النهى عن الإنهماك فى طلب الدنيا

هموم وعناء :

الدنيا كلها هموم , فما كان منها فى سرور فهو رابح .
ومن هذا نعلم أن الإنهماك فى طلب الدنيا يورث العبد
الإنغماس فى طلب الشهوات حتى يُظلم القلب , وتتراكم
عليه ظلمات الذنوب ولا تزال عليه حتى تسلبه نور الإيمان
فتزداد همومه ومنغصات حياته , وأما العبد المحسن المطيع
المشتاق إلى ربه ومولاه الذى تحمل مشاق الأعمال طمعا فى
لقائه , فلا يخفى ما يلقاه من الفرح والسرور بمجرد القدوم على
ربه فضلا عما يستحقه من لطائف الإكرام والإنعام . موقع من
فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم ( 26 )

لاتزداد إلا عطشا :

الدنيا كالماء المالح الذى لايزداد شاربه شُربا , إلا ازداد عطشا .
ومعنى هذا أن الدنيا آفة كل شر ورأس كل خطيئة لمن ضعف
إيمانه وقوى فى قلبه حب الدنيا , حتى لم يبقى فى قلبه موضع
لحب الله , وأما من قوى إيمانه , وكان حب الله تعالى على قلبه
أغلب فهو بعيد عن هذا الخطر . . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 27)

الحياة والطبيعة :

يقول الأديب الرافعى رحمه الله تعالى : الحياة فى المدينة كشرب الماء
فى كوب من الخزف , والحياة فى الطبيعة كشرب الماء فى كوب من البلور
الساطع , ذاك يحتوى الماء وهذا يحتويه ويبدى جماله للعين ." لأن فى الطبيعة
السكون والهدوء وراحة النفس وجمال الحياة , والسلامة من ضوضاء المدينة
وأكدارها . " . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم ( 28)

من الأحاديث القدسية :

عن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يقول الله تعالى :
" يادنيا من خدمنى فاخدميه , ومن خدمك فاستخدميه .
وبذلك نعلم أن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر
والآخرة وعد صدق يحكم فيها ملك قادر فخف هذا الملك
ولاتتورط فى شبهة حتى لاتقع فى الحرام . ". موقع من فقه
الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم ( 29 )

الدين فى القلب والدنيا فى اليد :

رؤى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب متعلقا بأستار الكعبة يناجى ربه ـ وإذا بهشام بن عبد الملك يقول له ـ أنا أمير البلاد ـ أطلب منى ماتشاء ـ فقال سالم : أنا أستحى أن أطلب من المخلوق وأنا فى بيت الخالق ـ فخرجا ـ ثم طلب منه الأمير ـ هشام أن يطلب منه مايريد ـ فقال له .
إن كنت لم أطلب الدنيا ممن يملكها ـ فكيف أطلبها ممن لايملكها ؛؛ ( 30)

هؤلاء هم الصفوة المختارة من الرعيل الأول من صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم ـ كانت الدنيا فى أيديهم والدين فى قلوبهم , فعاشوا فى الدنيا ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا عبيدا لها , لأنهم علموا أن من كانت الدنيا فى قلبه وسيطرت على نفسه وجوانحه فإنه يعيش تعيسا , فكم من أناس عبدوا الدرهم والدينار حتى صاروا عبيدا للمنصب والجاه , عبيدا للشهرة والصيت وفى ذلك قوله صل الله عليه وسلم :" ما ذئبان جائعان أرسلا فى زريبة غنم بأسرع إفساداً من حب الشرف " الجاه " والمال فى دين الرجل المسلم " رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح . اللهم لاتجعل مصيبتنا فى ديننا واجعله فى قلوبنا ولاتجعله فى أيدينا , ولاتجعل الدنيا أكبر همنا ولامبلغ علمنا واجعلها فى أيدينا ولاتجعلها فى قلوبنا . ". موقع من فقه
الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم ( 31)

عتاب الصالحين :

كان سيدنا إبراهيم عليه السلام معروفا بالكرم وحسن الضيفة , فطلب منه رجل مجوسى ذات يوم أن يُضيفه فقال : له سيدنا إبراهيم إن آمنت بى أضفتك ـ فتركه المجوسى وانصرف حرصا على دينه ـ فأوحى الله تعالى إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام " لم تطعمه إلا بتغير دينه ونحن نطعمه سبعين عاما على كفره " ماذا عليك لو أضفته ليلة ؟ فأخذ إبراهيم عليه السلام يعدو خلفه ويدعوه للضيفة فقال له لن أرجع إلا أن تخبرنى ـ فأخبره الخبر فاتعظ المجوسى وقدم وقال : ياسبحان الله هكذا يعاملنى مولاى وأنا أعبد سواه , فما أعظمه من إله يعاتب أولياءه فى أعداءه ثم تاب وأمن وصدق فى إيمانه . (32)

ومن يدرى أخا الإسلام فقد يكون فى إطعام الجائع إحياء لنفسه , ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " والإنسان منا لايدرى ما تجئ به الأيام ـ فقد تجرى بما يكون لهذه النفس من شأن ومكانة , ومن ثم تتحول إلى نفس خيرة يجرى على يديها خير كثير فى الإصلاح والبناء والتعمير . ". موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم ( 33)

حكم ومواعظ :

قال أحمد بن أبي الحواري: "من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب ، أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه".

قال البخاري: "ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه".
موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم ( 34)

حكم ومواعظ :

قال مسروق: "ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب ، وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى".

قال الحسن: "أهينوا الدنيا؛ فوالله لأهنأ ما تكون إذا أهنتها".
موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم ( 35)

حكم ومواعظ :

قال الفضيل: "لا يسلم لك قلبك حتى لا تبالي من أكل الدنيا".

قال ابن الحداد: "من طالت صحبته للدنيا وللناس فقد ثقل ظهره. خاب السالون عن الله المتنعمون بالدنيا، من تحبب إلى العباد بالمعاصي بغضه الله إليهم".
موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم ( 36)

حكم ومواعظ :

قال عبد الله بن مسعود: "من أراد الآخرة أضر بالدنيا ، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة، يا قوم فأضرّوا بالفاني للباقي!".

قال الشافعي: "طلب فضول الدنيا عقوبة عاقب بها الله أهل التوحيد".
موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم ( 36)

عقد البيت :

ذهب رجل الى علي بن أبي طالب ليكتب له عقد بيت ، فنظر علي الى الرجل فوجد أن الدنيا متربعة على قلبه فكتب: اشترى ميت من ميت بيتاً في دار المذنبين له أربعة حدود ، الحد الأول يؤدي الى الموت ، و الحد الثاني يؤدي الى القبر ، و الحد الثالث يؤدي الى الحساب و الحد الرابع يؤدي اما للجنة و اما للنار . فقال الرجل لعلي: ما هذا يا علي ، جئت تكتب لي عقد بيت ، فكتبت لي عقد مقبرة ... فقال له علي : النفس تبكي على الدنيا و قد علمت ..... أن السعادة فيها ترك ما فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ..... الا التي كان قبل الموت بانيها فان بناها بخير طاب مسكنه ..... و ان بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ..... و دورنا لخراب الدهر نبنيها أين الملوك التي كانت مسلطنة ..... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها فكم مدائن في الآفاق قد بنيت ..... أمست خرابا و أفنى الموت أهليها . 37 ـ

لا تركنن الى الدنيا و ما فيها ..... فالموت لاشك يفنينا و يفنيها لكل نفس و ان كانت على وجل ..... من المنية آمال تقويها المرء يبسطها و الدهر يقبضها ..... و النفس تنشرها و الموت يطويها إن المكارم أخلاق مطهرة ..... الدين أولها و العقل ثانيها و العلم ثالثها و الحلم رابعها ..... و الجود خامسها و الفضل سادسها و البر سابعها و الشكر ثامنها ..... و الصبر تاسعنا و اللين باقيها و النفس تعلم أني لا أصادقها ..... و لست أرشد الا حين أعصيها و اعمل لدار غد رضوان خازنها ..... و الجار أحمد و الرحمن ناشيها قصورها ذهب و المسك طينتها ..... و الزعفران ربيع نابت فيها أنهارها لبن محض و من عسل ..... و الخمر يجري رحيقا في مجاريها و الطير تجري على الأغصان عاكفة ..... تسبح الله جهراً في مغانيها من يشتري الدار في الفردوس يعمرها ..... بركعة في ظلام الليل يحييها فقال الرجل لعلي : اكتب أنني وهبتها لله و رسوله ..... .. موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 38 ـ

قصة المرأة والرجال :

كانت هناك امرأةٌ معروفةٌ بالحسن والجمال .... كالوردة في البستان تدعى" امتنان" تنافس عليها كل الأبطال وضحّى من أجلها الفرسان لم تكن تدع الرجال يبلغوا منها ماأرادوا .. بل تفنيهم قبل الإمكان وفي يومٍ من الأيام قالت: إن من سأقابله اليوم هو زوجي .. وإن كان من كان لمّا خرجت كان أول من استقبلت عصام .. وهو من أفقر أهل المدينة لايملك قوت يومه .. فقالت له : ياعصام أنا - إن أردت - لك زوجة بأقل الأثمان .. ومن الآن .... عصام : لاأصدق ياحسناء هل تهزئين بي .. حسناء: لا ورب السماء ... إنما حبُّ الستر والأمان عصام : ليس لدي مال !!.. ولكن سنذهب .. سنذهب إلى فلان فلن يتوانى في مساعدتي .. فذهبوا إلى فلان وهو أغنى من عرفه عصام .... ولاأغنى منه إلاّ السلطان عصام : يافلان سلامٌ عليك .. هذه حسناء زوجتي إنشاء الرحمن .. ولكن هل تقرضني شياءً لتعمّ الفرحةُ أرجاء المكان فنظر الغني فيها .. فقال في نفسه : أنا أحق من هذا الصعلوك بهذه الحسناء ؛ أنا أملك المال والجاه ... 39 ـ

... فجاذب الغنيُّ عصام وقال : لن أعطيك شيئاً بل ستكون زوجتي وإن جار الزمان احتدم الخلاف بين عصام والغني حتى بلغ إلى مأمور الجند ليفصل بين النزاع .... فقال كل واحد منهما حجّته وشاكيته .. فقال المأمور : عليّ بالمرأة التي أججت النزاع .... وأضرمت النيران فدخلت فرأى ذلك الحسنُ والجمال ..... وتلك الخطوات التي تدل على كمال الدلال .. فقال المأمور في نفسه: والله مارأت عيني مثلُ هذا الحسن ولا هذا الجمال .. وأنا المأمور ولن يعصني في الأرض إنسان .... وهي لي من دون الصعلوك والغني الجبان فأنا حامي البلاد وواحدٌ من الشجعان فجاذبهما المأمور ليظفر بها وتكون له زوجةً من دونهما .. واشتعل النزاع .. حتى بلغ إلى .. القاضي .... لمّا عرض الخصماء قضاياهم . 40 ـ

قال القاضي : إلىّ بتلك المرأة التي أغوت الرجال ... أين هي ...؟؟ فدخلت حسناء .. ولها من التدلل غايته ... ومن الحسن منتهاه .. قرأاها ودهش من جمالها ... ويئس من أن لايعلّق قلبه بها ... فدار في نفسه مادار في أصحابه من قبل ... فنازعهم عليها .. واشتد النزاع .. قالوا : من الذي بقي كي يفصل هذا النزاع .. قالت الحسناء بصوت التغنج والحنان: بقي مولاي السلطان .. عادل الزمان فذهب الفقير (عصام) والغني (فلان) والمأمور والقاضي إلى مولاهم السلطان .. وكلهم يظن أن (حسناء) ستكون له وإن طال الزمان ولكن لم يأتي السلطان بشيء جديد .. بل أسره هواها .. وقيّده جمالها .. وأرادها من دونهم .. اشتد الخصام بعد ذلك فكلهم يرجوها لنفسه ... وفي وسط الخصام .. وضجيج الهوام .. صرخت حسناءُ فيهم وقالت: أتيتكم بالجواب .. والحل الصواب .41 ـ

.... فتهافتوا جميعاً بصوتٍ واحد: ماهر ياقمرَ الزمان قالت: اتبعوني إلى الأرض الفضاء عند بني (خواء) وعندها سيكون الجواب .... ذهبوا جميعاً إلى هناك ... ووجدوها في الانتظار .. قالوا : أأمرينا ياقمر الزمان .. فكلنا طوعُ البنان قالت : إني سأركض ركضا سريعاً ... فمن سيدركني أولاً فقد حاز الرهان .. وأخذني معه إلى أي مكان .. قالوا: رضينا . وبالله المستعان لمّا ركضت الحسناء تبعها الرجال... وكانت الحسناء سريعة ... وبعد فترة غابت عنهم خلف تلٍّ في الأمام .... فتتابعوا خلفها .. هل تعلمون ماذا وجدوا ....؟؟ لقد كانت أمامهم هاوية سحيقة... تجذبهم إليها ... فعلموا إن الحسناء قد خدعتهم ليسقطوا في الهاوية .. ولكن بعد فوات الأوان فتدافع الأبطال في الهاوية.... واحداً تلوَ الآخر حتى هلكوا هذي يأيها الفتيان بكل اختصار... هي (الدنيا) فقد فتنت وراءها الفقير والغني والقاضي والسلطان . وكثيرٌ من الناس.... فاحذروا منها ولا تهلككم كما أهلكت غيركم .. .. موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 42 ـ

علام الهم :

مر ابراهيم بن ادهم على رجل ينطق وجهه بالهم والحزن فقال له ابراهيم : ياهذا إني أسالك عن ثلاثة فاجبني : فقال له الرجل نعم فقال له ابراهيم : أيجري في هذا الكون شي لايريده الله ؟ فقال لا قال : أينقص من أجلك لحظة كتبها الله لك في الحياة ؟ قال لا قال : أينقص رزقك شي قدره الله قال لا قال ابراهيم فعلام الهم.. موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 43 ـ

طلب الدنيا بين الحلال والحرام :

كما في حديث أبي هريرة  رضي الله عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال:” من طلب الدنيا حلالاً , وتعففاً عن المسألة ، وتعطفاً علي جاره ، وسعياً علي عياله لقي الله عز وجل يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر " رواه الإمام البيهقي
إن الناس عند طلبهم للدنيا  قسمان ، قسم متعلق بالآخرة , ومع ذلك لاينشغلون عن عبادتهم لربهم  فهم دائما يصلون ويصومون ويقراءون القرآن ويذكرون الله كثيراً .والقسم الثاني وهم طلاب الدنيا فقط  فهم يزرعون ويقلعون ويصنعون ويُتاجرون , لكن طغت الدنيا على سلوكهم وأضاعوا حق ربهم  وهذا فهم خاطئ  لأنه لايوجد في الإسلام  دنيا من غير آخرة ، بل الدنيا هي المعبر إلي الآخرة . وهي القنطرة التي تحملنا إلي الآخرة . واعلموا أنه ليس هناك آخرة بدون دنيا قال تعالى :" وعن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " سورة العنكبوت الآية 64ـ
44 ـ

ولهذا فإن الله تعالى يقابل الجزاء من جنس العمل لمن يعمل للدنيا , كما يعمل للآخرة وهذا يكون وجهه كالقمر ليلة البدر كما بين لنا الحديث ويقول تعالي :" يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " سورة آل عمران الآية 160 ـ فتكون وجوه المؤمنين الصادقين بيضاء ناضرة إلي ناظرة وتكون وجوه المكذبين الذين انغمسوا في طلب الدنيا مسودة تظن أن يُفعل بها فاقرة , والإسلام لا يقول لنا ازهدوا في الدنيا واعتزلوها , ولكن يحثنا أن نطلبها بالحلال كما أوضح لنا الحديث ومن ثم فإن الإسلام ينهانا عن الغش والاختلاس عند طلبها  , ولايكون في طلب الدنيا شهوة ولا يكون حراما ولا تكون تجارة مخدرات أو تجارة في الممنوعات .مصدقا لقوله صل الله عليه وسلم :"  إن العبد يقذف اللقمة الحرام في جوفه مايتقبل منه عمل أربعين يوماً " وكل لحم نبت من سحت فالنار أولي به " أول شرط اشترطه الرسول صل  الله عليه وسلم أن يكون طلب الدنيا حلالا . 45 ـ

والإسلام يريد منا العفة في طلب الدنيا , بمعني أن نعف نفوسنا عن مد اليد بل إن الإسلام يريد منا أن نكون أصحاب اليد العلى عملا بقوله صل الله عليه وسلم :" اليد العليا خير من اليد السفلي وابدأ بمن تعول" وفي السؤال مذلة سواء أعطوك أو منعوك , والإسلام شرع لنا من وسائل الخير  من أجل أهداف نبيلة وغايات حسنه , فهناك من يعمل من أجل كنز المال , ويضن به علي خلق الله تعالي وأما المسلم الحق فهو يستعمل وسائل الخير ,  عند طلبه للدنيا من أجل  العطف علي الجار والمسكين واليتامى والأرامل والمحتاجين , وخاصة الجار القريب منك إن احتاج منك قرضا أقرضته أو طلب معونة أو نجدة أعطيته لقوله صل الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم والأخر فليكرم جاره " 46 ـ

وقوله صل الله عليه وسلم :" مازال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت أنه سيورثه الرسول صل الله عليه وسلم من كثرة ما كان جبريل يوصيه بالجار ظن أن الجار سوف يأتي عليه يوم ويبقى من ضمن الورثة الأقارب الذين يورثون .والحديث إلي معنا :"  من طلب الدنيا حلالا ، وتعففا عن المسألة ، وتعطفا علي جارة ، وسعيا علي عياله " وهى الجري وراء المعيشة ، وهى من أقرب القرب . هناك صحابي يقول للرسول صل الله عليه وسلم يارسول الله صل الله عليه وسلم  : معي دينار أصرفه علي من ؟ قال النبي صل الله عليه وسلم :" علي زوجتك  ومعي دينار آخر . قال: علي عيالك , ومعي دينار ثالث : قال: علي أبوك وأمك  ومعي دينار رابع قال:  علي جارك ومعي دينار خامس قال: أنت أدرى " والسعي على أولاده كالمجاهد في سبيل الله وقد  وجد الصحابة شابا قوي البنيه قالوا : " أن يأتي يجاهد في سبيل الله خير من الدنيا الفنية . فقال رسول الله صل الله عليه وسلم :"  إن كان هذا الرجل خرج يسعي علي عياله فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعي علي أبوين شيخين كبيرين فهو أيضا في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعي علي أولاد قصر أو رضع يعفهم عن المسألة فهو أيضا في سبيل الله أما إن كان خارج يسعي رياء وسمعة فهو في سبيل الشيطان " 47 ـ

فالرسول صل  الله عليه وسلم ـ اعتبر أن من ضمن المجاهدة في سبيل الله السعي علي الأولاد .وهذه ميزة الإسلام , لأن الإسلام دين الأسر والعائلات والروابط القوية . لما أنت تأخذ بالك من عائلتك وأنا أخذ بالي من عائلتي والمجتمع كله يتوصى خيراً بالعائلات النتيجة مجتمع قوي . يطلع العيال بين أبوين أب واعي وأم رشيدة ، ولا يبقي هناك طفل شارع . الآن يوجد أكثر 2 مليون طفل مشرد في الشوارع ليس لهم مأوى .وهكذا الإسلام يأمر الناس بأن يسعوا إلي الدنيا ، بل يسعوا فيها ولا يعتكفون في المساجد ويتركوا الدنيا والعمل والسعي وفي ذلك قوله صل الله عليه وسلم :"  خيركم من لم يترك دنياه لأخرته وخيركم من لم يترك أخرته لدنياه ، وخيركم من جمع بينهم "  48 ـ

الإسلام يشجع علي الجمع بين حاجات الدنيا و متطلبات الآخرة ولا يرضى الإسلام أن واحد منا يمشي في الدنيا علي طول ويترك الآخرة ولا يرضي أن الإسلام أيضا أن واحد منا يمشي في الآخرة علي طول ويترك الدنيا وهذا خطأ.بل لابد من أن نجمع بين الأمرين . والله سبحانه يقول تعالي :" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " سورة الجمعة الآية 10 ـ بمعني : إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة وتصريف حوائجكم فكان عراك بن مالك إذا صلي الجمعة انصرف فوقف علي باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك ، وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين . ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 49 ـ