من منظور الإسلام المرأة بين ( الحشمة والتبرج )

المرأة بين الحشمة والتبرج :

قال تعالى " قل للؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون " وقل للمؤمنات يغضض من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " سورة النور .
والمعنى _: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم عما لايحل لهم من النساء والعورات ويحفظوا فروجهم عما حرم الله من الزنا واللواط وكشف العورات ونحوا ذلك , ذلك أطهر لهم , إن الله خبير بما يصنعون فيما يأمرهم به وينهاهم عنه _ وقل للمؤمنات يغضض : أى لاينظرن إلى ماحرم الله عليهن من العورات ويحفظن فروجهن عما حرم الله ولايظهرن زينتهن للرجال _ يعنى والله أعلم لايظهرن مواضع الزينة إلا ماجرت به العادة بإظهارها وهى الكحل والخاتم والخضاب وموضع الكحل العينين ومضع الخاتم والخضاب اليد , والمثتثنى هو الوجه والكفان كما رواه سعيد ابن جبير وعبد الله ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وروى أيضا عن ابن عمر وعطاء بن رباح وعكرمة وإبراهيم النخعي وجمهور السلف ,

والتعبير فى الآية بالزينة عن مواضعها مبالغة ويؤيد هذا المعنى ما رواه أبو داود بسنده إلى خالد بن دريك عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنها دخلت على النبى صل الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال ياأسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه "والحديث وإن كان مرسلا لأن خالد لم يسمع من عائشة رضى الله تعالى عنها لكن المرسل حجة عند جمهور الفقهاء وإن شرط الشافعى لحجيته شروطا فقد دلت الآية على أن وجه المرأة وكفيها لبس بعورة وهو مذهب الأئمة الأربعة أيضا وهذا الحديث رواه أيضا ابن مردويه , والبيهقى عن خالد بن دريك " وذكره المنذرى فى الترغيب والترهيب " والشوكانى فى (نيل الأوطار ) وإن قال القرطبى فى تفسيره إنه منقطع لم يتصل سنده ,

وقال أبو داود : إنه مرسل حيث لم يدرك خالد عائشة رضى الله تعالى , وفى اسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن البصرى نزيل دمشق مولى " ابن نصر " وقد تكلم فيه غير واحد وإن كان ذلك فى هذا الحديث لكن هناك  من الشواهد التى تدعم معناه وتؤكده وترفعه إلى رتبة الحسن وردت فى إباحة كشف الوجه والكفين لحاجة التعامل ويؤيد هذا أن المرأة تكشف وجهها فى الصلاة وكذلك فى الإحرام بالحج وفى العمرة ولو كان الوجه والكفين عورة لما أبيح كشفهما لأن شرط العورة واجب إذ لاتصح صلاة الإنسان إذا كان مكشوف العورة " وحسب الزى للرجل والمرأة ما يستر العورة وليكن ما يكن فى تفصيله وتقسيمه وخلاصة القول فى حجاب المرأة الشرعى الذى تتحقق فيه الآداب الإسلامية فى اللباس بالنسبة للمرأة " أن يكون ساترا لجميع بدنها إلا وجهها وكفيها _ وأن لا يكون لباسها زينة فى نفسه _ ولا شففا _ ولا ضيقا يصف بدنها , ولا مطيبا _ أى معطرا _ ولا مشابها للباس الرجال _ ولباس  الكفار ولاثوب شهرة "

الأدلة على أن الوجه والكفين ليسا بعورة :

حكى القاضى عياض عن علماء عصره كما روى الشوكانى _ أن المرأة لايلزمها ستر وجهها وهى تسير فى الطريق وعلى الرجال غض البصر كما أمرهم الله
وغض البصر بمعنى ألا يعاود النظر كما جاء فى الحديث قال صل الله عليه وسلم " لعلى رضى الله عنه : ياعلى : لا تتبع النظرة النظرة , فإن لك الإولى وليست لك الآخرة "رواه أحمد وأبو داود  وكما يؤيده حديث الخثعمية _ الذى رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وفيه " أن النبى صل الله عليه وسلم _ أردف الفضل ابن العباس يوم النحر خلفه وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فجاءته إمرأة من خثعم تستفتيه , فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه , فجعل رسول الله صل الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر , فعاد الفضل ينظر إليها ثلاث مرات , والرسول صل الله عليه وسلم يحول وجهه فقال العباس _ والد الفضل لما لويت عنق ابن عمك ؟ فقال صل الله عليه وسلم رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما ,

فقالت المرأة  يارسول الله إن فريضة الله على عباده الحج وقد أدركت أبى شيا كبيرا لايثبت على الرحلة , أفحج عنه ؟ قال نعم , وكان ذلك فى حجة الوداع _ أى لم يأت بعده حديث نسخ " قال ابن حزم : ولو كان الوجه عورة يجب سترها لما أقر النبى صل الله عليه وسلم هذه المرأة على كشفه بحضرة الناس ثم قال : ولو كان وجهها مغطى ما عرف الفضل : أحسناء هى أو شوهاء وقال ابن بطال : _ وفيه دليل على ستر المرأة وجهها ليس فرضا لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدى وجهها فى الصلاة ولو رآها الغرباء " وفى الصحيحين : " أن سبيعه بنت الحارث توفى عنها زوجها " وكانت حاملا , فوضعت قبل أن تنقضى عدة المتوفى عنها زوجها أى " أربع أشهر وعشرا" فرآها أحد الصحابة _ يقال له أبو السنابل " وقد تجملت فاكتحلت واختضبت , فلامها , فأتت النبى صل الله عليه وسلم فأخبرته فقال صل الله عليه وسلم " قد حللت حين وضعت" ولم ينكر عليها الرسول صل الله  عليه وسلم أنها أظهرت الكحل أو الخضاب حتى رأها ذلك الرجل وغيره "

الأدلة على أن الوجه والكفين ليسا بعورة :

وحديث صدقات النساء _ بعد أن دعاهن الرسول صل الله عليه وسلم للتصدق _ الذى رواه البخارى وأحمد والنسائى وأبو داود عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما _ شهد العيد مع رسول الله صل الله عليه وسلم فخطب الرسول صل الله عليه وسلم فى الرجال , ثم ذهب فخطب النساء , وأمرهن بالصدقة , وقال لهن تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم " فقالت امرأة سعفاء الخدين جالسة فى وسط النساء لم نحن كما وصفت ؟ قال " لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير " فبسط بلال رضى الله تعالى عنه ثوبه قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه :_ فرأيتهن يهوين بأيديهن _ يعنى يلقين صدقاتهن فى ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن "  يعنى بذلك صل الله عليه وسلم _ أن نساء كثيرات يجحدن حق الزوج , وينكرن ما يبذل فى البيت ولا تسمع منهن إلا الشكوى  وتلك رواية صدق فى أن أيديهن ووجوههن كانت مكشوفة بلا نكير من رسول الله صل الله عليه وسلم ولا من أحد من الصحابة الحاضرين رضوان الله عليهم ,

قال القرطبى _ عند تفسيره قول الله ( إلا ما ظهر منها ) لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة فى الصلاة والحج , صلح أن يكون الإستثناء راجعا إليهما وقد صرح بهذا جماعة من الصحابة والتابعين , وهو اختيار الطبرى والزمخشرى والرازى وغيرهم من المفسرين , وبه أخذ مذهبا الحنفية والشافعة وقول فى مذهب الإمام أحمد وكما فى حديث سهل ابن سعد رضى الله عنه أن إمرأة جاءت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم _ فقالت : يارسول الله , جئت لأهب لك نفسى , فنظر إليها فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه _ لم يجبها بشئ فلما رأت أنه لم يقض فيها بشئ جلست ....." وفى رواية أخرى أن أحد الصحابة خطبها , ولم يكن معه مهر فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم : التمس ولو خاتما من حديد , وانتهت القصة بزواجه منها "

الأدلة على أن الوجه والكفين ليسا بعورة :

وحديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت كان نساء مؤمنات يشهدن الفجر متلحفات بمروطهن ـ يعنى مستورات الأجساد بما يشبه الملاءة _ ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لايعرفن من الغلس _ تعنى أنه لولا غبش الفجر لعرفن لانكشاف وجوههن وأما بعض النساء كن يخفين الوجوه والأكف على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم فإن ذلك كان من باب الحياء والإعتياد لا على سبيل الإلزام بحكم تشريعى
يدل لهذا ما رواه الحاكم عن أسماء رضى الله عنه قالت " كنا نغطى وجوهنا من الرجال حياء ) أى حياء منهن وخجلا , لا تشددا ولا تغاليا فى الدين _ ذلك قول الله تعالى _ لايكلف الله نفسا إلا وسعها " سورة البقرة وقول الله تعالى " يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " سورة البقرة وقول الله تعالى " وما جعل عليكم فى الدين من حرج " سورة الحج وهو أيضا مارواه أحمد وأبو داود والبيهقى قالت عائشة رضى الله تعالى عنه " كان الركبان يمرون بنا _ ونحن محرمات _ فإذا حاذونا أسبلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه ,

فتغطية الوجه والكفين عمل إختيارى موقوت بظروف غير مأمور به ولا منهى عنه ويكون خيرا إذا ترجحت الفتنة ويعين درء المفسدة
إن كشف الوجه والكفين كما دلت عليه الأدلة الصححية والصريحة السليمة من المعارضة والتأول هو الرأى الراجح الذى يجب العمل به وأن ستر الوجه عمل اختيارى لانؤمر به ولاننهى عنه لمن أرادت وليس لأحد أن ينكر عليها ذلك فلا تتهم المنتقبة المحجبة ولا تعيب المحجبة على المنتقبة والله تعالى يقول " ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات " سورة المائدة
وإذاتوافق كثرة العلماء على رأى كان على الكافة اتباعهم وكان لمن خالف أن يعمل برأيه دون أن يحاول حمل الغير على اتباعه حتى لا تكون فتنة حسبما تقرر " فى آداب المفتى والمستفتى " فى مباحث علم أصول الفقه ,

ذلك أن هذه المذهب الفقهية التى نتداولها إنما نشأت باجتهادات فى موضع قابل للإجتهاد وليس لمجرد الرغبة فى الإختلاف والنزاع لأن التفرق فى الدين هو الماحقة , حذر الله تعالى منه فقال سبحانه فى سورة آل عمران
واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا " وفى سورة الأنفال " ولاتنزعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم "
ومن ثم فلا نجعل المندوب سنة , ولا السنة فرضا حتما , ولا العادة عبادة _ وتحدث بذلك الفرقة فى صفوف المسلمين , ونضل الناس _ بغير علم _ لقد تفرقت بالمسلمين السبل وتنازعتم الأهواء , فكان الواقع الأليم الذى تعيشه الأمة الإسلامية إن اتباع قول الله الحكيم " وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبع السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم الله به لعلكم تتقون " سورة الأنعام . ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم