زعيم الأنصار والصحابى الجليل سعد بن عبادة رضى الله عنه :

الرضا برسول الله صل الله عليه وسلم ـ قسما وحظا :

زعيم الأنصار والصحابى الجليل سعد بن عبادة رضى الله عنه :

من رحمة الله تعالى بعباده , أنه يهئ لهم رجالا صالحين وأبطالا مجاهدين , اختارهم واجتباهم لبيان الحق , ووزع مواهبهم لتشمل نواحى الحياة , فجعل كل منهم فارسا فى كل موقف يتقوم فيه الإعوجاج , وتنشرح به الصدور وتصفو النفوس , ويتجدد فيها اليقين برب العالمين , ويكونوا قدوة تُحتذى , إنه الصحابى سعد بن عيادةرضى الله عنه ـ زعيم الخزرج الكبير الشريف وسيد من سادات الأنصار , وأحد نقباء العقبة وحامل لواء الأنصار , وقد كان سعد بن عبادة يكتب فى الجاهلية بالعربية , ويحسن الرمى والعوم وقد كانت العرب تسمى من اجتمعت فيه هذه الخصال بالكامل ,

نسبه :

هو : سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن النعمان بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن غسان بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان .

البيعة :

بعد أن تمت بيعة العقبة سراً ، وأصبح الأنصار يتهيئون للسفر ، علمت قريش بما كان من مبايعة الأنصار واتفاقهم مع الرسول محمد صل الله عليه وسلم ـ على الهجرة إلى يثرب حيث يقفون معه ومن ورائه. جنّ جنون قريش فراحت تطارد الركب المسافر حتى أدركت من رجاله سعد بن عبادة فأخذه المشركون ، وربطوا يديه إلى عنقه بشراك رحله وعادوا به إلى مكة ، حيث احتشدوا حوله يضربونه وينزلون به ما شاءوا من العذاب.
بعد أن هاجر الرسول صل الله عليه وسلم ـ  إلى يثرب ، سخّر سعد بن عبادة رضى الله عنه ـ  أمواله لخدمة المهاجرين.

ولقد كان سعد بن عبادة جوادا بالفطرة وبالوراثة فهو ابن عبادة بن دليم بن حارثة الذي كانت شهرة جوده في الجاهلية أوسع من كل شهرة , ولقد صار جود سعد بن عبادة رضى الله عنه ـ  في الإسلام آية من آيات إيمانه ، فقد قال الرواة عن جوده هذا كانت جفنة سعد تدور مع النبي صل الله عليه وسلم ـ  في بيوته جميعا وقالوا:  كان الرجل من الأنصار ينطلق إلى داره ، بالواحد من المهاجرين ، أو بالاثنين ، أو بالثلاثة وكان سعد بن عبادة ينطلق بالثمانين من أجل هذا ، كان سعد يسأل ربه دائما المزيد من خيره ورزقه وكان يقول: "اللهم إنه لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه"  ومن أجل هذا كان خليقا بدعاء الرسول محمد صل الله عليه وسلم ـ  له:" اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة ". ولم يضع سعد ثروته وحدها في خدمة الإسلام ، بل وضع قوته ومهارته , فقد كان يجيد الرمي ، وفي غزواته مع الرسول كانت فدائيته حازمة وحاسمة . يقول ابن عباس رضى الله عنه ـ    : "كان لرسول الله صل الله عليه وسلم ـ  في المواطن كلها رايتان ، مع علي بن أبي طالب   رضى الله عنه ـ راية المهاجرين ، ومع سعد بن عبادة رضى الله عنه  راية الأنصار"

عن صراحته وصدقه :

إن من صراحته الواضحة التى تُنبئ عن حقيقة الحال بصدق وواقعية , يدلنا على ذلك موقفه بين يدى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وذلك بعد غزوة حنين
فحين انتهى المسلمون من تلك الغزوة ظافرين , راح رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يوزع الغنائم على المسلمين , واهتم يومئذ اهتماما خاصا بالمؤلفة قلوبهم , وهم أولئك الأشراف من أهل مكة , وهوزان الذين دخلوا فى الإسلام من قريب , ورأى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أن يساعدهم على أنفسهم بهذا التآلف كما أعطى ذوى الحاجة من المقاتلين , وأما الذين تمكن الإسلام من قلوبهم , فقد وكلهم الرسول صل الله عليه وسلم ـ إلى إسلامهم ولم يعطهم من غنائم هذه الغزوة شيئا رغم كثرتها .
فى حين أن أيا من المسلمين ينتظر من الرسول صل الله عليه وسلم ـ العطاء لمجرد أنه عطاء من يده الشريفة , ولذا فالجميع يحرص عليه بصرف النظر عن الحاجة إلى المال مهما كانت قيمته .

وتسأل الأنصار فى مرارة , لماذا لم يعطهم رسول الله صل الله عليه وسلم ـ شيئا من غنائم الغزوة , وقال شاعرهم حسان ين ثابت رضى الله عنه ـ
وآت الرسول فقل يا خير مؤتمن
للمؤمنين إذا ما عُدد البشر
علام تدعى سليم وهى نازحة
قدام قوم هموا آووا وقد نصروا
سماهم الله أنصارا بنصرهم
دين الهدى وعون الحرب تستعر
وسارعوا فى سبيل الله واعترفوا
للنائبات وما خافوا وما ضجروا .
وسمع زعيم الأنصار سعد بن عبادة القوم وهم يتهامسون بهذا الأمر , فكانت صراحته المعروفة , وذهب من فوره إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وقال يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ إن هذا الحى من الأنصار قد وجدوا عليك فى أنفسهم , لما صنعت فى هذا الفئ الذى أصبت , قسمت فى قومك وأعطيت عطايا عظاما فى قبائل العرب , ولم يك شئ منها فى هذا الحى من الأنصار "

وبذلك أعطى سعد بن عبادة صورة واضحة أمينة عما يجده فى نفسه وفى أنفس قومه , وسأله الرسول صل الله عليه وسلم ـ :" وأين أنت من ذلك يا سعد ؟ فأجاب بنفس الصراحة قائلا :" وما انا إلا رجل من قومى " فقال له النبى صل الله عليه وسلم ـ فاجمع لى قومك "
فلما اجتمعوا وجاءهم الرسول صل الله عليه وسلم ـ فنظر فى وجوههم نظرة تصحبها إبتسامة متألقة تعبر عن العرفان بجميلهم , وتقدر صنيعهم وقال لهم :" يا معشر الأنصار ما قالة بلغتنى عنكم وجدتموها على فى ف أنفسكم ؟ ألم آتيكم ضلالا فهداكم الله ؟ وعالة فأغناكم الله ؟ وأعداء فألف بين قلوبكم ؟ .
قالوا : بلى الله ورسوله أمَنُ وأفضل , قال : ألا تجيبوننى يا معشر الأنصار ؟
قالوا : بم نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المنُ والفضل .

قال : أما والله لو شئتم لقلتكم فلصدقتكم وصُدقتكم , اتيتنا مكذبا فصدقناك , ومخذولا فنصرناك , وعائلا فأسيناك وطريدا فأويناك .
أوجدتم يا معشر الأنصار ـ فى أنفسكم فى لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا , ووكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار , أن يذهب الناس بالشاة والبعير , وترجعوا أنتم برسول الله "صل الله عليه وسلم " إلى رحالكم ؟ فولذى نفسى بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار , ولو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار , اللهم ارحم الأنصار , وأبناء الأنصار , وأبناء أبناء الأنصار , وهنا بكى الأنصار حتى أخضلوا لحاهم , وصاحوا جميعا ومعهم سعد بن عبادة رضى الله عنه ـ رضينا برسول الله " صل الله عليه وسلم " قسما وحظا "

ترشيحه للخلافة :

عقب وفاة النبي محمد صل الله عليه وسلم ـ ، اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة لإختيار خليفة للنبي عليه الصلاة والسلام ـ وكان سعد بن عبادة رضى الله عنه بينهم وبه وعكة ألمت به. وفقا لرواية ذكرها البخاري في صحيحة نقلا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ـ ، فإن خطيب الأنصار خطب قائلاً:" أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر" ويقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه ـ ولما سكت أراد هو أن يتكلم ولكن أبو بكر الصديق رضى الله عنه ـ أسكته وتحدث هو وقال مخاطبا : "ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين " عمر بن الخطاب وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضى الله عنهما فبايعوا أيهما شئتم ." ولكن ذلك لم يكن كافيا لبعض الأنصار ، فرد عليه أحد الأنصار ويقال انه حباب بن المنذر فقال "أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش"

وتذكر هذه الرواية ايضاً نقلاً عن ابن الخطاب رضى الله عنه ـ أنه بعد ذلك كثر اللغط وارتفعت الأصوات فقال عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ـ ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يدة فبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار ويقول ابن الخطاب رضى الله عنه ـ ثم نزونا على سعد بن عبادة رضى الله عنه " أى وقعوا عليه ووطئوه " فقال قائل منهم اي من معشر الانصار قتلتم سعد بن عبادة . وفسرت هذه العبارة بمعنى "خذلتموه"، فرد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال : " قتل الله سعد بن عبادة وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر رضى الله عنه ـ خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا" .

وقد أورد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ـ  رواية ضعيفة حول مبايعته كالتالي:   " توفي رسول الله صل الله عليه وسلم ـ  وأبو بكر رضى الله عنه ـ  في طائفة من المدينة قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال: "فداك أبي وأمي، ما أطيبك حياً وميتاً مات محمد ورب الكعبة" – وفيه – فانطلق أبو  بكر وعمر رضى الله عنهما ـ يتقاودان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر رضى الله عنه ـ  فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صل الله عليه وسلم ـ  من شأنهم إلا ذكره وقال: " لقد علمتم أن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ   قال: "لو سلك الناس وادياً ، وسلكت الأنصار وادياً ، سلكت وادي الأنصار ، ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ   قال وأنت قاعد: "قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم '، فقال له سعد بن عبادة رضى الله عنه : "صدقت نحن الوزراء وأنت الأمراء .

وتوفى سعد بن عبادة رضى الله عنه ـ فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ـ ليلقى النبى محمد صل الله عليه وسلم ـ وصحبه فى الجنات والنازل العاليات التى أعدها الله لعباده المتقين , فرضوانك اللهم عن سعد بن معاذ وعن سائر الأنصار , واجمعنا اللهم فى معيتهم يوم نلقاك وأنت راض عنا يا ذا الجلال والإكرام . . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامى ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم