأرقها على المؤمنين " واليقين عبارة عن تمكن الإيمان من القلب واستيلائه عليه والصلابة فى الدين القوة فيه والثبات عليه والغيرة له حتى يقول الحق وإن كان مرا ولا يخاف فى الله لومة لائم وبذلك وصف الله أحباءه فى قوله تعالى " ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم " سورة المائدة
(

والرقة والرحمة بالمؤمنين أن تكون ودودا رحيما مشفقا عليهم وذلك من أفضل الأخلاق وأفضل الخصال وبه وصف الله تعالى رسوله فقال " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم " سورة التوبة وقال رسول الله صل الله عليه وسلم " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء " والغلظة والقسوة مما يكره الله ورسوله والرحمة بالمؤمنين تعنى تقديم الخير لهم ومساعدتهم وهو أمر واجب وبالضعفاء والمساكين وأهل البلايا والمصائب أوجب ومن لم يجد فى قلبه رقة ورحمة عند مشاهدة ذوى الضعف وأهل البلايا والمصائب فهو غليظ القلب قد غلبت عليه شقوته وذادت قسوته ونزعت منه الرحمة _  ولا تنزع الرحمة الا من شقي كما قال عليه الصلاة والسلام للأقرع ابن حابس  ( 9)

ويشتد غضب الله عليه هذا القاسي القلب إذا وجد من نفسه تكبرا واستنكافا فى معاملة ومخالطة أهل الضعف والمسكنة من المسلمين فقد حل عليه ما استوجب من الطرد عن باب الله ويكون من جملة المتكبرين المنازعين لله تعالى وقد قال عليه الصلاة والسلام " لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من كبر " رواه مسلم والخشية والبكاء دليل على رقة القلب وفى الرقة خشوع القلب وكثرة البكاء من خشية الله وفى ذلك يقول الله تعالى " رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه " سورة البينة ويقول تعالى " من خشي الرحمن بالغيب جاء بقلب منيب " سورة ق
( 10)

وقال تعالى :" إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة أجر كريم " سورة الملك وقد بين رسول الله صل الله عليه وسلم من ضمن السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لاظل الا ظله " رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه من خشية الله " متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام " عينان لاتمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس تحرس فى سبيل رواه الترمذي يعنى فى الجهاد ومع فضل البكاء ومنزلته تتواصل الأحاديث عن النبى صل الله عليه وسلم قال " لايلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن فى الضرع ولا يجتمع  على عبد غبار فى سبيل الله ودخان جهنم " رواه الترمذي والنسائي وقال تعالى إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " سورة ق   (11) وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم