من أخلاق الإسلام ( الإيمان وعفة اللسان ) الموضوع الأول :

الموضوع الأول :

الإيمان وعفة اللسان :

من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قيل يارسول الله " ادع الله على المشركين قال : إنى لم أبعث لعانا ولكن بعثت رحمة "رواه مسلم
ولقد تقرر أنه ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها فى كفالة احترام القانون وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه .
أجل إن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره وليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدنية فاضلة تحترم فيها الحقوق وتؤدى الواجبات على وجهها الأكمل فإن الذى يؤدى ما عليه من واجب رهبة من السوط أو السجن أو العقوبة المالية لايلبث أن يهمله لأنه اطمأن أنه سيفلت من طائلة القانون ومن هنا كان ولابد من رقيب أخلاقى يوجهه لخير الإنسانية وعمارة الأرض لا إلى الشر والفساد ذلكم الرقيب هو العقيدة والإيمات هى التى تحدد للإنسان الجزاء الذى يناله على استمساكه بفضائل أخلاقية معينة _ وهو جزاء يقنع العقل ويرضى النفس ومن ثم يتبين جزاء الجندى المجهول الذى يعمل لخدمة المجموع دون أن يراه أحد أو يشعر به أو يكا فئه جزاء المضحى فى سبيل أمته وأسرته يقاتل دفاعا فيقتل ظلما فيموت وتبين جزاء من عاش طوال عمره يظلم ويطغى ويعب من الشهوات الحرام دون أن يشعر بتأنيب الضمير لأن ضميره قد مات إنه لايحل هذه العقدة إلا الإيمان إن الدين يقول " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا " سورة الزلزلة .

لا أخلاق من غير دين :

غير أن الدين ومكارم الأخلاق لايقف عند حد الدعوة إلى مكارم الأخلاق وتمجيدها إنه يرسى قواعدها ويحدد معالمها ويضبط مقيسها الكلية ويضع لنا الأمثلة لكثير من جزئيات السلوك ثم يغرى بالإستقامة ويحذر من الإنحراف ويضع الأجزية مثوبة وعقوبة على كلا من السلوكين مصب العين
والأخلاق من غير دين عبث
إن الدين ومكارم الأخلاق هما شئ واحد , لايقبلان الإنفصال ولا يفتريقان بعضهما عن بعض فهى وحدة لاتتجزأ
إن الدين كالروح لمكارم الأخلاق والأخلاق كالجو للروح .
إن الدين يغذى الأخلاق وينميها وينعشها كما أن الماء يغذى الزرع وينميه .
إن بعض المنتسبين إلى الدين قد يستسهلون أداء العبادات المطلوبة ويظهرون فى المجتمع العام بالحرص على إقامتها وفى الوقت نفسه يرتكبون أعمالا يأباها الخلق الكريم والإيمان الصحيح , وهؤلاء لم يلتفتوا إلى تعاليم الإسلام التى تعتبر بمثابة الدواء الناجح لكل داء عضال ولهذا تكالبت علينا الهموم وتتابعت الفتن والله وحده يعرف متى الخلاص وكيف النجاة ؟ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 1)

نهى الإسلام عن الفحش :

مانهى الإسلام عن شئ مثلما نهى عن الفحش فى القول والفعل فهذا علاج ناجح لكل راغب فى الإستقامة على صراط الله والسير على رضاه ,
إن الله تعالى حرم على أتباعه أن يلعنوا إنسانا بعينه أو حيوانا أوجمادا
حرم الإسلام لعن إنسان بعينه إن لم يتيقن موته على الكفر أما من تيقن موته عليه فلا سواء مات كأبى جهل وأمثاله أو كأبليس وأجناده وإنما حرمت الرحمة فيما عداه لأنها طرد من من رحمة الله ولا يعلم ذلك الا بنص من الله ورسوله صل الله عليه وسلم والحى الكافر إيمانه مرجوا فيدخل فى أهلها وكذلك أو لعن دابة وكذا كل مخلوق من النبات والجماد ومن النهى عن اللعن جاءت أحاديث منها حديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم " لايكون المؤمن لعانا " رواه الترمذى وقال حسن غريب
وحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال عن رسول الله صل الله عليه وسلم " لاينبغى لصديق أن يكون لعانا " وفى عالمنا هذا الموبوء ناس احترفوا صب اللعائن على الأخيار والأشرار والقدامى والمحدثين هؤلاء نفسوا باللعائن عن حقد دفين وغل مسعور ولربما عادت اللعائن إلى قائلها وصاحبها حيث لم يكن الملعون أهلا فقصمت ظهره وكشفت ستره وجعلته أثرا بعد عين قال رسول الله صل الله عليه وسلم " إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه فإن أصابت عليه سبيلا ووجدت فيه مسلكا والا قالت يارب وجهت إلى فلان فلم أجد فيه مسلكا ولم أجد عليه سبيلا فبقال ارجعي من حيث جئت" يعنى إلى قائلها رواه أحمد وأسناده جيد ونظيره حديث " من قال لأخيه يا كافر رواه أبو داود.

وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم "إن العبد اذا لعن شيئا ً صعدت اللعتة الى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط الى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يميناً وً شمالا ً فإذا لم تجد مساغا ً رجعت الى الذي لعن فإن كان أهلا لذلك والا رجعت الى قائلها " رواه أبو داود إن الأجواء تلوثت باللعائن التي تفتك بالمسلم الى مالا يحمد عقباة في دينه ودنياه وقد جاء في الحديث " لعن المؤمن كقتله متفق عليه وفيه تعظيم اللعن للمسلم وأن الاثم المرتب عليه كالمرتب ً على قتله حرم الاسلام على أتباع محمد صل الله عليه وسلم عشاق القرآن ودعاه الإسلام سواء كانوا رجالا ً أو نساء ً شيبا ً أو شبانا ً صغارا ً ام كبارا ً لعن الطير وأمر بإرهاف الحس في الاستماع الى تسبيحه والتعلم من تنقله وبحثه عن رزقه في خبايا الارض وغدوه حماصا ً ورواحه بطانا ً وتألف صفة وانطلاقه في الجو بين النسائم العليلة بالحركة المستمرة قال تعالى " أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شئ بصير " سورة الملك عن عبد الله بن عباس أن ديكا ً صرخ قريبا من النبي صل الله عليه وسلم فقال رجل " اللهم العنه فقال رسول الله صل الله عليه وسلم " كلا إنه يدعو الى الصلاة رواة البزار ورجاله رجال الصحيح الا عباد بن منصور.

وعن زيد بن خالد الجهنمى رضي الله عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم " لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة رواه أبو داود بإسناد صحيح ".ومعنى حديث يصرخ عند صلاة الفجر فطرة فطره الله عليها ويؤخذ منها أن كل من استفيد منه الخير لاينبغى أن يسب أو يذم ويستهان به بل يكرم ويحسن إليه " وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال " إذا سمعتم صياح الديكة فى الليل فإنها رأت ملكا فسلوا الله من فضله " وإذا سمعتم نهاق الحمير من الليل فإنها رأت شيطانا فتعوذوا بالله من الشيطان " ومعنى أنها رأت ملكا " رجاء تأمينهم على دعائه وشهادتهم له بالإخلاص والإستغفار _ إن الديك من أقرب الحيوانات صوتا إلى الذاكرين الله والحمير أقربها صوتا إلى من هو أبعد عن رحمة الله "
والنهي منصب كذلك على الطيور السابحة في الاجواء سواء كانوا غربانا ً سودا ً أو عصافير بيضا ً فإن الله تعالي لفت الأنظار الى مهامهم في الحياة وولائهم له وتعلقهم به وايوائهم اليه بقوله " الم تر أن الله يسبح له من في السموات والارض والطير صافات كل قد علم صلاته وتشبيحة والله عليم بما يفعلون". صفحة(2 )

نهي الاسلام عن الفحش ~
.
وكذا كل مخلوق كالنبات والجماد قال تعالي " وإن من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما ً غفورا ً" الا فلتتعلم الجماعات والافراد من الطيور حركتها البناءة ولياقتها العالية وذكرها المستمر وشكرها الجميل وسكونها المريح " نهي عن سب البراغيث – إن التدبر في الكون الأخاذ بمجامع القلوب الواعيةوإمعان النظر فى عوالمه اللافتة للأنظار والتفكر فى جلائله ودقائقه أمر يرهف ويحرك الأحاسيس المتبلدة يفتح العقول المغلقة ويشرح الصدور الضيقة ويقوم ُ الخطواط المعوجة ولا يستفيد من هذا الا من امتلك قلبا ً أو القي السمع وهو شهيد" قال تعالى وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهو معرضون وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون."
مع أن الحشرات مؤرقة للمضاجع مسلية للمدامع مصاصة للدماء مؤذية ً للأجساد الا أن الاسلام نهي عن لعنتها " عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال " نزلنا منزلا ً فآذتنا البراغيث فسببناها فقال رسول الله صل الله عليه وسلم " لا تسبوها فنعمت الدابة فانها ايقظتكم لذكر الله" رواه الطبراني في الأوسط

وعن أنس قال كنا عند رسول الله صل الله عليه وسلم " فلدغت رجلا ً برغوث فلعتها فقال رسول الله صل الله علية وسلم " لا تلعنها فإنها نبهت نبيا ً من الأنبياء للصلاة " رواة أبو يصلي واللفظ له وفي روايه " لا تسبه فانه أيقظ نبيا ً من الأنبياء لصلاة الصبح رواه البزار ورواته رواة الصحيح الاسويد بن ابراهيم وفي رواية ذكرت البراغيث عند النبي صل الله عليه وسلم فقال " أنها توقظ للصلاة رواة الطبراني في الأوسط ورواته ثقات الا سعيد بن بشير.وروى الترمذى وابن ماجة عنه صلى الله عليه وسلم " إن الله سبحانه وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة فى حجرها وحتى الحوت فى البحر ليصلون على معلمى الناس الخير "

وعن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنهما قال قال : بينما رسول الله صل الله عليه وسلم فى بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت"1" فلعنتها فسمع ذلك النبى صل الله عليه وسلم " فقال خذوا ما عليها ودعوها فإنها ناقة ملعونة قال عمران : فكأنى أراها الآن تمشى فى الناس ما يعرض لها أحد " رواه مسلم
"1"ومعنى ضجرت ( يعنى أخذت فى علاج الناقة وصعوبتها فلعنتها ) وليس فى الحديث نهى عن بيعها وذبحها وركوبها فى غير صحبة النبى صل الله عليه وسلم
فا ياشباب الإسلام ضعوا المنهج الربانى نصب أعينكم واعملوا على ضوئه الهادى ولاتحيدواقيد أنملة واستمسكوا بأهدابه واستنيروا بمشاعله " قال تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن " سورة النحل هذا هو الطريق وعلى دربه يتحقق الأمل ويتم النصر قال تعالى " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض " سورة القصص
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم _ صفحة(3 )

من الهدى النبوى :

عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكُم ، ولا تدعوا على أموالكُم ، لا تُوافقُوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيستجيب لكم" رواه أبو داود بإسناد صحيح.

شرح الحديث

تعود بعض الناس كلما غضبوا أن يقوموا بالدعاء على أنفسهم أو على أولادهم أو على خدمهم أو على أموالهم ، فكان التوجيه النبوي الكريم بالنهي والإرشاد عن ذلك ، حيث قال النبي صل الله عليه وسلم لأمته: " لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكُم، ولا تدعوا على أموالكُم"؛ لأن ما يحصل من الإنسان عند الغضب تجده يندم عليه بعد ذلك ، يقول عطاء بن أبي رباح: "ما أبكى العلماء بكاء آخر العمر من غضبة يغضبها أحدهم فتهدم عمر خمسين سنة أو ستين سنة أو سبعين سنة، ورُبّ غضبة قد أقحمت صاحبها مقحما ما استقاله".
" لا توافقوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيستجيب لكم" علة للنهي أي: لئلا توافقوا وتُصَادِفُوا ساعة إِجابة وَنَيْل فَتُسْتجاب دَعوتُكُم السُّوء.

الله لطيف بعباده

إن من يدعو بالسوء على نفسه أو ولده أو ماله أو خدمه لا يريد ذلك حقيقة ولا يقصده غالبا ، ولهذا يقول الله تعالى: " وَيَدعُ الإِنسانُ بِالشَّر دُعاءَه بِالخَيرِِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً" سورة الإسراء: 11ـ ، ويقول عز وجل: "وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ " سورة يونس:الأية 11ـ ، أي أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم ، لأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك ، فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفا ورحمة ، ولو استجاب لهم كل ما دعوه به في ذلك لأهلكهم ، وفوق ذلك يتكرم الله عليهم بالاستجابة لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم وأولادهم بالخير والبركة والنماء.

مناسبة الحديث وأسباب وروده  :

إن من أسباب ورود هذا الحديث ومناسبته  ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال ": سرنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم في غزوة بطن بُواط - جبل من جبال جهينة  -، وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني ، وكان الناضح , البعير الذي يُستقى عليه ,  يعتقبه من الخمسة والستة والسبعة ، فدارت عقبة رجل من الأنصار - العُقبة ركوب هذا مرة وهذا مرة - على ناضح له ، فأناخه فركبه ، ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن - أي تلكأ وتوقف  -، فقال له: شَأْ لعنك الله - كلمة زجر للبعير -، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " من هذا اللاعن بعيره؟ قال: أنا يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ، قال: انزل عنه ، فلا تصحبنا بملعون ، لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم" وفي قصة هذا الحديث دليل على النهي عن لعن الدواب وقد تقدم الحديث عن هذا فى هذا الباب ، كما أن فيها دلالة على أن دعاء الغضبان قد يجاب إذا صادف ساعة إجابة ".

وكذلك لا يجوز الدعاء على النفس ، لقول النبي صل الله عليه وسلم: " لا تدعوا على ‏أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا ‏توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم" أخرجه أبو داود. فالذي يجب لمن ‏خاف على نفسه من غضب الله بسبب المعاصي هو أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يسأله ‏المغفرة ، ويستعينه على خلاص نفسه من الذنوب ، أما الدعاء على النفس أو تمني الموت فإنه ‏لا يجوز بحال مهما كانت الظروف ، خصوصاً إذا كان ذلك على سبيل التسخط وإظهار ‏الجزع ، لقوله صل الله عليه وسلم: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، وليقل اللهم ‏أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لى" رواه الترمذي وقال هذا ‏حديث حسن صحيح.‏

قال في تحفة الأحوذي" ووجه النهي ، أن تمني الموت يدل على الجزع بسبب بلاء ، وعدم ‏الرضا بالقضاء " كثير من الناس كلما غضب دعا على أولاده أدعية منوعة ، إما بقصف العمر أو بالإفقار، أو بالغضب ، وهذه عادات سيئة جداً لا تليق بالمؤمن ، ولهذا ورد عنه عليه الصلاة والسلام: " كاد الحليم أن يكون نبيا " أخرجه برموز السيوطي عن أنس رضي الله عنه وورد أيضاً: " الحلم سيد الأخلاق "
رواه جابررضي الله – أن رسول الله صل الله عليه وسلم- قال : "لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء ، فيستجيب لكم " رواه أبو داوود عن جابر رضي الله عنهما .

والإنسان لايشعر بالسعادة والهناءة , الا إذا كان في داخله هدوء ، وفي نفسه طمأنينة وراحة ، ولا يحُس بذلك إلا من كان موصولاً بالله عز وجل ، وأما من كان بعيدا عن ربه مقطوع الصلة عن خالقه , تجد عنده اضطراب شديد ، والإنسان عندما ينقطع عن الله تختل موازينه ، ويتلاشى توازنه ويحدث له رودو فعل قاسية جداً ، غلى من حوله حتى ولو كانوا أولاده ومن يحبهم وأما المؤمن الذى عنده حلم ناتج من اتصاله بالله عز وجل , فإنه يتقى الله عزوجل فيما يقول ويفعل ، والشيء الثابت أن الإنسان حينما يدعو على إنسان بالدمار، أو بالهلاك ، أو بالموت ، ينشأ توتر وتكون العدوة والكراهية بينهما ، فيزاد السيئ سوء ، وهناك فرق كبير بين إنسان يعمل على زيادة ا لسوء ، وبين إنسان يعمل على تخفيف السوء. " ولايَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا" سورة المائدة الآية: الأية 8 ـ

ليس فقط ابنك أو قريبك ، أو أي إنسان ولو كافر، ولو بعيد عنك ، إذا ظلمته يزداد بعد ويزداد كراهية ، وإذا عدلت معه يزداد محبة ويزداد وئام.
وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام قال: " من يقطع لسان فلان" ، وفهم البعض أنه قطع مادي ، ثم فهم آخرون من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم ـ الحكمة من كلامه صل الله عليه وسلم ـ أنه من يقطع لسانه بالإحسان إليه " وبذلك نعلم أن
أكثر مشكلاتنا ناتجة عن سوء تصرف ، فالأب عندما يكون قاسيا جدا ًيصبح كلامه قاسي جداً ، كثير الدعاء دائماً على أولاده بالدمار،و بالموت ، وبقصف العمر مثلاً فينشأ توتر ويزداد السيئ سوء ، فالبطولة أن السيئ يخف سوءه ، لا أن يزداد سوء ،

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول " لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ "، هذا ولدك أو بنتك إذا أصابه مكروه أنت سوف تتحمل نفسياً ومادياً متاعب هذا الشيء ، والله عز وجل يحذرنا ، من الدعاء على أولادنا لعلها تكون الساعة ساعة إجابة فيستجيب الله لك.
إنه لا ينفعك إلا عملك ، حتى لو كنت فصيح ومتكلم ، وعندك قوة بيان ، وفى ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: " لعل أحدكم ألحن بحجته من الآخر، فإذا قضيت له بشيء فإنما أقضي له بشيء بقطعة من النار "
هذه الحقيقة الثابتة هى أن الإنسان قد يتكلم كثيرا ولكنه كلام فارغ  لا يغنى ولايسمن  ولا يُفيد فى قضية ، لأنه كلام ليس له معنى ، فالأب يدعوا على أولاده ، والأم تجد البيت جوه موبوء جو كله نقمة ، جو عِند ، جو مواجهة ، جو كراهية ، جو بغضاء ، فاعلم أن  سعادتك بيدك وشقاؤك بيدك ، لو كنت أفقر إنسان قد يكون بيتك جنة ، ولو كنت أغنى إنسان قد يكون بيتك جحيم , بالمعاملة تنقلب حياتك إلى ما تحب أو تكره , يقول الرسول صل الله عليه وسلم :" إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق " أخرجه البراز وأبو يعلي والطبراني عن أبي هريرة , وأولى الناس بذلك بيتك وأولادك."

فالإنسان  بأخلاقه العالية الله عز وجل يرفع مقامه ، وهذه العادة السيئة نجدها عند كثير من الآباء والأمهات على الدوام الدعاء على أولادهما  ، والله سبحانه وتعالى  يغضب لذلك   ، والإبن عندما يسمع هذا الكلام يزداد نفور،  ولكى يستقيم الإنسان لابد من استقامة هذا اللسان ، يقول عليه الصلاة والسلام: " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت والخرائطي في مكارم الأخلاق عن أنس
والدعاء على النفس منهي عنه كما روى أبو داود عن جابر رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال : "لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة نَيْلٍ فيها عطاء فيستجاب لكم." وروى مسلم وغيره عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" .

وعن جابر رضى الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من هذا اللاعن بعيره ؟ انزل عنه ، فلا تصحبنا بملعون ، لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم."
لقد جعل الإسلام من شروط إجابة الدعاء : الدعاء بغير إثم أو قطيعة رحم ، لما رواه أحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر". ومن رحمة الله تعالى أنه لا يستجيب الدعاء بالشر غالبًا ، كما قال تعالى : " ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم"

يقول الإمام  ابن كثير رحمه الله  في تفسير هذه الآية :يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم ، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك ، فلهذا لا يستجيب لهم ، والحالة هذه لطفا ورحمة كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء ولهذا قال " ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم " الآية ، أي لو استجاب لهم كل ما دعوه به في ذلك لأهلكهم ، ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا محمد بن معمر حدثنا يعقوب بن محمد حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو جزرة عن عبادة بن الوليد حدثنا جابر قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم " لا تدعوا على أنفسكم ، لا تدعوا على أولادكم، لا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم " ورواه أبو داود.

. وهذا كقوله تعالى " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير " الآية . وقال مجاهد في تفسير هذه الآية " ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير " الآية هو قول الإنسان لولده أو ماله إذا غضب عليه : اللهم لا تبارك فيه والعنه. فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم يقول ابن كثير أيضا في تفسير قوله تعالى : " وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا "
يخبر تعالى عن عجلة الإنسان ودعائه في بعض الأحيان على نفسه أو ولده أو ماله بالشر أي بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه كما قال تعالى " ولو يعجل الله للناس الشر " الآية ، وكذا فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة وقد تقدم في الحديث " لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها" وإنما يحمل ابن آدم على ذلك قلقه وعجلته ،ولهذا قال تعالى :" وكان الإنسان عجولا " يقول الله عز وجل : " وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" , موقع من فقه الإسلام للشيخ سامى ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم