دروس وعبر من خطبة الوداع

دروس وعبر من خطبة الوداع

" مقدمة "

لقد إستطاع محمد صل الله عليه وسلم _ من خلال دعوته وتحمل تكاليف ما أنزل الله عليه أن يوضح للناس المنهج الإسلامى السديد , بما أمره ربه من توضيح وما أفاء عليه من بيان فقد حرر الإيمان من الخرافة , ونقى الحق من الشوائب وربط الفطرة السليمة بالوحى الأعلى وصالح بين العقل والدين , وجعل الدنيا طريقا صالحا ومعبرا يصل بالإنسان إلى طاعة الله والدار الآخرة .
وحين نتابع الكلمات التى قيلت , والخطبة التى ألقيت فى حجة الوداع , فإنها لا تستغرق بضع دقائق , ولكنها أهم من خطاب يستغرق بضع ساعات , ولا عجب
فصاحبها عليه الصلاة وأتم التسلم _ من أوتى جوامع الكلم وإختصرت له المعنى إختصارا والأنبياء والمرسلين ليسوا تجار كلام , وعارضى أساليب وإن اللغة لتجرى على ألسنتهم قوالب للحق ومشاعل للهدى , وأوعية للمعانى وشفاء لما فى الصدور
وذلك حسبهم من الثناء ومعرفة الفضل والجميل لصاحب الفضل وواهب النعم سبحانه وتعالى .

وتسمى هذه الحجة بمسميات منها :

1_ حجة الوداع : لأن الرسول صل الله عليه وسلم _ رأى فيه الكعبة المشرفة ( البيت الحرام ) للمرة الآخيرة .
2_ حجة البلاغ : لأنه صل الله عليه وسلم _ أبلغ فيها الناس كل ما أمره الله تعالى بتبليغه .
3_ حجة الإسلام وحجة التمام والكمال , لأن الله تعالى أكمل للناس فيها دينهم وأتم عليهم نعمته بذلك ختمت الرسلة , وأنزل الله عليه آية كريمة " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " سورة المائدة الآية 3 _
وقد جاء يهودى إلى عمر رضى الله عنه وقال : يا عمر رضى الله عنه : نزلت عليكم
معاشر المسلمين آية فى القرآن لو نزلت علينا معاشر اليهود لاتخذنا يومها عيدا
فقال عمر رضى الله عنه : والله إنى لأعلم هذه الآية ومتى نزلت وفى أى مكان يوم نزلت الآية : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا "
صورة المائدة الآية 3_

ونزلت يوم جمعة , وفى يوم عرفة , وعلى جبل عرفة , وفى حجة الوداع على قلب نبينا محمد صل الله عليه وسلم _ ويوم عرفة هو اليوم الذى أكمل الله تعالى فيه الدين وأتم النعمة على المسلمين , ولذلك لما نزلت هذه الآية فرح بها المسلمون فرحا شديدا
وبكى أبو بكر رضى الله عنه وقال ما بعد الكمال إلا النقصان , وعد نزول هذه الآية نعيا باقتراب آجله صل الله عليه وسلم _ ومستشعرا قرب وفاته صل الله عليه وسلم _
وليس فى خطبة الوداع أحكام جديدة بل هى بيان , لما سبق شرحه , وتلخيص لما انتهت إليه أحكام الإسلام , والحكمة منها تذكير الناس بقواعد الإسلام العامة وتحذير للناس بما يريد الشيطان زحوحتهم عنه أو تنسيتهم إياه .

فكان مما دعا إليه صل الله عليه وسلم :

أولا : حقوق الإنسان : وتعظيم حرمات المسلمين خاصة والناس عامة وذلك قوله صل الله عليه وسلم :" إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم , حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا , فى بلدكم هذا وإن أول دم أضعه دمائنا , دم عامر بن ربيعة بن الحارث وكان مسترضعا , فى بنى سعد فقتله هذيل .
فبين لنا رسول الله صل الله عليه وسلم _ أن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه , " ولهذا كان عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما : يقف بجوار الكعبة وينظر إليها ويقول " إن الله تعالى حرمك وعظمك وشرفك والمؤمن اعظم عند الله تعالى حرمة منك ماله ودمه وعرضه " وليس معنى هذا الكلام ان الإسلام يبيح دماء وأموال وأعراض غير المسلمين , بل إن الإسلام يدعوا لصيانتها والحفاظ عليها إلا بحقها كما هو مقرر فى الشريعة الإسلامية .

وذلك لتعلم أخا الإسلام أن صيانة الدماء من أخطر القضايا , التى حرص عليها الإسلام وشدد بالنكير والوعيد الشديد , لمن وقع فى هذه الجريمة الشنعاء
وعندما كتب الله تعالى القصاص فى القتل العمد , وفى الجرحات , وفى شبه العمد الدية وما قتل بالعصا أو الحجر ( عدد مائة من الإبل ) وعندما يعلم أى إنسان أنه سيلقى نفس المصيره حتما الذى أوقعه بغيره , من قتل أو جرحة فإنه سيتردد طويلا
فى قتل هذا أو جرح ذاك وقد قيل " القتل أنفى للقتل " وقال تعالى :" ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون " فقضى الإسلام بذلك على ما يسمى بالثأر , ووالإنسان إذا غلبه الطيش فاعتدى فإن منظره مقتولا , أو معاقبا
سيوقع الرهبة فى قلوب الآخرين , وهذا بخلاف ما اتبعنا الأحكام الوضعية , التى تحكم عليه بالسجن فقط مما جعل الكثير , من الناس لايبالى إن قتل هذا أو جرح ذاك
والنظام الإسلامى قد حسم هذه الفوضى , بشرائعه العادلة وإننا إذا أصبنا بحمى التقليد فشاعت بيننا الجرائم , وإنشغل المظلومون بطلب الثأر , لمن ينتمى إليهم وينتمون إليه .

ثانيا : وإن ربا الجاهلية موضوع وأن أول رربا أبدأ به , ربا عمى العباس بن عبد المطلب , إنه لا كرامة لباطل كما قال صل الله عليه وسلم _ فى هذه الخطبة مما يدل على تحقير أفعال الجاهلية وابطال أعمالها , وكل أمورها فأمور الجاهلية فى الحديث والقديم يجب أن توضع تحت الأقدام لا أن , ترفع فوق الررؤس ونبحث عنها فى كل مكان وبذلك أبطل الإسلام ربا الجاهلية , وقد كان الربا فى الجاهلية رذيلة ساذجة أساسها إمهال المعسر , بثمن يسيرا أو فاحش ثم أصبح الربا اليوم فى المؤسسات العالمية رذيلة معقدة ومدروسة تسقط فيها شعوب , ويرتفع بها جماعات يقول تعالى :" يمحق الله الربا ويربى الصدقات " سورة البقرة الآية 276_ وقال تعالى :"
:" يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا
فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون "
سورة البقرة الآية 279 _

_ إن العالم المادى الذى يقود ويبغى أن يقود وان يسود لايعرف إلا اليوم الحاضر والربح العاجل , أما قوله تعالى :" وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون " سورة البقرة الآية 280_
هذا كلام عاطفى عندهم لايسمن ولا يغنى من جوع , وقد قسم العلماء الربا إلى أربعة أقسام : القسم الأول : ربا النسيئة وهو من أعظم أنواع الربا ضررا أشدها حرمة ومن صورة , أن يكون لرجل على آخر دينٌ مؤجل , فإذا جاء الأجل ولم يكن للمدين مال يفى به دينه , طلب من صاحب الدين أن ينسئ فى الآجل , ويزيده فى المال وكان يتكرر فى ذلك حتى يكون أضعافا , مضاعفة فيربوا المال لصاحبه ويضاعف على الفقير أضعافا من غير نفع , يحصل له فتعظم مصيبته ويعلوه الدين , حتى يستغرق جميع موجوداته وقد قال الله تعالى :" وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وان تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون " سورة البقرة 280 _

القسم الثانى : ربا الفضل ومعناه " البيع مع زيادة إحدى العوضين المتجانسين على الآخر كبيع كيلة من الحنطة بأقل أو أكثر من كيلةٍ , وقد قال صل الله عليه وسلم لمن رأه يبيع صاعين من تمر ردئ بصاع من تمر جيد بيع الردئ أولا ثم إشترى الجيد حتى لا يقع فى ربا الفضل المنهى عنه , ومن هنا لايجوز مثلا بيع الأثمان بجنسها مع القلة أو الزيادة فى الوزن إلا أن تكون متساوية فإذا إختلفت الأثمان كأن يبيع ذهبا بفضة أو تمرا بشعير وغير مع إختلاف الشئ فإنه جاز ذلك سواء قل الوزن أو زاد مادامت صور البيع تقوم على ذلك فلابد من ضبطها  لقول النبى صل الله عليه وسلم :"  الذهب بالذهب , والفضة بالفضة , والبر بالبر , والشعير بالشعير , والتمر بالتمر , والملح بالملح مِثلا بِمثلٍ يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربا ( يعنى وقع فى صور الربا المحرم ) الآخذ والمعطى فيه سواء " والحديث يبين لنا شيئا من فقه المعاملات التى يمكن أن تكون قائمة فإنه من الواجب الإلتزام بها وعدم الخروج عما بينه لنا الرسول صل الله عليه وسلم :" أما الآن وقد إختلفت صور البيع والشراء شكلا ومعنى فأصبح التعامل بالنقود الورقية وعرفت مقادير الأشياء وقيمتها وثمنها ولهذا جاز البيع بالتقسيط سواء كان ذهبا أو غيره مأكولا أو ملبوسا , بشرط تحديد السلعة , والثمن والأجل الذى يتفق عليه فى تسديد قيمة المبيع .
فهل البيع بالتقسيط جائز ؟

نقول : أن البيع بالتقسيط كما قال بذلك أهل العلم ومنهم شيخنا العلامة محمد أبو زهره أن البيع بالتقسيط حلال حتى لو كان سعر التأجيل فيه زيادة عن سعر القبض
لأن البائع أبيح له الزيادة مقابل السلعة , التى قد يزيد ثمنها حال التقسيط لها فإن ذهب ليشتريها نقصت قيمة المال فالعوض هنا فى الزيادة مقابل السلعة لا مقابل المال وقد اشترط أهل العلم ألا يكتب فى عقد البيع فائدة أو تذكر كأن يقول له بعتك حالا بكذا ومؤجلا بكذا فيدخل ذلك فى نهى النبى صل الله عليه وسلم عن بيع بيعتين فى بيعة فإذا خلا بيع التقسيط من هذا , فإنه لاتعتبر زيادة الثمن الآجل على الثمن العاجل ربا
ولقد وضع العلامة محمد بن على الشوكانى فى ذلك مسألة خاصة تسمى ( شفاء العليل فى حكم البيع بالتأجيل )

القسم الثالث : ربا اليد ويسمى ( ربا الصرف ) وهو أن يبيع الربوى بمثله , بغير حلول ( تحديد وقت ) ولا تقابض كما يفعله بعض الصيارفة فى هذا الزمان يشترى التاجر مقدار من الجنيهات بمقدار من الريالات , والذى يشترط لصحة هذا البيع وخروجه من كونه عقد ربا , هو الحلول أو التقابض الحقيقى فى المجلس فيجوز صرف الريال أو غيره من العملات بالجنيه مع عدم التساوى بشرط الحلول وعدم التأجيل لقوله صل الله عليه وسلم فى حديث عبادة رضى الله عنه _ فإذا إختلفت الأشياء فبيعوا حيث شئتم إذا كان يدا بيدا "

رابعا : ربا القرض : وهو كل معاملة فى البيع والشراء , والمسالفة تجرو نفعا للمقرض مع شرط الآخذ والمعطى , وكذلك الشراء والمسالفة تجرُ نفعا للمقرض مع شرط الآخذ والمعطى فيما ذكر فالكل حرام بإتفاق أهل العلم وصورتهما أن يبيع هذه السلعة بمائة ريال إلى آجل , ثم يشترى البائع نفسه السلعة المذكورة قبل أن يقبض الثمن المذكور بخمسين أو ثمانين ريالا , مثلا نقدا وهذا كله غير جائز لأن هذا هو عين الربا المحرم بالكتاب والسنة والإجماع يقول صل الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد رضى الله عنه " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد فى سبيل الله أنزل الله تعالى عليهم أو بهم بلاء لايرفعه حتى يُراجعوا دينهم "

ثم تحدث رسول الله صل الله عليه وسلم حديثا مستفيضا عن المرأة وما يكون من حقوقهن وهو حديث جدير بالإحترام والتقدير , لسيدة البيت ومربية الأجيال سواء كانت أما أو زوجتا أو أختا أو عمة أوخالة  فقال :" أيها الناس إن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا , لكم عليهن ألا يوطئن فراشكم  أحد تكرهونه وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تهجروهن فى المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف , واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان فاتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله , فاتقوا الله فى النساء .

إن الذى ينظر فى أحوال الناس عامة , والمسلمين خاصة , يجدهم من أبعد الناس فهما ومعاملة للمرأة التى كرمها الإسلام , ورفع من شأنها وحافظ على طهرها وشرفها وأحاطها الإسلام بسياج من العفة , ما يجعلها تتبوء المكانة اللائقة بها
لكن ثقافة المسلمين لم تترتفع لهذا المستوى , الإيمانى وما وضعه الله تعالى من شرائع وسن من أحكام , إنهم يحكمون المرأة ويعيشون , معها من خلال تقاليد بالية وبدع مستوردة فإ ذا كان من يذكرهم بما , هو خير وأسعد لهم قالوا هذا كلام لاينفع
فى تعاملنا مع المرأة فضلوا وأضلوا , حتى وصل بنا الحال إلى مانحن فيه فنصف المجتمع فى المجتمعات العربية قد آل للسقوط , حتى ضاعت الشخصية الإسلامية للمرأة الحقيقى وقد أصبح المسلمون شئ , والإسلام الحقيقى شئ آخر

والتعاليم الإسلامية الصحيحة تبين لنا أن النساء شقائق الرجال , وأنهم سواء فى تكاليف العقائد والعبادات والأخلاق , وهم كذلك سواء فى قضية إستحقاق الثواب والعقاب , بما يقومون من جهد فى سبيل الله , إن هناك من لا يزال يزعم أن الذكر هو المقدم فى كل شئ , وأن الأنوثة لاتساوى شئ ,حتى فتح الباب للمتحللين بأن يقولوا إن المرأة هى كل شئ وأباحوا لها كل شئ , وهذا كله من هؤلاء وأولئك لون من الكذب والبهتان والتقول على الله تعالى بغير علم , فالمرأة فى الشريعة الإسلامية كالرجل سواء بسواء فى التعليم الدينى أو المدنى , فى الإصلاح والتوجيه والإرشاد ودعوة الخير للناس , من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهذه هى صفة الأمة وطابعها التى يجب أن تتميز به رجالا كانوا أو نساء قال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " سورة آل عمران الآية 104_

ولا ننسى أن نذكر المرأة إذا خرجت للعمل لحاجتها إلى العمل , أو لحاجة العمل إليها أن لك وظيفة خطيرة وهى أهم الوظائف , التى لايجوز التفريط فيها ألا وهى تربية أولادها التربية الإسلامية الصحيحة , فهى من أعظم الأمانات المضيعة فى هذا الزمان ومما يجب على المجتمع الإسلامى الراشد , هو أن يعطى للمرأة الفرصة فى التوفيق بين بيتها وعملها إذا إحتاجت إليه , حتى لا نضع المرأة فى قفص الإتهام بغباوة وعدم فهم ولا نرخى لها العنان , حتى تكون مصيدة للفجور والآثام , ولا نجور على غيرة الرجل على أهله , وتهمل حقوق الله وتضيع حدوده , وعلى المجتمع بدء ذى بدء المتمثل فى الحكمين الصالحين , إذا أخطأ الرجل فى حق زوجته وجهوا له النصح والإرشاد وأخذوا , على يده حماية لبيته وبقاء على أسرته وأولاده , وكذلك إذا أخطأت المرأة فى حق زوجها وبيتها وأولادها , فلا يتركها الدين وإنما يترك أمر تأديبها وتوجيهها إلى زوجها , لا ليكون جبارا متسلطا ولكن
ليمنع العوج والنشوز ومعناه ما وقعت فيه المرأة من إساءة وتعد لحدود الله , وذلك حتى يعود الإستقرار والسعادة المؤمنة فى جوانب وأركان الأسرة .

والنشوز كما يكون من المرأة يكون كذلك من الرجل وهو إساءة العشرة كلاهما للآخر يقول تعالى :" وإن إمرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا " سورة النساء الآية 128 _ ويقول فى حق نشوز الزوجة ومعناه الإساءة والترفع على الزوج والإنصراف عن حقه وعدم تقديره يقول تعالى " : واللاتى تخافون نشوزهن فعظهون , واهجرهن فى المضاجع واضربوهن
فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا " سورة النساء الآية 34 _
وقد بين لنا القرآن الكريم مراحل التعامل , مع المرأة التى تحاول أن تسئ لزوجها
فعليه أن يستعمل الكلمة الطيبة وهو يقدمها لها كالأب العطوف , والأخ الذى يحرص على سعادتها لامجرد كلام روتينى فإن لم تنتفع بالكلمة الطيبة , إنتقل إلى هجر فراشها وليس معناه ترك المكان الذى , يجتمعا فيه ولكنه يعطيها ظهره

فإن لم ترتدع بهجرها , فقد أجاز له الإسلام أن يضرب , ضربا غير مبرح لايكون فيه ضرر ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر إلا فى البيت والرجل لو اتبع هذه المراحل بإخلاص وحب لبيته وأولاده , فإن الله تعالى يغير له مايحب ولهذا قال : فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " يعنى إذا إستقامت الزوجة وأصلحت من حالها
وقامت بما يرضى الزوج فليحذر الرجل الزوج أن يظلمها كما يفعل ذلك كثير من الرجال
وليعلم أن الله تعالى العلى الكبير هو ولى المرأة , وهو المنتقم الجبار ممن يظلمهن ويبغى عليهن "
وليعلم المسلم الزوج والزوجة على السواء , أن عقد الزواج ليس عقد استرقاق
ولا عقد مجرد إجتماع لجسدين , ليس بينهما من معانى المودة والرحمة وما كتبه الله عليهما بل إنه أرفع وأزكى والإسلام يقول للرجل الزوج , إذا أخطأت الزوجة فلا ترتكب ضدها خطيئة "

ومما قال عليه الصلاة والسلام :" أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد فى أرضكم
هذه ولكنه قد رضى أن يطاع فيما سوى ذلك , مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم , فلا ترجعن بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض , فإنى تركت فيكم ما إن إعتصمتم به لم تضلوا بعدى أبدا , كتاب الله وسنتى ألا هل بلغت اللهم إشهد أيها الناس إن ربكم واحد وإن آباكم واحد , كلكم لآدم وآدم من تراب , إن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربى على عجمى , فضل إلا بالتقوى ألا هل بلغت اللهم إشهد فليبلغ الشاهد منكم الغائب ...

إن الرسول صل الله عليه وسلم :" لايخشى على أمته أن تعود إلى الكفر بعد أن آمنت بربها , فقد حطم الأصنام بيده وقضى على الشرك وإنما يخشى على أمته من إغواء الشيطان ووساوسه ودسائسه ومكره , فهو صل الله عليه وسلم يحذرنا من ان نستجيب للشيطان فى تزين الأعمال السيئة فنقع فى الشرور والمعاصى , وهذا هو عمل الشيطان مع الإنسان لايعدو أكثر من ذلك , ولايجوز أن نزيد على ذلك من غير بينة أو برهان من الله قال تعالى :" إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " سورة فاطر الآية 6 _

ولنا فى خليل الله سيدنا إبراهيم هو وولده إسماعيل عليهما السلام عندما انتصرا معا على الشيطان فانظر قول إبراهيم لإسماعيل على نبينا وعليهما أفضل السلام وأتم التسليم قال تعالى :" يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى , " تجد الإجابة من إسماعيل تلقائية لا تردد فيها فهو يعلم أن رؤيا الأنبياء , وحى من الله تعالى فإنه نبى من نبى فقال :" ياآبت إفعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين " إنها نبوة يفهم بعضها بعضا ليس للشيطان عليها سبيل "
ومن هنا كان إحتفالنا بالعيد فى اهم مغزاه ومعانيه , إنما هو شكر لله تعالى وإحتفاء بحياة نبى الله إسماعيل عليه السلام ونجاح الوالد خليل الرحمن فى هذا الإمتحان العصيب "

ويبين لنا الرسول صل الله عليه وسلم _ مبدأ المساواة بين الناس سواء فى الحقوق العامة أو فى القيمة الإنسانية المشتركه , أو أمام القانون , فإن الرب واحد , والأب واحد , والأصل واحد , والأصل الواحد لاينقسم على نفسه أبدأ إلا إذا تنكب الفطرة السوية وخرج عن معالم الإنسانية , وإنه ليس بين الله تعالى وخلقه نسب إلا طاعته
فالناس شريفهم ووضيعهم فى ذات الله سواء , الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ماعنده بالطاعة قال تعالى :" يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " سورة الحجرات الآية 13 _

هذه هى الحقوق التى قررها الإسلام منذ أربعة , عشر قرنا ولم تكن مجرد شعارات
جوفاء وإنما كانت واقعا عمليا , عاش الإنسان فى ظلالها حرا كريما يتمتع بكل حقوقه المادية والآدبية .
وتتلخص هذه المبادئ التى تضمنتها خطبة الوداع فيما يلى :
أولا _ المحافظة على أموال الناس ودمائهم وأعراضهم
ثانيا _ أداء الأمانة لمن إئتمننا عليها , فإنه لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له .
ثالثا _ البعد عن إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان عندما يلجأ إليه وقت الشدة
رابعا _ توثيق الصلة والعلاقة بين الزوجين وذلك بإعطاء كل منهما حق الآخر حتى تسود المبادئ الكريمة والأخلاق الفاضلة بين أفراد الأسرة كلها .
خامسا _ تقوية الروابط بين المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها وإزالة التفرقة بينهم بسبب اللون أو الجنس .
سادسا _ تحريم القتال فى مكة وفى الأشهر الحرم حرصا على وحدة المسلمين ونزع8ا للأحقاد من النفوس .
سابعا _ التنفير من تلك العادة الجاهلية البشعة التى كانت سائدة قبل الإسلام والتى تتمثل فى تلك الفوضى التى نسميها ( الأخذ بالثأر )
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

خطبة عيد الأضحى :

من دروس خطبة الوداع :

الحمد الله الذى له مافى السموات والأرض وله الحمد فى الآخرة وهو الحكيم الخبير
وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لاشريك , ذو الفضل العظيم وواهب الإحسان والنعم
وصاحب العطاء والكرم , لا إله إلا هو جعل الأعياد مواسم للبر والرضوان وأشهد أن محمداً رسول الله المبعوث رحمة للعالمين , اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الصادقين المخلصين وسلم تسليما كثيراً .

وبعد : عباد الله لقد أظلكم يوم عظيم من أيام الله المباركة , ألا وهو يوم الأضحية يوم النحر يوم العيد الأكبر
يوم يصبح الحجيج مغفورا لهم , يوم الحج الأكبر , الله أكبر , الله اكبر , الله أكبر , الله أكبر , الله أكبر , الله أكبر , الله أكبر ما حج المسلمون بيت الله الحرام , تلبية لنداء إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم قال تعالى :" وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " سورة الحج
يقولون : لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك لبيك .

الله وأكبر ما طافوا وسعوا وشربوا من ماء زمزم المطهرة .
الله أكبر ما هامت بهم مطايا الأشواق إلى جبل عرفات .
الله أكبر ما ابتهلوا فيه إلى الله وغفرت لهم جميع السيئات .
الله أكبر ما وقفوا بالمشعر الحرام شاكرين الله تعالى على ما هداهم إلى معالم الخير والرحمات .
الله أكبر ما وصلوا إلى منى ونحروا هدياهم وحلق كل منهم أو قصر
الله أكبر , الله أكبر , الله أكبر

لما نزل قول الله تبارك وتعالى :" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " سورة آل عمران
خرج رسول الله صل الله عليه وسلم _ فى السنة العاشرة من الهجرة للحج وخرج معه جمع كبير من المسلمين فكانوا , عن يمينه وعن شماله ومد بصره وقال صل الله عليه وسلم :" خذوا عنى مناسككم لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا " رواه مسلم
وفى حجة الوداع وعلى جبل عرفة , خطب النبى صل الله عليه وسلم خطبة طويلة وكان من تحذير النبى صل الله عليه وسلم _ لأمته فى هذه الخطبة الجامعة التى تدل على شمولية الإسلام وأنه منهج حياة , قال تعالى :" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " سورة المائدة