شهر رجب وما ابتدع فيه . للشيخ سامى محمود

عن فضل الأشهر الحرم وما جاء فيها :

من حديث أبى بكرة نقيع بن الحارث رضى الله عنه ـ أن النبى صل الله عليه وسلم ـ خطب فى حجة الوداع فقال :" ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض : السنة اثنا عشر شهراً , منها أربعة حرم , ثلاثة متواليات : ذو القعدة , وذو الحجة , ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان " رواه الإمام أحمد وأخرجه البخارى فى باب التفسير .
قال الخطابى رحمه الله : كان أهل الجاهلية يُخالفون بين أشهر السنة بالتحليل والتحريم والتقديم والتأخير لأسباب تعرض لهم , منها استعجال الحرب فيستحلون الشهر الحرام , ثم يُحرمون بدله شهراً غيره , فتتحول بذلك شهور السنة وتتبدل , فإذا أتى على ذلك عدة من السنين , استدار الزمان وعاد الأمر إلى أصله , فاتفق وقوع حجة النبى صل الله عليه وسلم عند ذلك .

إن تحريم الإسلام للقتال فى هذه الأشهر الأربعة , فيه استتباب للأمن , واستنكار للجريمة , ولو كان ذلك أخذ بالثأر , فأقر الإسلام هذه التحريم للمصلحة حيث أكد القرآن الكريم هذا بقوله تعالى :" إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم " سورة التوبة الآية 36 ـ وهذا هو شرع الله تعالى النافع , وذلك الدين المستقيم من امتثال أوامر الله تعالى فيما شرع من أحكام فى هذه الأشهر الحرم , ذو القعدة , وذو الحجة , والمحرم , ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان " وسمى شهر رجب الشهر الأصم : لأنهم لا يتصايحون فيه لحرب .

ثم قال فلا تظلموا فيهن أنفسكم " أى فى هذه الأشهر المحرمة , لأن الظلم والإثم فيها أشد من غيرها , لا أن الظلم فى غيرها جائز , كما أن المعاصى فى البلد الحرام يشتد وزرها ويضاعف ذنبها , ومن أجل ذلك صارت المعاصى فى هذه الأشهر أعلظ منها فى غيرها من الأشهر , قال : قتادة رحمه الله : أن الظلم فى الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها " وقد الله الله تعالى القتال فى هذه الأشهر مطلقا إلا إذا أعتدى على المسلمين فلهم أن يردوا دفاعا ورداً للعدوان ولهذا قال تعالى :" وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين " أى مع أهل التقوى بنصره وتأييده لهم . .

من بدع شهر رجب :

اعتاد كثير منا معاشر المسلمين على الصيام فى شهر رجب , دون سواه على أنه من الأشهر الحرم ومن ذلك صيامه كله أو بعضه أو تخصيص بعض أيام منه بالصيام على حسب ما تعودوا .
والصيام فى أى وقت من أوقات العام مشروع ومندوب فى الشريعة لقول النبى صل الله عليه وسلم :" الصوم جنة " رواه الترمذى وغيره وخصوص الصيام للشباب قال صل الله عليه وسلم :" ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " لكن من غير تخصيص إلا ما بينته السنة بالتخصيص من خلال الأحاديث الصحيحة كيوم الإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وغير ذلك وأما تخصيص أيام من شهر رجب بالصيام فلم يثبت , ولا يستحب صيام شهر بأكمله إلا رمضان لأنه فرض , وعلى هذا يجرى الصيام فى شهر رجب أننا نصوم منه ونترك مثل بقية الأشهر كما بينا ذلك فى حديثنا عن كيفية استقبال شهر رجب فى باب فقه السيرة من هذا المنتدى ,

ولنعلم أنه ليس فى صيام يوم من رجب حديث منصوص عليه إلا قول النبى صل الله عليه وسلم للرجل الباهلى :" صم من الحرم واترك " ورجب من الأشهر الحرم يصام منه من غير تخصيص وقد قال كثير من الأئمة منهم الحافظ بن رجب الحنبلى أنه : لم يصح فى فضل صوم رجب بخصوصه شئ عن النبى صل الله عليه وسلم ـ ولا عن الصحابة كما ذكر ذلك فى لطائف المعارف " وأيضا ما ذكره العلامة ابن حجر العسقلانى رحمه الله تعالى " فى كتابه تبين العجب فى فضائل رجب "

وقد كره كثير من السلف صيام رجب مجتمعا , منهم ابن عباس وابن عمر وسعيد ابن جبير ويحى ابن سعيد الأنصارى والإمام أحمد رضى الله تعالى عن الجميع , وكان أبو بكرة رضى الله عنه ـ رأى أهله يتأهبون لصيام رجب فقال لهم , أجعلتم رجب كرمضان " وألقى السلال وكسر الكيزان " قلت : أن أبا بكرة فعل هذا لأنهم كانوا يعتقدون صيام رجب كله . فالصيام فى رجب غير مكروه لأنه صل الله عليه وسلم ـ لم يكن يدع شهر من شهور العام إلا وصام منه , ولم يصم شهراً كاملا إلا رمضان , والخلاصة أن الصيام جائز فى شهر رجب لمن اقتفى هدى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ فى صيام الإثنين والخميس , أو ثلاثة أيام من كل شهر, وأما صيامه كله فلا يجوز .

وهناك جملة من الأحاديث وضعت فى فضائل شهر رجب يرددها كثير ممن ينتسبون للعلم فى المحافل  وكثير من الخطباء ها أنا أبينها لنحذرها ونحذر من اعتقاد العمل بها حتى لانكذب على رسول الله صل الله عليه وسلم ـ على أنه ليس من بضاعتى رد حديث يشم فيه خير وأثر من أثار النبوة ويتفق مع الهدى العام لصاحب الرسالة صل الله عليه وسلم ـ ومن هذه الأحاديث التى تردد على المنابر فى شهر رجب ,

وللبيان والتحذير منها ما يأتى :

1ـ رجب شهر الله , وشعبان شهرى , ورمضان شهر أمتى " رواه أبو الفتح ابن أبى الغواس فى أماليه مرسلا وهو حديث لم يصح سند ولا معنى
2 ـ إن فى الجنة نهراً يقال له رجب , ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل , من صام يوما من رجب سقاه الله تعالى من ذلك النهر " رواه الشيرازى فى الألقاب وهو حديث موضوع قلت : وليس هناك فى الجنة نهر ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل إلا نهر الكوثر " كما جاء فى الحديث الصحيح .

3 ـ حديث من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت , كتب الله له عبادة تسعمائة سنة " قال الإمام البخارى إنه حديث باطل لم يصح سنداً ولا معنى
4 ـ حديث فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام " يقول الحافظ ابن حجر العسقلانى موضوع
5 ـ وحديث : أكثروا من الإستغفار فى شهر رجب , فإن لله فى كل ساعة منه عتقاء من النار , وأن لله مدائن لايدخلها إلا من صام رجب " قال الإمام الصنعانى موضوع
6 ـ حديث من صام يوما من رجب وقام ليلة من لياليه , بعثه الله تعالى أمنا يوم القيامة " حديث موضوع .

7 ـ وحديث من أحيا ليلة من رجب وصام يوما فيه , أطعمه الله من ثمار الجنة " موضوع .
8 ـ وحديث رجب شهر الله الأصم , الذى أفرده الله تعالى لنفسه , فمن صام يوما فيه إيمانا واحتسابا , استوجب رضوانه الأكبر " موضوع
ومما يخلف هدى رسول الله صل الله عليه وسلم العام تخصيص صيام رجب وشعبان سرداً متتاليا كشهر رمضان فصومه مفترض , والأفضل للمسلم أن يسعه ما وسع رسول الله صل الله عليه وسلم ـ من هدى كريم كأن يصوم فى رجب ما إعتاد صومه فى غيره من الشهور , وإن خصه بالصوم فلتكن للتدريب على الصوم وأن يصوم بعضه لا كله .

وهناك صلاة مبتدعة يحرص عليها البعض في شهر رجب تسمى صلاة " الرغائب " ويحددون لها ميقات وهو الجمعة الأولى من شهر رجب , وهى على ما يفعلوه اثنتا عشرة ركعة يؤدوها ما بين المغرب والعشاء " وهى صلاة لا أصل لها في الشريعة
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى : وهذه الصلاة بدعة مذمومة منكرة قبيحة ولا تغتر بذكرها في كتاب الإحياء وقوت القلوب . مسألة : وأما عن العمرة في شهر رجب فهي مستحبة عند كثير من أهل العلم ، لكن لم يثبت عن النبي صل الله عليه وسلم أنه فعل ذلك ، وقد استحب بعض السلف ذلك ، فكانوا يعتمرون في رجب ، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن سعيد بن المسيب قال: كانت عائشة رضي الله عنها تعتمر في آخر ذي الحجة ، وتعتمر من المدينة في رجب تهل من ذي الحليفة .

وأخرج بسنده عن يعلى بن الحارث قال: سمعنا أبا إسحاق وقد سئل عن عمرة رمضان ، فقال: أدركت أصحاب عبد الله لا يعدلون بعمرة رجب ، ثم يستقبلون الحج.وقد ثبت عند الخلال رحمه الله ـ في "فضائل شهر رجب" عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما ـ يعجبه أن يعتمر في رجب ، شهر حرام بين ظهراني السنة ـ وأخرج بسنده عن عبد الرحمن بن حاطب قال: اعتمرت مع عمر وعثمان في رجب " فأما قول عبد الله بن عمر  : إن النبي صل الله عليه وسلم اعتمر أربعا ، إحداهن في رجب ، فوهم منه رضي الله عنه . قالت عائشة لما بلغها ذلك عنه : يرحم الله أبا عبد الرحمن ، ما اعتمر رسول الله صل الله عليه وسلم عمرة قط إلا وهو شاهد ، وما اعتمر في رجب قط . ففي " الصحيحين " : عن أنس بن مالك قال : ( اعتمر رسول الله صل الله عليه وسلم أربع عُمر ، كلهن في ذي القعدة ، إلا التي كانت مع حجته : عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة ، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة ، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة ، وعمرة مع حجته  زاد الميعاد في هدي خير العباد " اللهم اجعل أعمالنا صالحة ولوجهك خالصة ولا تجعل لأحد منها شئ . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي  ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

تفصيل وبيان حول صلاة الرغائب:

أولا : صفتها: وردت صفتها في حديث موضوع عن أنس عن النبي صل الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من أحد يصوم يوم الخميس " أول خميس من رجب" ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و" إنا أنزلناه في ليلة القدر " ثلاث مرات ، و" قل هو الله أحد " اثنتي عشرة مرة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين ، فيقول في سجوده سبعين مرة: " سبوح قدوس رب الملائكة والروح" ، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت العزيز الأعظم ، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى ، ثم يسأل الله تعالى حاجته ، فإنها تقضى".. قال رسول الله صل الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده ، ما من عبد ولا أَمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر ، وعدد الرمل ، ووزن الجبال ، وورق الأشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار" انظر: إحياء علوم الدين ، للغزالي ، 1/202 ، وتبيين العجب فيما ورد في فضل رجب ، ص 22 24.

ثانياً: كلام أهل العلم حولها: قال النووي: "هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار ، مشتملة على منكرات ، فيتعين تركها والإعراض عنها ، وإنكارها على فاعلها" فتاوى الإمام النووي ، ص 57. وقال ابن النحاس: "وهي بدعة ، الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين". تنبيه الغافلين ، ص 496. وقال ابن تيمية: "وأما صلاة الرغائب: فلا أصل لها ، بل هي محدثة ، فلا تستحب ، لا جماعة ولا فرادى فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صل الله عليه وسلم- نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام ، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء ، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً". الفتاوى لابن تيمية ، 23/132 ، وانظر: الفتاوى ، 23/134 135.

وقد أبان الطرطوشي بداية وضعها ، فقال: "وأخبرني أبو محمد المقدسي ، قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان ، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس ، يعرف بابن أبي الحمراء ، وكان حسن التلاوة ، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان... إلى أن قال: وأما صلاة رجب فلم تحدث عندنا في بيت المقدس إلا بعد سنة ثمانين وأربعمائة ، وما كنا رأيناها ولا سمعنا بها قبل ذلك " الحوادث والبدع ، ص103. وقد جزم بوضع حديثها: ابن الجوزي في الموضوعات ، والحافظ أبو الخطاب ، وأبو شامة انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث ، ص 61 67. ، كما جزم ببدعيتها: ابن الحاج المدخل ، 1/211. ، وابن رجب ، وذكر ذلك عن أبي إسماعيل الأنصاري ، وأبي بكر السمعاني ، وأبي الفضل بن ناصر انظر: لطائف المعارف ، تحقيق الأستاذ / ياسين السواس ، ص 228. وآخرون. مقدمة مساجلة العز بن عبد السلام وابن الصلاح ، ص 7 8.

هل لـ (رجب) فضل على غيره من الشهور؟: قال ابن حجر: "لم يرد في فضل شهر رجب ، ولا في صيامه ، ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه.. حديث صحيح يصلح للحجة ، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ ، رويناه عنه بإسناد صحيح ، وكذلك رويناه عن غيره". وقال أيضاً: "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب ، أو في فضل صيامه ، أو صيام شيء منه صريحة: فهي على قسمين: ضعيفة ، وموضوعة ، ونحن نسوق الضعيفة ، ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة"  ، ثم شرع في سوقها. تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب ، لابن حجر ، ص6 ، وانظر: السنن والمبتدعات للشقيري ، ص125.ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي  " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

الإسراء والمعراج:

من أعظم معجزات النبي صل الله عليه وسلم: الإسراء به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم العروج به السماوات السبع فما فوقها ، وقد انتشر في بعض البلدان الاحتفال بذكراها في ليلة السابع والعشرين من رجب ، ولا يصح كون ليلة الإسراء في تلك الليلة ، قال ابن حجر عن ابن دحية: "وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ، قال: وذلك كذب" ، تبيين العجب ،. وقال ابن رجب: "وروي بإسناد لا يصح ، عن القاسم بن محمد ، أن الإسراء بالنبي صل الله عليه وسلم- كان في سابع وعشرين من رجب ، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره". زاد المعاد لابن القيم ، وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري الخلاف في وقت المعراج ، وأبان أنه قد قيل: إنه كان في رجب ، وقيل: في ربيع الآخر ، وقيل: في رمضان أو شوال ، والأمر كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : "لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ، ولا على عشرها ، ولا على عينها ، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به" لطائف المعارف ، لابن رجب رحمه الله تعالى ، على أنه لو ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج لما شرع لأحد تخصيصها بشيء لأنه لم يثبت عن النبي صل الله عليه وسلم- ولا عن أحد من صحابته أو التابعين لهم بإحسان أنهم جعلوا لليلة الإسراء مزية عن غيرها ، فضلاً عن أن يقيموا احتفالاً بذكراها ، بالإضافة إلى ما يتضمنه الاحتفال بها من البدع والمنكرات " لطائف المعارف ، لابن رجب رحمه الله تعالى ،. موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

،. ولهذا كان من الواجب على كل مسلم أن يتعلم سنة رسول الله صل الله عليه وسلم ، عملا بقول النبي صل الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، ولله در أبي العالية حين قال لبعض أصحابه: "تعلموا الإسلام ، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه ، وعليكم بالصراط المستقيم ، فإن الصراط المستقيم: الإسلام ، ولا تنحرفوا عن الصراط المستقيم يميناً وشمالاً ، وعليكم بسنة نبيكم ، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين أهلها العداوة والبغضاء". ومن قبله قال حذيفة رضي الله عنه: "يا معشر القراء: استقيموا، فقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً". الإبانة الكبرى ، لابن بطة ، البدع والنهي عنها ، لابن وضاح ،. ويقول الإمام الثوري رحمه الله تعالى: "كان الفقهاء يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل ، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة" الإبانة الكبرى ، لابن بطة ، . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

معني رجب في لغة العرب:

قال العلماء: رجب، جمعه أرجاب ، ورجبانات ، و أرجبه و أراجبه.وله ثمانية عشر اسماً!!
الأول: رجب لأنه كان يرجب في الجاهلية! أي يعظم.
الثاني: الأصم، لأنهم لا يسمعون فيه قعقعة السلاح.
الثالث: الأصب لقولهم: إن الرحمة تصب فيه.
الرابع: رجم لأن الشياطين ترجم فيه.
الخامس: الشهر الحرام.
السادس: الحرم لأن حرمته قديمة.
السابع: المقيم؛ لأن حرمته ثابتة.
الثامن: المعلى؛ لأنه رفيع عندهم.
التاسع: الفرد؛ وهذا اسم شرعي.
العاشر: منصل الأسنة، ذكره البخاري وهو من قول أبى رجاء العطاوى .
الحادي عشر: مفصل الآل أي الجواب؛ ذكره الأعشى في ديوانه.
الثاني عشر: منزل الأسنة وهو كالعاشر.
الثالث عشر: شهر العتيرة لأنهم كانوا يذبحون فيه.
الرابع عشر: المبري.
الخامس عشر: المعشعش.
السادس عشر: شهر الله.
السابع عشر: سُمي رجباً، لترك القتال، يقال: أقطع الله الرواجب.
الثامن عشر: سُمي رجباً لأنه مشتق من الرواجب..

ويعتبر شهر رجب هو الشهر السابع من السنة القمرية أو التقويم الهجري، وكلمة رجب جاءت من "الرجوب" بمعنى التعظيم، ويرجع فضل هذا الشهر بأن الله عز وجل قد فضل الأشهر الحرم عن سائر شهور العام، وخصصها بمزيد من الإجلال والإكرام. ورجب من الأشهر الحرم، وهو شهر كريم ويدعى بـ"الشهر الأصب" وذلك لأن الرحمة الإلهية تصب على عباده صباً، ويستحب فيه الصيام والقيام بالأعمال العبادية وضرورة تجنب المعاصي في مثل هذه الأشهر والبعد عن الرذيلة. ويستحب للمسلم في "رجب" الإكثار والمواظبة على ما ثبتت به السنة في سائر الأيام من نوافل الطاعات، صلاة، صيام، صدقات وغيرها من القربات.

وسبب تسمية الشهر بهذا الاسم: "رجب": الراء والجيم والباء أصل يدل على دعم شيء بشيء وتقويته، ومن هذا الباب: رجبت الشيء أي عظّمته، فسمي رجباً لأنهم كانوا يعظّمونه وقد عظمته الشريعة أيضاً. ـ لأنه أحد الأشهر الحرم قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام"، المائدة، أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها، فالنهي يشمل فعل القبيح ويشمل اعتقاده. وقال تعالى: "إن عِدَةَ الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم " سورة التوبة: الآية 36. ، أي في هذه الأشهر المحرمة، والضمير في الآية عائد إلى هذه الأربعة الأشهر كما يقول إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى.

ومراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة، والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديراً لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله، ولذلك حذرنا الله في الآية السابقة من ظلم النفس فيها من ظلم النفس ويشمل المعاصي ويحرم في جميع الشهور. ـ لماذا حرم الله القتال في الشهر الحرام؟ قال تعالى: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"،سورة البقرة، واتفق جمهور العلماء على أن القتال في الأشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى: "فإذا أنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"، سورة التوبة، واستدلوا بأن الرسول صل الله عليه وسلم قاتل أهل الطائف في ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم.

وقال آخرون: لا يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم، وأما استدامته وتكميله إذا كان أوله في غيرها فإنه يجوز، وحملوا قتال النبي صل الله عليه وسلم لأهل الطائف على ذلك؛ لأن أول قتالهم في حنين في شوال. وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود فيه الدفع، فإذا دهم العدو بلدا للمسلمين وجب على أهلها القتال دفاعا سواء كان في الشهر الحرام أو في غيره. وأما الحكمة من تحريم القتال فيها، فقد أوردها ابن كثير في تفسيره: "وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة سرد، وواحد فرد، لأجل مناسك الحج والعمرة، فحرم قبل شهر الحج شهر وهو ذو القعدة، لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرم بعده شهر آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمنًا". ـ

وسبب تسمية شهر رجب "بمضر"؟ سمي رجب به، لأن "مضر" كانت لا تغيره بل توقعه في وقته ,وقيل أن سبب نسبته إلى "مضر" إنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك. ـ.غير أن غيرهم من باقي العرب في الجاهلية أحدثوا ظلما بليغا بهذا الخصوص وذلك بتغييرهم لهذه السنة الكونية والتحكم في هذه الأشهر تقديما وتأخيرا تبعا لأهوائهم وفتحا لأبواب الحروب وسفك الدماء، واستباحة لحرمات الناس وأموالهم. وهو ما سماه القرآن الكريم نسيئاً قال الله تعالى:" إنما النسئ زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا يُحلونه عاما ويُحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين " سورة التوبة : الآية 37.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير الآية: "هذا مما ذم اللّه تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع اللّه بآرائهم الفاسدة، وتحليلهم ما حرم اللّه وتحريمهم ما أحل اللّه، فإنهم كان فيهم من القوة والعصبية ما استطالوا به مدة الأشهر الثلاثة في التحريم، المانع لهم من قتال أعدائهم، فكانوا قد أحدثوا قبل الإسلام بمدة تحليل المحرم فأخروه إلى صفر، فيحلون الشهر الحرام، ويحرمون الشهر الحلال، ليواطئوا عدة ما حرم اللّه . والله أعلم.". موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم