الصحابى الجليل عبد الله ابن عمر ابن الخطاب رضى الله عنهما :

اتصف بالإيجابية رغم الحياد :

من هؤلاء الذين ضربوا لنا المثل فى إيمانهم بالله الحق , وقد اتصف بعطائه الدائم الذى لاينضب معينه فى معاملته لغيره , وذلك من فضل الله على الناس أن يجعل لهم نماذج فى الخير لينتشر بين أهله ويعم ضياءه العالمين , ليشمل حياة الناس فى كل عصر وفى كل مصر ولقد تميزت شخصية هذا الصحابى والنموذج الفذ , بالحياد الإيجابى " الذى لايمالئ باطلا ولايتقاعس عن الجهر بكلمة الحق ونصره للمبادئ والقيم , إنه عبد الله بن عمر بن الخطاب ووالده هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين والخليفة العادل الزاهد .

ميلاده ونشأته :

ولد عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ـ فى السنة الثالثة من البعثة النبوية بمكة المكرمة وقد أسلم منذ صباه ولم يبلغ لم يبلغ الحلم بعد وهاجر مثل أبيه الفاروق عمر إلى المدينة المنورة .
وهو ابن عشر سنين , ومنذ ذلك اليوم بل وقبل هذا حين صحب آباه فى رحلة الهجرة وقد بدأت صلته بالرسول صل الله عليه وسلم ـ وظهر من خلال ذلك تمسكه بالإسلام ومنذ أن عاش سبعة وثمانين عاما فى هذه الحياة لم ينحرف قيد أنملة عن العمل بالإسلام والسير على نهجه , فلقد كان رضى الله عنه مصاحبا للرسول صل اله عليه وسلم ـ

عن التزامه وتمسكه :

وقد تلقى مبادئ الإسلام وتعاليمه مباشرة عنه , كما يتحدث هو عن نفسه وعن هذه النعمة فقال :" لقد بايعت رسول الله صل الله عليه وسلم ـ فما نكثت , وما بدلت إلى يومى هذا , وما بايعت صاحب فتنة , ولا أيقظت مؤمنا من مرقده , ومع شدة هذا التحرى لسنة رسول الله صل الله عليه وسلم ـ إلا أن ابن عمر رضى الله عنه كان يتهيب رواية الحديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ فلا يذكر حديثا عنه إلا إذا كان ذاكرا حروفه حرفا حرف , كما كان شديد الحذر فى الفتيا حيث جاء إليه رجل يوما يستفتيه فى فى أمر , فلما ألقى عليه سؤاله أجابه قائلا , لا علم لى بما تسأل "
ويذهب الرجل إلى سبيله , وما أن ابتعد عن ابن عمر خطوات حتى يفرك ابن عمر كفيه فرحا وهو يقول فى نفسه , سئل ابن عمر عما لايعلم فأجاب لا أعلم , ولم يكن هذا إلا لشدة ورعه وتقواه .

اشتراكه فى الغزوات :

بدأت مشاركته الفعلية في الغزوات حين بلغ الخامسة عشرة فاشترك في غزوة الخندق ثم شهد الغزوات مع الرسول صل الله عليه وسلم  , ثم شارك في موقعة اليرموك وفتح مصر وإفريقية .


عبد الله ابن عمر يروى الأحاديث :

وهو من رواة الأحاديث عن النبي صل الله عليه وسلم ـ , وكان يتبع آثار النبي صل الله عليه وسلم ـ  في كل مكان صلى فيه حتى إن النبي صل الله عليه وسلم  ـ  نزل تحت شجرة فكان ابن عمر ينزل عندها دوماً , وقالوا عنه:" إنه كان إذا سمع من رسول الله صل الله عليه وسلم  حديثاً لا يزيد عليه ولا ينقص منه " كان يدعوا في الصفا والمروة فيقول:" اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ويحب رسلك ويجب عبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين ".

قيامه الليل :

يروى في صحيح البخاري حديثاً معناه أنه رأى رؤيا قصها على النبي صل الله عليه وسلم وكان لا يزال غلاماً صغيراً وكان ينام في المسجد فرأى كأن ملكين أخذاه فذهبا به إلى النار فأخذ يصيح ويقول: " أعوذ بالله من النار" فلقيهما ملك آخر وقال له: " لا تخف" لما قصها على السيدة حفصة أم المؤمنين وشقيقته وقصتها على النبي صل الله عليه وسلم ـ فقال " صل الله عليه وسلم :" لوكان عبد الله يصلي من الليل", فأمسى ابن عمر لا ينام من الليل إلا إلا قليلا .

صلاته :

روي أنه كان شديد الخشية لله جل جلاله شديد المراقبة له في السر والعلن وكان يبكي خوفاً وخشوعاً لله تعالى .

خشيته لله :

وعن نافع قال: " كان عبد الله بن عمر إذا قرأ قوله تعالى "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" يبكي حتى يغلبه البكاء".

تواضعه :

وقد كان عبد الله بن عمر متواضعاً وورعاً قال له رجل ذات يوم: " يا خير الناس أو يا ابن خير الناس "فقال: " ما أنا بخير الناس ولا ابن خير الناس , ولكني عبد من عباد الله أرجو الله وأخافه والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه ".

كان يتمنى المغفرة :

كان مع أصحابه مصعب وعروة وعبد الله بن الزبير فقال كل واحد منهم ما يتمناه .
فقال عبد الله بن الزبير: "إنني أتمنى الخلافة"
وقال عروة: " أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم"
وقال مصعب: " أما أنا فأتمنى إمارة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين"أي يتزوج الاثنتين"
وقال ابن عمر: "أما أنا فأتمنى المغفرة "

قيل إنه أعتق ألف إنسان أو زاد, وعن صلاحه وعتقه روى نافع فقال: " كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز وجل" وقد كان رقيقه عرفوا عنه خوفه من ربه وحبه لمن يقيم شعائر ربه فكان من يريد منهم أن يعتقه ابن عمر لزم المسجد وأخذ يصلي فإذا رآه ابن عمر على هذه الحالة الحسنة أعتقه, فيقول له أصحابه: "يا ابن عمر والله إنهم يخدعونك" فيقول ابن عمر رضى الله عنه " فمن خدعنا بالله انخدعنا به "

حب الفقراء له :

وقد أحبه الفقراء لجوده وكرمه وحنانه وعطفه عليهم فكان يطعمهم ويعطيهم ويوسع عليهم من فضل الله عليه .

عن علمه وحكمته :

كتب رجل إليه ذات يوم يطلب إليه العلم كله فقال له: " إن العلم كثير ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس خميص"خالي" البطن من أموالهم كاف اللسان عن أعراضهم ملازماً لأمر جماعتهم فافعل " .

موقفه مع الراعى :

يروى أن ابن عمر خرج ومعه عبد الله بن دينار إلى مكة فوجدا راعياً صغيراً يرعى الغنم فأراد عبد الله بن عمر أن يختبر أمانته فقال له: بعني شاة من الغنم فقال الراعي: إنني عبد مملوك وهذه الشياه ليست لي ولا أملك حق بيعها أو التصرف فيها فقال له ابن عمر: قل لسيدك قد أكلها الذئب قال الراعي: أليس الله بشاهد كيف أخون الأمانة وأبيعها لك أين الله يا سيدي؟ فقال عبد الله بن عمر: فأين الله ؟ ثم بكى واشترى الغلام وأعتقه ثم اشترى له الغنم ووهبها له .

خلقه وورعه :

ورغم علمه أنه يحيا وفق مبادئ وتعاليم دين عظيم , يجعل للمخطئ غير العامد أجرا وللمصيب أجرين , إلا أن ورعه كان يسلبه الجسارة على الفتيا , كما نأى بنفسه عن تولى منصب القضاء رغم ما كان هذا المنصب , يتيح لشاغله الثراء والجاه , فقد دعاه الخليفة الراشد عثمان ابن عفان رضى اله عنه ـ وطلب إليه أن يشغل مصب القضاء فاعتذر فقال له سيدنا عثمان رضى الله عنه ـ أتعصينى ؟ فأجاب قائلا كلا :
ولكن بلغنى أن القضاء ثلاثا , قاض يقضى بجهل , وقاض يقضى بهوى . فهما فى النار وقاض يجتهد , فيخطئ ويصيب فهو كفاف , لا وزر ولا أجر وإنى لسائلك بالله أن تعفينى فأعفاه الخليفة وذلك بعد أن أخذ عليه عهد , ألا يخبر بذلك أحداً حيث أنه يعلم ما لابن عمر من مكانة فى نفوس المسلمين .

تخلفه وعدم رضاه عن تولى القضاء :

لقد كان للخليفة بعد نظر فى عدم اخبار ابن عمر موقفه من عدم تولى القضاء , لأنه لو علم الأتقياء صنيعه وعزوفه عن القضاء اتبعوه واقتدوا به , وعند ذلك لايوجد من يشغل هذا المنصب المهم والخطير , وإن كان هذا الموقف قد يبدوا من سماته السلبية
إلا أن ابن عمر لم يكن كذلك إذ هو يعلم أن هناك الكثيرين من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم ـ من يصلح لهذا الأمر .

موقفه عند الفتنة :

حيث يتضح لنا من خلال مواقفه الحيادية والتى تتسم بالإيجابية , حين ظهرت أول بذور الفتنة والخلاف فى الدولة الإسلامية الإولى , والذى أودى بحياة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضى الله عنه ـ وقد عرضت على ابن عمر رضى الله عنهما الخلافة أنذاك فرفضها , كما عرضت عليه فيما بعد حين تركها معاوية ابن يزيد زاهدا فيها إذ ذهب إليه " مروان " وقال له هلم يدك نبايعك , فأنت سيد العرب وابن سيدها فقال : كيف تصنع بأهل الشرق ؟ قال مروان نضربهم تى يبايعوا , فقال : والله ما أحب أنها تكون لى سبعين عاما , ويقتل بسببى رجل واحد , وهذا الرفض كان من منطق القوة , وهو الذى جعل ابن عمر يتخذ من هذه الفتنة المسلحة بين أنصار كل من على ومعاوية رضى الله عنهما ـ موقف العزلة والحياد .

وفاته :

وبذلك سلمت حياة عبدالله ابن عمر رضى الله عنهما ـ جاعلا شعاره ونهجه " من قال حى على الصلاة أجبته " ومن قال حى على الفلاح أجبته " ومن قال حى على قتل مسلم وأخذ ماله قلت لا , ومع ما كان منه فى عزلته وحياده , لم يمالئ باطلا , ولم يقر ظالما أيا كان جبروته وقوته , وظل على عهده وتمسكه بمنهج الإسلام وورعه وتقواه وقد كف بصر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- آخر عمره، حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى رضى الله عنه ـ فى العام الثالث والسبعين للهجرة , وقد كان آخر الصحابة رحيلا عن الدنيا فى مكة والمدينة رضى الله عنهم أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بحسان إلى يوم الدين , اللهم واجمعنا بهم وصالحى المؤمنين فى مقعد صدق عند مليك مقتدر .ـ موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم