الباحث عن السعادة ( ما السعادة؟)

الباحث عن السعادة ما السعادة ؟:

تعريف السعادة :

_ مصدر كلمة السعادة وعبارتها لم تأت فى القرآن إلا مرة واحدة وفى آية واحدة وهى قال تعالى " فأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها " سورة هود
وعند أهل اللغة هى ضد الشقاوة _ فلان سعيد عكسه شقى
وعلماء النفس وأهل التربية يعبرون عن السعادة بكلمة موجزة هى ذلك الشعور المستمر بالغبطة والطمأنينة والأريحة والبهجة وهذا الشعور إنما يعبر عن الإيجابية فى حياة من يطلب السعادة وذلك نتيجة الإحساس الدائم بخيرية الذات , وخيرية الحياة , وخيرية المصير وهذه الثلاث عند وجودها وعلى الأخص خيرية الحياة يمكن أن يكون الإنسان فى طريقه إلى السعادة , ( 1)

هل السعادة فى جمع المال كلا ليس كل صاحب مال سعيد فكثير من أصحاب الأموال ومالك الثروات يعيشون فى شقاء وفى ذلك يقول الشاعر
ولست أرى السعادة جمع مال _ ولكن التقى هو السعيد
فكم من صاحب مال وثروة زال ماله وفنيت ثرواته بسبب أو بآخر وعاش بقية حياته فى تعاسة وشقاء
ومن هذه النماذج ما حكاه لنا القرآن الكريم من قصة قارون الذى كان فى زمن نبى الله موسى عليه السلام تلك القصة حيث قال حكاية عن قارون " فخرج على قومه فى زينته " يعنى ما كان فيه من أبهة ومن أسباب سعادته يحسبه الظمأن ماء حتى قال قائلهم حكى القرآن ذلك " إنه لذو حظ عظيم " وكل هذا أصبح لدى هذا الذى جحد نعمة الله فيه من أوهام السعادة والنتيجة لكفره بأنعم الله كما حكى القرآن عنه ذلك " فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه وما كان من النتصرين سورة القصص وهذا هو أمية ابن خلف ذلك الصنديد ومن كان على شاكلته إلى يوم القيامة " ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه " سورة احاقة
فبئس المال الذى لم يزكى صاحبه لايغنى عنه شيئا . ونعم المال الصالح للرجل الصالح ولو كان قليلا , يقول البعض عن فلان المشهور بأنه سعيد والشهرة إن لم ترتبط بالتقوى والعمل الصالح فلا خير فيها والذى يتقى الله لايريد لنفسه شهرة لأنها سرعان ما تزول وتبقى التعاسة ,
والبعض يظن أن أهل الرياضة والفن هم من يعيشون السعادة بمعناها وبغير معناها وهذا وهم لاحقيقة له فهؤلاء حياتهم هى أسوأ ما يكون فى حياة البشر وخاصة أهل الفن إلا من رحم ربك وقليل ماهم , (2)

وكذلك يرى آخرون أن السعادة فيما يحصل على شهادات ليصل إلى أعلى المناصب والدرجات وعندما يصل إلى ذلك رجلا كان أو إمرأة يتمنى أن لو ذهبت شهادته وكل ما حصل عليه فى سبيل أن يجد نفسه فى بيته وأسرته وأولاده وها هى واحدة من طالبى المجد والعالى تصرخ وتقول : خذوا من شهادتى وأعطونى زوجا " خذوا كل مراجعى وجالب السعادة الزائفة ( تقصد المال ) وأسمعونى كلمة " ماما " ثم تقول هذه الأبيات ترثى حالها
لقد كنت أرجوا أن يقال طبيبة _ فقد قيل , فما نالنى من مقالها
فقل للتى كانت ترى فَّى قدوةً __ هى اليوم بين الناس يرثى لحالها
وكل مناها بعض طفل تضمه _ فهل ممكن أن تشتريه بمالها
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة ( 3)

من موانع السعادة :

إن من أهم موانع السعادة:

أولا_ الكفر ويصور لنا القرآن الكريم التعاسة والشقاء تصويرا محكما قال تعالى " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإ سلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء
ثانيا _ عمل المعاصى والآثام وارتكاب الجرائم والمنكرات قال تعالى " ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى " سورة طه فارتكاب المعاصى والذنب من أسباب الخذلان والقلق وعدم الرضا
يقول أليكس كاريل : إن الإنسان لم يدرك بعد فداحة النتائج التى تترتب عليها الخطيئة ونتائجها لايمكن علاجها على وجه العموم "
يقول سقراط وهو كافر إن المجرم دائما أشقى من ضحيته وإن من يكون مجرما ولم يعاقب على جرمه يكون من أشقى الناس "
هكذايقول هذان الكافران , بينما نجد أن صحابيا أذنب فجاء إلى الرسول صل الله عليه وسلم وقال له يارسول الله طهرنى , وكررها على رسول الله صل الله عليه وسلم فأقام عليه الحد " . رواه مسلم  ( 4)

ثالثا _ الحسد والغيرة , وهو من الأمراض التى تصيب الإنسان فتحرمه حلاوة العيش مع الله ومن حساسية الشعور وفساد الطباع ولهذا أمرنا الله تعالى بالإستعاذة من شره قال تعالى " ومن شر حاسد إذا حسد " وقال تعالى " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " سورة النساء وقال صل اله عليه وسلم " لا تحاسدوا ولاتقاطعوا ولاتباغضوا ولاتدابروا وكونوا عباد الله إخوانا " رواه البخارى ومسلم
ويقول بعض المستشرقين " إن الحسد والغيرة والحقد أقطاب ثلاثة لشئ واحد وإنها لآفات تنتج سموما تضر بالصحة وتقضى على جانب كبير من الطاقة والحيوية اللازمتين للتبكير والعمل " ( 5)

رابع _ الحقد والغل : قال تعالى " ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا " سورة الحشر فدل ذلك على أن الغل من موانع السعادة ولهذا أهل الجنة مبرئون من هذا المرض فقال تعالى واصفا المؤمنين فى الآخرة فى جنة الخلد ( ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم الأنهار ) سورة الأعراف
وفى ذلك يقول بعض الأطباء " الحاقد يظل طوال وقته لايفكر إلا فى النيل من الذى يحقد عليه وقد يضر به ولا يهاب فى سبيل ذلك ما يفعل "
خامسا _ الغضب ولهذا نهى الإسلام عن الخلق الذميم وامتدح من يسيطر على نفسه ويكبح جماحها عن الوقوع فى الحمقات والمخالفات قال تعالى " وإذا ما غضبوا هم يغفرون " سورة الشورى ويقول الرسول صل الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة , إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب " رواه البخارى ومسلم ( 6)

سادسا _ الظلم – فإن الظلم ظلمات يوم القيامة , وقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين خلقه ولهذا كانت عاقبته سيئة ويكفى أنه يوم القيامة من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم
سابعا_ الخوف من غير الله تعالى
فالخوف من غير الله من موانع السعادة وهو يورث الشقاء والذلة قال تعالى حكاية عن بنى إسرائيل " أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين " سورة البقرة
وقال تعالى " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين " سورة آل عمران
وقال تعالى عن سيدنا إبراهيم مع قومه " ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربى شيئا " سورة الأنعام ( 7)

ثامنا _ التشاؤم وهو من موانع السعادة حيث يجلب التعاسة والمتاعب ولهذا كان النبى صلى الله عليه وسلم " يعجبه الفأل , ويكره التشاؤم " رواه البخارى ومسلم والإمام أحمد وأبو داود والترمذى وصححه
يقول بعض الأطباء " المتشائم يتحمل بفعل اتجاهه التشاؤمى متاعب عدة هى أشد وقعا على أعصابه من الكوارث والملمات التى تقع به "
تاسعا _ سوء الظن _ وقد نهى عنه الإسلام نهيا باتا لما فيه من تقطيع الأواصر ورباط الألفة والمحبة بين الناس قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم " سورة الحجرات
ويقول النبى صل الله عليه وسلم :" إياكم والظن , فإن الظن أكذب الحديث " رواه البخارى ومسلم (

عاشرا _ الكبر وهو من الصفات القبيحة عند الله تعالى وصفا وفعلا والله لايحب المتكبرين والمتكبر يعيش فى شقاء دائم وتعاسة أبدية وإن تغطرس وتعالى على الناس وغمطهم حقوقهم يقول الرسول صل الله عليه وسلم " لن يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " فما بالنا بمن يتكبر على الله ورسوله وهو كفر صريح
الحادى عشر _ تعلق القلب بغير الله _ ومن تعلق قلبه بغير ربه عذب به وكان وبال عليه وحسرة قال تعالى " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله " سورة البقرة ( 9)

الثانى عشر _ المخدرات _ وهى من الأمور التى تحول بين الإنسان وبين سعادته وتجلب له الشقاء واليأس , والإنحلال , والدمار , إنها دمار للمجتمع والفرد والأمة والذى يتعاطى المخدرات يقصد الهروب من هموم الدنيا ومشاغلها وإذا هم بهم يجدون أنفسهم كالمستجير من الرمضاء بالنار " قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون , إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " سورة المائدة
وقدقيل للعباس بن مرداس فى الجاهلية وكان سيد قومه ألا تشرب الخمر فقال لا أرضى لنفسى أن أكون سيد القوم وأمسى سفيههم و قال شارب الخمر عدو عقله ومن عادى عقله عادى نفسه ومن عادى نفسه فهو عدو للناس أجمعين ,
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة ( 10)

من أسباب السعادة وصفات السعداء :

إن من يريد أن ينال السعادة ولا يأخذ بأسبابها يصدق عليه قول الشاعر
ترجو النجاة ولن تسلك مسالكها __ إن السفينة لا تجرى على اليابس
ولنبين لكم أسباب السعادة لعلنا نسلك طريقها قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " سورة العنكبوت
1_ السعادة تكون فى الإنتصار على العقبات ومغالبة الصعاب والشدائد فلذة الظفر لا تعدلها لذة و فرحة النجاح لا تعادلها فرحة _ وهذا لايكون إلا فى الإيمان بالله والعمل الصالح
يقول الله تعالى " من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " سورة النحل والحياة الطيبة هى السعيدة بما فيها من طاعة وبر " ( 11)

وكلنا يتمنى لنفسه الحياة الطيبة وفى سبيلها تهون الصعاب فعلينا بالتمسك بالإيمان والعمل الصالح قال تعالى " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لايبغون عنها حولا " سورة الكهف
ومن حديث صهيب ابن سنان رضى الله تعالى عنه قال رسول الله صل الله عليه وسلم " عجبا لأمر المؤمن , إن أمره كله خير , وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن , إن أصابته سراء شكر , فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم
وكان رسول الله صلى الله عليه سلم يجد راحته ولذته فى الصلاة والطاعة وكان يقول " أقم الصلاة يابلال وأرحنا بالصلاة " رواه أحمد وأبو داود ( 12)

بينما هناك أناس يفرون من الصلاة ولا يؤدونها وإذا قاموا بها يقوم أحدهم عقب تسليم الإمام على الفور وكأنه كان يقف على الجمر ولا يختم صلاة بذكر ولايؤدى نافلة من النوافل فهم فى هم وغم مشغولون بنصب الدنيا وزخرفها عن ربهم وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم يقول " وجعلت قرة عينى فى الصلاة " رواه أحمد والنسائى وإذا تشرب القلب بالإيمان جعل أصحابه يشعرون بالسعادة فى كل أعمالهم وسائر أحوالهم يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى وقد عذب وسجن وطرد " ما يصنع بى أعدائى , أنا جنتى وبستانى فى صدرى , أنى رحلت فهى معى لاتفارقنى , أنا حبسى خلوة , وقتلى شهادة , وإخراجى من بلدى سياحة " هكذا نجد شيخ الإسلام يحرج أعدائه ويغلق عليهم الطرق بهذه المقولة الخالدة , التى تعد نبراسا يضئ الطريق للمؤمنين ولا يستطيع ذلك إلا عظماء الرجال وأصحاب الهمم العالية ,
( 13)

2_ السعادة فى سلامة القلب من الأمراض القلبية من العقائد كالشك والسخط والإعتراض والريبة والشبهة والشهوة – ولا يكون ذلك إلا فى الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره _ فاعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك _ قال تعالى " قل كل من عند الله فمال لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا " سورة النساء وهذه الصة من أهم صفات السعداء إذ لايمكن تحصيل السعادة إلا لأهل الإيمان بالله تعالى ومن الإيمان بالله تعالى الإيمان بقضائه وقدره والرضا بما قسم الله والإنسان فى هذه الحياة لابد وأن ينتابه شئ من الهموم وتقع به المصائب وتدور عليه الصعاب فإن لم يؤمن بالقضاء والقدر هلك ولنضرب مثلا للإيمان بالقضاء والقدر وأثره فى سعادة الإنسان وهنا تحكى القصة يحبها الجاهل ضرب من الخيال ونسج كخيوط العنكبوت كلا إنها حقيقة لم تروق لمثلنا ولم يصل إلى مكانتها وصحبها يجد يها اللذة والمتعة يستطيبها " ( 14)

عروة بن الزبير رضى الله عنه أحد أقطاب الجيل الأول من صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم أصابت رجله مرض الأكلة ( السرطان ) وأرادوا أن يقطعوا رجله لأنها أصبحت تهدد حياته بالخطر قفالوا له لابد وأن نسقيك خمرا لكى نستطيع أن نقطع رجلك بدون أن تحس بآلام القطع خاصة وأنهم سيضعونها فى الزيت المغلى بعد قطعها لتندمل ويقف نزيف الدم فماذا كان موقفه ؟ لقد رفض بكل شدة وقال لا يغفل قلبى عن ذكر ربى فقالوا فماذا نفعل فقال لهم إذا قمت إلى الصلاة فافعلوا ما تشاؤون , لأن قلبه حينئذ سيكون متعلقا بالله فلا يحس بما يفعل به
وفعلا عندما كبر مصليا قطعوا رجله من فوق الركبة ولم يتحرك ولكن عندما وضعوا قدمه فى الزيت بعد قطعها سقط مغشيا عليه وفى الليل آفاق فإذا بالناس يقولون له : أحسن الله عزائك فى رجلك وأحسن الله عزائك فة ابنك " ( 15)

لقد مات ابنه فى هذه الأثناء فماذا قال ؟ بكل تسليم وايمان بالقضاء :" الحمد الله يارب إن كنت ابتليت فقد عافيت وإن كنت أخذت فقد أبقيت وأعطيت , هذا هو الإيمان الصادق بالقضاء والقدر ولكن أين أمثال هؤلاء النقاة الخاضعين لله المستسلمين لمشيئته قال تعالى " وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " سورة فصلت
3_ السعادة أن يكون القرآن مصاحب لك والعمل الصالح وجهتك والعلم النافع طريقك وليسعك بيتك راض بما قسم الله لك , الإكثار من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن هو من أعظم أسباب السعادة قال تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " سورة الرعد وإن من يداوم على ذكر الله تعالى يعش سعيدا مطمئن القلب , وأما من أعرض عن ذكر الله فهو من التعساء البؤساء قال تعالى " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين " سورة الزخرف وقال تعالى " ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى " سورة طه وقال تعالى " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك فى ضلال مبين " سورة الزمر ( 16)

4_ والسعادة مفتاحها الإبتسامة وبابها الحب فى الله وحديقتها الرضا والسرور ونورها الإيمان وجدارها الأمن والسلامة من الآخرين , طهارة القلب وصفاء النفس وانشراح الصدر وسلامته من الآفات والأمراض النفسية وكفى بذلك فضلا أن يكون صاحب هذه الصفات من السعداء حقا قال تعالى حكاية عن نبى الله موسى عليه السلام وهو يطلب من الله تعالى شرح صدره لما فى ذلك من تأثير على سلامة شخصيته فى مواجهة فرعون ذلك الطاغى المتجبر " رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل العقدة من لسانى يفقهوا قولى " سورة طه ( 17)

وقال تعالى ممتنا على نبيه محمد صل الله عليه وسلم قال تعالى ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك " سورة الشرح قال تعالى " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء " سورة الأنعام وقال تعالى " أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " سورة الزمر
5_ والسعادة ليست فى المال ولا فى الحسب والنسب فالعلم أرفع النسب والدين أرفع الحسب قال تعالى " فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسألون " سورة المؤمنون ( 18)

وقال تعالى " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " سورة المجادلة
6_ والسعادة تكون فى الإحسان إلى الناس , والتضحية وبذل الندى وكف الأذى وإنكار الذات والبعد عن الأنانية وهذا أمر معلوم فإن من يحسن إلى غيره يكون من أسعد الناس ويوضع لك القبول فى الأرض ويحبك أهل السماء
قال تعالى " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " سورة مريم
7_ السعادة هى أن تصل النفس إلى درجة كمالها وأن تجد ثمرة أعمالها ورضا الله يتمثل فى إقبال الدنيا عليه وهى راغمة فالسعادة أن ينظر العبد إلى من دونه فى أمور الدنيا وإلى من فوقه فى أمور الآخرة وفى الحديث عن النبى صل الله عليه وسلم :" انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله " رواه مسلم هذا فى أمور الدنيا , لأنك إن تذكرت من هو دونك علمت فضل الله عليك , ( 19)

وأما فى أمور الآخرة فانظر إلى من هو أعلى منك لتدرك تقصيرك وتفريطك , ولا تنظر من هلك كيف هلك ولكن انظر من إلى من نجا كيف نجا ,
8_ والسعادة تكون فى إتباع السنة ولزوم الطاعة وأكل الحلال والبعد عن الحرام والتمسك بالوسطية والبعد عن الغلو والتشدد , فإن الإقتصاد فى السنة خير من الإجتهاد فى البدع
9_ قصر الأمل وعدم التعلق بالدنيا والإستعداد ليوم الرحيل مع اليقين بأن السعادة الحقيقية فى الآخرة لا فى الدنيا قال تعالى " وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ " سورة هود وقال صل الله عليه وسلم " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر "
10_ والسعادة فى ادخال السرور على الفقير وإعطائه حقه ورحمة اليتيم والأرملة والمصاب بل والإحسان إلى الناس جميعا " (20 )

11- والسعادة تكون فى البعد عن العدوات وعمل الصالحات وترك الشهوات , ومصاحبة الأخيار وملازمة الرفقة الصالحة ولهذا يقول النبى صل عليه وسلم " مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك , ونافخ الكير " متفق عليه ومن المعلوم أن القرين والصاحب له أثر على سلوك صاحبه والطبع لص يسرق الخير والشر " ( 21)

12_ ومن السعادة أن تعلم أن أذى الناس خير لك ووبال عليهم , وقد بلغ أحد السلف أن رجلا اغتابه فبحث عن هدية جميلة ومناسبة ثم ذهب إلى الذى اغتابه وقدم إليه الهدية فسأله عن سبب الهدية فقال : إن الرسول صل الله عليه وسلم قال من صنع لكم معروفا فكافئوه " وإنك أهديت لى حسناتك , وليس عندى مكافأة لك من الدنيا سبحان الله , وعن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى _ أنه كان فى الحرم فجاء خرسانى يبكى فقال له : لماذا تبكى ؟ فقدت دنانير فعلمت أنها سرقت منى فبكيت , قال أتبكى من أجل الدنانير ؟ قال لا , لكنى بكيت لعلمى أنى أقف أنا والسارق فرحمت السارق فبكيت " وقال إبراهيم التيمى :" إن الرجل ليظلمنى فأرحمه " ( 22)

13 _الكلمة الطيبة ودفع السيئة بالحسنة ومقابلة السفيه بالحلم وصلة القاطعين والعفو عن الظالمين واعطاء المانعين قال تعالى " ولاتستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " سورة فصلت وقال تعالى تعالى فى وصف عباد الله الصالحين " وإذا مروا باللغو مروا كراما " سورة الفرقان
14_ التجاء إلى الله والإعتماد عليه وحده وكثرة الدعاء ولقد كان من هدى رسول الله صل الله عليه وسلم كان يقول :" اللهم أصلح لى دينى , الذى هو عصمة أمرى وأصلح لى دنياى , التى فيها معاشى , وأصلح لى آخرتى , التى فيها معادى , واجعل الحياة زيادة لى فى كل خير واجعل الموت راحة لى من كل شر " رواه مسلم
( 23)

وكان يقول صل الله عليه وسلم " اللهم رحمتك أجرنى ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين , وأصلح لى شأنى كله لاإله إلا أنت " ويقول صل الله عليه وسلم " اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن , ومن الجبن والبخل , ومن غلبة الدين وقهر الرجال " وحتى تفوز بالسعادة والحياة الطيبة الهانئة بعيدا عن الأكدار والمنغصات وذلك بتحقيق الإيمان والعمل الصالح فى نفسك وأسرتك قال تعالى " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " سورة النحل صفحة (24)
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الطريق إلى السعادة :

الذى يتأمل فى عالم اليوم يجد عجبا , يرى الإنسان وقد طغت المادية على حياته
وسيطر على أحاسيسه الخوف من كل شئ , فهو إنسان مسكين لا لقلة المال ولكن لضعف إيمانه وقلة يقينه فتراه حائرا قلقا فى يقظته , وفى نومه أرق وليس له من أمل فى الشفاء أو خلاص أو رجاء إلا أن يعود , إلى الإيمان من جديد ذلك هو البلسم الشافى والدواء الناجح من كل داء عضال , وعندما يتغلغل الإيمان فى القلب فإنه
يشع نورا فى جنبات النفس , وذلك وحده هو الذى يسبب راحة الضمير وهدوء البال
واطمئنان القلب وسعادة النفس , وبهذا يعيش الإنسان هانئا راضيا يرى الحياة تنطق بالسعادة , وفى ذلك يقول القائل :
ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقى هو السعيد .