إن الله تعالى لايقبل النافلة حتى تؤدى الفرائض والواجبات :

إن الله تعالى لايقبل النافلة حتى تؤدى الفرائض والواجبات :


خطأ الإشتغال بالسنن عن الفرائض تحت هذا العنوان _ قال فضيلة العلامة القرضاوى فى كتابه ( فقه الأولويات ) من الأخطاء الشائعة بين كثير من الناس حرصهم على أداء السنن التطوعات من الصلاة والحج فمن الناس من يحرص على قيام الليل ويذهب الى عمله الذى يتقاضى عليه أجرا مكدودا متعبا فلا ينهض أن يقوم بواجبه كما ينبغى ثم هو بعد ذلك يضيع حق الجماهير من الناس ولو علم أن إحسان العمل فريضة وأن تفريطه فى العمل خيانة للأمانة وأكل للمال بالباطل وأن قيامه بركعات قليلة أفضل وحرصه على صلاة الفجر أعظم ومثل ذلك من يصوم الإثنين والخميس ويجهد نفسه ويمضى الى عمله فاترا مهدودا وكثيرا ما يؤخر مصالح الناس بحجة أنه صائم وصيامه هذه لايخرج عن كونه نافلة وانجاز مصالح الخلق واجب لازم " (1)

و نهى النبى صل الله عليه وسلم أن تصوم تطوعا وزوجها شاهد - يعنى حاضر غير مسافر _ إلا بإذنه , لأن حقه عليها أوجب من صيام النافلة -- ومثل ذلك حج التطوع وعمرة التطوع فمن الناس من يجح الحجة الخامسة والعاشرة أو العشرين وربما الأربعين ويعتمر فى كل عام فى رمضان وهو ينفق الألاف من الجنيهات أو الريالات أو الدنانير وفى الوقت نفسه نجد كثير من المسلمين يموتون جوعا حقيقة لا مجازا بل إن فى بعض البلاد كالصومال وغيرها من الأقطار الإسلامية يتعرضون للإبادة الجماعية والتصفية الجسدية كما فى البوسنة والهرسك وفلسطين وكشمير وغيره فهم فى حاجة الى معونة إخوانهم من إطعام الجائع وكسوة العارى ومداواة المريض وإيواء المشرد وكفالة اليتيم ورعاية الشيخ والمعوق والأرملة أو لشراء السلاح الضرورى من أجل الدفاع عن النفس " ( 2)

وهناك آخرون يتعرضون للغزو التنصيرى ولا يجدون مدرسة للتعليم ولا مسجد للصلاة ولا دارا للرعاية ولا مستوصفا للعلاج ولا مركزا للدعوة ولا كتابا للقراءة على حين نجد سبعين فى المائة ممن يحجون كل عام حجوا قبل ذلك مرات ومرات ولو قام الواحد بالتبرع لتزويج بنات وشباب المسلمين وساهم فى بناء وإقامة بيت مسلم لكان أفضل عند الله ثوابا وأجرا من حجته أو عمرته ولو فقهوا دينهم حقا وعرفوا شيئا من فقه الأولويات لقدموا إنقاذ إخوانهم المسلمين فى أى من الأمر التى ذكرناها لكان أفضل لهم وأبقى من إستمتاعهم الروحى بالحج أو العمرة ولو تدبروا لعلموا أن القيام بقضاء مصالح المسلمين وسد عوزهم وحاجتهم أعظم وأعمق من إستمتاع عارض قد يشوب بعض التظاهر والرياء وصاحبه لايشعر يقول الإمام على رضى الله تعالى عنه " لأن أجمع نفرا من إخوانى على صاع أو صاعين من طعام أحب الى من أن أخرج الى سوقكم فأعتق رقبة " انتهى بتصريف _ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 3)

افعل الخير :

الإنسان الخَيّرْ هو من يفعل الخَيرَ قبل أن يُطلب منه , ويُعطى قبل أن يُسأل وهو يفعل ذلك من أجل الوصول بنفسه إلى الكمال الروحى , وهو من يطلب الحق أينما كان ويثبت من أجله , حبا لربه وابتغاء رضوانه وثوابه , الإنسان الخير هو من يحرص على طهارة نفسه وسلامة صدره , و هو يؤمن بأن الخير لايتجزأ كما أن القيم والمبادئ لاتتجزأ , فلا يكون أنسان خيرأ وغير خير فى وقت واحد , وكذلك لايفعل الخير والشر فى وقت واحد , فربما سيئة واحدة , ذهبت بجميع حسناته , وقضت على نقاوة نفسه وطهارة قلبه .

وانظر فى ذلك لما سئل رسول الله صل الله عليه وسلم عن امرأتين احداهما تكثر من الصلاة بالليل والصيام بالنهار ولكنها تؤذى جيرانها بلسانها .. قال : لاخير فيها هى من أهل النار " والأخرى قليلة الصلاة والصيام وتقتصر على الفرائض ولاتكثر من النوافل , وتتصدق على جيرانها بشئ من الأفط " وهى قطع الجبن التي تُصنع من اللبن المطبوخ " فقال عنها صل الله عليه وسلم هى من أهل الجنة " أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد ـ وقد رويت الحديث بالمعنى   .. موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الخير سلوك إنساني وعمل أخلاقي :

قد يوجد إنسان يفعل الخير مُرغمًا دون أن يريده ، أو أن يعمل الخير بدافع الخوف ، أو بدافع الرياء لكي ينظره الناس أو لكي يكتسب مديحًا, أو لكي يهرب من انتقاد الآخرين. وقد يوجد من يفعل الخير وهو متذمر ومتضايق: كمن يقول الصدق ونفسيته متعبة ، وبوده لو يكذب وينجو. وكمن يتصدق على فقير وهو ساخط ، وبوده ألا يدفع.. فهل يسمى كل ذلك خيرًا.. ؟!وكذلك الشخص الرحيم ليس هو الذي أحيانًا يرحم ، أو الذي ظهرت رحمته في حادث معين.. إنما الرحيم هو الذي تتصف حياته كلها بالرحمة. تظهر الرحمة في كل أعماله وفي كل معاملاته ، وفي أقواله ، وفى مشاعره ، حتى في الوقت الذي لا يباشر فيه عمل الرحمة.. وقد يشترك اثنان في تنظيم سياسي وطني ، أحدهما من أجل حب الوطن والتفاني في خدمته ، والآخر من أجل حب الظهور أو حب المناصب.. المهم إذن في الدافع والنية.. فيحب علينا عند فعل الخير أن نحدد مانفعل , ونخلص النية فالأعمال بالنيات ولكل امرئ مانوى " حيث قال صل الله عليه وسلم في الحديث ..." موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

حقيقة العمل الصالح :

الخير ليس عمل شخصي أو محدد بوقت , إنما هو حياة وذلك عندما يقوم به الإنسان من خلال اقتناع داخلي بقيمة الثواب والأجر الذي يترتب عليه , مع إرادة مثابرة مجاهدة في عمل الخير وتنفيذه.. هو حب صادق للفضيلة، مع حياة فاضلة. الخير هو شهوة في القلب لعمل الصلاح تعبر عن ذاتها وعن وجودها بأعمال صالحة وليس هو مجرد روتين إلى للعمل الصالح..! وما لم يصل الإنسان إلى محبة الخير، والتعلق به ، والحماس لأجله ، والجهاد لتحقيقه ، فهو ما يزال في درجة المبتدئين ، ولم يصل بعد لغاية ، مهما عمل أعمالًا صالحة..! قال تعالى :" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلتحيينه حياة طيبة ولتجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " سورة النحل الآية 97 ـ " موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الإسلام يدعوا إلى التوزن في عمل البر والخير :

عندما يقوم المسلم بفعل البر والخير فإنه يقيم في حياته توازنا بين فضائله ، فلا تكون واحدة على حساب الأخرى , إن خدمته مثلا للمجتمع ، لا تطغى على اهتمامه بأسرته. ونشاطه لا يطغى على أمانته لعمله. بل إن صلاته وعبادته ، لا يصح أن تفقده الأمانة تجاه باقي مسئولياته , إن الفضيلة التي تفقدك فضيلة أخري ، ليست هي فضيلة كاملة أو خيرة.. إنما الفضائل تتعاون معًا.. بل تتداخل في بعضها البعض..
ومما يجب علينا أن نتعلمه عند فعل الخير , وعمل الصالحات أن هناك أولويات
يجب أن نقدم وتؤخر ما فيه مصلحة للفرد والمجتمع وذلك فيما يتعلق بحقوق الآخرين وحقنا نحن وهذا يتمثل في فعل الإمام على رضي الله عنه عندما قال :" لأن أجمع نفرٌ من إخواني على صاع أو صاعين من طعام خيرٌ , من أذهب إلي السوق فأعتق رقبة "

وعلي رضي الله عنه يعني بذلك يعتق عبدا من سيده ويجعله حراً فهو ينظر للمصلحة العامة عند خدمته للمجتمع , لأن العبد يأكل في مال سيده والفقير لا مال له فهو اقرب للحاجة , وهذا يُقاس في كل عمل نقوم به أن نقدم الأهم فالمهم , وكذلك نتعلم من الله سبحانه تبارك اسمه: أن عدله سبحانه مثلاً لا يمكن أن يتعارض مع رحمته ، بل لا ينفصل عنها. فهو العدل الرحيم ، والرحيم العادل. فعدل الله مملوء رحمة ، فليس من جهة الفصل نتكلم ، إنما من جهة التفاصيل ، لكي تفهم عقولنا القاصرة فتدرك حكمته سبحانه وتعالى عند حكمنا على الأمور والأشياء وفى الحديث روى عن رسول الله صل الله عليه وسلم :" تخلقوا بأخلاق الله " .. موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أولويات العمل الصالح :

كان الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم من السلف الصالح يُقدمون من الأعمال الصالحة الأهم فالمهم , ويجمعون في ذلك بين العقل والعاطفة , وهذا هو قمة التقرب بالطاعة والعبادة لله رب العلمين , وهذا هو الإمام علىَّ رضي الله عنه يقول :" لأن أجمع نفر من أخواني على صاع أو صاعين من طعام خير لهم من أن أخرج إلى سوقكم فأعتق رقبة " ومعناه : إن جمع الفقراء على الطعام وإشباعهم في ميزان العمل الصالح عند الله تعالى أفضل من عتق عبد من عند سيده وجعله حراً لماذا ؟ لأن العبد يأكل في مال سيده , والفقراء محتاجون , ولو أعتقه لزاد الفقراء واحداً وهكذا يجب على كل مسلم ومسلمة عند القيام بالأعمال الصالحة من غير الفرائض والواجبات وأن ينظرا أيهما أنفع لنفسه وغيره , ليكون سببا في سعادة الآخرين وإدخال السرور عليهم , كما هو واضح في قصة سيدنا عبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه , ومن كان كذلك نال رضا الله ومغفرته وجنته وثوابه . وفق الله الجميع لكل خير وإليك القصة .

كان عبد الله بن المبارك رضي الله عنه ـ يحج عاماً ويغزو في سبيل الله عاماً آخر، وفي العام الذي أراد فيه الحج.. خرج ليلة ليودع أصحابه قبل سفره.. وفي الطريق وجد منظراً ارتعدت له أوصاله. واهتزت له أعصابه!!.وجد سيدة في الظلام تنحني على كومة أوساخ وتلتقط منها دجاجة ميتة.. تضعها تحت ذراعها.. وتنطلق في الخفاء.. فنادى عليها وقال لها: ماذا تفعلين يا أمة الله؟ فقالت له: يا عبد الله – اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون، فقال لها ابن المبارك: ناشدتك الله أن تخبريني بأمرك.. فقالت المرأة له: أما وقد أقسمت عليّ بالله.. فلأخبرنَّك:فأجابته دموعها قبل كلماتها : إن الله قد أحل لنا الميتة..أنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات غيب راعيهم الموت واشتدت بنا الحال ونفد مني المال وطرقت أبواب الناس فلم أجد للناس قلوبا رحيمة فخرجت ألتمس عشاء لبناتي اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الميتة .. أفمجادلني أنت فيها؟

وهنا تفيض عينا ابن المبارك من الدمع وقال لها: خذي هذه الأمانة وأعطاها المال كله الذي كان ينوي به الحج.. وأخذتها أم اليتامى، ورجعت شاكرة إلى بناتها. وعاد ابن المبارك إلى بيته، وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة الحج، ثم عادوا، وكلهم شكر لعبد الله ابن المبارك على الخدمات التي قدمها لهم في الحج.يقولون: رحمك الله يا ابن المبارك ما جلسنا مجلسا إلا أعطيتنا مما أعطاك الله من العلم ولا رأينا خيرا منك في تعبدك لربك في الحج هذا العام فعجب ابن المبارك من قولهم، واحتار في أمره وأمرهم، فهو لم يفارق البلد، ولكنه لايريد أن يفصح عن سر هو في المنام يرى رجلا يشرق النور من وجهه يقول له: السلام عليك يا عبد الله ألست تدري من أنا؟ أنا محمد رسول الله أنا حبيبك في الدنيا وشفيعك في الآخرة جزاك الله عن أمتي خيرا يا عبد الله بن المبارك، لقد أكرمك الله كما أكرمت أم اليتامى.. وسترك كما سترت اليتامى ، إن الله – سبحانه وتعالى – خلق ملكاً على صورتك.. كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج.. وإن الله تعالى كتب لكل حاج ثواب حجة وكتب لك أنت ثواب سبعين حجة. ولا حرج على فضل الله تعالى يؤت الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا . " . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم