رجال حول الرسول " صل الله عليه وسلم "

شهيدٌ بعد غفلة وطول شرود :

ما أجمل أن يعود الإنسان إلى الحق , بعد الغفلة والإدبار عنه , وما أحسن الإهتداء إلى الصواب بعد الإصرار على الباطل والوقوع فى الجرائم , ورحمة الله تعالى قد وسعت كل شئ , وإن أبواب فضله سبحانه , مفتوحة على مصرعيها لكل تائب مخلص عائد , من تلوثه بالحمأة والرذيلة إلى نور الفضيلة , ومن الكفر والجحود إلى اليقين والإيمان , وكم من أناس شردوا عن الحق والصواب , وأسرفوا فى فعل الجرائم والمنكرات , ثم أدركتهم عناية الله وتغمدهم الله بواسع كرمه , فأقلعوا عن غيهم وثابوا إلى رشدهم , وانخلعوا من سيئات ماضيهم , وأقبلوا على رحاب مولاهم
فإذا هم من الطائعين الأمناء, والصالحين الأوفياء , بعد ان كانوا مطرودين ومن الأشقياء ,

ومن هؤلاء الذين عمر قلوبهم الإيمان , وأخلصوا التوبة لربهم واستسلموا لأمره وصاروا على الجادة والصواب , الصحابى الجليل أبو عثمان عكرمة بن أبى جهل , فقد تأخر عكرمة عن الإسلام وكان كافرا كأبيه فى أول الأمر , وكان شديد العداوة للإسلام والمسلمين وهو الذى قاد المسيرة , من فرسان المشركين يوم بدر وكان من الذين استطاعوا أن يتخطوا الخندق , بخيولهم يوم غزوة الأحزاب , كما أنه كان من أشد الناس إيذاً لرسول صل الله عليه وسلم ـ

ولما تحقق فتح مكة وانتصر الإسلام انتصارا مبينا , ودخل الناس فى دين الله أفواجا , كان عكرمة أحد الأربعة الذين أهدر النبى صل الله عليه وسلم ـ دمائهم وذلك لكثرة جرائمهم وفحش أفعالهم , وشدة عداوتهم فلما أن علم عكرمة بذلك , فر هاربا طلبا للنجاة , حتى ركب البحر إصراراً منه على الهرب , وإذا به يفاجأ هو من فى السفينة بعاصفة شديدة , تهزها ومن فيها فقال أصحابها للركاب , أخلصوا فإن ألهتكم لاتغنى عنكم شيئا هاهنا

, فإذا بعكرمة يُفيق من غفوته على هذه الكلمات , التى قد أثرت فى نفسه وقد تغيرت نظرته وإحساسه قد تبدل , فإذا به يقول وكأن نور الإيمان قد بدأ يضئ صدره , إن لم ينجينى من البحر إلا الإخلاص فلن ينجنى فى البر غيره , اللهم على عهد إن عافيتنى مما انا فيه أن أتى محمداً " صل الله عليه وسلم " حتى أضع يدى فى يده فلأجدنه عفوا كريما , وشاءت إرادة الله أن ينجوا عكرمة ويصدق فى وعده , ويتطهر من ذنبه ويقبل على ربه , ويسعى إلى الرسول صل الله عليه وسلم ـ ويعلن إسلامه وأسلم عكرمة وحسن إسلامه , وصار من صالحى المؤمنين ,

وقال للرسول صل الله عليه وسلم ـ يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ لا أدع مالا أنفقته عليك , فى محاربتك , إلا أنفقت مثله فى سبيل الله , وقد عمل بكل جهد على الوفاء بما وعد , فجاهد فى سبيل دينه وربه وكان صادقا فى جهاده , ولايبالى فى قتاله الأعداء وركوب الأسنة .
وحين قيل له إرفق بنفسك , فأجاب كنت أجاهد بنفسى عن اللات والعزى فأبذلها لهما , أفأستبقيها عن الله ورسوله ؟ لا والله أبداً , ولم يلبث أن استمر مجاهداً مناضلا حتى إرتفعت روحه الطاهرة إلى باريها وخالقها سبحانه وتعالى , وذلك بعدما خُضدد جسده بدماء العزة والكرامة , وافداً على ربه جلا جلاله إلى أكرم مأل فى مقعد صدق عند مليك مقتدر . قال تعالى :" لاتحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم , ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون " سورة آل عمران الأية 170 ـ موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أفضل الرجال :

ما أعظم الإنسان الذى ترخص نفسه وماله فى سبيل دينه ومولاه , ويهب حياته وما يملك لواهب القوى والقُدر وقيوم السموات والأرض , عند ذلك تستقيم النفس على منهج الله , ولا تلتف لما سواه رغبة ورهبة فيما عنده , كما قال تعالى " والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا " سورة مريم الأية 76 ـ
وحين يسيطر الإيمان على شغاف القلب , ويعمر الصدق واليقين حنايا النفس , ويهب الإنسان زمام أمره كله لمصدر إيمانه وسر سعادته , وهو الله تعالى القوى القاهر العزيز الغافر , فأنذاك يشعر من داخله بقوة يندفع بها نحو مواجهة الأخطار , والشدائد والأهوال غير آبه لما ينزل به , لأنه يثق فى أن ماكتب عليه سوف يصيبه ,
ولن يؤثر فى ذلك إقدامة أو إحجامه , لأنه استشعر فى يقينه واستقر فى وجدانه قول الله تعالى الذى لايخلف وعده ولا صدق يعلوا على صدقه يقول عز من قائل :" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون " سورة التوبة الأية 51 ـ

ومن النماذج الفريدة التى ينبغى أن تحتذى , لما سبق لنا بيانه فى حياة الشرفاء الأطهار من المصطفين الأخيار , وتأكيداً للقيم النبيلة , والمثل العليا , والفضائل السامية , التى لم تكن أبدا كلاما نظريا خاليا من التطبيق العملى , وذلك عندما يصدق الإنسان فى إيمانة وتصح له عقيدته , فإنها تدفع بصاحبها لأن يضحى بنفسه , عند مواجهة الصعاب والشدائد , ومن كان كذلك فإن عون الله تعالى يصحبه , ومدد نوره وخيره يعمه ويشمله , عند كل عمل وخطوة من أعماله وسائر أحواله , وقد يأتى هذا الكلام غريبا فى زماننا هذا , الذى سيطرت فيه الشهوات وطغت فيه الماديات وانشغل الناس عن ربهم لمآربهم وأهوائهم ,

, ومن هذه النماذج الخيرة الصحابى سلمة بن عمرو الأكوع رضى الله عنه ـ الذى أراد ابنه إياس أن يجمع فضائله فى عبارة واحدة فقال :" ما كذب أبى قط " وقد كان سلمة من أمهر رماة العرب المعدودين , وحين أسلم نفسه إلى الله معتنقا دين الإسلام , فقد أسلم لله تعالى صادقا منيبا فصار على نهج ربه , وتمسك بمعالمه دينه وعاش على نوره .
وقد اشترك " سلمة " فى سبع غزوات مع الرسول صل الله عليه وسلم ـ وفى تسع أخر , وكان من الرماة المهرة الذين لاتضل نبالهم ورماحهم , وكان متفردا فى أسلوبه القتالى لأعداء الله , فكان إذا هاجمه العدو تقهقر دونه , فإذا أدبر العدو أو وقف يستريح هاجمه " سلمة " فى غير هوادة ,

, وقد استطاع وحده بهذه الطريقة أن يُطارد القوة التى أغارت على مشارف المدينة المنورة , بقيادة " عيينه بن حصن الفزارى , فقد خرج فى آثارهم وحده ويظل يقاتلهم , ويُراوغهم ويبعدهم عن المدينة
حتى أدركه الرسول صل الله عليه وسلم ـ فى قوة من أصحابه , وفى هذا اليوم قال الرسول صل الله عليه وسلم ـ " خير رجالتنا ـ أى مشاتنا ـ سلمة بن الأكوع " وكان سلمة رضى الله عنه ـ لايبخل بجود مهما كان , وكان أكثر جوده وسخاءه الفائض عندما يُسال بوجه الله , فلو أن إنسانا ساله بوجه الله حياته ما تردد فى بذلها وكان يقول :" من لم يُعط بوجه الله فبم يُعطى "

" وعندما فتحت أبواب الفتنة فى زمن سيدنا عثمان رضى الله عنه ـ وبعد مقتله ـ نأى سلمة بنفسه عن الخلاف والإقتتال فى هذه الآونة العصيبة من تاريخ الإسلام , فما رضى لنفسه أن يتدخل فى قتال وهو الذى قضى حياته يقاتل بين إخوانه , فكيف له يتحول لأداة قتل ضد إخوانه ورأى أن من حقه ألا يقاتل مؤمنا أو يقتل مسلما ...
وظل سلمة رضى الله عنه على عهده هذا , إلى أن جاءه أجله فى العام الرابع والسبعين من الهجرة , ليلحق بالرفيق الأعلى إلى روح وريحان , فى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين , والشهداء والصالحين , والأبرار والصدقين وحسن أولئك رفيقا , فاللهم لاتحرمنا أجرهم , والحظوة برضونك فى صحبتهم إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير . ـ موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

صاحب البيع الرابح :

من يقرأ كتب التاريخ والسير , يشهد لعصر النبوة والرسالة , بأنه خير الأزمان إيمانا منه بحديث الرسول صل الله عليه وسلم الذى قال فيه :" خير القرون قرنى ثم الذين يليه " والزمن يعظم بالمحتوى الذى يملؤه , وهو يصنع الأحداث العظيمة , ذات التأثير الواضح فى تاريخ البشرية , ويشهد التاريخ ويصدق الزمن لرجال باعوا أنفسهم لله تعالى , لما اعتنقوه من الحق الذى أمنوا به وساروا على نهجه , ومن الأبطال الذين أضاءوا بسراج وتألقوا فى مدارج التضحية والفداء , الفارس الهمام ذو العقل الناضج والقلب التقى والنفس المشرقة , صاحب البيع الرابح " صهيب بن سنان بن مالك " والذى اشتهر ب" صهيب الرومى " وكنيته أبا يحى "

وقد عرف بهذا الإسم لأن والده " سنان بن مالك " كان حاكما على " الأبلة " ولقد وقع أسيراً لقوات الروم فى هجمة لهم , تعرضت لها القبائل العربية الواقعة على أطراف شبه الجزيرة العربية , وبعد أسر والد " صهيب " أخذ يتقلب بين أيدى تجار الرقيق إلى أن بيع ل " عبد الله بن جدعان " فى مكة المكرمة وذلك بعد أن قضى طفولته , وصدر شبابه فى بلاد الروم آنذاك , ويحظى " صهيب " بإعجاب " بن جدعان "
لإخلاصه ونشاطه الدؤوب فى القيام على أعماله , فينال بذلك حريته وتتهيأ له فرصة العمل والمشاركة فى التجارة , حتى تحقق له ربحا وفيراً ومالا كثيراً .

ولقد أخذ " صهيب " مكانه بين المؤمنين مبكراً منذ أوائل الدعوة الإسلامية , حتى قيل أنه أحد سبعة أظهروا إسلامهم , يوم أن كان لامسلمين على الأرض غيرهم .
ومنذ أن عمر قلبه بالإيمان , وهب نفسه وماله وما يملك لهذه العقيدة التى ملكت عليه كل جوانحه , ويتجلى ذلك فى يوم هجرته , وفى ذلك اليوم تخلى عن كل ثروته , التى ملكها من تجارته الرابحة خلال , سنوات كثيرة قضاها فى مكة , فلما أن علمت قريش بخروجه فأرسلت فى أثره رجالها فأدركوه , وحينما رآهم واجههم من قريب وصاح فيهم قائلا : يا معشر قريش .. لقد علمتم أنى من أرماكم رجلا , وأيم الله لاتصلون إلىَّ حتى أرمى بكل سهم معى فى كنانتى , ثم أضربكم بسيفى حتى لايبقى فى يدى منه شئ ,

, فأقدموا إن شئتم , وإن شئتم دللتكم على مالى وتتروكنى وشأنى "
فقبلوا أن يدلهم على ماله ويُخلوا سبيله , وبذلك فقد زرع صهيب ثلاث بذرات لثلاثة
مواقف تظل ثمارها بالغة يقتطف منها أولو العزم والقوة , وصادقوا الإيمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , ومن ذلك نتعلم أن العقيدة تُفتدى بالأموال , وليست الأموال تكتسب بالعقائد ـ وأن صدق أهل الحق وأتباعه وحسن تصرفهم وسلوكهم يعرفه الناس جميعا حتى الأعداء , وذلك عندما أخبر صهيبا قريشا على مكان ماله , فلم يسألوه بينة على قوله , ولم يستحلفوه بل صدقوا قوله مجرداً .

ـ وقد شاءت إرادة الله تعالى ـ أن يحظى بعلانية الهجرة وبسريتها , وما أن وصل صهيب إلى مشارف المدينة المنورة فى قباء , وكان الرسول صل الله عليه وسلم ـ هو وأصحابه فيها , وما أن رآه الرسول صل الله عليه وسلم ـ حتى ناداه متهللا " ربح البيع أبا يحيى , ربح البيع أبا يحيى " وينزل فى هذا الموقف قرآنا يتلى ويذكره المسلمون على مر العصور والأجيال فيقول تعالى :" ومن الناس من يشرى نفسه إبتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد " وبذلك نال رضوان الله الذى هو أكبر من كل شئ , فرضى الله تعالى عن صهيب , وعن سائر الصحابة الكرام الأبرار الأطهار , ومتعنا الله بصحبتهم على حوض نبيك بشربة لانظمأ بعدها أبداً. ـ موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من الأوائل الذين دخلوا الإسلام :

منذ أن بدأت الدعوة الإسلامية تنتشر خيوطها , ويتألف نورها ويسرى فى أنحاء مكة
ويعلو صوت التوحيد المتمثل : فى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وما أن سمع الصحابى الجليل خالد بن سعيد بن العاص رضى الله عنه ـ بذلك تلقاها مسروراً فرحة بذلك نفسه , طيبا بها فؤاده , وقد أخذ يتابع سيرة هذا النور الإيمانى حتى رأى فى نومه ذات ليلة ـ أنه واقف على شفير نار عظيمة , وأبوه من ورائه يدفعه نحوها بكلتا يديه , ويريد أن يطرحه فيها , ثم رأى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يقبل عليه ويجذبه بيمينة المباركة , من إزاره فياخذه بعيدا عن النار واللهب ويصحو خالد من نومه باحثا عن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ حتى يصل إلى مكانه ويقف بين يديه ويهتدى به ويعلن إسلامه ,

, وبذلك يكون من الخمسة المبكرين إلى الإسلام , ويتعرض "خالد " للأذى والإضطهاد , ويقول :" لن أدع الإسلام لشئ وسأحيا به وأموت عليه " وبذلك أصبحت هذه العبارة الموجزة الواضحة , منهجه فى حياته الذى يسير على ضوئه ويتمسك بسيرته , فلم تصاب نفسه فى شئ فوق دينه حتى برزذلك واضحا , ويوم أن سير أبو بكر الصديق " رضى الله عنه ـ جيوش الإسلام تفتح الشام ويعقد " لخالد بن سعيد " لواءً منها فيصير بذلك أحد أمراء الجيوش ولكن قبل تحرك القوات من المدينة , يعارض عمر رضى الله عنه ـ فى إمارة خالد بن سعيد فيغير الخليفة قراره ,

ويبلغ ذلك خالداً فلا يزيد على أن يقول :" والله , ماسرتنا ولايتكم , ولا ساءنا عزلكم " ويخيره " الصديق رضى الله عنه "
مع أى من القواد والأمراء يحب أن يكون : مع " عمر بن العاص " وهو ابن عمه ؟ أم مع شرحبيل ابن حسنه ؟ فيجيب خالد " إجابة تنم عن عظمة الإسلام فى نفسه فيقول : ابن عمى , أحب إلى , فى قرابته , وشرحبيل أحب إلىَّ فى دينه "
ثم يختار أن يكون أحد جنود الإسلام فى كتيبة شرحبيل ابن حسنه "
واستمر جنديا للإسلام , حتى كان آخر مواقفه التى يذكرها التاريخ له
ويسطرها بأحرف من نور فى مواقعة " مرج الصفر " وكان فى مقدمة الشهداء الأبرار , وقد ختم حياته بمسيرة صادقة مؤمنة شجاعة , فرضى الله عن خالد بن سعيد وعلى سائر المجاهدين المخلصين فى سبيل الحق , وجمعنا بهم جميعا فى مستقر رحمته . ـ موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الصحابي النعيمان بن عمرو الأنصارى :

الصحابي الذي أضحك النبي صل الله عليه وسلم ـ


النعيمان بن عمرو رضي الله عنه بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن النجار الأنصاري ، وقد تمتع النعيمان بن عمرو بكثير من الصفات العذبة والشمائل الكريمة منها: الشجاعة والإقدام على مواطن الجهاد قال ابن سعد شهد بدرا وأحد والخندق والمشاهد كلها. قال ابن سعد شهد بدرا وأحد والخندق والمشاهد كلها. وكان من صفاته كذلك حب الفكاهة والطرفة وخاصة مع النبي صل الله عليه وسلم ـ  قالت أم سلمة رضي الله عنها ": كان الضحاك مضحاكا مزاحا"  لا يوجد تاريخ محدد لوفاته فقد مات أثناء خلافة معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه ـ قال ابو عمر : كان رجلا صالحا مع دعابته .و كان من قدماء الصحابة وكبرائهم ، وكانت له دعابة زائدة وأخبار ظريفة . فقد كان مضحاكا مزاحا .

طائفة من أخبار دعابته وفكاهته !!


بعض مواقفه مع النبي صل الله عليه وسلم ـ

وذكر هشام بن عروة عن أبيه قال : أقبل أعرابي على ناقة له , فدخل المسجد , وأناخ ناقته بفنائه , ودخل على نبي الله صل الله عليه وسلم ـ  , وحمزة بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار ، فيهم النعيمان ، فقالوا للنعيمان : ويحك ! إن ناقته ناوية  يعني سمينة " فلو نحرتها , فإنا قد قرمنا " اشتد شوقنا"  إلى اللحم ، ولو قد فعلت غرمها رسول الله صل الله عليه وسلم ، وأكلنا لحما ، فقال : إنى إن فعلت ذلك وأخبرتموه بما صنعت وجد " غضب"  علي صل الله عليه وسلم .
قالوا : لا نفعل ، فقام فضرب في لبتها " موضع الذبح" ، ثم انطلق ، فمر بالمقداد بن عمرو وقد حفر حفرة ، وقد استخرج منها طينا ، فقال : يا مقداد , غيبني في هذه الحفرة ، وأطبق علي شيئا ، ولا تدل علي أحدا ، فإني قد أحدثت حدثا ، ففعل , وجعل عليه الجريد والسعف ,

, فلما خرج الأعرابي رأى ناقته قد نحرت , فصرخ وصاح : واعقراه يا محمد ! . فخرج نبي الله صل الله عليه وسلم ، فقال : من فعل هذا ؟ قالوا : نعيمان ، قال : وأين توجه ؟ فتبعه رسول الله صل الله عليه وسلم ، ومعه حمزة وأصحابه حتى أتى على المقداد , فقال رسول الله صل الله عليه وسلم للمقداد : هل رأيت لي نعيمان ؟ فصمت ، فقال : لتخبرني أين هو ؟ فقال : مالي به علم ؟ وأشار بيده إلى مكانه ، فكشف رسول الله صل الله عليه وسلم عنه , فوجد وجهه قد تغير بالسعف الذي سقط عليه , فقال له: ما حملك على ما صنعت ؟! قال: الذين دلوك علي يا رسول الله هم الذين أمروني , وقالوا : كيت وكيت . فجعل رسول الله صل الله عليه وسلم يمسح عن وجهه ويضحك , ثم غرم صل الله عليه وسلم ثمن الناقة , وأرضى الأعرابي من ناقته ، وقال : شأنكم بها فأكلوها ، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا ذكر صنيعه ضحك حتى تبدو نواجذه .

. وهنا تتجلي عظمة النبي صل الله عليه وسلم فلم ينكر علي هذا الصحابي الذي عقر الناقة ما فعله لأنه يحب المزاح ، فالرسول يعلم أن النفس البشرية تتفاوت من إنسان إلي آخر فهناك من هو جاد في كل شيء وهناك من يحب المزاح ؛ ولكنه صل الله عليه وسلم قد حكم للأعرابي بثمن الناقة  , ‎ويقول  الزبير رضى الله عنه ـ كان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء بها إلى النبي صل الله عليه وسلم فيقول : هذا أهديته لك !
فإذا جاء صاحبها يطلب نعيمان بثمنها أحضره إلى النبي صل الله عليه وسلم وقال : اعط هذا ثمن متاعه . فيقول : أو لم تهده لي ، فيقول إنه والله لم يكن عندي ثمنه ولقد أحببت أن تأكله !! فيضحك صل الله عليه وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه .

بعض مواقفه مع الصحابة :

كان من السمات المميزة لهذا الصحابي الجليل ، كثرة المزاح ، وحب الضحك حتى قال عنه النبي " صل الله عليه وسلم " يدخل الجنة وهو يضحك" وكثيرة هي المواقف الضاحكة من نعيمان ، ذكر ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة رضى الله عنها قالت :أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه خرج في تجارة له إلى بُصري " بلدة من بلاد الشام " ومعه نعيمان الأنصاري ، وسليط بن حرملة - وكلاهما ممن شهد بدراً - وكان سليط هو المسئول عن الزاد وتدبيره في الرحلة، فبينما هم في استراحة من الاستراحات أثناء الطريق ، إذا بنعيمان جاع جوعا شديدا ، فطلب من سليط أن يطعمه فأبى عليه ذلك إلا في حضرة أبي بكر من الخارج - الذي يبدو أنه خرج لبعض شأنه - فاغتاظ منه نعيمان وقال له لأغيظنك.

وفي سفرهم ذاك مروا بقوم من العرب فاختلى بهم نعيمان وقال لهم: أتشترون مني عبد، قالو:نعم وفرحوا كثيراً بذلك ، لأنه - على ما يبدو - من النادر أن يجدوا عرضاً كهذا والعرب، كانوا يحتاجون لمن يسترقونهم لخدمتهم ، فأشار نعيمان للقوم على صاحبه سليط وقال لهم: إن هذا عبدي وله كلام ، فسوف يقول لكم لست عبداً وأنني ابن عمه ، فإذا كنتم ستصدقونه فلا داعي لهذه الصفقة ولا تفسدوا على عبدي، قالوا: لا... بل نشتريه ولا نكترث لقوله ، فدفعوا إليه عشرة من الإبل لحرصهم على شراء العبد المزعوم ثم جاءوا معه ليستلموا الصفقة فامتنع سليط منهم وقال للقوم إنه يستهزئ بي فلم يصدقوه وقالوا له: لقد أخبرنا خبرك وأخذوه بالقوة ووضعوا فوق عنقه عمامة كعادة زي العبيد.

ولما حضر أبو بكر وأخبروه بالخبر لحق بالقوم وأكد لهم أن صاحبه يمزح ورد عليهم إبلهم قال ابن عبد البر: فلما قدموا على رسول الله عليه الصلاة والسلام ـ وقصوا عليه قصة نعيمان وبيعه لسليط ضحك رسول الله عليه الصلاة والسلام ـ ، وأصحابه حولا كاملا، أي أنهم كان يتملكهم الضحك كلما تذكروا القصة لحول بأكمله. تقول بعض الروايات أن اسم ذلك الصحابي الذي باعه نعيمان - مزاحا هو سويبط وليس سليطا .
ولقي نعيمان أبا سفيان بن الحارث فقال يا عدو الله أنت الذي تهجو سيد الأنصار نعيمان بن عمرو؟ فاعتذر له فلما ولى قيل لأبى سفيان إن نعيمان هو الذي قال لك ذلك فعجب منه