من أخلاق الإسلام ( المروءة )

من أخلاق الإسلام ( المروءة )

من حديث ابن عمر رضى الله عنهما _ قال : " تجافوا عن عقوبة ذوى المروءة
" رواه الطبرانى فى الكبير "

وعن زيد بن ثابت _ رضى الله عنه أن النبى صل الله عليه وسلم _قال : " تجافوا عن عقوبة ذوى المروءة , إلا فى حد من حدود الله تعالى " رواه الطبرانى فى الأوسط "

البيان العام

المروءة خلق من أخلاق الإسلام , التى أكد عليها بين جماعة المؤمنين , لما لها من أثر كريم فى جلب المودة والألفة بين أبناء المجتمع , والمروءة شاهد من أعمال أهل الفضل , وهى حلية النفوس الخيرة , ودعامة من دعائم أهل العزائم القوية , والأخلاق الندية , وهى جماع الفضائل , ورأس المكارم , وعنوان الشرف , وأساس الإستقامة . ( 1)

من صفات أهل المروءة :

إن من أخلاق أهل المروءة التعفف عن فعل الحرام , والبعد عن الوقوع فى المعاصى والآثام , والإنصاف من النفس عندالحكم على الأشياء والأشخاص
والكف عن الظلم وتحقيق العدل , ولا يطمع فيما لايستحق , ولا يمشى مع ظالم ليعينه على ظلمه , أو يعينه على ضعيف , ولايحابى شريف على فقير , ولا يفرح بما يعقبه الإثم والوزر , ولا يفعل ما يقبح السيرة والذكر "
وقد سئل بعض الحكماء : عن الفرق بين المروءة والعقل , فقال : العقل يأمرك بالأنفع والمروءة تأمرك بالأجمل "                           ( 2)

ولانكاد نرى صاحب مروءة إلا ونفسه شريفة , وهمته عالية , إذ الشرف يدعوا إلى اعزاز النفس والتصاون لحمايتها , والعمل من أجل إكرامها بالبعد عما يحط من شأنها
وصاحب النفس الشريف لايقبل الهوان , ولا يرضى المذلة من أى إنسان كان من حيث يشعر أو لايشعر وفى ذلك يقول القائل :
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها
هوانا بها كانت على الناس أهونا
واياك والسكنى بمنزل ذلة
يعد مسيئا فيه من كان محسنا
( 3)

والمتحلى بخلق علو الهمة , يحمله عن الإبتعاد عن الدنايا والسيئات , والترفع عن كل مايُشين ويُهين , فلا يظلم أحدا من الناس , أو يكذب عليهم وهو مع ذلك يتبسط لهم ويترأف بحالهم , و يتغاضى عن اساءتهم , وهذا من أخلاق الأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم الرسول الكريم صل الله عليه وسلم _ فما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى : ويقول بعض الحكماء : من عامل الناس فلم يظلمهم , وحدثهم فلم يكذبهم , ووعدهم فلم يخلفهم , فهو ممن كملت مروءته , وظهرت عدالته , ووجبت أخوته "
وروى أن معاوية بن أبى سفيان : سأل عمر رضى الله عنه _ عن المروءة فقال : " تقوى الله تعالى وصلة الرحم " ( 4)

ولأهل المروءة صفات تدل عليهم , وعلامات ترشد إليهم , فهم بتقوى الله عاملون
وعن المحارم يتعففون ,وعن الآثام يتنزهون , ولايقربون الفواحش والمنكرات
ولا يتكلمون فيما لايعنيهم , وهم للأرحام واصلون , ومن أموالهم حق فى اغاثة المحتاج باذلون .
ولما سئل المغيرة بن شعبة رضى الله عنه _ عن المروءة فقال : هى العفة عما حرم الله تعالى : _ والحرفة فيما أحل الله تعالى "
وسئل الأحنف بن قيس عن المروءة فقال : صدق اللسان , ومواساة الأخوان , وذكر الله فى كل مكان "
ومن وصايا الحكماء : الكامل المروءة من حصن دينه , ووصل رحمه وأكرم إخوانه
( 5)

والحق أن المروءة تتحقق فى التمسك بالفضائل الخلاقية , والعمل بالأوامر الدينية والتعاليم الإسلامية , والدين يأمر بالعدل والإحسان , ويرغب فى عمل الباقيات الصالحات , ويحث على إغاثة اللهفان وإعانة المحتاج , كما يأمر بصلة الأرحام
وحفظ البطن والفرج عن الحرام , فالمروءة بمعناها العام تدل على الدين , والدين يدل على  المروءة , وليست المروءة مجرد اعانة مادية , بمال أو جاه فحسب , ولكن أن يكون الإخلاص عنوانها , والتقوى أساسها , والعمل الصالح المرضى سياجها , فلا تعمل فى السر ما تستحى منه فى العلانية , و المروءة تعنى صيانة النفس عن الإبتذال ومذلة السؤال , بالعمل الطيب النافع الذى يحفظ له كرامته ويصلح حاله , ويستطيع أن يكفى من يعول وهذا من أفضل المروءات , ولن يحط من شأن ذوى المروءات العمل الذى يقوم به مهما كانت درجته , المهم أن يعمل من أجل كسب العيش من أى طريق
مادام عملا مشروعا مباحا حلالا  , وهذا مما حث عليه الدين , وأمر به سيد المرسلين صل الله عليه وسلم .  " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
                                                ( 6)

نماذج عن مروءة النبى صل الله عليه وسلم :

روى الإمام على رضى الله عنه _ قال : لما أتينا بسبايا طئ وكان فى الناس جارية حسناء تقدمت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم _ وقالت : يا محمد هلك الوالد وغاب الرافد , فإن رأيت أن تخلى عنى ولاتشمت بى أحياء العرب , فإنى بنت سيد قومى , وكان أبى يفك العانى _ الأسير " ويحمى الزمار , ويقرى الضيف , ويشبع الجائع , ويفرج المكروب , ولم يرد طالب حاجة , أنا بنت حاتم الطائى , فقال لها النبى صل الله عليه وسلم _ خلو عنها , فإن آباها كان يحب مكارم الأخلاق . " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
   ( 7 )

فى حياة الصالحين :

ومن كمال المروءة أن تؤثر غيرك على نفسك , قال الواقدى : رحمه الله تعالى : كان لى صديقان , أحدهما هاشمى وكنا كنفس واحدة , فنالتنى ضائقة , وحضر العيد , فقالت امرأتى : أما نحن فنصير على البؤس والشدة , وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبى رحمة بهم , لأنهم يرون صبيان الجيران وقد تزينوا فى عيدهم , وأصلحوا ثيابهم وهم على هذا الحال من الثياب الرثة , فلو احتلت بشئ نصرفه فى كسوتهم ؟
قال الواقدى فكتبت إلى صديقى الهاشمى أسأله التوسعة علىَّ , فوجه إلىَّ كيسا به ألف درهم فإرسل إلىَّ الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت , إلى صاحبى الهاشمى
فوجهت إليه الكيس بختمه , وخرجت إلى المسجد فأقمت فيه ليلتى مستحييا من امرأتى , فلما دخلت عليها استحسنت ما كان منى , ولم تعنفنى عليه فينما أنا كذلك إذ جاء صديقى الهاشمى , ومعه الكيس كهيئته وقال لى : أصدقنى عما فعلته فيما وجهت إليك , فعرفته الخبر , فقال لى : إنك وجهت إلىَّ وما أملك على الأرض إلا ما بعثت به إليك , وكتبت إلى صديقنا أسأله المواساة , فوجه إلىَّ الكيس نفسه , فتواسينا وتقاسمنا الألف أثلاثا , ثم نمى الخبر إلى المأمون , فدعانى فشرحت له الخبر , فأمر لنا بسبعة آلاف دينار , لكل واحد ألفان , وللمرأة ألف " (

وهناك من الإيثار أعظم من هذا وهو ماكان من الأنصار , نحو إخوانهم المهاجرين
من أن يقاسموهم الأموال والديار حتى أثنى عليهم القرآن الكريم فقال تعالى :" ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " سورة الحشر الآية _ 9
هذه هى المروءة أخلاق عالية , وصفات نبيلة , واستقامة فى الدين , وصلاح وقصد فى المعيشة , وسخاء فى النفس , وبر واحسان , وعطف على الجيران , وعفو عن الظالمين , واعطاء للمانعين , ووصل للقاطعين , وصلة للأرحام , وجميل خصال
وحسن فى الأعمال والأفعال , ما به ينال العبد الثواب العظيم والنعيم المقيم فى جنات النعيم مع الصديقين والنبين والصالحين وحسن أولئك رفيقا " ( 9)
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المروءة فى أقوال الصالحين :

يقول : النبى صل الله عليه وسلم :" لادين إلا بمروءة "
ويقول : ربيعة الرأى : المروءة ست خصال : ثلاث فى
الحضر , وثلاث فى السفر .
فأما التى فى السفر : فبذل الزاد , وحسن الخلق , ومداعبة
الرفيق .
وأما التى فى الحضر : فتلاوة القرآن , ولزوم المساجد ,
وعفاف الفرج . العقد الفريد
" وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المروءة فى أقوال الصالحين :

يقول : عمر بن الخطاب رضى الله عنه _ : المروءة
مروءتان : مروءة ظاهرة , ومروءة باطنة , فالمروءة
الظاهرة الرياش , والمروءة الباطنة العفاف .
ويقول : عبد الله بن عمر رضى الله عنهما _ : إنا
معشر قريش لانعُد الحلم والجود سؤدداً , ونعُد
العفاف وإصلاح المال مروءة .
ويقول العتبى عن أبيه : لا تتم مروءة الرجل إلا
بخمس : أن يكون عالما , صادقا , عاقلا , ذا بيان
مستغنيا عن الناس . العقد الفريد
" وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عن المروءة :

وقد جمعها رسول الله صل الله عليه وسلم :" من عامل الناس فلم
يظلمهم , ووعدهم فلم يخلفهم , وحدثهم فلم يكذبهم , فهو ممن كملت
مروءته , وظهرت عدالته , ووجبت أخوته وحرمت غيبته .
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من معانى المروءة :

قال عنها أهل العلم فى كلمة جامعة بقولهم :" مروءة الرجل :
صدق لسانه , واحتمال عثرات إخوانه , وبذل المعروف لأهل
زمانه , وكف الأذى عن جيرانه .
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم